بسم الله الرحمن الرحيم
خبر الواحد العدل لا يفيد اليقين الجازم، وإنما يفيد الظن الغالب، وعلى هذا تواطأت كلمات الأئمة منذ عصر الصحابة وحتى يومنا هذا، والمسألة في حقيقتها تدخل في أبواب البدهيات التي لا يمكن لعاقل أن يكابر بإنكارها.
ولذلك يجب رد خبر الواحد إذا تعارض مع آية قرآنية أو أصل شرعي أو قاعدة عقلية أو خبر متواتر، وذلك لأن ثبوت هذه الأمور يقيني، واليقيني أولى بالتقديم من الظن الغالب، كما لا يصح قبول خبر الآحاد إذا تعارض مع خبر آحاد أقوى منه، لأن الظن الغالب له مراتب يجب تقديم الأقوى منها، وأما خبر الواحد الذي لا يخالف شيئا من هذه المذكورات فإن العمل به واجب في مسائل الأحكام وفروع العقيدة.
وقد تظافرت الأخبار عن الصحابة الأخيار بأن خبر الآحاد لا يفيد اليقين، وكل خبر من هذه الأخبار هو خبر آحاد بنفسه، فلو كان خبر الآحاد بمفرده يفيد اليقين لأصبح اليقين يفيد عدم اليقين، وكفى بهذا إبطالا له، ولو لم يرد في هذا الباب إلا خبر ذي اليدين الذي رواه البخاري ومسلم في السهو في الصلاة لكفى، فقد جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العصر فسلم من ركعتين، فقام ذو اليدين، فقال: أقصرت الصلاة أم نسيت يا رسول الله؟ فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الناس، فقال: أصدق ذو اليدين؟ فقالوا: نعم، فأتم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بقي من الصلاة، ثم سجد سجدتين وهو جالس بعد التسليم، ولو كان خبر الآحاد يفيد اليقين لقبل النبي صلى الله عليه وسلم خبر ذي اليدين ولما احتاج لسؤال الناس كي يصدقوا قوله.
وفيما يلي سرد لأقوال ٢٨٠ من علماء الإسلام من كافة الطبقات والمذاهب والمدارس الفكرية المصرحة بأن خبر الآحاد لا يفيد اليقين، وعُشْر هذه الأقوال كاف لحسم هذه المسألة، والجدال في الضروريات ضرب من العبث، ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور.
وأول هذه الأقوال وأجدرها هو أقوال الصحابة رضوان الله عليهم تجاه خبر الواحد الذي يرويه الصحابي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأن هذا الخبر يقع في أعلى درجات الصحة، حيث يتكون الإسناد من راو واحد فقط، وهذا الراوي في أعلى درجات العدالة والوثاقة، كما أن الاتصال ثابت لا يعتريه شك، فمن ذلك:
[١] أبو بكر الصديق (ت١٣هـ)
عن قبيصة بن ذؤيب قال: جاءت الجدة إلى أبي بكر فسألته ميراثها، فقال: مالك في كتاب الله شيء، وما علمت لك في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا، فارجعي حتى أسأل الناس، فسأل الناس، فقال المغيرة بن شعبة: حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاها السدس، فقال: هل معك غيرك؟ فقام محمد بن مسلمة الأنصاري فقال مثلما قال المغيرة بن شعبة، فأنفذه لها أبو بكر. رواه الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجة والترمذي وصححه.
[٢] عمر بن الخطاب (ت٢٣هـ)
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: سمعت هشام بن حكيم بن حزام يقرأ سورة الفرقان على غير ما أقرؤها، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرأنيها، فكدت أن أعجل عليه ثم أمهلته حتى انصرف، ثم لببته بردائه فجئت به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله، إني سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على غير ما أقرأتنيها، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقرأ، فقرأ القراءة التي سمعته يقرأ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هكذا أنزلت، ثم قال لي: اقرأ، فقرأت، فقال: هكذا أنزلت، ثم قال: إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرؤوا ما تيسر منه، رواه البخاري ومسلم.
وعن عبيد بن عمير أن أبا موسى الأشعري استأذن على عمر ثلاثا، فكأنه وجده مشغولا فرجع، فقال عمر: ألم تسمع صوت عبدالله بن قيس؟ ائذنوا له، فدُعي له فقال: ما حملك على ما صنعت؟ قال: إنا كنا نؤمر بهذا، فقال عمر: لتقيمن على هذا بينة أو لأفعلن، فخرج فانطلق إلى مجلس من الأنصار فقالوا: لا يشهد لك على هذا إلا أصغرنا، فقام أبو سعيد الخدري، فقال: كنا نؤمر بهذا، فقال عمر: خفي علي هذا من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم. رواه البخاري ومسلم.
وقال المغيرة بن شعبة: سأل عمر بن الخطاب عن إملاص المرأة؟ وهي التي يضرب بطنها فتلقي جنينا، فقال: أيكم سمع من النبي صلى الله عليه وسلم فيه شيئا؟ فقلت: أنا، فقال: ما هو؟ قلت: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " فيه غرة، عبد أو أمة "، فقال: لا تبرح حتى تجيئني بالمخرج فيما قلت، فخرجت فوجدت محمد بن مسلمة فجئت به، فشهد معي أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " فيه غرة، عبد أو أمة " رواه البخاري.
[٣] عثمان بن عفان (ت٣٥هـ)
[٤] أبي بن كعب (ت٣٠هـ)
[٥] زر بن حبيش (ت٨١هـ)
عن زر بن حبيش قال: قلت لأبي بن كعب: إن ابن مسعود كان لا يكتب المعوذتين في مصحفه؟ فقال: أشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرني أن جبريل قال له: قل أعوذ برب الفلق، فقلتها، فقال: قل أعوذ برب الناس، فقلتها، فنحن نقول ما قال النبي صلى الله عليه وسلم. رواه أحمد والبخاري، ولم يأخذ عثمان بن عفان ولا أبي بن كعب ولا زر بن حبيش بقول ابن مسعود.
[٦] أم المؤمنين عائشة (ت٥٧هـ)
[٧] عروة بن الزبير (ت٩٤هـ)
[٨] مجاهد بن جبر (ت١٠٤هـ)
عن مجاهد، قال: دخلت أنا وعروة بن الزبير المسجد، فإذا عبدالله بن عمر رضي الله عنهما جالس إلى حجرة عائشة، وإذا ناس يصلون في المسجد صلاة الضحى، قال: فسألناه عن صلاتهم؟ فقال: بدعة، ثم قال له: كم اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: أربعا، إحداهن في رجب، فكرهنا أن نرد عليه، قال: وسمعنا استنان عائشة أم المؤمنين في الحجرة، فقال عروة: يا أماه، يا أم المؤمنين، ألا تسمعين ما يقول أبو عبدالرحمن؟ قالت: ما يقول؟ قال: يقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتمر أربع عمرات، إحداهن في رجب، قالت: يرحم الله أبا عبدالرحمن، ما اعتمر عمرة إلا وهو شاهده، وما اعتمر في رجب قط، رواه البخاري.
[٩] معاوية بن أبي سفيان (ت٦٠هـ)
كان محمد بن جبير بن مطعم يحدث أنه بلغ معاوية - وهم عنده في وفد من قريش - أن عبدالله بن عمرو يحدث أنه سيكون ملك من قحطان، فغضب فقام فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال: أما بعد، فإنه بلغني أن رجالا منكم يحدثون أحاديث ليست في كتاب الله، ولا تؤثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأولئك جهالكم، فإياكم والأماني التي تضل أهلها، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن هذا الأمر في قريش لا يعاديهم أحد إلا كبه الله على وجهه ما أقاموا الدين. رواه البخاري.
[١٠] عبدالله بن عمرو بن العاص (ت٦٥هـ)
قال أبو سعيد الحميري: كان معاذ بن جبل يتحدث بما لم يسمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ويسكت عما سمعوا، فبلغ عبدالله بن عمرو ما يتحدث به فقال: والله ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول هذا، وأوشك معاذ أن يفتنكم في الخلاء، فبلغ ذلك معاذا فلقيه فقال معاذ: يا عبدالله بن عمرو، إن التكذيب بحديثٍ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم نفاق، وإنما إثمه على من قاله. أخرجه ابن ماجه وصححه الألباني.
[١١] ابن عباس (ت٦٨هـ)
سمع ابن عباس عبدالله بن عمر بن الخطاب وهو يقول لعمرو بن عثمان بن عفان في جنازة أخته: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه"، ينهاه بذلك عن البكاء عليها، فقال ابن عباس: قد كان عمر رضي الله عنه يقول ذلك، فلما مات عمر ذكرت ذلك لعائشة، فقالت: رحم الله عمر، والله ما حدث رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه"، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن الله ليزيد الكافر عذابا ببكاء أهله عليه، وقالت: حسبكم القرآن، "ولا تزر وازرة وزر أخرى". رواه البخاري ومسلم.
[١٢] عبدالله بن عمر بن الخطاب (ت٧٣هـ)
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: البيداء التي يكذبون فيها على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله ما أهلّ رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا من عند المسجد من عند الشجرة. رواه البخاري ومسلم.
وإهلال النبي صلى الله عليه وسلم في البيداء والذي كذّبه ابن عمر رواه أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم بات بذي الحليفة حتى أصبح، ثم ركب حتى إذا استوت به على البيداء حمد الله وسبح وكبر، ثم أهلّ بحج وعمرة وأهلّ الناس بهما، رواه البخاري ومسلم.
[١٣] الأسود بن يزيد النخعي (ت٧٥هـ)
عن أبي إسحاق قال: كنت مع الأسود بن يزيد جالسا في المسجد الأعظم ومعنا الشعبي، فحدّث الشعبي بحديث فاطمة بنت قيس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يجعل لها سكنى ولا نفقة، ثم أخذ الأسود كفا من حصى فحصبه به، فقال: ويلك ! تحدث بمثل هذا؟ قال عمر: لا نترك كتاب الله وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم لقول امرأة لا ندري لعلها حفظت أو نسيت، لها السكنى والنفقة، قال الله عز وجل: "لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة". رواه مسلم.
هذا فيما يتعلق بإجماع أهل العصر الأول رضي الله عنهم، وأما من بعدهم من الفقهاء والمحدّثين والأصوليين فإن أقوالهم كثيرة للغاية، وهذا شيء منها:
[١٤] أبو حنيفة (ت١٥٠هـ)
قال السرخسي في المبسوط ج٣ ص٨٠: (فإن جامع أو أكل أو شرب ناسيا، فظن أن ذلك يفطره، فأكل بعد ذلك متعمدا، فعليه القضاء ولا كفارة عليه، لأنه اشتبه عليه ما يشتبه، فإن الأكل مع النسيان يفوت ركن الصوم حقيقة، ولا بقاء للعبادة مع فوات ركنها، فيكون ظنه هذا في موضعه، فصار شبهة في إسقاط الكفارة. قال محمد رحمه الله تعالى: إلا أن يكون بلغه خبر الناسي، فحينئذ عليه القضاء والكفارة، لأن ظنه مدفوع بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: "تم على صومك"، فلا تبقى شبهة، وقد روى الحسن عن أبي حنيفة رحمهما الله تعالى أنه "لا كفارة عليه وإن بلغه الخبر"، لأن خبر الواحد لا يوجب علم اليقين، وإنما يوجب العمل تحسينا للظن بالراوي، فلا تنتفي الشبهة به)، وقال ابن قدامة في روضة الناظر ج١ ص٣٧١-٣٧٢: (فصل في حكم خبر الواحد إذا خالف القياس … وقال أبو حنيفة: إذا خالف الأصول، أو معنى الأصول، لم يُحتج به)، وقال الملا علي القاري في كتاب أدلة معتقد أبي حنيفة ص٦٢: (إلا أن يكون قطعي الدراية لا ظني الرواية، لأنه في باب الاعتقاد لا يُعمل بالظنيات، ولا يكتفى بالآحاد من الأحاديث الواهيات والروايات الوهميات).
[١٥] الإمام مالك (ت١٧٩هـ)
قال ابن القصار المالكي في المقدمة ص٢١٢: (باب القول في خبر الواحد العدل. ومذهب مالك رحمه الله قبول خبر الواحد العدل، وأنه يوجب العمل دون القطع على غيبه، وبه قال جميع الفقهاء)، وقال ابن القصار المالكي في المقدمة ص٢٦٥: (ومذهب مالك رحمه الله أن خبر الواحد إذا اجتمع مع القياس، ولم يمكن استعمالهما جميعا، قُدّم القياس … والحجة له أن خبر الواحد لما جاز عليه النسخ والغلط والسهو والكذب والتخصيص، ولم يجز على القياس من الفساد إلا وجه واحد - وهو أن الأصل معلول بهذه العلة أو لا - صار أقوى من خبر الواحد، فوجب أن يقدم عليه).
[١٦] محمد بن الحسن الشيباني صاحب أبي حنيفة (ت١٨٩هـ)
قال العيني في البناية شرح الهداية ج١ ص٥٧١ في المسح على الخفين: (وفي "النوادر": "من أنكر المسح على الخفين؛ عن الكرخي: يُخاف عليه الكفر".. وعلى قول محمد: "لا يكفر لأنه بمنزلة الآحاد، ومن أنكر خبر الآحاد لا يكفر").
[١٧] الإمام الشافعي (ت٢٠٤هـ)
قال في الرسالة ص٤٦٠: (أما ما كان نص كتاب بين، أو سنة مجتمع عليها، فالعذر فيها مقطوع، ولا يسع الشك في واحد منهما، ومن امتنع من قبوله استتيب، فأما ما كان من سنة من خبر الخاصة الذي يختلف الخبر فيه، فيكون الخبر محتملا للتأويل، وجاء الخبر فيه من طريق الانفراد، فالحجة فيه عندي أن يلزم العالمين حتى لا يكون لهم رد ما كان منصوصا منه، كما يلزمهم أن يقبلوا شهادة العدول، لا أن ذلك إحاطة كما يكون نص الكتاب وخبر العامة عن رسول الله، ولو شك في هذا شاك لم نقل له: تب، وقلنا: ليس لك - إن كنت عالما - أن تشك، كما ليس لك إلا أن تقضي بشهادة الشهود العدول، وإن أمكن فيهم الغلط، ولكن تقضي بذلك على الظاهر من صدقهم، والله ولي ما غاب عنك منهم)، وقال في الرسالة ص٥٩٩: (يُحكم بالكتاب والسنة المجتمع عليها الذي لا اختلاف فيها، فنقول لهذا: حَكَمْنا بالحق في الظاهر والباطن، ويُحكم بالسنة قد رويت من طريق الانفراد لا يجتمع الناس عليها، فنقول: حَكَمْنا بالحق في الظاهر، لأنه قد يمكن الغلط فيمن روى الحديث).
[١٨] إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن علية البصري (ت٢١٨هـ)
قال أبو المظفر السمعاني في قواطع الأدلة ج٢ ص٢٦٦: (وذهبت طائفة إلى منع التعبد بأخبار الآحاد، واختلفوا في المانع من التعبد به، فقال بعضهم: يمنع منه العقل، وذكر بعضهم أنه قول ابن علية والأصم، وقال القاساني من أهل الظاهر والشيعة: منع من التعبد بها الشرع وإن كان جائزا في العقل)، وقال الماوردي في الحاوي الكبير ج٧ ص٥٤٤: (والحكم بالشفعة واجب بالنص والإجماع، إلا من شذ عن الكافة من الأصم وابن عليّة فإنهما أبطلاها ردا للإجماع، ومنعا من خبر الواحد، وتمسكا بظاهر قوله صلى الله عليه وسلم: لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه)، وروى البيهقي في مناقب الشافعي ج١ ص٢١١ مناظرة لابن عليّة مع الشافعي في خبر الواحد، حيث كان ابن علية ينفي حجيته مطلقا، ويقصر الحجية على الإجماع.
[١٩] عيسى بن أبان البصري الحنفي (ت٢٢١هـ)
قال الجصاص في كتاب الفصول في الأصول ج٣ ص٣٥: (ذكر أبو موسى عيسى بن أبان رحمه الله جملة في ترتيب الأخبار وأحكامها في كتابه في الرد على بشر المريسي في الأخبار، وأنا أذكر معانيها مختصرة … ذكر أن الأخبار على ثلاثة أقسام: قسم فيها يحيط العلم بصحته وحقيقة مخبره، وقسم منها يحيط العلم بكذب قائله والمخبر به، وقسم يجوز فيه الصدق والكذب، فأما القسم الأول: فما وقع العلم بمخبره لوروده من جهة التواتر، وامتناع جواز التواطؤ والاتفاق على مخبره)، إلى أن قال: (فأما ما يجوز فيه الصدق والكذب: فخبر الواحد والجماعة التي لا يتواتر بها الخبر، ويجوز عليها التواطؤ، فيجوز في خبرهم الصدق والكذب، فمن كان ظاهره العدالة ونفي التهمة، فخبره مقبول في الأحكام على شرائط سنذكرها، من غير شهادة منا بصدقه ولا القطع على عينه، ومن كان ظاهره الفسق والتهمة بالكذب فخبره غير مقبول).
[٢٠] النظام البصري المعتزلي (ت٢٢١هـ)
قال أبو الحسين البصري في كتاب المعتمد ج٢ ص٩٢ عن خبر الواحد: (باب في أن خبر الواحد لا يقتضي العلم: قال أكثر الناس إنه لا يقتضي العلم، وقال آخرون: يقتضيه، واختلف هؤلاء: فلم يشرط قوم من أهل الظاهر اقتران قرينة بالخبر، وشرط أبو إسحاق النظام في اقتضاء الخبر العلم اقتران قرائن به، وقيل إنه شرط ذلك في التواتر أيضا، ومُثِّل ذلك بأن نُخبر بموت زيد ونسمع في داره الواعية ونرى الجنازة على بابه مع علمنا بأنه ليس في داره مريض سواه).
[٢١] أحمد بن حنبل (ت٢٤١هـ)
قال أبو يعلى الفراء في كتاب العدة في أصول الفقه ج٣ ص٨٩٨: (مسألة: خبر الواحد لا يوجب العلم الضروري. وقد رأيت في كتاب معاني الحديث جمع أبي بكر الأثرم بخط أبي حفص العكبري رواية أبي حفص عمر بن بدر، قال: الأقراء الذي يذهب إليه أحمد بن حنبل رحمه الله أنه إذا طعنت في الحيضة الثالثة فقد برئ منها وبرئت منه، وقال: "إذا جاء الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد صحيح فيه حكم أو فرض عملت بالحكم والفرض ودِنْتُ الله تعالى به، ولا أشهد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك". فقد صرح بأنه لا يقطع به، ورأيت في كتاب الرسالة لأحمد رحمه الله رواية أبي العباس أحمد بن جعفر بن يعقوب الفراسي عنه بخط أحمد بن سعيد الشيحي وسماعه، فقال: "ولا نشهد على أحد من أهل القبلة أنه في النار لذنب عمله، ولا لكبيرة أتاها، إلا أن يكون ذلك في حديث، كما جاء على ما روي، نصدقه ونعلم أنه كما جاء، ولا ننص الشهادة، ولا نشهد على أحد أنه في الجنة بصالح عمله، ولا بخبر أتاه، إلا أن يكون في ذلك حديث، كما جاء على ما روي، ولا ننص الشهادة"، وقوله: "ولا ننص الشهادة" معناه عندي - والله أعلم - لا يقطع على ذلك)، و قال ابن قدامة في روضة الناظر ج١ ص٣٠٢: (اختلفت الرواية عن إمامنا رحمه الله (أي: أحمد بن حنبل) في حصول العلم بخبر الواحد، فروي أنه لا يحصل به، وهو قول الأكثرين والمتأخرين من أصحابنا.. ويحتمل أن يكون خبر الواحد عنده مفيدا للعلم وهو قول جماعة من أصحاب الحديث وأهل الظاهر، قال بعض العلماء إنما يقول أحمد بحصول العلم بخبر الواحد فيما نقله الأئمة الذين حصل الاتفاق على عدالتهم وثقتهم وإتقانهم ونقل من طرق متساوية وتلقته الأمة بالقبول ولم ينكره منهم منكر) .
[٢٢] الحارث المحاسبي (ت٢٤٣هـ)
قال المرداوي في التحبير ج٤ ص١٨٠٨ وما بعدها: (قال ابن مفلح في أصوله: "وذكر جماعة قول الأكثر" يعني أن خبر الواحد لا يفيد العلم ولو مع قرينة، وقاله طائفة من العلماء، قال الحارث المحاسبي في كتاب فهم السنن: "هو قول أكثر أهل الحديث من أهل الرأي والفقه")
[٢٣] الإمام البخاري (ت٢٥٦هـ)
بوّب في صحيحه قائلا: (باب ما جاء في إجازة خبر الواحد الصدوق في الأذان والصلاة والصوم والفرائض والأحكام)، ولم يقل: "والعقائد".
قال ابن حجر في الفتح: (قال الكرماني: ليُعلم أنما هو في العمليات لا في الاعتقاديات)، وقال: (الذي يظهر من تصرف البخاري في كتاب التوحيد أنه يسوق للأحاديث التي وردت في الصفات المقدسة فيدخل كل حديث منها في باب ويؤيده بآية من القرآن للإشارة إلى خروجها عن أخبار الآحاد على طريق التنزل في ترك الاحتجاج بها في الاعتقادات).
[٢٤] أبو بكر الأصم المعتزلي (ت٢٧٩هـ)
قال أبو المظفر السمعاني في قواطع الأدلة ج٢ ص٢٦٦: (وذهبت طائفة إلى منع التعبد بأخبار الآحاد، واختلفوا في المانع من التعبد به، فقال بعضهم: يمنع منه العقل، وذكر بعضهم أنه قول ابن علية والأصم، وقال القاساني من أهل الظاهر والشيعة: منع من التعبد بها الشرع وإن كان جائزا في العقل).
[٢٥] أبو بكر محمد بن إسحاق القاساني (أو القاشاني) الظاهري ثم الشافعي (ت٢٨٠هـ)
قال أبو المظفر السمعاني في قواطع الأدلة ج٢ ص٢٦٦: (وذهبت طائفة إلى منع التعبد بأخبار الآحاد، واختلفوا في المانع من التعبد به، فقال بعضهم: يمنع منه العقل، وذكر بعضهم أنه قول ابن علية والأصم، وقال القاساني من أهل الظاهر والشيعة: منع من التعبد بها الشرع وإن كان جائزا في العقل).
[٢٦] محمد بن داود الظاهري (ت٢٩٧هـ)
قال علاء الدين البخاري في كشف الأسرار عن أصول فخر الإسلام البزدوي ج٢ ص٣٧٠: (وذهب بعض الناس إلى أن العمل بخبر الواحد لا يجوز أصلا، وهو المراد من قوله "لا يوجب العمل"، ثم منهم من أبى جواز العمل به عقلا مثل الجبائي وجماعة من المتكلمين، ومنهم من منعه سمعا مثل القاشاني وأبي داود والرافضة)، وقال الشوكاني في إرشاد الفحول ص٢٥٢: (وقد ذهب الجمهور إلى وجوب العمل بخبر الواحد، وأنه قد وقع التعبد به، وقال القاساني والرافضة وابن داود: لا يجب العمل به).
[٢٧] هشام بن عمرو الفوطي المعتزلي (توفي في القرن الثالث)
قال الشوكاني في إرشاد الفحول ص٢٥١ : (وحكى الجويني في شرح الرسالة عن هشام والنظام أنه لا يُقبل خبر الواحد إلا بعد قرينة تنضم إليه، وهو علم الضرورة) .
[٢٨] عبدالرحيم بن محمد بن عثمان أبو الحسين الخياط المعتزلي (ت٣٠٠هـ)
له كتاب بعنوان: الرد عن من أثبت خبر الواحد، ذكره ابن النديم.
[٢٩] أبو علي الجبائي المعتزلي (ت٣٠٣هـ)
قال ابن قدامة في روضة الناظر ج١ ص٣٢٨: (وذهب الجبائي إلى أن خبر الواحد إنما يُقبل إذا رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم اثنان، ثم يرويه عن كل واحد منهما اثنان إلى أن يصير في زماننا)، وقال علاء الدين البخاري في كشف الأسرار ج٢ ص٣٧٠ عن أصول فخر الإسلام البزدوي: (وذهب بعض الناس إلى أن العمل بخبر الواحد لا يجوز أصلا، وهو المراد من قوله "لا يوجب العمل"، ثم منهم من أبى جواز العمل به عقلا مثل الجبائي وجماعة من المتكلمين، ومنهم من منعه سمعا مثل القاشاني وأبي داود والرافضة).
[٣٠] عبيد الله بن عبدالصمد بن محمد المهتدي بالله بن الواثق بن المعتصم بن الرشيد العباسي (ت٣٢٣هـ)
عقد الإمام الدارقطني في سننه ج٥ ص٢٧٣ بابا بعنوان: (خبر الواحد يوجب العمل)، ذكر فيه حديث تحريم الخمر، ثم قال: (قال أبو عبدالله، وهو عبيدالله بن عبدالصمد بن المهتدي بالله: هذا يدل على أن خبر الواحد يوجب العمل).
[٣١] أبو بكر محمد بن عبدالله الصيرفي الشافعي (ت٣٣٠هـ)
قال الزركشي في البحر المحيط ج٦ ص١٣٦: (وجزم به أبو بكر الصيرفي، فقال: "خبر الواحد يوجب العمل دون العلم"، وقال: "يعني بالعلم علم الحقيقة لا علم الظاهر"، ونقله عن جمهور العلماء، منهم الشافعي، وقال: "والقائل بأن خبر الواحد يفيد العلم، إن أراد العلم الظاهر فقد أصاب، وإن أراد القطع حتى يتساوى مع التواتر فباطل").
[٣٢] أبو الفرج الليثي المالكي (ت٣٣١هـ)
قال الباجي في إحكام الفصول ص٣٣٠: (قال أبو تمام البصري: "إن مذهب مالك في أخبار الآحاد أنها توجب العمل دون العلم"، وعلى هذا فقهاء الأمصار والآفاق، وبه قال جماعة من أصحابنا، القاضي أبو الحسن (هو ابن القصار)، والقاضي أبو محمد (هو القاضي عبدالوهاب)، والقاضي أبو الفرج (هو الليثي)، والقاضي أبو بكر محمد بن الطيب (هو الباقلاني)، والشيخ أبو بكر الأبهري، وسائر أصحابنا إلا من ذكرناه، وبه قال أصحاب الشافعي وأصحاب أبي حنيفة وعامة العلماء).
[٣٣] أبو منصور الماتريدي الحنفي (ت٣٣٣هـ)
قال في التوحيد ص٧١: (ثم الأخبار التي تنتهي إلينا من الرسل تنتهي على ألسن من يُحتمل منهم الغلط والكذب، إذ ليس معهم دليل الصدق ولا برهان العصمة، فحق مثله النظر فيه، فإن كان مثله مما لا يوجد كذبا قط فهو الخبر الذي من انتهى إليه مثله لزمه حق شهود القول ممن اتضح البرهان على عصمته، وذلك وصف خبر المتواتر من أن كلا منهم - وإن لم يقم دليل على عصمته - فإن الخبر منهم إذا بلغ ذلك الحد ظهر صدقه، وثبتت عصمة مثله عن الكذب.. وإن احتمل خطأ كلّ على الانفراد والغلط، فإنهم لم يتفقوا إلا بمن يوفّقهم لذلك ليظهر حقه.. وخبر آخر لا يبلغ هذا القدر في إيجاب العلم والشهادة بأنه الحق عن نبي الرحمة، فيجب العمل به والترك بالاجتهاد والنظر في أحوال الرواة، والظاهر مما ظهر حكمه وجوازه في السمع الذي قد أحيط، ثم يعمل بما يغلب عليه الوجه وإن احتمل الغلط، إذ ربما يعمل به في علم الحس الذي هو أرفع طرق العلم بضعف الحواس أو ببعد المحسوس ولطفه)، وقال في تفسيره في تفسير آية (فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة) ج٥ ص٥١١: (وفيه دلالة لزوم العمل بخبر الآحاد وإن احتمل الغلط، لأن ما ذكر من الطائفة يحتمل أن يجتمعوا على ذلك كذبا أو غلطا، ثم ألزم قومهم قبول خبرهم وإن احتمل الغلط والكذب).
[٣٤] أبو الحسن الكرخي الحنفي (ت٣٤٠هـ)
قال في أصوله (مطبوع مع تأسيس النظر للدبوسي) ص١٦٦ : (الأصل أنه يفرّق بين العلم إذا ثبت ظاهرا، وبينه إذا ثبت يقينا)، قال النسفي شارحا له: (من مسائله: إن ما عُلم يقينا يجب العمل به واعتقاده، وما ثبت ظاهرا وجب العمل به ولم يجب اعتقاده)، وقال العلاء الأسمندي في بذل النظر ج١ ص٣٨٣: (إذا أخبر الواحد خبرا وأجمعت الأمة على العمل بموجبه وحكمت بصحته فإنه يدل على أن النبي عليه السلام قال ذلك، لأنه لا يجوز أن تجتمع الأمة على الخطأ، وأما إن عمل بموجبه ولم يحكم بصحته، ذهب جماعة من المتكلمين أنه يقطع على أن النبي عليه السلام قد قال ذلك، وهو قول الشيخ أبي الحسن الكرخي رحمه الله).
[٣٥] نظام الدين الشاشي الحنفي (ت٣٤٤هـ)
قال في أصوله ص١٧٠ : (ولهذا المعنى صار الخبر على ثلاثة أقسام : قسم صح من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وثبت منه بلا شبهة، وهو المتواتر، وقسم فيه ضرب الشبهة، وهو المشهور، وقسم فيه احتمال وشبهة، وهو الآحاد، فالمتواتر : ما نقله جماعة عن جماعة لا يتصور توافقهم على الكذب لكثرتهم، واتصل بك هكذا .. والمشهور : ما كان أوله كالآحاد، ثم اشتهر في العصر الثاني والثالث وتلقته الأمة بالقبول، فصار كالمتواتر حتى اتصل بك .. ثم المتواتر يوجب العلم القطعي، ويكون رده كفرا، والمشهور :يوجب علم الطمأنينة، ويكون رده بدعة، ولا خلاف بين العلماء في لزوم العمل بهما، وإنما الكلام في الآحاد، فنقول : خبر الواحد هو ما نقله واحد عن واحد، أو واحد عن جماعة، أو جماعة عن واحد، ولا عبرة للعدد إذا لم تبلغ حد المشهور، وهو يوجب العمل به في الأحكام الشرعية) .
[٣٦] أبو بكر القفال الشاشي الشافعي (ت٣٦٥هـ)
قال الزركشي في البحر المحيط ج٦ ص١٣٦ عن خبر الواحد: (وحكى صاحب المصادر عن أبي بكر القفال أنه يوجب العلم الظاهر، وكأن مراده غالب الظن، وإلا فالعلم لا يتفاوت).
[٣٧] أبو بكر الجصاص الحنفي (ت٣٧٣هـ)
قال في أحكام القرآن في تفسير آية (إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا) ج٥ ص٢٧٩: (وفي هذه الآية دلالة على أن خبر الواحد لا يوجب العلم، إذ لو كان يوجب العلم بحال لما احتيج فيه إلى التثبت، ومن الناس من يحتج به في جواز قبول خبر الواحد العدل، ويجعل تخصيصه الفاسق بالتثبت في خبره دليلا على أن التثبت في خبر العدل غير جائز، وهذا غلط، لأن تخصيص الشيء بالذكر لا يدل على أن ما عداه فحكمه بخلافه)، وقال في تفسير أول سورة الأعراف ج٤ ص٢٠١: (وقوله "اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم" دليل على وجوب اتباع القرآن في كل حال، وأنه غير جائز الاعتراض على حكمه بأخبار الآحاد، لأن الأمر باتباعه قد ثبت بنص التنزيل، وقبول خبر الواحد غير ثابت بنص التنزيل، فغير جائز تركه، لأن لزوم اتباع القرآن قد ثبت من طريق يوجب العلم، وخبر الواحد يوجب العمل، فلا يجوز تركه ولا الاعتراض به عليه، وهذا يدل على صحة قول أصحابنا في أن قول من خالف القرآن في أخبار الآحاد غير مقبول، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ما جاءكم مني فاعرضوه على كتاب الله، فما وافق كتاب الله فهو عني، وما خالف كتاب الله فليس عني).
[٣٨] أبو بكر الأبهري المالكي (ت٣٧٥هـ)
قال الباجي في إحكام الفصول ص٣٣٠: (قال أبو تمام البصري: "إن مذهب مالك في أخبار الآحاد أنها توجب العمل دون العلم"، وعلى هذا فقهاء الأمصار والآفاق، وبه قال جماعة من أصحابنا، القاضي أبو الحسن (هو ابن القصار)، والقاضي أبو محمد (هو القاضي عبدالوهاب)، والقاضي أبو الفرج (هو الليثي)، والقاضي أبو بكر محمد بن الطيب (هو الباقلاني)، والشيخ أبو بكر الأبهري، وسائر أصحابنا إلا من ذكرناه، وبه قال أصحاب الشافعي وأصحاب أبي حنيفة وعامة العلماء).
[٣٩] الإمام الدارقطني الشافعي (ت٣٨٥هـ)
عقد في سننه ج٥ ص٢٧٣ بابا بعنوان: (خبر الواحد يوجب العمل).
[٤٠] أبو سليمان الخطابي البستي الشافعي (ت٣٨٨هـ)
قال الإمام البيهقي في الأسماء والصفات ج٢ ص١٦٨ في تعليقه على حديث حمل السماوات على أصبع: (ذهب أبو سليمان الخطابي رحمه الله إلى أن الأصل في هذا وما أشبهه في إثبات الصفات أنه لا يجوز ذلك إلا أن يكون بكتاب ناطق أو خبر مقطوع بصحته، فإن لم يكونا فيما يثبت من أخبار الآحاد المستندة إلى أصل في الكتاب أو في السنة المقطوع بصحتها أو بموافقة معانيها، وما كان بخلاف ذلك فالتوقف عن إطلاق الاسم به هو الواجب.. وذِكْر الأصابع لم يوجد في شيء من الكتاب ولا من السنة التي شرطها في الثبوت ما وصفناه).
[٤١] ابن القصار المالكي (ت٣٩٧هـ)
قال في المقدمة في أصول الفقه ص٢١٢: (باب القول في خبر الواحد العدل. ومذهب مالك رحمه الله قبول خبر الواحد العدل، وأنه يوجب العمل دون القطع على غيبه (عينه)، وبه قال جميع الفقهاء … وإنما لم يقطع على غيبه (عينه) لأن العلم لا يحصل من جهته، إذ لو كان يحصل من جهته لوجب أن يستوي فيه كل من سمعه، كما يستوي في العلم بخبر التواتر، فلما كنا نجد أنفسنا غير عالمين بصحة خبره دل على أنه لا يقطع على مغيّبه، وأنه بخلاف خبر المتواتر، وصار خبر الواحد بمنزلة الشاهد الذي أُمرنا بقبول شهادته، وإن كنا لا نقطع على صدقه).، وقال في المقدمة ص٢٦٥: (ومذهب مالك رحمه الله أن خبر الواحد إذا اجتمع مع القياس، ولم يمكن استعمالهما جميعا، قُدم القياس … والحجة له أن خبر الواحد لما جاز عليه النسخ والغلط والسهو والكذب والتخصيص، ولم يجز على القياس من الفساد إلا وجه واحد - وهو أن الأصل معلول بهذه العلة أو لا - صار أقوى من خبر الواحد، فوجب أن يقدم عليه).
[٤٢] أبو الحسن علي بن أحمد السهيلي الإسفرائيني الشافعي (توفي قرابة ٤٠٠هـ)
قال الزركشي في البحر المحيط ج٤ ص٢٦٣ عن خبر الواحد: (وحكى أبو الحسن السهيلي من أصحابنا في كتاب أدب الجدل له قولا غريبا، أنه يوجب العلم بشرط أن يكون في إسناده إمام مثل مالك وأحمد وسفيان، وإلا فلا يوجبه).
[٤٣] ابن اللبان الفرضي الشافعي (ت٤٠٢هـ)
قال الشوكاني في إرشاد الفحول ج١ ص٢٥١ : (وحكى الجويني في شرح الرسالة عن هشام والنظام أنه لا يقبل خبر الواحد إلا بعد قرينة تنضم إليه، وهو علم الضرورة، بأن يخلق الله في قلبه ضرورة الصدق . قال : وإليه ذهب أبو الحسين بن اللبان الفرضي) .
[٤٤] الإمام الباقلاني المالكي (٤٠٣هـ)
قال في تمهيد الأوائل ص٤٤١: (غير أن الفقهاء والمتكلمين قد تواضعوا على تسمية كل خبر قصر عن إيجاب العلم بأنه خبر واحد، وسواء رواه الواحد أو الجماعة التي تزيد على الواحد، وهذا الخبر لا يوجب العلم)، وقال في التقريب والإرشاد ج٣ ص٥٥: (النقل عنهم ضربان: تواتر يوجب العلم ويقطع العذر، وآحاد لا يوجب العلم بضرورة ولا دليل)، وقال في التقريب والإرشاد ج٣ ص١٨٠: (فإن كان الخبر الخاص من أخبار الآحاد التي لم يعلم صحتها ضرورة، ولا بدليل من إجماع أو غيره، وجب أن يقول: إنه مخصوص للعام في حق من رأى العمل بذلك الخبر دون من لم يره من العلماء … وكذلك إن أجمعت الأمة على العمل به لا يدل على صدق راويه وصحته، كما أن إجماعها على العمل بالشهادة التي ظاهرها العدالة - لموضع التعبد بذلك - لا يدل على صدقها وصحتها).
[٤٥] ابن فورك الأصبهاني الشافعي (ت٤٠٦هـ)
قال في مشكل الحديث ص٤٩٨: (فإن قيل: فإذا لم يكن خبر الواحد موجباً للاعتقاد والقطع، وليس في هذه الأخبار عمل، فيقتضى ذلك منها بحسبه، فعلى ماذا تحملونه؟ قيل: إنها وإن لم تكن موجبة للقطع مقتضية للعلم، فإنها مجوَّزة مغلبة، وقد يفيد الخبر التجويز من جهة إطلاق اللفظ، وقد يفيد ذلك من طريق القطع والاعتقاد، فإذا كان طريقه تواترا أو إجماعا ظاهرا أو كتابا ناطقا، فإنه يقتضي الاعتقاد والقطع بحسبه، وإن كان ذلك مستندا إلى أخبار آحاد عدول ثقات كان الحكم بها على الظاهر واجبا من طريق التجويز ورفع الإحالة، وإن لم يكن فيها القطع والاعتقاد)، وقال في مشكل الحديث ص٤٤: (وأما ما كان من نوع الآحاد مما صحت الحجة به من طريق وثاقة النقلة وعدالة الرواة واتصال نقلهم، فإن ذلك - وإن لم يوجب العلم والقطع - فإنه يقتضي غالب ظن وتجويز حكم حتى يصح أن يُحكم أنه من باب الجائز الممكن دون المستحيل الممتنع).
[٤٦] القاضي عبدالجبار المعتزلي (ت٤١٥هـ)
قال في شرح الأصول الخمسة ص٧٦٨: (وجملة القول في ذلك أن الأخبار لا تخلو إما أن يُعلم صدقها، أو يُعلم كذبها، أو لا يُعلم صدقها ولا يعلم كذبها، والقسم الأول ينقسم إلى ما يُعلم صدقه اضطرارا، وإلى ما يُعلم اكتسابا. ما يُعلم صدقه اضطرارا فكالأخبار المتواترة، نحو الخبر عن البلدان والملوك وما يجري هذا المجرى) إلى أن قال: (وأما ما لا يُعلم كونه صدقا ولا كذبا فهو كأخبار الآحاد، وما هذه سبيله يجوز العمل به إذا ورد بشرائطه، فأما قبوله فيما طريقه الاعتقادات فلا، وفي هذه الجملة أيضا خلاف، فإن في الناس من يجوّز ورود التعبد بخبر الواحد، وفيهم من ينكر ثبوت التعبد به)، وقال في المغني في أبواب التوحيد والعدل ج٤ ص٢١٥: (إن جميع ما رووه وذكروه أخبار آحاد، ولا يجوز قبول ذلك فيما طريقُه العلم، لأن كل واحد من المخبرين يجوز عليه الغلط فيما يخبر به، ويصح كونه كاذبا فيه، ولا يجوز أن ندين ونقطع على الشيء من وجه يجوز الغلط فيه، لأنا لا نأمن بالإقدام على اعتقاده من أن يكون جهلا، ولا نأمن من أن تكون أخبارنا عنه كذبا، وإنما يُعمل بأخبار الآحاد في فروع الدين، وما يصح أن يتبع العمل به غالب الظن، فأما ما عداه فإن قبوله فيه لا يصح، ولذلك لا يُرجع إليه في معرفة التوحيد والعدل وسائر أصول الدين، وذلك يبطل تعلقهم بهذه الأخبار ولو كانت صحيحة السند سليمة من الطعن في الرواة، فكيف وقد طعن أهل العلم في رواتها، وذكروا من حالهم ما يمنع من الرجوع إلى خبرهم؟).
[٤٧] أبو إسحاق الإسفرائيني الشافعي (ت٤١٨هـ)
قال الجويني في البرهان ج١ ص٥٨٥: (وذكر الأستاذ أبو إسحاق رحمه الله قسما آخر بين التواتر والمنقول آحادا، وسماه المستفيض، وزعم أنه يقتضي العلم نظرا، والمتواتر يقتضيه ضرورة، ومثّل المستفيض بما يتفق عليه أئمة الحديث)، وقال الحافظ ابن حجر في نزهة النظر في نص طويل نفيس ص٥٥-٦٣: (وممن صرح بإفادة ما خرجه الشيخان العلم النظري: الأستاذ أبو إسحاق الإسفرائيني)، وقال السفاريني في لوائح الأنوار السنية ج١ ص١٧: (وأما الآحاد فهو ما عدا المتواتر، فدخل مستفيض مشهور، وهو ما زاد نقلته على ثلاثة عدول، وعزيز وهو ما لا تنقص نقلته عن عدلين، وخبر الآحاد إن كان مستفيضا مشهورا أفاد علما نظريا كما نقله العلامة ابن مفلح وغيره عن أبي إسحاق الإسفرائيني وابن فورك، وقيل: يفيد القطع)، وقال ابن حجر في نص طويل نفيس في نزهة النظر ص٥٥-٦٣: (وممن صرح بإفادة ما خرجه الشيخان العلم النظري: الأستاذ أبو إسحاق الإسفرائيني).
[٤٨] القاضي عبدالوهاب الثعلبي المالكي (ت٤٢٢هـ)
قال في المعونة ص١٧٤٦ عن عمل الصحابة: (إذا روي خبر من أخبار الآحاد في مقابلة عملهم المتصل وجب اطراحه والمصير إلى عملهم، لأن هذا العمل طريقه طريق النقل المتواتر، فكان إذن أولى من خبر الآحاد.. وحمل ذلك على غلط راويه أو نسخه أو غير ذلك مما يجب اطراحه لأجله)، وقال في كتاب الإشراف على نكت مسائل الخلاف ج١ ص٢٣٣: (٢٢٥-مسألة: "بسم الله الرحمن الرحيم" ليست من الفاتحة ولا من أول كل سورة خلافا للشافعي، لأنه لا طريق إلى إثبات القرآن إلا بنقل متواتر يوجب العلم ويقطع العذر، أو بإجماع الأمة، ولا يثبت بنقل آحاد ولا بقياس ولا ما يؤدي إلى غلبة الظن، وليس هاهنا إجماع ولا نقل تقوم الحجة به فلم يجز إثباتها من الفاتحة)، وقال الزركشي في البحر المحيط ج٤ ص٢٦٤ عن خبر الواحد: (وحكى عبدالوهاب في الملخص أنه هل يفيد العلم الظاهر أم لا؟ ثم قال: إنه خلاف لفظي، لأنه مرادهم أنه يوجب غلبة الظن، فصار الخلاف في أنه هل يسمى علما أم لا؟).
[٤٩] ابن شهاب العكبري الحنبلي (ت٤٢٨هـ)
قال في أصول الفقه ج١ ص١١٩: (والتواتر ما وقع عقبيّه ضرورةً العلم، وهو ما لا ينحصر بعدد، والآحاد ما قصر عن التواتر).
[٥٠] أبو منصور عبدالقاهر البغدادي الشافعي (ت٤٢٩هـ)
قال في أصول الدين ص١٢: (والأخبار عندنا على ثلاثة أقسام: تواتر وآحاد ومتوسط بينهما مستفيض جار مجرى التواتر في بعض أحكامه، فالمتواتر هو الذي يستحيل التواطؤ على وضعه، وهو موجب للعلم الضروري بصحة مخبره، وأخبار الآحاد متى صح إسنادها وكانت متونها غير مستحيلة في العقل كانت موجبة للعمل بها دون العلم، وكانت بمنزلة شهادة العدول عند الحاكم، يلزمه الحكم بها في الظاهر وإن لم يعلم صدقهم في الشهادة، وأما المتوسط بين التواتر والآحاد فإنه شارك التواتر في إيجابه للعلم والعمل،وفارقه من حيث إن العلم الواقع عنه يكون مكتسبا، والعلم الواقع عن التواتر ضروري غير مكتسب، وهذا النوع المستفيض المتوسط بين التواتر والآحاد على أقسام: أحدها خبر من دلت المعجزة على صدقه كأخبار الأنبياء عليهم السلام، والثاني: خبر من أخبر عن صدقه صاحب معجزة، والثالث: خبر رواه في الأصل قوم ثقات، ثم انتشر بعدهم رواته في الأعصار حتى بلغوا حد التواتر، وإن كانوا في العصر الأول محصورين، كالأخبار في الرؤية والشفاعة والحوض والميزان والرجم والمسح على الخفين وعذاب القبر ونحوه، والقسم الرابع منه: خبر من أخبار الآحاد في الأحكام الشرعية في كل عصر قد أجمعت الأمة على الحكم به، كالخبر في أن لا وصية لوارث)، وقال في كتاب الفرق بين الفرق ص٢٨١ : (وأما أخبار الآحاد فمتى صح إسنادها وكانت متونها غير مستحيلة في العقل كانت موجبة للعمل بها دون العلم، وكانت بمنزلة شهادة العدول عند الحاكم في أن يلزم الحكم بها في الظاهر وان لم يعلم صدقهم في الشهادة، وبهذا النوع من الخبر أثبت الفقهاء أكثر فروع الأحكام الشرعية في العبادات والمعاملات وسائر أبواب الحلال والحرام، وضللوا من أسقط وجوب العمل بأخبار الآحاد في الجملة) .
[٥١] أبو زيد الدبوسي الحنفي (ت٤٣٠هـ)
قال في تأسيس النظر ص١٥٦: (الأصل عند أصحابنا أن خبر الآحاد متى ورد مخالفا لنفس الأصول، مثل ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أوجب الوضوء من مس الذكر، لم يقبل أصحابنا هذا الخبر لأنه ورد مخالفا للأصول)، وقال في تقويم الأدلة ص١٩٧: (فأكثر الأهواء والبدع كانت من قبل العمل بخبر الواحد اعتقاداً أو عملا بلا عرض على الكتاب أو السنة الثابتة، ثم تأويل الكتاب بموافقة خبر الواحد وجعل المتبوع تبعا، وبناء الدين على ما لا يوجب العلم يقينا، فيصير الأساس علما بشبهة فلا يزداد به إلا بدعة، وكان هذا الضرر بالدين أعظم من ضرر من لم يقبل خبر الواحد)، وقال في تقويم الأدلة ص٢١٢: (ويسمى العلم عن الخبر المتواتر: علم يقين، وعن الخبر المشتهر: علم طمأنينة، وعن الخبر الغريب: علم غالب الرأي، وعن الغريب المستنكر: عمل ظن، هذه المراتب أربعة للعلوم ثبتت بمراتب الأخبار، والدليل على ذلك: أن المشتهر لما لم يتصل برسول الله صلى الله عليه وسلم بالتواتر، ولكن بالآحاد، تمكنت الشبهة في الاتصال برسول الله صلى الله عليه وسلم على نحو ما ذكرنا في أخبار اليهود والنصارى والمجوس، إلا أنها اشتهرت في السلف وتواترت، ولم يظهر منهم رد، اطمأنت النفوس إلى قبولها والعمل بها، لأنها شاهدت قرنهم لا من قبلهم، فاطمأنت النفوس إلى ما شاهدت)، إلى أن قال: (إلا أنا أبقينا مع هذا شبهة الآحاد الثابتة في الطرف الأول، فلم نكفر جاحده، وحططنا رتبته عن رتبة التواتر).
[٥٢] أبو تمام البصري المالكي (توفي قرابة ٤٣٠هـ)
قال الباجي في إحكام الفصول ص٣٣٠: (قال أبو تمام البصري: "إن مذهب مالك في أخبار الآحاد أنها توجب العمل دون العلم"، وعلى هذا فقهاء الأمصار والآفاق، وبه قال جماعة من أصحابنا، القاضي أبو الحسن (هو ابن القصار)، والقاضي أبو محمد (هو القاضي عبدالوهاب)، والقاضي أبو الفرج (هو الليثي)، والقاضي أبو بكر محمد بن الطيب (هو الباقلاني)، والشيخ أبو بكر الأبهري، وسائر أصحابنا إلا من ذكرناه، وبه قال أصحاب الشافعي وأصحاب أبي حنيفة وعامة العلماء).
[٥٣] أبو الحسين ابن الطيب البصري المعتزلي (ت٤٣٦هـ)
قال في المعتمد ج٢ ص٩٢: (باب في أن خبر الواحد لا يقتضي العلم: قال أكثر الناس إنه لا يقتضي العلم، وقال آخرون: يقتضيه، واختلف هؤلاء: فلم يشرط قوم من أهل الظاهر اقتران قرينةٍ بالخبر، وشرط أبو إسحاق النظام في اقتضاء الخبر العلم اقتران قرائن به، وقيل إن شرط ذلك في التواتر أيضا، ومثل ذلك بأن نخبر بموت زيد ونسمع في داره الناعية ونرى الجنازة على بابه مع علمنا بأنه ليس في داره مريض سواه وحكي عن قوم أنه يقتضي العلم الظاهر وعنوا بذلك الظن)، إلى أن قال: (والجواب: أن التعبد بخبر الواحد لا يقتضي جواز القول على الله بما لا يعلم، لأنا وإن ظننا صدق الراوي، فإنا نعلم بدليل قاطع وجوب العمل به، وإذا قلنا إن الله تعبدنا بذلك العمل فقد قلنا على الله بما لا نعلم)، ثم قال: (باب: فيما يقبل فيه خبر الواحد وما لا يقبل فيه: اعلم أن الرواية إما تتضمن شرعا عن النبي صلى الله عليه وسلم، أولا تتضمن ذلك، والأول إما أن نكون تُعُبِّدنا فيه بالعلم فلا نقبل فيه خبر الواحد، أو لم نتعبد فيه بالعلم بل بالعمل، فنقبل فيه خبر الواحد إذا تكاملت شرائطه، وسواء كان عبادة مبتدأة أو ركنا من أركانها أو حدا أو ابتداء نصاب، أو تقديرا)، وقال في المعتمد في أصول الفقه ج٢ ص١٥٥: (والدليل على تخصيص القرآن بذلك أن خبر الواحد يقتضي الظن، والعقل يقتضي العمل على الظن في المنافع والمضار، فوجب المصير إليه وإن خص العموم).
[٥٤] الحسين بن علي الصيمري الحنفي (ت٤٣٦هـ)
قال في كتاب مسائل الخلاف في أصول الفقه ص١٤٤: (اتفق الفقهاء والمتكلمون أن خبر الواحد لا يوجب العلم، وقال إبراهيم النظام: خبر الواحد يوجب العلم إذا كان ما أخبر به يعلمه اضطرارا، والدليل على فساد قوله أنه لا جاز وقوع العلم بخبر الواحد إذا أخبر عما علمه ضرورة لجاز وقوع العلم بخبر كل من هذه صفته)، وقال في ص١٤٩: (أما ورود التعبد بقبول خبر الواحد في أصول الدين وبجواز النسخ به فجائز عندنا، وإنما لم يرد السمع به).
[٥٥] أبو الطيب الطبري الشافعي (ت٤٥٠هـ)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى ج١٣ ص٣٥١: (ولهذا كان جمهور أهل العلم من جميع الطوائف على أن خبر الواحد إذا تلقته الأمة بالقبول تصديقا له أو عملا به أنه يوجب العلم، وهذا هو الذي ذكره المصنفون في أصول الفقه.. وأما ابن الباقلاني فهو الذي أنكر ذلك، وتبعه مثل أبي المعالي وأبي حامد وابن عقيل وابن الجوزي وابن الخطيب والآمدي ونحو هؤلاء، والأول هو الذي ذكره الشيخ أبو حامد وأبو الطيب وأبو إسحاق وأمثاله من أئمة الشافعية).
[٥٦] الماوردي الشافعي (ت٤٥٠هـ)
قال في كتاب أعلام النبوة ص١١٥: (وأما أخبار الآحاد فضربان: أحدهما أن يقترن بها ما يوجب العلم بمضمونها، وقد يكون ذلك من خمسة أوجه، أحدها أن يصدقه عليه من يُقطع بصدقه.. والثاني أن تجتمع الأمة على صدقه فيعلم بإجماعهم أنه صادق في خبره، والثالث أن يجمعوا على قبوله والعمل به فيكون دليلا على صدق خبره، والرابع أن يكون الخبر مضافا إلى حال قد شاهدها عدد كثير وسمعوا رواية الخبر فلم ينكروه على المخبر فيدل على صحة الخبر وصدق المخبر، والخامس أن يقترن بالخبر دلائل العقول.. والضرب الثاني أن ينفرد خبر الواحد عن قرينة تدل على صدقه، فهي أمارة توجب عليه الظن ولا تقتضي العلم، يقوى إذا تطاول به الزمان فلم يعارض برد ولا مخالفة، وإن تكرر في معناها ما يوافقها صار جميعها متواترا وإن كان أفرادها آحادا).
[٥٧] أبو يعلى الفراء الحنبلي (ت٤٥٨هـ)
قال في كتاب العدة في أصول الفقه ص٨٩٨: (مسألة: خبر الواحد لا يوجب العلم الضروري. وقد رأيت في كتاب معاني الحديث جمع أبي بكر الأثرم بخط أبي حفص العكبري، رواية أبي حفص عمر بن بدر، قال: الأقراء الذي يذهب إليه أحمد بن حنبل رحمه الله أنه إذا طعنت في الحيضة الثالثة، فقد برئ منها وبرئت منه، وقال: إذا جاء الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد صحيح، فيه حكم أو فرض، عملت بالحكم والفرض، وأدنت الله تعالى به، ولا أشهد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك. فقط صرح القول بأنه لا يقطع به)، إلى أن قال: (وقال في رواية حنبل في أحاديث الرؤية: نؤمن بها، ونعلم أنها حق، فقطع على العلم بها. وذهب إلى ظاهر هذا الكلام جماعة من أصحابنا، وقالوا: خبر الواحد إن كان شرعا أوجب العلم، وهذا عندي محمول على وجه صحيح من كلام أحمد رحمه الله، وأنه يوجب العلم من طريق الاستدلال لا من جهة الضرورة، والاستدلال يوجب العلم من أربعة أوجه، أحدها: أن تتلقاه الأمة بالقبول، فدل ذلك على أنه حق، لأن الأمة لا تجتمع على الخطأ، ولأن قبول الأمة يدل على أن الحجة قد قامت عندهم بصحته، لأن عادة خبر الواحد الذي لم تقم الحجة ألا تجتمع الأمة على قبوله)، ثم ذكر الوجوه الأخرى، ثم قال: (والعلم الواقع عن ذلك كله مكتسب، لأنه واقع عن نظر واستدلال).
[٥٨] الإمام البيهقي الشافعي (ت٤٥٨هـ)
قال في الأسماء والصفات ج٢ ص٢٠١: (عن عبدالله بن عروة بن الزبير أن الزبير بن العوام سمع رجلا يحدث حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم، فاستمع الزبير له حتى إذا قضى الرجل حديثه، قال له الزبير: أنت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال الرجل: نعم، قال: هذا وأشباهه مما يمنعنا أن نحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم، قد لعمري سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا يومئذ حاضر، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم ابتدأ هذا الحديث، فحدثناه عن رجل من أهل الكتاب حدّثه إياه، فجئت أنت يومئذ بعد أن قضى صدر الحديث وذكر الرجل الذي من أهل الكتاب، فظننت أنه من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم)، ثم علق البيهقي على هذا الخبر قائلا: (ولهذا الوجه من الاحتمال ترك أهل النظر من أصحابنا الاحتجاج بأخبار الآحاد في صفات الله تعالى، إذا لم يكن لما انفرد منها أصل في الكتاب أو الإجماع، واشتغلوا بتأويله).
[٥٩] الخطيب البغدادي الشافعي (ت٤٦٣هـ)
قال في الكفاية ص٢٥: (ذكر شبهة من زعم أن خبر الواحد يوجب العلم وإبطالها)، ثم قال في ص٢٦: (وقد ثبت إيجابه تعالى علينا العمل بخبر الواحد وتحريم القطع على أنه صدق أو كذب، فالحكم به معلوم من أمر الدين، وشهادة بما يعلم ويقطع به، ولو كان ما تعلقوا به من ذلك دليلا على صدق خبر الواحد لدل على صدق الشاهدين، أو صدق يمين الطالب للحق، وأوجب القطع بإيمان الإمام والقاضي والمفتي إذ لزمنا المصير إلى أحكامهم وفتواهم، لأنه لا يجوز القول في الدين بغير علم، وهذا عجز ممن تعلق به، فبطل ما قالوه. باب ذكر بعض الدلائل على صحة العمل بخبر الواحد ووجوبه. قد أفردنا لوجوب العمل بخبر الواحد كتابا، ونحن نشير إلى شيء منه في هذا الموضع إذ كان مقتضيا له، فمن أقوى الأدلة على ذلك ما ظهر واشتهر عن الصحابة من العمل بخبر الواحد)، وذكر أمثلة ثم قال: (وعلى العمل بخبر الواحد كان كافة التابعين ومن بعدهم من الفقهاء الخالفين، في سائر أمصار المسلمين إلى وقتنا هذا، ولم يبلغنا عن أحد منهم إنكار ذلك ولا اعتراض عليه، فثبت أن من دين جميعهم وجوبه، إذ لو كان فيهم من كان لا يرى العمل به لنقل إلينا الخبر عنه بمذهبه فيه، والله أعلم)، وقال في الكفاية ص١٦: (وأما خبر الآحاد فهو ما قصر عن صفة التواتر، ولم يقع به العلم، وإن روته الجماعة، والأخبار كلها على ثلاثة أضرب، فضرب منها يُعلم صحته، وضرب منها يُعلم فساده، وضرب منها لا سبيل إلى العلم بكونه على واحد من الأمرين دون الآخر) إلى أن قال: (وأما الضرب الثالث الذي لا يعلم صحته من فساده فإنه يجب الوقف عن القطع بكونه صدقا أو كذبا، وهذا الضرب لا يدخل إلا فيما يجوز أن يكون ويجوز ألا يكون، مثل الأخبار التي ينقلها أصحاب الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أحكام الشرع المختلف فيها، وإنما وجب الوقف فيما هذه حاله من الأخبار لعدم الطريق إلى العلم بكونها صدقا أو كذبا، فلم يكن القضاء بأحد الأمرين فيها أولى من الآخر، إلا أنه يجب العمل بما تضمنت من الأحكام إذا وجد فيها الشرائط التي نذكرها بعد إن شاء الله تعالى)، وقال في الكفاية ص١٩: (وأما خبر الواحد فما تعبدنا فيه بهذا، لأنه ليس يخبرنا عمن يخبرنا عنه بما لا يصح أن نعلمه إلا من جهته، ولا هو خبر عن الله تعالى، ولا نحن مأمورون بالقطع على طهارة سريرته، والعلم بأنه صادق في خبره، بل إنما تعبدنا بالعمل بشهادته دون اعتقاد شيء من هذه الجملة فيه)، وقال في الفقيه والمتفقه: (وأما الضرب الثاني من المسند: فمثل الأخبار المروية في كتب السنن الصحاح، فإنها توجب العمل ولا توجب العلم) ، وقال في الكفاية ص٤٣٢: (باب: ذكر ما يقبل فيه خبر الواحد وما لا يقبل فيه: خبر الواحد لا يقبل في شيء من أبواب الدين المأخوذ على المكلفين العلم بها والقطع عليها، والعلة في ذلك أنه إذا لم يعلم أن الخبر قول للرسول صلى الله عليه وسلم كان أبعد من العلم بمضمونه، فأما ما عدا ذلك من الأحكام التي لم يوجب علينا العلم بأن النبي صلى الله عليه وسلم قررها وأخبر عن الله تعالى بها فإن خبر الواحد فيها مقبول، والعمل به واجب، ويكون ما ورد فيه شرعا لسائر المكلفين أن يعمل به، وذلك نحو ما ورد في الحدود والكفارات والهلال رمضان وشوال وأحكام الطلاق والعتاق والحج والزكوات والمواريث والبياعات والطهارة والصلوات وتحريم المحظورات، ولا يقبل خبر الواحد في منافاة حكم العقل وحكم القرآن الثابت المحكم والسنة المعلومة، والفعل الجاري مجري السنة، وكل دليل مقطوع به، وإنما يقبل به فيما لا يقطع به مما يجوز ورود التعبد به، كالأحكام التي تقدم ذكرنا لها وما أشبهها مما لم نذكره).
[٦٠] ابن عبدالبر المالكي (ت٤٦٣هـ)
قال في التمهيد ج١ ص٧: (واختلف أصحابنا وغيرهم في خبر الواحد العدل: هل يوجب العلم والعمل جميعا؟ أم يوجب العمل دون العلم؟ والذي عليه أكثر أهل العلم منهم أنه يوجب العمل دون العلم، وهو قول الشافعي وجمهور أهل الفقه والنظر، ولا يوجب العلم عندهم إلا ما شُهد به على الله وقُطع العذر بمجيئه قطعا ولا خلاف فيه، وقال قوم كثير من أهل الأثر وبعض أهل النظر: إنه يوجب العلم الظاهر والعمل جميعا، منهم أبو الحسين الكرابيسي وغيره، وذكر ابن خوازبنداذ أن هذا القول يخرج على مذهب مالك)، ثم قال ابن عبدالبر: (الذي نقول به: أنه يوجب العمل دون العلم، كشهادة الشاهدين والأربعة سواء، وعلى ذلك أكثر أهل الفقه والأثر، وكلهم يدين بخبر الواحد العدل في الاعتقادات، ويعادي ويوالي عليها، ويجعلها شرعا ودينا في معتقده، على ذلك جماعة أهل السنة).
[٦١] أبو القاسم القشيري الشافعي (ت٤٦٥هـ)
قال في تفسيره المعروف بلطائف الإشارات في سورة النمل في تفسير قصة الهدهد مع سليمان، قال: (وفي هذا دلالة على أن خبر الواحد لا يوجب العلم، فيجب التوقف فيه على حد التجويز).
[٦٢] أبو الوليد الباجي المالكي (ت٤٧٤هـ)
قال في الإشارات في أصول الفقه المالكي ص٢٦: (ومذهب مالك - رحمه الله - قبول خبر الواحد العدل، وأنه يوجب العمل دون القطع على عينه، وبه قال جميع الفقهاء.. والدليل على وجوب العمل به قوله عز وجل: "يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا".. وإنما لم يقطع على عينه لأن العلم لا يحصل من جهته، إذ لو كان يحصل من جهته العلم لوجب أن يستوي في كل من سمعه كما يستوي في العلم بمخبر خبر التواتر، فلما كنا نجد في أنفسنا غير عالمين بصحة مخبره دل على أنه لا يُقطع على معينه، وأنه بخلاف التواتر، وصار خبر الواحد بمنزلة الشاهد الذي قد أمرنا بقبول شهادته، وإن كنا لا نقطع على صدقه)، وقال في إحكام الفصول ص٣٢٩-٣٣٠: (إذا ثبت ذلك فلا بدّ أن يزيد هذا العدد على أربعة، خلافا لأحمد وابن خويزمنداذ وداود في قولهم: إن خبر الواحد يقع به العلم إذا حقق على بعضهم … والذي عندي أن الغلط إنما دخل على هذه الطائفة من أن العمل بأخبار الآحاد معلوم وجوبه بالقطع واليقين، وأما ما يتضمنه من الأخبار فمظنون، فلم يتميز لنا العلم بوجوب العمل من العلم بصحة الخبر. وقد قال أبو تمام البصري: إن مذهب مالك في أخبار الآحاد أنها توجب العمل دون العلم، وعلى هذا فقهاء الأمصار والآفاق، وبه قال جماعة من أصحابنا: القاضي أبو الحسن، والقاضي أبو محمد، والقاضي أبو الفرج، والقاضي أبو بكر محمد بن الطيب، والشيخ أبو بكر الأبهري، وسائر أصحابنا إلا من ذكرناه. وبه قال أصحاب الشافعي وأصحاب أبي حنيفة وعامة العلماء).
[٦٣] أبو إسحاق الشيرازي الشافعي (ت٤٧٦هـ)
قال في كشف اللمع ج٢ ص٦٠١: (احتج أيضا بأن قال: "لو جاز أن يقبل خبر الواحد في الفروع لجاز في الأصول، مثل التوحيد وإثبات الصفات"، والجواب أن في مسائل الأصول أدلة عقلية موجبة للعلم قاطعة للعذر، فلا حاجة بنا إلى خبر الواحد، وليس كذلك هاهنا فإن العقل لا مجال له فيه، فجاز أخذه بخبر الواحد).
، وقال في التبصرة في أصول الفقه ص٢٩٨: (مسألة ٦: أخبار الآحاد لا توجب العلم، وقال بعض أهل الظاهر: توجب العلم، وقال بعض أصحاب الحديث: فيها ما يوجب العلم كحديث مالك عن نافع عن ابن عمر وما أشبهه.. لنا: هو أنه لو كان خبر الواحد يوجب العلم، لأوجب خبر كل واحد، ولو كان كذلك لوجب أن يقع العلم بخبر من يدعي النبوة، ومن يدعي مالا على غيره، ولما لم يقل هذا أحد دل على أنه ليس فيه ما يوجب العلم، ولأنه لو كان خبر الواحد يوجب العلم، لما اعتبر فيه صفات المخبر من العدالة والإسلام والبلوغ وغير ذلك كما لم يُعتبر فيما فيه خبر متواتر، ولأنه لو كان يوجب العلم، لوجب إذا عارضه خبر متواتر أن يتعارضا، ولما ثبت أن يقدم عليه المتواتر دل على أنه غير موجب للعلم، وأيضا: هو أنه يجوز السهو والخطأ والكذب على الواحد فيما نقله، فلا يجوز أن يقع العلم بخبرهم)، وقال في اللمع في أصول الفقه ص١٩٦: (واعلم أن خبر الواحد: ما انحط عن حد التواتر، وهو ضربان: مسند ومرسل، فأما المرسل فله باب يجيء إن شاء الله تعالى، وأما المسند فضربان: أحدهما يوجب العلم، وهو على أوجه، منها: خبر الله عز وجل وخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم … ومنها خبر الواحد الذي تلقته الأمة بالقبول، فيُقطع بصدقه، سواء عمل الكل به أو عمل به البعض وتأوله البعض، فهذه الأخبار توجب العمل، ويقع العلم بها استدلالا، والثاني: يوجب العمل ولا يوجب العلم، وذلك مثل الأخبار المروية في السنن والصحاح وما أشبهها)، إلى أن قال: (باب بيان ما يُردّ به خبر الواحد. إذا روى الخبر ثقة رُدّ بأمور، أحدها: أن يخالف موجبات العقول، فيُعلم بطلانه، لأن الشرع إنما يرد بمجوّزات العقول، وأما بخلاف العقول فلا. والثاني: أن يخالف نص كتاب أو سنة متواترة، فيُعلم أنه لا أصل له أو منسوخ، والثالث: أن يخالف الإجماع، فيُستدل به على أنه منسوخ أو لا أصل، لأنه لا يجوز أن يكون صحيحا غير منسوخ وتجمع الأمة على خلافه، والرابع: أن ينفرد الواحد برواية ما يجب على الكافة علمه، فيدل ذلك على أنه لا أصل له، لأنه لا يجوز أن يكون له أصل وينفرد هو بعلمه من بين الخلق العظيم، والخامس: أن ينفرد برواية ما جرت العادة أن ينقله أهل التواتر فلا يقبل، لأنه لا يجوز أن ينفرد في مثل هذا بالرواية).
[٦٤] إمام الحرمين أبو المعالي الجويني الشافعي (ت٤٧٨هـ)
قال في التلخيص في أصول الفقه ج٢ ص٤٣٠: فإن قيل: فهلا قلتم إن خبر الواحد يوجب العلم من حيث إنه يوجب العمل؟ فإنا إذا علمنا أنه يوجب العمل فقد أوصلنا إلى ضرب من العلم؟ قلنا: هذا خطأ، فإنا لا نعلم وجوب العمل بخبر الواحد بعين خبر الواحد، وإنما نعرفه بالدلالة القاطعة المقتضية وجوب العمل بخبر الواحد، فلم يحصل العلم بالخبر إذا، وإنما يحصل بالدليل الدال عليه وهو مقطوع به، فاعلم ذلك، فخرج له من هذه أن خبر الواحد لا يقبل في العقليات وأصول العقائد وكل ما يلتمس فيه العلم)، وقال في البرهان في أصول الفقه ج١ ص٥٩٨: (فأما القسم الثالث فهو الذي لا يقطع فيه بالصدق ولا الكذب، وهو الذي نقله الآحاد من غير أن يقترن بالنقل قرينة تقتضي الصدق أو الكذب، على ما سبقت الإشارة إلى القرائن، فهذا الصنف لا يفضي إلى العلم بصدق المخبر، ولا يقطع بكذبه أيضا، ونحن نستعين بالله ونستفتح الآن القول في أخبار الآحاد، والله الموفق للسداد. ما ذهب إليه علماء الشريعة ومفتوها: وجوب العمل عند ورود خبر الواحد على الشرائط التي سنصفها، ثم أطلق الفقهاء القول بأن خبر الواحد لا يوجب العلم ويوجب العمل، وهذا تساهل منهم، والمقطوع به: أنه لا يوجب العلم ولا العمل، فإنه لو ثبت وجوب العمل مقطوعا به لثبت العلم بوجوب العمل، وهذا يؤدي إلى إفضائه إلى نوع من العلم، وذلك بعيد، فإن ما هو مظنون في نفسه يستحيل أن يقتضي علما مبتوتا، فالعمل بخبر الواحد مستند إلى الأدلة التي سنقيمها على وجوب العمل عند خبر الواحد، وهذا تناقض في اللفظ، ولست أشك أن أحدا من المحققين لا ينكر ما ذكرناه) إلى أن قال في ص٦٠٦: (مسألة ٥٤٥ - ذهبت الحشوية من الحنابلة وكتبة الحديث إلى أن خبر الواحد العدل يوجب العلم، وهذا خزي لا يخفى مدركه على ذي لب، فنقول لهؤلاء: أتجوزون أن يزلّ العدل الذي وصفتموه ويخطئ؟ فإن قالوا: لا، كان ذلك بهتا وخرقا لحجاب الهيبة، ولا حاجة إلى مزيد فيه، والقول القريب فيه أنه قد زلّ من الرواة والأثبات جمع لا يُعدّون كثرة، ولو لم يكن الغلط متصورا لما رجع راو عن روايته، والأمر بخلاف ما تخيلتموه)، وقال في الإرشاد ص٢٨١: (فإذا ثبتت هذه المقدمة فيتعيّن على كل معتن بالدين، واثق بعقله، أن ينظر فيما تعلقت به الأدلة السمعية، فإن صادفه غير مستحيل في العقل، وكانت الأدلة السمعية قاطعة في طرقها، لا مجال للاحتمال في ثبوت أصولها ولا في تأويلها، فما هذا سبيله فلا وجه له إلا القطع به، وإن لم تثبت الأدلة السمعية بطرق قاطعة، ولم يكن مضمونها مستحيلا في العقل وثبتت أصولها قطعا، ولكن طريق التأويل يجول فيها، فلا سبيل إلى القطع، لكن المتدين يغلب على ظنه ثبوت ما دل الدليل السمعي على ثبوته، وإن لم يكن قاطعا، وإن كان مضمون الشرع المتصل بنا مخالفا لقضية العقل فهو مردود قطعا بأن الشرع لا يخالف العقل، ولا يتصور في هذا القسم ثبوت سمع قاطع به، ولا خفاء به، فهذه مقدمة السمعيات لا بد من الإحاطة بها).
[٦٥] أبو سعد المتولي النيسابوري الشافعي (ت٤٧٨هـ)
قال في الغنية في أصول الدين ص١٨١: (وإن قالوا: عرفناه بخبر الآحاد، فالخلافة لا تثبت بخبر الواحد، لأن عندنا خبر الواحد لا يوجب العلم).
[٦٦] فخر الإسلام علي بن محمد البزدوي الحنفي (ت٤٨٢هـ)
قال في أصوله المعروف بكنز الوصول إلى علم الأصول ج٢ ص٣٧٠ (مطبوع مع شرحه كشف الأسرار عن أصول فخر الإسلام البزدوي لعلاء الدين البخاري): (باب خبر الواحد، وهو الفصل الثالث من القسم الأول، وهو كل خبر يرويه الواحد والاثنان فصاعدا، ولا عبرة للعدد فيه بعد أن يكون دون المشهور والمتواتر، وهذا يوجب العمل ولا يوجب العلم يقينا عندنا) إلى أن قال: (ألا ترى أن العمل بالقياس صحيح بغالب الرأي وعمل الحكام بالبينات صحيح بلا يقين، فكذلك هذا الخبر من العدل يفيد علما بغالب الرأي، وذلك كاف للعمل، وهذا ضرب علم فيه اضطراب، فكان دون علم الطمأنينة، وأما دعوى علم اليقين به فباطل بلا شبهة، لأن العيان يرده، من قبل أنا قد بينا أن المشهور لا يوجب علم اليقين، فهذا أولى، ولأن خبر الواحد محتمل لا محالة، ولا يقين مع الاحتمال، ومن أنكر هذا فقه سفه نفسه وأضل عقله).
[٦٧] الإمام السرخسي الحنفي (ت٤٨٣هـ)
قال في أصوله ج١ ص١١٢: (فإن خبر الواحد لا يوجب علم اليقين لاحتمال الغلط من الراوي، وهو دليل موجب للعمل بحسن الظن بالراوي وترجح جانب الصدق بظهور عدالته)، وقال في أصوله ج١ ص٣٢١: (باب الكلام في قبول أخبار الآحاد والعمل بها: قال فقهاء الأمصار رحمهم الله: خبر الواحد العدل حجة للعمل به في أمر الدين ولا يثبت به علم اليقين، وقال بعض من لا يعتد بقوله: خبر الواحد لا يكون حجة في الدين أصلا، وقال بعض أهل الحديث: يثبت بخبر الواحد علم اليقين)، وقال في أصوله ج١ ص٣٢٩: (ثم قد يثبت بالآحاد من الأخبار ما يكون الحكم فيه العلم فقط نحو عذاب القبر وسؤال منكر ونكير ورؤية الله تعالى بالأبصار في الآخرة، فبهذا ونحوه يتبين أن خبر الواحد موجب للعلم، ولكنا نقول: هذا القائل كأنه خفي عليه الفرق بين سكون النفس وطمأنينة القلب وبين علم اليقين، فإن بقاء احتمال الكذب في غير المعصوم معاين لا يمكن إنكاره، ومع الشبهة والاحتمال لا يثبت اليقين وإنما يثبت سكون النفس وطمأنينة القلب بترجح جانب الصدق ببعض الأسباب، وقد بينا فيما سبق أن علم اليقين لا يثبت بالمشهور من الأخبار بهذا المعنى فكيف يثبت بخبر الواحد، وطمأنينة القلب نوع علم من حيث الظاهر) إلى أن قال في ج١ ص٣٦٧: (ففي هذين النوعين من الانتقاد للحديث علم كثير وصيانة للدين بليغة، فإن أصل البدع والأهواء إنما ظهر من قبل ترك عرض أخبار الآحاد على الكتاب والسنة المشهورة، فإن قوما جعلوها أصلا مع الشبهة في اتصالها برسول الله عليه السلام،ومع أنها لا توجب علم اليقين، ثم تأولوا عليها الكتاب والسنة المشهورة فجعلوا التبع متبوعا وجعلوا الأساس ما هو غير متيقن به، فوقعوا في الأهواء والبدع).
[٦٨] أبو عبدالله الحميدي الظاهري الأندلسي (ت٤٨٨هـ)
قال الحافظ ابن حجر في نزهة النظر ص٥٥-٦٣: (وممن صرح بإفادة ما خرجه الشيخان العلم النظري: الأستاذ أبو إسحاق الإسفرائيني، ومن أئمة الحديث: أبو عبدالله الحميدي).
[٦٩] أبو المظفر السمعاني الحنفي ثم الشافعي (ت٤٨٩هـ)
قال في قواطع الأدلة ج١ ص٣٢٤: (اعلم أن الخبر ضربان: متواتر وآحاد، فللآحاد باب مفرد، وأما المتواتر فكل خبر علم مخبره ضرورة)، ثم قال في ج١ ص٣٣٣ عن خبر الواحد: (أما العلم، فذهب جمهور الفقهاء والمتكلمين إلى أنه لا يوجب العلم، وذهب أكثر أصحاب الحديث إلى أن الأخبار التي حكم أهل الصنعة بصحتها ورواها الأثبات الثقات موجبة للعلم … والمعتمد أن الشك والتجوّز يعترض في خبر الواحد ما لا يعترض في خبر المتواتر، وما يعترض فيه الشك لا يوجب العلم الذي يوجبه ما لا يعترض فيه للشك)، ثم ذكر بعض القرائن التي تجعل خبر الواحد يفيد اليقين، ثم قال في ج١ ص٣٥٥: (وهي وجوه تدل على الصدق، وهو من الاستدلال على الشيء بإبطالٍ يقتضيه، ولكن مع كل هذا لا ينتفي توهم الكذب، ويمكن تصور الكذب في هذه الصور كلها بوجوه من الأغراض عوارض توجب صرف الإنسان عن الصدق إلى الكذب، فلم يُخبر أن يحكم بكون الخبر مفيدا للعلم وإن اقترن بهذه القرائن ووجد على هذه الأحوال)، ثم قال في ج١ ص٣٧٣: (ونذكر الآن ما يقبل فيه خبر الواحد) وفصل فيه القول فيما يقبل فيه خبر الواحد ولم يذكر فيها العقائد، وقال في الانتصار لأصحاب الحديث ص٣٤: (إن الخبر إذا صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ورواه الثقات والأئمة، وأسنده خلفهم عن سلفهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتلقته الأمة بالقبول فإنه يوجب العلم فيما سبيله العلم).
[٧٠] صدر الإسلام أبو اليسر محمد بن محمد بن الحسين البزدوي الحنفي (ت٤٩٣هـ)
قال في معرفة الحجج الشرعية ص١١٨: (الفصل الأول: في الخبر المتواتر، وهو إخبار قوم لا يتصور تواطؤهم على الكذب، عن قوم لا يتصور اتفاقهم على الكذب، هكذا يتصل برسول الله صلى الله عليه وسلم، فيثبت ثبوتا لا تبقى فيه شبهة عدم الثبوت، ولكن مثل هذا الحديث لم يرد في الأحكام.. الفصل الثاني: في الخبر المشهور، أما إذا ثبت قول النبي صلى الله عليه وسلم ثبوتا مع الشبهة، بأن روى قوم يتصور منهم الكذب ولكن الظاهر منهم الصدق بأن كانوا عدولا، وروى واحد عدل، فإن كان الخبر مشهورا: إذا شهر بين الفقهاء في الأزمنة أجمع وقبله الفقهاء وعملوا به، فهذا مثل الخبر المتواتر.. الفصل الثالث: في الخبر الواحد، وأما الأخبار الأخر سوى المتواتر والمشهور يجب قبولها والعمل بها إذا ترجح صدق المخبر على كذبه بدليل يدل عليه، وهو مذهب أهل السنة والجماعة، وبنوا عليه أحكاما كثيرة، وهي الأخبار التي رويت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذا سائر الأخبار على هذا، وهي الأخبار في المعاملات.. والصحيح: ما ذهب إليه عامة العلماء لأن الحاجة تمس إلى قبول أخبار الآحاد، لأن الرسول مأمور بتبليغ ما أنزل الله إليه، ولا يقدر على التبليغ إلا بالآحاد، فيجب القبول والعمل بها كما في المعاملات، ولأن خبر الواحد يحتمل الصدق ويحتمل الكذب، والصدق يجب قبوله والكذب يجب رده، فلا يجوز الرد مطلقا لاحتمال الصدق، فإنه لا يجوز رد الصدق، ولا يجوز قبوله مطلقا لاحتمال الكذب، ولا وجه إلى التوقف مطلقا لأنه رد، فوقعت الضرورة إلى العمل بالراجح منهما).
[٧١] أبو المحاسن الروياني الشافعي (ت٥٠٢هـ)
قال في بحر المذهب ج١٠ ص٥٢٩: (لأن غلبة الظن أجريت في الحكم مجرى اليقين، كما يحكم بخبر الواحد والقياس على غلبة الظن)، وقال في بحر المذهب ج١١ ص١١٢: (ثم الأخبار على ثلاثة أضرب، أخبار استفاضة وتواتر وآحاد، فأما الاستفاضة: أن تبدو منتشرة من البر والفاجر.. وأما التواتر فما ابتدأ به الواحد بعد الواحد حتى يكثر عددهم ويبلغوا قدرا ينتفي عن مثلهم التواطؤ والغلط، ولا يعترض في خبرهم تشكك ولا ارتياب، فيكون في أوله من أخبار الآحاد وفي آخره من أخبار التواتر.. وأما أخبار الآحاد فهو ما أخبر به الواحد والعدد القليل الذي يجوز على مثلهم التواطؤ على الكذب أو الاتفاق على السهو والغلط، وهي على ثلاثة أضرب، أخبار المعاملات، وأخبار الشهادات، وأخبار السنن والديانات، فأما أخبار المعاملات فلا يراعى فيها عدالة المخبر وإنما يراعى فيها سكون النفس إلى خبرة.. وأما أخبار الشهادات فيعتبر فيها شرطان ورد الشرع بهما وانعقد الإجماع عليهما، أحدهما: العدالة.. والثاني: العدد على ما ورد الشرع به من الاختلاف.. وأما أخبار السنن في العبادات فمختلف في قبول أخبار الآحاد فيها.. وإذا وجب العلم فهو غير موجب للعلم الباطن بخلاف المستفيض والمتواتر)، وقال الزركشي في البحر المحيط ج٤ ص٢٦٣ عن خبر الواحد: (وقال الماوردي والروياني: لا يوجب العلم الباطن قطعا، بخلاف المستفيض والمتواتر).
[٧٢] الكيا الهراسي الطبري الشافعي (ت٥٠٤هـ)
قال الزركشي في البحر المحيط ج٤ ص٢٤٤ : (وذهب القاضي أبو بكر إلى أنه لا يدل على القطع بصدقه وإن تلقوه بالقبول قولا ونطقا، وقصاراه غلبة الظن، واختاره إمام الحرمين والغزالي والكيا الطبري وغيرهم، فإن تصحيح الأمة للخبر يجري على حكم الظاهر، فإذا استجمع شروط الصحة أطلق عليه المحدثون الصحة، فلا وجه للقطع والحالة هذه … وقال الكيا الطبري : فأما إذا أجمعت الأمة على العمل بخبر الواحد لأجله، فهذا هو المسمى مشهورا عند الفقهاء، وهو الذي يكون وسطه وآخره على حد التواتر، وأوله منقول عن الواحد، ولا شك أن ذلك لا يوجب العلم ضرورة) .
[٧٣] حجة الإسلام أبو حامد الغزالي الشافعي (ت٥٠٥هـ)
قال في المستصفى في أصول الفقه ص١٠٨: (أما إذا اقترنت به قرائن تدل على التصديق فهذا يجوز أن تختلف فيه الوقائع والأشخاص، وأنكر القاضي ذلك ولم يلتفت إلى القرائن، ولم يجعل لها أثرا، وهذا غير مرضي، لأن مجرد الإخبار يجوز أن يورث العلم عند كثرة المخبرين وإن لم تكن قرينة، ومجرد القرائن أيضا قد يورث العلم وإن لم يكن فيه إخبار، فلا يبعد أن تنضم القرائن إلى الأخبار فيقوم بعض القرائن مقام بعض العدد من المخبرين، ولا ينكشف هذا إلا بمعرفة معنى القرائن وكيفية دلالتها، فنقول: لا شك في أنا نعرف أمورا ليست محسوسة، إذ نعرف من غيرنا حبه لإنسان وبغضه له وخوفه منه وغضبه وخجله، وهذه أحوال في نفس المحب والمبغض لا يتعلق الحس بها قد تدل عليها دلالاتٌ آحادها ليست قطعية، بل يتطرق إليها الاحتمال، ولكن تميل النفس بها إلى اعتقاد ضعيف، ثم الثاني والثالث يؤكد ذلك، ولو أفردت آحادها لتطرق إليها الاحتمال، ولكن يحصل القطع باجتماعها، كما أن قول كل واحد من عدد التواتر يتطرق إليه الاحتمال لو قدّر مفردا، ويحصل القطع بسبب الاجتماع، ومثاله أنا نعرف عشق العاشق لا بقوله بل بأفعالٍ هي أفعال المحبين من القيام بخدمته وبذل ماله وحضور مجالسه لمشاهدته وملازمته في تردداته، وأمور من هذا الجنس، فإن كل واحد يدل دلالة لو انفرد لاحتمل أن يكون ذلك لغرض آخر يضمره لا لحبه إياه، لكن تنتهي كثرة هذه الدلالات إلى حد يحصل لنا علم قطعي بحبه، وكذلك ببغضه إذا رئيت منه أفعال ينتجها البغض، وكذلك نعرف غضبه وخجله لا بمجرد حمرة وجهه لكن الحمرة إحدى الدلالات، وكذلك نشهد الصبي يرتضع مرة بعد أخرى فيحصل لنا علم قطعي بوصول اللبن إلى جوفه وإن لم نشاهد اللبن في الضرع لأنه مستور، ولا عند خروجه فإنه مستور بالفم، ولكن حركة الصبي في الامتصاص وحركة حلقه تدل عليه دلالة ما مع أن ذلك قد يحصل من غير وصول اللبن، لكن ينضم إليه أن المرأة الشابة لا يخلو ثديها عن لبن ولا تخلو حلمته عن ثقب، ولا يخلو الصبي عن طبع باعث على الامتصاص مستخرج للبن، وكل ذلك يحتمل خلافه نادرا وإن لم يكن غالبا، لكن إذا انضم إليه سكوت الصبي عن بكائه مع أنه لم يتناول طعاما آخر صار قرينة، ويحتمل أن يكون بكاؤه عن وجع وسكوته عن زواله، ويحتمل أن يكون تناول شيئا آخر لم نشاهده وإن كنا نلازمه في أكثر الأوقات، ومع هذا فاقتران هذه الدلائل كاقتران الأخبار وتواترها، وكل دلالة شاهدة يتطرق إليها الاحتمال كقول كل مخبر على حياله، وينشأ من الاجتماع العلم، وكأن هذا مدرك سادس من مدارك العلم سوى ما ذكرناه في المقدمة من الأوليات والمحسوسات والمشاهدات الباطنة والتجريبات والمتواترات فيلحق هذا بها، وإذا كان هذا غير منكر فلا يبعد أن يحصل التصديق بقول عدد ناقص عند انضمام قرائن إليه لو تجرد عن القرائن لم يفد العلم، فإذا أخبر خمسة أو ستة عن موت إنسان لا يحصل العلم بصدقهم، لكن إذا انضم إليه خروج والد الميت من الدار حاسر الرأس حافي الرجل ممزق الثياب مضطرب الحال يصفق وجهه ورأسه وهو رجل كبير ذو منصب ومروءة لا يخالف عادته ومروءته، والتجربة تدل عليه، وكذلك العدد الكثير ربما يخبرون عن أمر يقتضي إيالة الملك وسياسة إظهاره، والمخبرون من رؤساء جنود الملك، فيتصور اجتماعهم تحت ضبط الإيالة بالاتفاق على الكذب، ولو كانوا متفرقين خارجين عن ضبط الملك لم يتطرق إليهم هذا الوهم، فهذا يؤثر في النفس تأثيرا لا ينكر، ولا أدري لم أنكر القاضي ذلك وما برهانه على استحاله، فقد بان بهذا أن العدد يجوز أن يختلف بالوقائع وبالأشخاص، فرب شخص انغرس في نفسه أخلاق تميل به إلى سرعة التصديق ببعض الأشياء، فيقوم ذلك مقام القرائن وتقوم تلك القرائن مقام خبر بعض المخبرين، فينشأ من ذلك أن لا برهان على استحالته، فإن قيل: فهل يجوز أن يحصل العلم بقول واحد؟ قلنا: حكي عن الكعبي جوازه، ولا يظن بمعتوه تجويزه مع انتفاء القرائن، أما إذا اجتمعت قرائن فلا يبعد أن تبلغ القرائن مبلغا لا يبقى بينها وبين إثار العلم إلا قرينة واحدة، ويقوم إخبار الواحد مقام تلك القرينة، فهذا مما لا يعرف استحاله، ولا يقطع بوقوعه، فإن وقوعه إنما يعلم بالتجربة، ونحن لم نجربه، ولكن قد جربنا كثيرا مما اعتقدناه جزما بقول الواحد مع قرائن أحواله، ثم انكشف أنه كان تلبيسا، وعن هذا أحال القاضي ذلك، وهذا كلام في الوقائع مع بقاء العادات على المعهود من استمرارها، فأما لو قدرنا خرق هذه العادة فالله تعالى قادر على أن يحصل لنا العلم بقول واحد من غير قرينة فضلا عن أن تنضم إليه القرائن)، وقال في المستصفى ص١١٦: (اعلم أنا نريد بخبر الواحد - في هذا المقام - ما لا ينتهي من الأخبار إلى حد التواتر المفيد للعلم، فما نقله جماعة من خمسة أو ستة - مثلا - فهو خبر الواحد، وأما قول الرسول عليه السلام مما علم صحته فلا يسمى خبر الواحد، وإذا عرفت هذا فنقول: خبر الواحد لا يفيد العلم، وهو معلوم بالضرورة أنا لا نصدق بكل ما نسمع، ولو صدقنا وقدرنا تعارض خبرين فكيف نصدق بالضدين؟ وما حُكي عن المحدثين من أن ذلك يوجب العلم فلعلهم أرادوا أنه يفيد العلم بوجوب العمل، إذ يسمى الظن علما، ولهذا قال بعضهم: "يورث العلم الظاهر"، والعلم ليس له ظاهر وباطن، وإنما هو الظن)، وقال في مقدمة الاقتصاد في الاعتقاد: (الحمد لله الذي اجتبى من صفوة عباده عصابة الحق وأهل السنة، وخصهم من بين سائر الفرق بمزايا اللطف والمنة … وعمر أفئدتهم بأنوار اليقين، حتى اهتدوا بها إلى أسرار ما أنزله على لسان نبيه وصفيه محمد صلى الله عليه وسلم سيد المرسلين، واطلعوا على طريق التلفيق بين مقتضيات الشرائع وموجبات العقول، وتحققوا أن لا معاندة بين الشرع المنقول والحق المعقول، وعرفوا أن من ظن من الحشوية وجوب الجمود على التقليد واتباع الظاهر، ما أُتوا به إلا من ضعف العقول وقلة البصائر)، وقال في الاقتصاد في الاعتقاد ص٤٨٦: (الباب الثاني: في بيان وجوب التصديق بأمور ورد بها الشرع وقضى بجوازها العقل … ثم كل ما ورد السمع به يُنظر: فإن كان العقل مجوزا له وجب التصديق به قطعا إن كانت الأدلة السمعية قاطعة في متنها ومستندها لا يتطرق إليها احتمال، ووجب التصديق بها ظنا إن كانت ظنية … وأما ما قضى العقل باستحالته فيجب فيه تأويل ما ورد السمع به، ولا يُتصور أن يشتمل السمع على قاطع مخالف للمعقول، وظواهر أحاديث التشبيه أكثرها غير صحيحة، والصحيح منها ليس بقاطع بل هو قابل للتأويل، فإن توقف العقل في شيء من ذلك فلم يقض فيه باستحالة ولا جواز وجب التصديق أيضا لأدلة السمع، فيكفي في وجوب التصديق انفكاك العقل عن القضاء بالإحالة، وليس يشترط اشتماله على القضاء بتجويزه، وبين الرتبتين فرق ربما يزلّ ذهن البليد حتى لا يدرك الفرق بين قول القائل: اعلم أن الأمر جائز، وبين قوله: لا أدري أنه محال أم جائز، وبينهما ما بين السماء والأرض)، وقال في المنخول ص٢٥٢: (الباب الأول: في إثبات كون الخبر الواحد مفيدا للعمل، وذهب بعض المحدثين إلى أنه يفيد العلم، وهذا محال، إذ لا يجب صدقه عقلا ولا نقلا، وإذا جاز كذبه فلا علم بالصدق،. وكيف؟ وما من شخص إلا ويتصور أن يرجع عما ينقله، وقد عهد مثله).
[٧٤] محمد بن طاهر المقدسي الظاهري (ت٥٠٧هـ)
قال في رسالة شروط الأئمة الستة ص٢١: (وأما أبو عيسى الترمذي رحمه الله فكتابه وحده على أربعة أقسام، قسم صحيح مقطوع به وهو ما وافق فيه البخاري ومسلما)، وقال المرداوي في التحبير ج٤ ص١٨٠٨ وما بعدها: (وقال ابن الصلاح: {ما أسنده البخاري ومسلم: العلم اليقيني النظري واقعٌ به خلافا لقول من نفى ذلك محتجا بأنه لا يفيد في أصله إلا الظن، وإنما تلقته الأمة بالقبول لأنه يجب عليهم العمل بالظن، والظن قد يخطئ}، قال: {وقد كنت أميل إلى هذا وأحسبه قويا، ثم بان لي أن المذهب الذي اخترناه أولا هو الصحيح، لأن ظن من هو معصوم من الخطأ لا يخطئ، والأمة في إجماعها معصومة من الخطأ}، وقد سبقه إلى ذلك محمد بن طاهر المقدسي، وأبو نصر عبدالرحيم بن عبدالخالق بن يوسف).
[٧٥] أبو الخطاب الكلوذاني الحنبلي (ت٥١٠هـ)
قال في التمهيد ج٣ ص٧٨: (خبر الواحد لا يقتضي العلم، قال (أي: الإمام أحمد بن حنبل) في رواية الأثرم، إذا جاء الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد صحيح، فيه حكم أو فرض، عملت به ودنت الله تعالى به، ولا أشهد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك، فقد نص على أنه لا يقطع به، وبه قال جمهور العلماء)، وقال: (ولأنه لو أوجب خبر الواحد العلم لجاز أن يعارض التواتر وينسخ القرآن، ولا يجوز ذلك، ولأن الواحد منا يسمع خبر الواحد فلا يوجب له العلم، حتى أن منها ما لا يوجب سماعه غلبة الظن، ولأنه يجوز عليه الكذب والسهو والغلط، فلا يجوز أن يقع به العلم، وعكسه التواتر).
[٧٦] أبو الوفاء بن عقيل الحنبلي (ت٥١٣هـ)
قال في كتاب الواضح ج٣ ص١١٠: (أما أخبار الآحاد المتلقاة بالقبول فصالحة عندنا لإثبات أصول الديانات (قلت: يقصد الأحكام الفقهية)، ولأن أصول الفقه لا يطلب لها القطعيات، ولو كانت كذلك لما سوغنا خلاف المخالف، ولفسقنا أو كفرنا من خالفنا كما قلنا في الأصول المتعلقة بالله سبحانه وبصفاته وما يجوز عليه وما يستحيل عليه وما يجب له، ولما كانت أدلة ذلك قطعية لم نسوغ الخلاف فيها، وفسقنا المخالف لنا أو كفرناه على حسب موضع الخلاف منها)، وقال في الواضح ج٤ ص٤٠٣: (خبر الواحد لا يوجب العلم، لا الضروري ولا المكتسب)، وقال: (ولا نجد في خبر الواحد - وإن بلغ الغاية - إلا ترجيح صدقه على كذبه، مع تجويز الكذب عليه، ولا يتأثر في النفس من تغليب أحد المجوزين إلا الظن، فأما القطع والعلم فلا وجه له).
[٧٧] ابن برهان البغدادي الشافعي (ت٥١٨هـ)
قال في الوصول إلى علم الأصول ج٢ ص١٥٠: (خبر الواحد إذا اتصلت به القرينة أفاد العلم عند النظام، وهو مذهب الإمام، وذهب أكثر العلماء إلى أن ذلك ممتنع)، وقال في ص١٧٢: (المسألة الحادية عشرة: خبر الواحد لا يفيد العلم خلافا لبعض أصحاب الحديث، فإنهم زعموا أن ما رواه مسلم والبخاري مقطوع بصحته، وعمدتنا: إن العلم لو حصل بذلك لحصل لكافة الناس، كالعلم بالأخبار المتواترة، ولأن البخاري ليس معصوما عن الخطأ، فلا نقطع بقوله، لأن أهل الحديث وأهل العلم غلطوا مسلما والبخاري وثبتوا أوهامهما، ولو كان قولهما مقطوعا به لاستحال عليهما ذلك).
[٧٨] ابن رشد الجد المالكي (ت٥٢٠هـ)
قال في البيان والتحصيل ج١٧ ص٣٣١-٣٣٢: (هذا معلوم عنده من مذهب مالك أن العمل أقوى عنده من خبر الواحد، لأن العمل المتصل بالمدينة لا يكون إلا عن توقيف، فهو يجري عنده مجرى ما نُقل نقلَ التواتر من الأخبار، فيُقدم على خبر الواحد وعلى القياس، والقياس أيضا مقدم على خبر الواحد، لأن خبر الواحد يجوز عليه النسخ والغلط والسهو والكذب والتخصيص، ولا يجوز من الفساد على القياس إلا وجه واحد وهو: هل الأصل معلول بهذه العلة أو لا)، وقال في الجامع من المقدمات ص٣٥١: (إجماع أهل المدينة على الحكم فيما طريقه النقل: حجة يجب المصير إليها والوقوف عندها، وتقديمها على أخبار الآحاد وعلى القياس … لأن ذلك كله نقله الخلف منهم عن السلف، فحصل به العلم من جهة نقل التواتر، فوجب أن يقدم على القياس وعلى أخبار الآحاد، إذ لا يقع بها العلم، وإنما توجب غلبة الظن كشهادة الشاهدين.. وكذلك ما اتصل العمل به بالمدينة من جهة القياس والاجتهاد، فهو حجة أيضا، كمثل ما أجمعوا عليه من جهة النقل يقدم على أخبار الآحاد، وعلى ما خالفه من القياس عند مالك، لأن ما اتصل العمل به لا يكون إلا عن توقيف).
[٧٩] ابن الزاغوني الحنبلي (ت٥٢٧هـ)
قال المرداوي في التحبير ج٤ ص١٨٠٨ وما بعدها: ("وقال المحققون" من أصحابنا وغيرهم: "لو نقله آحاد الأئمة المتفق على عدالتهم ودينهم من طرق متساوية، وتلقي بالقبول أفاد العلم، منهم القاضي" من أئمة أصحابنا "وقال: هذا المذهب" "و" منهم "أبو الخطاب" من أئمة أصحابنا "وقال هذا ظاهر كلام أصحابنا" ولم يحك فيه خلافا، "و" منهم "ابن الزاغوني والشيخ" تقي الدين).
[٨٠] المازري المالكي (ت٥٣٦هـ)
قال في كتاب إيضاح المحصول ص٤١٩: (اعلم أن المشهور الذي عليه الجمهور: انقسام الأخبار إلى قسمين: تواتر وآحاد، والتواتر: عبارة عن كل خبر رواه مخبرون، فعلم صدقهم في خبرهم ضرورة، والآحاد عبارة عما لم يحصل منه أكثر من غلبة الظن بصدق من أخبر، واحدا كان أو أكثر، ما لم تبلغ الكثرة إلى العدد الذي يقع العلم الضروري بصدقها في خبرها)، إلى أن قال: (ولكن الإنصاف: التفصيل في تصديق الخبر المروي، فإن لاح من سائر العلماء مخايل القطع والتصميم وأنهم أسندوا التصديق إلى اليقين، فلا وجه للتشكيك، ويحمل على أنهم علموا صحة الحديث من طريق خفيت علينا، إما أخبار نقلت تواترا واندرست - إن كان الخبر مما يصح اندراسه - أو من غير هذه الطريق، وإن لاح منهم التصديق مستندا على تحسين الظن بالعدول وبدارا إلى القبول من جملة السنن وانقيادا إليها فلا وجه للقطع).
[٨١] أبو الثناء محمود بن زيد اللامشي الحنفي (توفي بعد ٥٣٩هــ)
قال في أصول الفقه ص١٤٥: (٢٨٩ - ثم الخبر ينقسم إلى أقسام: منها المتواتر، وهو ما نقله قوم عن قوم لا يتصور تواطؤهم على الكذب عادة، وهو الخبر المتصل بنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قطعا.. ٢٩٠ - وحكمه أنه موجب للعلم والعمل قطعا حتى يكفّر جاحده.. ٢٩٢ - ومنها المشهور وهو خبرٌ كان من الآحاد في الابتداء ثم اشتهر في العصر الثاني حتى رواه جماعة لا يتصور تواطؤهم على الكذب.. ٢٩٤ - وهل يكفر جاحده؟ بعض مشائخنا قالوا: يكفر، وقال عيسى بن أبان: يضلل ولا يكفر، وهو الصحيح، لأن في إنكاره تخطئة أهل العصر الثاني في قبوله لا تكذيب الرسول، بخلاف المتواتر لأن في إنكاره تكذيب الرسول … ٢٩٥ - ومنها خبر الواحد، وهو ما نقله واحد عن واحد، وفي عرف الفقهاء: ما لم يدخل في حد الاشتهار فهو خبر الواحد وإن نقله اثنان أو ثلاثة، وحكمه أنه يوجب العمل دون العلم، ولهذا لا يكون حجة في المسائل الاعتقادية لأنها تبتنى على العلم القطعي، وخبر الواحد يوجب علم غالب الرأي، وأكبر الظن لا علما قطعيا … ٢٩٧ - ثم لقبول خبر الواحد شرائط، أحدها أن يكون موافقا للدليل العقلي، لأن العقل حجة من حجج الله تعالى، وهو حكيم لا تتناقض حججه).
[٨٢] علاء الدين السمرقندي الحنفي (ت٥٣٩هـ)
قال في ميزان الأصول ص٤٣١: (وأما خبر الواحد فهو في اللغة مأخوذ من اسمه، وهو خبر رواه واحد عن واحد، وفي عرف الفقهاء: صار عبارة عن خبر لم يدخل في حد الاشتهار، ولم يقع الإجماع على قبوله، وإن كان الراوي اثنين أو ثلاثة أو عشرة) ثم ذكر شروطه ثم قال: (وأما ما يرجع إلى الخبر: فمنها أن يكون موافقا للدليل العقلي، حتى إذا كان مخالفا لا يُقبل، كالأخبار التي وردت في التشبيه ونحو ذلك، لأن العقل حجة من حجج الله تعالى، وإنه حكيم عالم، فلا يجوز أن تتناقض حججه، والدليل السمعي يحتمل المجاز والإضمار والكناية ونحوها، فيجب تخريج الأخبار على موافقة العقل على ما مر، ومنها أن يكون موافقا لكتاب الله تعالى وللسنة المتواترة وللإجماع، فأما إذا خالف هذه الأصول القاطعة فإنه يجب رده أو تأويله على وجه يجمع بينهما … ولأن خبر الواحد يحتمل الصدق والكذب والسهو، والكتاب دليل قاطع، فلا يقبل المحتمل بمعارضة القاطع، بل يخرج على موافقته بنوع تأويل. ومنها أن يرد الخبر في باب العمل، فأما إذا ورد في باب الاعتقادات، وهي من مسائل الكلام، فإنه لا يكون حجة، لأنه يوجب الظن وعلم غالب الرأي، لا علما قطعيا، فلا يكون حجة فيما يبتنى على العلم القطعي والاعتقاد حقيقة)، وقال في ص٤٤٨: (وأما حكم خبر الواحد، قال عامة العلماء: إنه يوجب العمل دون العلم قطعا، لكن يوجب علم غالب الرأي وأكثر الظن، وقال بعض أصحاب الظواهر بأنه يوجب العلم والعمل جميعا … وعامة العلماء احتجوا وقالوا: إن خبر الواحد يحتمل الصدق والكذب والسهو والغلط).
[٨٣] أبو بكر بن العربي المالكي (ت٥٤٣هـ)
قال في المحصول في أصول الفقه ص١١٥: (أما الثاني: الذي يوجب العمل دون العلم فهو خبر الواحد المطلق عما ينفرد بعلمه، وقال قوم: إنه يوجب العلم والعمل كالخبر المتواتر، وهذا إنما صاروا إليه بشبهتين دخلتا عليهم، إما لجهلهم بالعلم، وإما لجهلهم بخبر الواحد، فإنا بالضرورة نعلم امتناع حصول العلم بخبر الواحد وجواز تطرق الكذب والسهو عليه)، وقال في المحصول ص١١٨: (إذا نقل الراوي حديثا فيه ذكر صفة مستحيلة مضافة إلى الباري سبحانه فلا يخلو أن يكون لها تأويل له مجال في العقل، أو لا يكون لها تأويل بحال، قال علماؤنا: فإن كان لها تأويل قُبلت وأُولت.. وأما إن لم يكن لها تأويل فهو مردود)، وقال في المحصول ص١٤٦ عن نسخ القرآن بالسنة: (ولكن ذلك عندنا إذا ثبت طريق السنة قطعا بالخبر المتواتر، وأما إن كان خبر واحد فقط تعاطى بعضهم النسخ به، وهي مزلة قدم، لأن خبر الواحد مظنون، ولا يساوي الظن اليقين فضلا عن أن يعارضه).
[٨٤] القاضي عياض المالكي (ت٥٤٤هـ)
قال في إكمال المعلم بفوائد مسلم في ج١ ص١٦٨: (قال مسلم: "خبر الواحد الثقة عن الواحد الثقة حجة يلزم به العمل"، هذا الذي قاله هو مذهب جمهور المسلمين من السلف والفقهاء والمحدثين ومذهب الأصوليين، وأن وجوب ذلك من جهة الشرع، كأن نقله بواحد عن واحد أو أكثر ما لم يبلغ عدد التواتر، وإن أوجب غلبة الظن دون اليقين والعلم)، وقال في إكمال المعلم ج٣ ص١١٧ حديث مبيت ابن عباس في بيت خالته ميمونة: (وفيه طلب علو السند في الرواية وطلب اليقين، والقطع في أحكام الشريعة متى قدر على ذلك، ورفعه درجة المشاهدة على درجة خبر الواحد، إذ كان ابن عباس وزيد بن خالد قد يصلان إلى معرفة قيام النبي صلى الله عليه وسلم بسؤال ميمونة وغيرها، ولعلهما لم يسألا النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك لنهيه عن كثرة السؤال، فتلطفا في مشاهدة ذلك حتى لا يختلجهما ريب ولا يعتريهما شك).
[٨٥] ابن عطية المالكي (ت٥٤٦هـ)
قال في تفسيره المسمى بالمحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز في تفسير آية "إن جاءكم فاسق بنبأ"، قال: (وتأنس القائلون بقبول خبر الواحد بما يقتضيه دليل خطاب هذه الآية، لأنه يقتضي أن غير الفاسق إذا جاء بنبأ أن يعمل بحسبه، وهذا ليس باستدلال قوي، وليس هذا موضوع الكلام على مسألة خبر الواحد).
[٨٦] العلاء الأسمندي الحنفي (ت٥٥٢هـ)
قال في كتاب بذل النظر ج١ ص٣٩٣: (باب في أن خبر الواحد هل يوجب العلم أم لا؟ ذهب أكثر الناس إلى أنه لا يوجب العلم أصلا، وذهب أصحاب الظاهر إلى أنه يوجب العلم، واختلف هؤلاء فيما بينهم، قال بعضهم: يوجب العلم من غير اقتران قرينة به، وقال بعضهم: لا يوجب إلا إذا اقترنت به قرائن.. والوجه الصحيح في ذلك أن نقول لهم: أتزعمون أن خبر كل مخبر يوجب العلم أم بعض منها؟ فإن قالوا: كل خبر واحد، فذلك ظاهر البطلان لأن كثيرا من الناس من يخبرنا بما لا نظنه فضلا من أن نعلمه، وإن قالوا: بعض منها، فنقول لهم: عرفتم ذلك اضطرارا أو استدلالا؟ فإن قالوا: اضطرارا، فباطل، لاختلاف حال العقلاء فيه.. وإن قالوا: بالاستدلال باقتران القرائن.. قلنا: ليس لهم فيما ذكروه من القرائن ما يقتضي العلم.. وإذا احتمل هذه الوجوه لم يكن موجبا للعلم)، وقال في بذل النظر ج١ ص٣٨٣: (إذا أخبر الواحد خبرا وأجمعت الأمة على العمل بموجبه وحكمت بصحته فإنه يدل على أن النبي عليه السلام قال ذلك، لأنه لا يجوز أن تجتمع الأمة على الخطأ، وأما إن عمل بموجبه ولم يحكم بصحته، ذهب جماعة من المتكلمين أنه يقطع على أن النبي عليه السلام قد قال ذلك، وهو قول الشيخ أبي الحسن الكرخي رحمه الله، وقال غيرهم: إنهم لا يقطع على ذلك).
[٨٧] عبدالرحيم بن عبدالخالق بن يوسف (ت٥٧٤هـ)
قال المرداوي في التحبير ج٤ ص١٨٠٨ وما بعدها: (وقال ابن الصلاح: {ما أسنده البخاري ومسلم: العلم اليقيني النظري واقعٌ به خلافا لقول من نفى ذلك محتجا بأنه لا يفيد في أصله إلا الظن، وإنما تلقته الأمة بالقبول لأنه يجب عليهم العمل بالظن، والظن قد يخطئ}، قال: {وقد كنت أميل إلى هذا وأحسبه قويا، ثم بان لي أن المذهب الذي اخترناه أولا هو الصحيح، لأن ظن من هو معصوم من الخطأ لا يخطئ، والأمة في إجماعها معصومة من الخطأ}، وقد سبقه إلى ذلك محمد بن طاهر المقدسي، وأبو نصر عبدالرحيم بن عبدالخالق بن يوسف)
[٨٨] أبو بكر محمد بن موسى الحازمي الهمذاني الشافعي (ت٥٨٤هـ)
قال في شروط الأئمة الخمسة ص٥٠: (وأما الآحاد فعند أكثر الفقهاء توجب العمل دون العلم، فلا تعويل على مذهب الكوفيين، وقد ذهب بعض أهل الحديث إلى أنه يوجب العلم).
[٨٩] علاء الدين الكاساني الحنفي (ت٥٨٧هـ)
قال في بدائع الصنائع ج١ ص١٥٢: (وحجتهما ما روينا عن علي رضي الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر عليا رضي الله عنه بالمسح على الجبائر بقوله: "امسح عليها"، ومطلق الأمر للوجوب، ولأبي حنيفة أن الفرضية لا تثبت إلا بدليل مقطوع به، وحديث علي رضي الله عنه من أخبار الآحاد، فلا تثبت الفرضية به، وقال بعض مشائخنا: إذا كان المسح لا يضره يجب بلا خلاف، ويمكن التوفيق بين حكاية القولين، وهو أن من قال: المسح على الجبائر ليس بواجب عند أبي حنيفة، عنى به أنه ليس بفرض عنده لما ذكرنا أن المفروض اسم لما ثبت وجوبه بدليل مقطوع به، ووجوب المسح على الجبائر ثبت بحديث رضي الله عنه، وأنه من الآحاد فيوجب العمل دون العلم).
[٩٠] فخر الدين أبو المحاسن الأوزجندي الفرغاني المعروف بقاضي خان الحنفي (ت٥٩٢هـ)
قال الشبلي في حاشيته على تبيين الحقائق للزيلعي شرح كنز الدقائق للنسفي ج١ ص٣٤٣: (وفي فتاوى قاضي خان: وهو الصحيح، لأن خبر الواحد لا يوجب علم اليقين، بل يوجب العمل تحسينا للظن بالراوي).
[٩١] أبو شجاع ابن الدهان الشافعي (ت٥٩٢هـ)
قال في تقويم النظر ج١ ص١٤٠: (وخبر الواحد فيما يخالف الأصول مردود ).
وقال في تقويم النظر ج٢ ص١٨٣: (واعلم أن خبر الواحد هو الذي لا ينتهي إلى حد التواتر، فقد ينقله النفر والرهط، وقول الرسول لما علم صحته لا يسمى خبر واحد، وخبر الواحد يفيد غلبة الظن، ولا يستحيل أن يتعبد به).
[٩٢] ابن رشد الحفيد المالكي (ت٥٩٥هـ)
قال ابن رشد الحفيد في الضروري في أصول الفقه (مختصر المستخلص) ص٧٠: (فأما خبر الآحاد بحسب ما حُدّ في هذه الصناعة فهو مما لم ينته أن يفيد اليقين في موضع ما يُخبر الواحد بحسب ما يقترن بذلك من قرائن، قلنا هذا وإن كان غير ممتنع فهو مما يقل وجوده ، ولعل ذلك يقع في حق شخص ما ونازلة ما، ولتفاوت هذا الظن الواقع في النفس عند اقتران القرائن بأخبار الآحاد رأى بعضهم أن خبر الواحد قد يفيد اليقين)، إلى أن قال: (أما العمل بأخبار الآحاد فهو جائز عقلا وواقع شرعا، أما جواز وقوعه شرعا فإنه غير ممتنع أن ينصب الله تعالى غلبة الظن علامة للحكم، كنصبه سائر الأشياء علامات).
[٩٣] أبو الفرج ابن الجوزي الحنبلي (ت٥٩٧)
قال في نواسخ القرآن ج١ ص١٤٣: (والقسم الثاني: الأخبار المنقولة بنقل الآحاد، فهذه لا يجوز بها نسخ القرآن لأنها لا توجب العلم، بل تفيد الظن، والقرآن يوجب العلم، فلا يجوز ترك المقطوع به لأجل مظنون)، وقال المرداوي في التحبير ج٤ ص١٨٠٨ وما بعدها: (وقال ابن عقيل وابن الجوزي والقاضي أبو بكر بن الباقلاني وأبو حامد وابن برهان والفخر الرازي والآمدي وغيرهم: لا يفيد العلم ما نقله آحاد الأئمة المتفق عليهم إذا تلقي بالقبول).
[٩٤] الفخر الرازي الشافعي (ت٦٠٦هـ)
قال في معالم أصول الدين (مطبوع مع شرحه للتلمساني) ج٢ ص١٦٧: (اعلم أن المراد في أصول الفقه بخبر الواحد: الخبر الذي لا يفيد العلم واليقين، ومذهب الجمهور أن العمل به واجب في الجملة خلافا لقوم)، ثم قال في ج٢ ص١٩٦ في تعليل إيجاب العمل بخبر الواحد: (بيان الأول: أن الراوي العدل إذا أخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أمر بذلك الفعل، فقد حصل ظن أنه وجد ذلك الأمر، وعندنا مقدمة يقينية وهي أن مخالفة الرسول عليه السلام توجب العقاب، فحينئذ يحصل من ذلك الظن ومن هذا العلم ظن أنا لو تركنا العمل به صرنا مخالفين مستحقين العقاب، إذا ثبت هذا: وجب أن يجب العمل به، لأنه إذا حصل الظن الراجح والجواز المرجوح امتنع العمل بهما، لامتناع اجتماع النقيضين)، وقال في المحصول ج١ ص٢٠٣: (وأما النقل فهو إما تواتر أو آحاد، والأول يفيد العلم، والثاني يفيد الظن).: (ولا شك أن خبر الواحد يفيد الظن، فإذا ورد في المنع من القياس أفاد ظن أن التمسك به سبب الضرر، وذلك يوجب الاحتراز عنه)، وقال في المحصول ج٤ ص٤٢٤ عن شروط الراوي: (إذا عرف منه التساهل في أمر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا خلاف في أنه لا يُقبل خبره، وأما إذا عُرف منه التساهل في غير حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعُرف منه الاحتياط جدا في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: وجب قبول خبره على الرأي الأظهر لأنه يفيد الظن ، ولا معارض، فوجب العمل به).
[٩٥] ابن الأثير أبو السعادات الجزري الشافعي (ت٦٠٦هـ)
قال في مقدمة جامع الأصول ج١ ص١٢١: (والتواتر يفيد العلم، وذلك ظاهر لا خلاف فيه، إلا في قول ضعيف قليل)، قال في ج١ ص١٢٥: (وخبر الواحد لا يفيد العلم، ولكننا متعبدون به، وما حُكي عن المحدثين من أن ذلك يورث العلم فلعلهم أرادوا أنه يفيد العلم بوجوب العمل، أو سموا الظن علما، ولهذا قال بعضهم: يورث العلم الظاهر، والعلم ليس له ظاهر وباطن، وإنما هو الظن، وقد أنكر قوم جواز التعبد بخبر الواحد عقلا، فضلا عن وقوعه سمعا، وليس بشيء. وذهب قوم إلى أن العقل يدل على وجوب العمل بخبر الواحد، وليس بشيء، فإن الصحيح من المذهب والذي ذهب إليه الجماهير من سلف الأئمة من الصحابة والتابعين والفقهاء والمتكلمين أنه لا يستحيل التعبد بخبر الواحد عقلا، ولا يجب التعبد به عقلا، وأن التعبد واقع سمعا، بدليل قبول الصحابة لخبر الواحد).
[٩٦] علي بن إسماعيل الأبياري المالكي (ت٦١٦هـ)
قال في التحقيق والبيان في شرح البرهان في أصول الفقه ج٢ ص٥٧٦: (وسامع الخبر المتواتر يحصل له العلم بالمخبر عنه، وإن لم يكن المخبر عنه مما يجوز فيه الغلط، ويحصل له العلم وإن لم يتنبه لكمال العدد، وهذه أمور اعتيادية لا سبيل إلى ضبطها)، وقال في التحقيق والبيان ج٢ ص٥١٢: (ما ذهب إليه الأستاذ أبو إسحاق من أن المستفيض يحصل العلم: نظر باطل لا شك فيه، فإن النظر العقلي لا يقتضي العلم بصدق الخبر المتواتر، وقد بينا ذلك، فكيف بالمستفيض؟ وأراد أنه قد ينقص العدد، ولكن يكون النظر في أحوال المخبرين من الثقة والتحرية يحصل ذلك، وقد مال إلى هذا أبو حامد، ولا وجه، نعم، ما ذكروه مما يغلب على الظن، فأما العلم فلا، والعلم مع تجويز النقيض في حالة واحدة محال، وأما ما ذكره الأستاذ أبو بكر وهو ما اتفق عليه المحدثون فهم يتفقون على العمل بالخبر ويطلقون عليه لفظ الصحة على حسب ما رآه الإمام، وليس يعني الأصوليون ولا المحدثون بالصحة التصديق، ولا بالرد التكذيب، بل يقضي بقول خبر العدل وإن أمكن أن يكون كاذبا ، ولا يقضي بقبول خبر الفاسق وإن أمكن أن يكون صادقا، وتصريحهم بأنه حق لا شك فيه بحال كما قرره القاضي).
[٩٧] ابن قدامة المقدسي الحنبلي (ت٦٢٠هـ)
قال في روضة الناظر ج١ ص٢٩٨: (وحد الخبر: هو الذي يتطرق إليه التصديق أو التكذيب، وهو قسمان: تواتر وآحاد، فالمتواتر يفيد العلم ويجب تصديقه وإن لم يدل عليه دليل آخر)، ثم ذكر القسم الثاني وهو أخبار الآحاد في ج١ ص٣٠٢ وذكر الخلاف المنقول عن الإمام أحمد بن حنبل، فقال: (اختلفت الرواية عن إمامنا رحمه الله في حصول العلم بخبر الواحد، فروي أنه لا يحصل به، وهو قول الأكثرين والمتأخرين من أصحابنا، لأنا نعلم ضرورة أنا لا نصدق كل خبر نسمعه، ولو كان مفيدا للعلم لما صح ورود خبرين متعارضين لاستحالة اجتماع الضدين، ولجاز نسخ القرآن والأخبار المتواترة به، لكونه بمنزلتهما في إفادة العلم، ولوجب الحكم بالشاهد الواحد ، ولاستوى في ذلك العدل والفاسق كما في المتواتر، ويحتمل أن يكون خبر الواحد عنده مفيدا للعلم وهو قول جماعة من أصحاب الحديث وأهل الظاهر، قال بعض العلماء إنما يقول أحمد بحصول العلم بخبر الواحد فيما نقله الأئمة الذين حصل الاتفاق على عدالتهم وثقتهم وإتقانهم ونقل من طرق متساوية وتلقته الأمة بالقبول ولم ينكره منهم منكر) .
[٩٨] مظفر بن أبي الخير أمين الدين التبريزي الشافعي (ت٦٢١هـ)
قال في تنقيح محصول ابن الخطيب في تعداد الأخبار المفيدة للعلم ص٤١٢: (السادس: خبر احتف بالقرائن وإن كان آحادا، اختاره النظام وإمام الحرمين والغزالي.. وهو الحق، خلافا للقاضي وجماعة).
[٩٩] سيف الدين الآمدي الشافعي (ت٦٣١هـ)
قال في الإحكام في أصول الأحكام ج٢ ص٤٣: (والأقرب في ذلك أن يقال: خبر الآحاد ما كان من الأخبار غير منته إلى حد التواتر، وهو منقسم إلى ما لا يفيد الظن أصلا، وهو ما تقابلت فيه الاحتمالات على السواء، وإلى ما يفيد الظن، وهو ترجّح أحد الاحتمالين الممكنين على الآخر في النفس من غير قطع، فإن نقله جماعة تزيد على الثلاثة والأربعة سمي مستفيضا مشهورا، وإذا عرف ذلك فلنذكر ما يتعلق به من المسائل، وهي سبع: المسألة الأولى: اختلفوا في الواحد العدل إذا أخبر بخبر: هل يفيد خبره العلم؟ فذهب قوم إلى أنه يفيد العلم، ثم اختلف هؤلاء فمنهم من قال إنه يفيد العلم بمعنى الظن لا بمعنى اليقين، فإن العلم قد يُطلق ويراد به الظن كما في قوله تعالى: "فإن علمتموهن مؤمنات"، أي ظننتموهن. ومنهم من قال إنه يفيد العلم اليقين من غير قرينة، لكن من هؤلاء من قال: ذلك مطرد في خبر كل واحد كبعض أهل الظاهر، وهو مذهب أحمد بن حنبل في إحدى الروايتين عنه، ومنهم من قال: إنما يوجد ذلك في بعض أخبار الآحاد لا في الكل، وإليه ذهب بعض أصحاب الحديث، ومنهم من قال إنه يفيد العلم إذا اقترنت به قرينة: كالنظام ومن تابعه في مقالته، وذهب الباقون إلى أنه لا يفيد العلم اليقيني مطلقا، لا بقرينة ولا بغير قرينة، والمختار: حصول العلم بخبره إذا احتفت به القرائن، ويمتنع ذلك عادة دون القرائن). وقال في ج٢ ص٧٨: (وقد أُورد على هذه الحجة سؤالان آخران لا وجه لهما: الأول: أن النبي صلى الله عليه وسلم كما أنه كان ينفذ الآحاد لتبليغ الأخبار، كان ينفذهم لتعريف وحدانية الله تعالى وتعريف الرسالة، فلو كان خبر الواحد حجة في الأخبار بالأحكام الشرعية لكان حجة في تعريف التوحيد والرسالة، وهو خلاف الإجماع) إلى أن قال: (والجواب عن الأول: أن إنفاذ الآحاد لتعريف التوحيد والرسالة لم يكن واجب القبول لكونه خبر واحد، بل إنما كان واجب القبول من جهة ما يخبرهم به من الأدلة العقلية، ويعرفهم من الدلائل اليقينية التي تشهد بصحتها عقولهم، ولا كذلك فيما يخبر به من الأخبار لدالة على الأحكام الشرعية).
[١٠٠] شرف الدين بن التلمساني الشافعي (ت٦٤٤هـ)
قال في شرح المعالم في أصول الفقه ج٢ ص١٦٧: (المراد في أصول الفقه بخبر الواحد: الذي لا يفيد العلم واليقين، يعني: أنهم لا يقصرون اسم الآحاد على ما يرويه الواحد، كما هو حقيقة فيه، بل يريدون به ما لا يفيد العلم مع جواز الصدق وإن كان من عدد) إلى أن قال في ج٢ ص١٧٤: (وعلى الجملة فقد اختلف الناس في جواز التعبد به عقلا، فجوزه الجمهور ومنعه قوم، والمجوزون اختلفوا في وقوع التعبد به شرعا، والمثبتون لذلك اتفقوا على دلالة السمع عليه، واختلفوا في دلالة العقل، فذهب ابن سريج والقفال وأبو الحسين إلى ذلك، وأما المانعون له عقلا فبعض المبتدعة، وأما المنكرون لوقوعه شرعا فقد اختلفوا، فمنهم من قال: لا دليل عليه، ومنهم من منعه سمعا، ويعزى إلى القاشاني والنهرواني وأبي بكر بن داود من الظاهرية وبعض الشيعة، وساعد الجميع على العمل بقول المفتي والشاهد وعلى العمل به في الأمور الدنيوية، وغلا قوم من المحدّثين فقالوا: يفيد العلم والعمل، وهؤلاء إن أرادوا بالعلم اليقين فلا يخفى سقوطه، فإن الواحد يجوز عليه الخطأ والكذب ، وإن أطلقوا اسم العلم على الظن، فمجاز بعيد، والمشهور في الاستعمال عكسه)، ثم قال في ج٢ ص١٩٢: (وقد بيّنا أن خبر العدل إنما يفيد الظن لا العلم، ولو أفاد العلم لوجب تخطئة مخالفِهِ بالاجتهاد ؛ كالمتواتر، ولعارض المتواتر، ولصدق النقيضان، ولما كُلف المدعي بينة، وكل ذلك خلاف الإجماع أو العقل ).
[١٠١] حسام الدين الأخسيكتي الحنفي (ت٦٤٤هـ)
قال في المنتخب الحسامي (مطبوع مع شرحه للفرفور) ج١ ص٤٣٢: (وخبر الواحد وهو الذي يرويه واحد أو اثنان فصاعدا، لا عبرة للعدد بعد أن يكون دون المشهور والمتواتر، وحكمه إذا ورد غير مخالف للكتاب والسنة المشهورة في حادثة لا تعم بها البلوى ولم يظهر من الصحابة رضي الله عنهم الاختلاف فيها وترك المحاجة به إنه يوجب العمل بشروط تراعى في المخبر).
[١٠٢] ابن الحاجب الإسنائي المالكي (ت٦٤٦هـ)
قال في مختصره المسمى (مختصر منتهى السؤل والأمل في علمي الأصول والجدل) ص٦٩ عن الخبر: (وينقسم إلى ما يُعلم صدقه، وإلى ما يُعلم كذبه، وإلى ما لا يُعلم واحد منهما. فالأول: ضروري بنفسه كالمتواتر، وبغيره كالموافق الضروري، ونظري كخبر الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، والإجماع، والموافق للنظر. والثاني: المخالف لما عُلم صدقه. والثالث: قد يُظن صدقه كخبر العدل، وقد يظن كذبه كخبر الكذاب، وقد يُشك كالمجهول).
[١٠٣] المجد ابن تيمية الحنبلي (ت٦٥٢هـ)
قال في المسودة ص٢٤٠: (مسألة: خبر الواحد يوجب العمل وغلبة الظن دون القطع في قول الجمهور، وارتضى الجويني من العبارة أن يقال: لا يفيد العلم ولكن يجب العمل عنده لا به، بل بالأدلة القطعية على وجوب العمل بمقتضاه)، وقال في ص٢٤٨ عن خبر الواحد: (وهذا كما قلنا في خبر الواحد: من جحده لا يفسق، ومع هذا إذا انعقد الإجماع عليه فسق جاحده، وهكذا من منع صيغة العموم لا يفسق، فإذا انعقد الإجماع عليه فسق مانعه ومخالفه).
[١٠٤] سبط ابن الجوزي الحنفي (ت٦٥٤هـ)
قال في إيثار الإنصاف في آثار الخلاف ج١ ص٩٦: (على أنها أخبار آحاد وردت على مخالفة الكتاب، وهو ما تلونا، فتُرد)، وقد كرر هذه الجملة كثيرا في كتابه.
[١٠٥] أبو العباس أحمد بن عمر القرطبي المالكي (ت٦٥٦هـ)
قال في المفهم في شرح صحيح مسلم ج١ ص٤٠٢: (ثم هل وقعت رؤية الله تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء؟ أو لم تقع؟ ليس في ذلك دليل قاطع، وغاية المستدل على نفي ذلك أو إثباته التمسك بظواهر متعارضة معرضة للتأويل، والمسألة ليست من باب العمليات فيُكتفى فيها بالظنون، وإنما هي من باب المعتقدات، ولا مدخل للظنون فيها، إذ الظن من باب الشك، لأن حقيقته تغليب أحد المجوزين، وذلك يناقض العلم والاعتقاد)، وقال في المفهم في ج٢ ص١٢٥ في خبر تحويل القبلة: (المسألة الثانية: رفع القاطع بخبر الواحد، وذلك أن استقبال بيت المقدس كان مقطوعا به من الشريعة عندهم، ثم إن أهل قباء لما أتاهم الآتي فأخبرهم أن القبلة قد حولت إلى المسجد الحرام قبلوا قوله واستداروا نحو الكعبة، فتركوا التواتر بخبر الواحد وهو مظنون، وقد اختلف العلماء في جوازه عقلا ووقوعه، قال أبو حامد: والمختار جواز ذلك عقلا لو تعبدنا الشرع به، ووقوعه في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم بدليل قصة قباء.. لكن ذلك ممنوع بعد وفاته صلى الله عليه وسلم بدليل الإجماع من الصحابة على أن القرآن المتواتر المعلوم لا يرتفع بخبر الواحد، فلا ذاهب إلى تجويزه من السلف والخلف، وبسْط ذلك في الأصول)، وقال في كتاب الإعلام بما في دين النصارى من الفساد والأوهام ص١٨٦: (وإن كنت ممن لم يسمع من الصادقين فلا بد لك من أن تنظر في الذي بلغك ذلك الدليل على يديه، إن كان يجوز عادة عليه الغلط والسهو أو لا، فإن كان ممن يجوز عليه الغلط والسهو عادة فلا يلتفت إلى خبره في هذا المقام، وهذا النوع هو الذي يسمى عندنا أخبار الآحاد، ولها محل تقبل فيه بعد مراعاة شروط ويعرف كل ذلك في موضعه، وأما مثل هذا الذي تصديت له فلا يتوصل إليه بهذا الطرق، فإن المطلوب هنا حصول العلم، ولا يحصل العلم بقبول من يتجوز الخطأ والنسيان عليه في خبره)، وقال في ص٣٨١: (فحصل من هذا أنا لم نستدل على إثبات نبوة نبينا محمد بأخبار الآحاد، وإنما استدللنا على ذلك بالأخبار المتواترة المحصلة للعلم والحمد لله)، وقال في تفسير آية (جاعلك في الأرض خليفة) بعد مناقشة قضية الإمامة التي يقول بها الإمامية: (وبطل أن يكون معلوما بأخبار الآحاد لاستحالة وقوع العلم به).
فائدة: كتاب الإعلام بما في دين النصارى من الفساد والأوهام نُسب خطأً إلى الإمام أبي عبدالله القرطبي صاحب التفسير، والصواب أن مؤلفه هو أبو العباس القرطبي صاحب المفهم، فقد عزا إليه صراحة في المفهم فقال في ج٧ ص٤٠٤: (كما قد نقلنا ذلك في كتابنا المسمى: الإعلام بما في دين النصارى من الفساد والأوهام).
[١٠٦] العز بن عبدالسلام الشافعي (ت٦٦٠هـ)
قال في قواعد الأحكام في مصالح الأنام ج٢ ص٢٧: (فإن قيل: لم ثبتت أحكام الشرع بالظنون المستفادة من أخبار الآحاد... إلخ)، وقال في ج٢ ص٤٩: (الضرب الثاني: ما يُظَن تحقق أسبابها ووقوعه بظنون متفاوتة في القوة والضعف، وهي أنواع:.. ومنها خبر الواحد في دخول الأوقات، وتعريف جهات القبلة، وتعريف ما وقع في الأواني من النجاسات)، وقد قال الإمام ابن الصلاح في مقدمته ص٢٨: (ما انفرد به البخاري أو مسلم مندرج في قبيل ما يُقطع بصحته لتلقي الأمة كل واحد من كتابيهما بالقبول)، وقال الحافظ العراقي فيما نقله عنه الحافظ ابن حجر النكت ص٣٧١: (وقد عاب ابن عبدالسلام على ابن الصلاح هذا، وذكر أن بعض المعتزلة يرون أن الأمة إذا عملت بحديث اقتضى ذلك القطع بصحته).
[١٠٧] أبو عبدالله شمس الدين القرطبي المفسر المالكي (ت٦٧١هـ)
قال في تفسير آية (إن جاءكم فاسق بنبأ): (وأكثر أحكام الشريعة مبنية على غلبة الظن، كالقياس وخبر الواحد، وغير ذلك).
[١٠٨] الإمام النووي الشافعي (ت٦٧٦هـ)
قال في التقريب ص٢٨: (وذكر الشيخ تقي الدين (هو ابن الصلاح) أن ما روياه (أي البخاري ومسلم) أو أحدهما فهو مقطوع بصحته، والعلم القطعي حاصل فيه، وخالفه المحققون والأكثرون، فقالوا: يفيد الظن، ما لم يتواتر)، وقال في مقدمة شرحه لصحيح مسلم ج١ ص٢٠: (وهذا الذي ذكره الشيخ في هذه المواضع خلاف ما قاله المحققون والأكثرون، فإنهم قالوا: أحاديث الصحيحين التي ليست بمتواترة إنما تفيد الظن، فإنها آحاد ، والآحاد التي في غيرهما يجب العمل بها إذا صحت أسانيدها، ولا تفيد إلا الظن، فكذا الصحيحان، وإنما يفترق الصحيحان عن غيرهما من الكتب في كون ما فيهما صحيحا لا يحتاج إلى النظر فيه، بل يجب العمل به مطلقا، وما كان في غيرهما لا يعمل به حتى ينظر وتوجد فيه شروط الصحيح، ولا يلزم من إجماع الأمة على العمل بما فيهما إجماعهم على أنه مقطوع بأنه كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وقد اشتد إنكار ابن برهان الإمام على من قال بما قاله الشيخ، وبالغ في تغليطه)، وقال في شرح مسلم ج١ ص١٣١: (وأما خبر الواحد فهو ما لم يوجد فيه شروط المتواتر سواء كان الراوي له واحدا أو أكثر، واختلف في حكمه، فالذي عليه جماهير المسلمين من الصحابة والتابعين فمن بعدهم من المحدثين والفقهاء وأصحاب الأصول أن خبر الواحد الثقة حجة من حجج الشرع يلزم العمل بها ويفيد الظن ولا يفيد العلم، وأن وجوب العمل به عرفناه بالشرع لا بالعقل.. وذهب بعض المحدثين إلى أن الآحاد التي في صحيح البخاري أو صحيح مسلم تفيد العلم دون غيرها من الآحاد، وقد قدمنا هذا القول وإبطاله في الفصول، وهذه الأقاويل كلها سوى قول الجمهور باطلة، وإبطال من قال لا حجة فيه ظاهر.. والعقل لا يحيل العمل بخبر الواحد، وقد جاء الشرع بوجوب العمل به، فوجب المصير إليه وأما من قال إنه يوجب العلم فهو مكابر للحس، وكيف يحصل العلم واحتمال الغلط والوهم والكذب وغير ذلك متطرق إليه).
[١٠٩] السراج الأرموي الشافعي (ت٦٨٢هـ)
قال في التحصيل من المحصول ج٢ ص١١٧: (القسم الثالث: ما لا يقطع بصدقه وكذبه، وهو حجة في الأمور الدنيوية كالفتوى والشهادة وفاقا، وكذا في الشرعية عندنا، ودل عليه السمع)، وقال في التحصيل ج٢ ص١٤٠: (القسم الثاني: في المخبر عنه، وشرطه أن لا يعارضه قاطع عقلي ، فإن وجد وأمكن تأويل خبر الواحد أُوّل، وإلا رُد، ولا قاطعٌ سمعي من كتاب وسنة متواترة وإجماع، فإن الثلاثة أقوى متنا من خبر الواحد، والأقوى راجح وفاقا).
[١١٠] شهاب الدين عبدالحليم بن تيمية (والد شيخ الإسلام) الحنبلي (ت٦٨٢هـ)
قال في المسودة ص٢٤٠ تعليقا على قول أبيه (أبوه هو ابن تيمية الجد): (خبر الواحد يوجب العمل وغلبة الظن دون القطع في قول الجمهور)،قال: (ونصره القاضي في الكفاية).
[١١١] القرافي المالكي (ت٦٨٤هـ)
قال في الذخيرة ج١ ص١١٥-١١٦: (والإجماع المروي بالآحاد حجة خلافا لأكثر الناس لأن هذه الإجماعات وإن لم تفد القطع فهي تفيد الظن والظن معتبر في الأحكام كالقياس وخبر الواحد) إلى أن قال في ص١٢٠: (خبر الواحد وهو خبر العدل أو العدول المفيد للظن وهو عند مالك رحمه الله وعند أصحابه حجة)، وقال في نفائس الأصول في شرح المحصول (للفخر الرازي) ج٧ ص٢٩٢٠: (ينبغي أن نعلم أن أصل القسمة ثلاثة: تواتر وآحاد ولا تواتر ولا آحاد، وهو خبر الواحد إذا احتفت به القرائن، فليس تواترا لاشتراطنا في التواتر العدد، فليس آحادا لاشتراطنا في الآحاد الظن، وهذا أفاد القطع بالقرائن فلا يكون آحادا)، وقال في شرح تنقيح الفصول (له) في اختصار المحصول (للفخر الرازي) ج١ ص٣٧٢: (مسائل أصول الدين المطلوب فيها اليقين، وهو المكلف به فيها عند الجمهور، فإذا ورد ما يفيد الظن وفي الأدلة العقلية ما يقتضي ذلك المطلوب بعينه حصل المقصود بذلك القطعي، وبقي السمعي مؤكدا له ومؤنسا، فإن اليقين ما ورد فيه السمع والعقل بخلاف العقل وحده، وإن لم يكن غيره رُد لعدم الفائدة فيه، لأن ما يفيده ذلك الخبر لا يعتبر، والذي هو معتبر لا يفيده ذلك الخبر، فسقط اعتباره).
[١١٢] ناصر الدين البيضاوي الشافعي (ت٦٨٥هـ)
قال في متن منهاج الوصول ص١٤٩: (لا ينسخ المتواتر بالآحاد لأن القاطع لا يدفع بالظن)، وقال في تقسيم الأخبار في ص١٦٣: (الفصل الثالث: فيما ظُن صدقه، وهو خبر العدل الواحد)، وقال في تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة ج١ ص١٣: (ما نقل عن الرسول صلوات الله عليه ثلاثة أقسام: ما يعلم صدقه، وما يعلم كذبه، وما لا يعلم حاله، والأول: كل خبر بلغت كثرة رواته في كل طبقة مبلغا أحال العقل تواطؤهم على الكذب، ويسمى متواترا، والثاني: ما يخالف قاطعا ولم يكن يقبل التأويل .. والثالث: على ثلاثة أقسام لأنه: إما أن يكون راجح الصدق، أو راجح الكذب، أو مستوي الطرفين، والأول: ما سلم لفظه ومعناه، واتصل إسناده إلى الرسول صلوات الله عليه بعنعنة ثقات معلومي العدالة، ويسمى صحيحا، وقد يقسم هذا القسم بنوعين من التقسيم إلى أقسام أربعة: التي أوردها الإمامان محمد بن إسماعيل الجعفي البخاري ومسلم بن حجاج القشيري في جامعيهما، تسمى صحاحا، وإن كانت فرادى في كل الطبقات أو بعضها تسمى حسانا، وعلى هذا اصطلح صاحب الكتاب، ولا شك أن القسم الأول عند التعارض أرجح من الثاني لتأكد الظن فيه، واتفاق القائلين بالخبر الواحد على هذا النوع خاصة، والثاني: أن الحديث إن كان مما دونه الحفاظ وشاع بينهم سمي مشهورا، وإن تفرد به حافظ واحد ولم ينكره غيره سمي غريبا).
[١١٣] ابن النفيس الشافعي (ت٦٨٧هـ)
قال في المختصر في علم أصول الحديث النبوي ص١١٥: (وأما الأخبار التي بأيدينا الآن فإنما نتبع فيها غالب الظن، لا العلم المحقق، خلافا لقوم، وقال قوم: إن جميع ما اتفق عليه مسلم والبخاري فهو مقطوع به، لأن العلماء اتفقوا على صحة هذين الكتابين، والحق أنه ليس كذلك، إذ الاتفاق إنما وقع على جواز العمل بما فيهما، وذلك لا ينافي أن يكون ما فيهما مظنون الصحة ) إلى أن قال: (الفصل الثاني: في حقيقة خبر الآحاد وأنواعه: المراد هاهنا بخبر الآحاد ليس ما يرويه الواحد فقط، بل ما لا يبلغ رجاله في تلك الطبقة من الكثرة إلى حد يصير بذلك متواترا، ولا يقطع بصدقه ولا بكذبه.. وأنواع خبر الواحد كثيرة، نحن نذكر هاهنا المشهور منها، ونترك الباقي كراهة الإطالة: الخبر المرفوع وهو الخبر المروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسناد متصل.. الخبر الموقوف وهو المروي عن صحابي.. الخبر الصحيح هو السالم عن الطعن في رجاله ومتنه ومعناه مع تتالي إسناده، الخبر المتفق عليه: هو ما اتفق مسلم والبخاري على. صحته.. إلخ).
[١١٤] تاج الدين ابن الفركاح الفزاري الشافعي (ت٦٩٠هـ)
قال في شرح الورقات ص٢٧٩ تعليقا على تقسيم الجويني للخبر إلى آحاد ومتواتر، قال: (دليل انقسام الخبر إلى ما ذكر أن الخبر إما أن يفيد العلم بمخبره أو لا يفيده، والأول: المتواتر، والثاني: الآحاد) إلى أن قال في ص٢٩٣: (وعن بعض أهل الحديث أن خبر الواحد يفيد العلم، وربما نسب ذلك إلى الإمام أحمد بن حنبل، وقال قوم: ما في الصحيحين البخاري ومسلم معلوم ومقطوع به، وكل هذا إن أطلق على سبيل المجاز لإرادة الظن الغالب فصحيح، وإن أريد به العلم الذي لا يقبل التشكيك فهو باطل، فإن خبر الواحد بمفرده لا يوجب الجزم المانع من النقيض ، وما في الصحيحين متلقى بالقبول فلذلك ظن أنه مقطوع به، وإلا فالإنسان يجد فرقا بين ما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم من عدد الصلوات وعدد الركعات فيها ونحو ذلك، وما في الصحيح من الأخبار، ولو كان جميع ما خرجها في صحيحيهما معلوما لكانا معصومين، ولم يقل أحد بعصمتهما).
[١١٥] جلال الدين الخبازي الحنفي (ت٦٩١هـ)
قال في المغني في أصول الفقه ص١٩٤: (وخبر الواحد وهو الذي يرويه الواحد والاثنان فصاعدا بعد أن يكون دون المشهور والمتواتر، وهو حجة للعمل به في الدين والدنيا.. ولأن خبر الواحد يفيد غلبة الظن، وإنها توجب العمل لعدم توقفه على اليقين بيقين).
[١١٦] مظفر الدين ابن الساعاتي الحنفي (ت٦٩٤هـ)
قال في كتاب بديع النظام المعروف بنهاية الوصول إلى علم الأصول ج١ ص٣١٩: (خبر العدل يفيد الظن، لترجح الصدق بالعدالة وانتفاء اليقين بالاحتمال).
[١١٧] نجم الدين ابن حمدان الحنبلي (ت٦٩٥هـ)
قال المرداوي في التحبير ج٤ ص١٨٠٨ وما بعدها عن خبر الواحد: (وقال الشيخ موفق الدين والسيف الآمدي وابن حمدان والطوفي وجمع كثير منهم الرازي والبيضاوي وابن الحاجب والنظام ونقله ابن قاضي الجبل عن الجويني والغزالي أنه يفيد العلم بالقرائن).
[١١٨] محمد بن أبي بكر الأيكي الشافعي (ت٦٩٧هـ)
قال في معراج الوصول في شرح منهاج الأصول (للبيضاوي) ص٤٩٤: (هذا هو القسم الثالث من أقسام الخبر، وهو الذي لم يُعلم صدقه ولا كذبه، وهو الخبر الذي لم يبلغ حد التواتر، وكان راويه عدلا)، وقال في ص٥٠٣: (فإن قلت: لو جاز العمل بخبر الواحد بمجرد ظن الصدق، لجاز أيضا تصديق شخص يدعي النبوة من غير معجزة بمجرد الظن، ولجاز الاكتفاء في معرفة الله تعالى بمجرد الظن، ولكن لا يجوز واحد منهما بالاتفاق، قلت: هذا قياس بلا علة جامعة بينهما في الحكم، ولا تكفي المصلحة المظنون في كونه جامعا، لأن العمل بخبر الواحد في الرواية من الفروع، وهما من الأصول، ويكفي في الفروع الظن دون الأصول).
[١١٩] ابن دقيق العيد المالكي الشافعي (ت٧٠٢هـ)
قال في إحكام الأحكام ج١ ص١٨٩ وج٣ ص١٢١: (وأما المقام الثاني وهو أن ما كان من أخبار الآحاد مخالفا لقياس الأصول المعلومة لم يجب العمل به، فلأن الأصول المعلومة مقطوع بها من الشرع، وخبر الواحد مظنون، والمظنون لا يعارض المعلوم).
[١٢٠] محمد بن أبي الفتح بن أبي الفضل البعلي الحنبلي (ت٧٠٩هـ)
قال في مختصر روضة الناظر (لابن قدامة) ص١٩٩: (وأما الآحاد فهي ما عدا المتواتر، روي عن إمامنا أحمد: لا يحصل العلم بخبر الواحد، وهو قول الأكثرين والمتأخرين من أصحابنا، لأنا نعلم ضرورة أن لا نصدق كل خبر نسمعه، ولو أفاد العلم لجاز نسخ القرآن والأخبار المتواترة به، لاستوائهما في إفادة العلم، ولوجب الحكم بالشاهد الواحد، ولاستوى في ذلك العدل والفاسق كالمتواتر، وروي عن أحمد أنه قال في أخبار الرؤية: "يقطع العلم بها"، فيحتمل أن يكون في أخبار الرؤية وما أشبهها مما كثرت روايته، وتلقته الأمة بالقبول، ودلت القرائن على صدق ناقله، فيكون إذن من المتواتر، ويحتمل أن يكون خبر الواحد عنده مفيدا للعلم، وهو قول جماعة من أصحاب الحديث وأهل الظاهر).
[١٢١] أبو البركات النسفي الحنفي (ت٧١٠هـ)
قال في كتاب كشف الأسرار في شرح المنار (المتن والشرح كلاهما له) في ج٢ ص١٣: (وهذا فصل خبر الواحد، وهو كل خبر يرويه الواحد أو الاثنان فصاعدا لا عبرة للعدد فيه بعد أن يكون دون المشهور والمتواتر، وأنه يوجب العمل دون علم اليقين بالكتاب.. والخبر وإن رواه عشرة لا يخرج عن حيز الآحاد لبقاء توهّم الكذب) إلى أن قال في ص١٩: (وأما دعوى علم اليقين به فباطل، لأنا قد بينا أن المشهور لا يوجب علم اليقين، فخبر الواحد أولى، وهذا لأن خبر الواحد محتمل في نفسه ، وكيف يثبت اليقين مع وجود الاحتمال)، وقال في العقائد النسفية (وهو متن قصير في أربع صفحات): (والخبر الصادق على نوعين: أحدهما الخبر المتواتر وهو الخبر الثابت على ألسنة قوم لا يتصور تواطؤهم على الكذب، وهو موجب للعلم الضروري، كالعلم بالملوك الخالية في الأزمنة الماضية والبلدان النائية، والنوع الثاني: خبر الرسول المؤيد بالمعجزة، وهو يوجب العلم الاستدلالي).
[١٢٢] حسام الدين السغناقي الحنفي (ت٧١١هـ)
قال في الكافي شرح البزدوي ج٣ ص١٢٥٤: (باب خبر الواحد، "وهو الفصل الثالث من القسم الأول"، المراد من "القسم الأول": الاتصال، ومن "الفصل الثالث": اتصال فيه شبهة صورة ومعنى.. "فاستقام أن يثبت غير موجب علم اليقين" أي أن يثبت وجوب العمل حال كونه غير موجب للعلم).
[١٢٣] شمس الدين محمد بن يوسف الجزري الشافعي (ت٧١١هـ)
قال في معراج المنهاج شرح منهاج الوصول إلى علم الأصول (للبيضاوي) ج١ ص٤٤٣: (فالمتواتر كتاب الله تعالى كان أو سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يُنسخ بالآحاد، لأن المتواتر مقطوع بمتنه، والآحاد مظنون المتن، والمظنون لا يرفع المقطوع به).
[١٢٤] صفي الدين الأرموي الهندي الشافعي (ت٧١٥هـ)
قال في نهاية الوصول في دراية علم الأصول ج١ ص١٠٤: (وأما النقل فهو إما آحاد أو تواتر، والآحاد لا يفيد إلا الظن)، وقال في نهاية الوصول ج٦ ص٢٨٠٠: (الفصل الثالث في الخبر الذي لا يُقطع بصدقه ولا بكذبه، وهو خبر الواحد.. اعلم أنه ليس المراد من خبر الواحد ما يرويه فقط، بل المراد منه الخبر الذي لم ينته إلى حد التواتر) إلى أن: (المسألة الثانية: خبر الواحد العدل المتجرد عن القرائن لا يفيد العلم عند جماهير العلماء خلافا لبعض أصحاب الحديث، فهم إن أرادوا بقولهم: يفيد العلم إنه يفيد العلم بوجوب العمل، أو أنه يفيد العلم بمعنى الظن، فلا نزاع فيه لتساويهما، وبه أشعر كلامه بعضهم، أو قالوا: يورث العلم الظاهر، ومعلوم أن العلم ليس له ظاهر، فالمراد منه الظن، وإن أرادوا منه أن يفيد الجزم بصدق مدلوله، وسواء كان على وجه الاطراد، كما نقل بعضهم عن الإمام أحمد وبعض الظاهرية، أو لا على وجه الاطراد، بل في بعض أخبار الآحاد دون الكل، كما نقل عنهم، فهو باطل)، وقال في ج٧ ص٢٧٦٥: (وثالثها: أن العلم الحاصل من القرائن والخبر آكد من العلم الحاصل بالقرائن وحدها)، وقال في ج٧ ص٢٨١١: (وجوابه منع الملازمة، وهذا لأن المطلوب في الأصول هو العلم واليقين، وخبر الواحد لا يفيده كما تقدم، بخلاف الفروع فإنه يكفي فيها الظن، وخبر الواحد يفيده)
[١٢٥] نجم الدين الطوفي الحنبلي (ت٧١٦هـ)
قال في البلبل في أصول الفقه على مذهب أحمد بن حنبل ج٢ ص١٠٣: (الثاني: الآحاد، وهو ما عدم شروط التواتر أو بعضها، عن أحمد في حصول العلم به قولان: الأظهر لا، وهو قول الأكثرين، والثاني: نعم، وهو قول جماعة من المحدثين، وقيل هو محمول على ما نقله آحاد الأئمة المتفق على عدالتهم وثقتهم وإتقانهم من طرق متساوية، وتلقته الأمة بالقبول، كأخبار الشيخين الصديق والفاروق رضي الله عنهما ونحوهما، وقال الأولون: لو أفاد العلم لصدقنا كل خبر نسمعه، ولما تعارض خبران، ولجاز نسخ القرآن وتواتر السنة به، ولجاز الحكم بشاهد واحد، ولاستوى العدل والفاسق، كالتواتر واللوازم الباطلة)، وقال المرداوي في التحبير ج٤ ص١٨٠١: (وقال الشيخ موفق الدين والسيف الآمدي وابن حمدان والطوفي وجمع كثير منهم الرازي والبيضاوي وابن الحاجب والنظام ونقله ابن قاضي الجبل عن الجويني والغزالي أنه يفيد العلم بالقرائن).
[١٢٦] شيخ الإسلام ابن تيمية الحنبلي (ت٧٢٨هـ)
قال في نقد مراتب الإجماع في شرح دعاء (أنت الأول فليس قبلك شيء): (وهذا الحديث لو كان نصا فيما ذُكر فليس هو متواترا)، وقال في منهاج الاعتدال ج٤ ص٩٥ عن حديث المهدي: (إن هذا من أخبار الآحاد فكيف يثبت به أصل الدين؟)، وقال في ج٨ ص٣٥٧: (والجواب أن يقال: من المعلوم أن الإجماع إذا حصل ؛ حصل له من الصفات ما ليس للآحاد ولم يجز أن يجعل حكم الآحاد كحكم الاجتماع، فإن كل واحد من المخبرين يجوز عليه الغلط والكذب، فإذا انتهى المخبرون إلى حد التواتر امتنع عليهم الكذب والغلط)، وقال في الفتاوى ج١٨ ص٤١: (ولهذا كان أكثر متون الصحيحين مما يعلم علماء الحديث علما قطعيا أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله، تارة لتواتره عندهم، وتارة لتلقي الأمة له بالقبول، وخبر الواحد المتلقى بالقبول يوجب العلم عند جمهور العلماء من أصحاب أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد، وهو قول أكثر أصحاب الأشعري كالإسفرائيني وابن فورك، فإنه وإن كان في نفسه لا يفيد إلا الظن، لكن لما اقترن به إجماع أهل العلم بالحديث على تلقيه بالتصديق كان بمنزلة إجماع أهل العلم بالفقه على حكم مستندين في ذلك إلى ظاهر أو قياس أو خبر واحد، فإن ذلك الحكم يصير قطعيا عند الجمهور، وإن كان بدون الإجماع ليس بقطعي)، وقال في المسودة ص٢٤٧: (ولهذا كان الصواب أن من رد الخبر الصحيح كما كانت ترده الصحابة اعتقادا لغلط الناقل أو كذبه، لاعتقاد الراد أن الدليل قد دل على أن الرسول لا يقول هذا، فإن هذا لا يكفّر ولا يفسّق، وإن لم يكن اعتقاده مطابقا، فقد رد غير واحد من الصحابة غير واحد من الأخبار التي هي صحيحة عند أهل الحديث )، وجاء في المستدرك على مجموع الفتاوى ج٢ ص٦٨: (خبر الواحد يوجب العمل وغلبة الظن دون القطع في قول الجمهور)، وقال في رفع الملام عن الأئمة الأعلام ص٤٦: (مثل اختلافهم في خبر الواحد الذي تلقته الأمة بالقبول والتصديق، أو الذي اتفقت على العمل به، فعند عامة الفقهاء وأكثر المتكلمين أنه يفيد العلم، وذهب طوائف من المتكلمين إلى أنه لا يفيده، وكذلك الخبر المروي من عدة جهات يصدق بعضها بعضا من أناس مخصوصين، قد يفيد العلم اليقيني لمن كان عالما بتلك الجهات، وبحال أولئك المخبرين، وبقرائن وضمائم تحف بالخبر، وإن كان العلم بذلك الخبر لا يحصل لمن لم يشاركه في ذلك، ولهذا كان علماء الحديث الجهابذة فيه المتبحرون في معرفته رحمهم الله قد يحصل لهم اليقين التام بأخبار وإن كان غيرهم من العلماء قد لا يظن صدقها فضلا عن العلم بصدقها، ومبنى هذا على أن الخبر المفيد للعلم قد يفيده من كثرة المخبرين تارة، ومن صفات المخبرين تارة، ومن نفس الإخبار به أخرى، ومن نفس إدراك المخبر له أخرى، ومن الأمر المخبر به أخرى، فرب عدد قليل أفاد خبرهم العلم لما هم عليه من الديانة والحفظ الذي يؤمن معه كذبهم أو خطؤهم، وأضعاف ذلك العدد من غيرهم قد لا يفيد خبرهم العلم، هذا هو الحق الذي لا ريب فيه، وهو قول جمهور الفقهاء والمحدثين وطوائف من المتكلمين).
[١٢٧] علاء الدين البخاري الحنفي )ت٧٣٠هـ)
قال في كتاب كشف الأسرار شرح أصول البزدوي ج٢ ص٣٦٨: (خبر الواحد يوجب العمل ولا يوجب العلم يقينا، أي لا يوجب علم يقين، ولا علم طمأنينة، وهو مذهب أكثر أهل العلم وجملة الفقهاء، وذهب بعض الناس إلى أن العمل بخبر الواحد لا يجوز أصلا وهو المراد من قوله: "لا يوجب العمل"، ثم منهم من أبى جواز العمل به عقلا مثل الجبائي وجماعة من المتكلمين، ومنهم من منعه سمعا مثل القاشاني وأبي داود والرافضة)، وفي كشف الأسرار ج٣ ص٢٧: (ثم خبر الواحد لما لم يفد اليقين لا يكون حجة فيما يرجع إلى الاعتقاد، لأنه مبني على اليقين، وإنما كان حجة فيما قصد فيه العمل، فقسم الشيخ ذلك على ما ذكر في الكتاب).
[١٢٨] بدر الدين بن جماعة الشافعي (ت٧٣٣هـ)
قال في المنهل الروي في مختصر علوم الحديث النبوي ص٣٢: (وأما أخبار الآحاد فخبر الواحد كل ما لم ينته إلى التواتر، وقيل: ما يفيد الظن، ثم هو قسمان: مستفيض وغيره.. وأكثر الأحاديث المدونة والمسموعة من هذا القسم، والتعبد بها جائز عند جمهور علماء المسلمين، والعمل بها واجب عند أكثرهم، ورد بعض الحنفية خبر الواحد فيما تعم به البلوى كالوضوء من مس الذكر وإفراد الإقامة، ورد بعضهم خبر الواحد في الحدود، ورجّح بعض المالكية القياس على خبر الواحد المعارض للقياس، والصحيح الذي عليه أئمة الحديث أو جمهورهم أن خبر الواحد العدل المتصل في جميع ذلك مقبول وراجح على القياس المعارض له، وبه قال الشافعي وأحمد بن حنبل وغيرهما من أئمة الحديث والفقه والأصول رضي الله عنهم، والله أعلم).
[١٢٩] صفي الدين ابن عبدالحق البغدادي الحنبلي (ت٧٣٩هـ)
قال في قواعد الأصول ص١٦: (والآحاد ما لم يتواتر، والعلم لا يحصل به في إحدى الروايتين، وهو قول الأكثرين ومتأخري أصحابنا، والأخرى بلى، وهو قول جماعة من أهل الحديث والظاهرية).
[١٣٠] ابن جزي الكلبي المالكي (ت٧٤١هـ)
قال في تقريب الوصول إلى علم الأصول ص١٧٩: (وأما نقل الآحاد فهو خبر الواحد أو الجماعة الذين لا يبلغون حد التواتر، وهو لا يفيد العلم، وإنما يفيد الظن).
[١٣١] فخر الدين الزيلعي الحنفي (ت٧٤٣هـ)
قال في تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق للسنفي ج١ ص٩٠: (وخبر الواحد لا يكون حجة فيما تعم به البلوى)، وقال في ج١ ص١٨٦: (والكتاب مقدم على خبر الواحد عند تعذر الجمع بينهما)، وقال في تبيين الحقائق ج١ ص٣١٣: (فلا يكون قطعيا كالآية المؤولة وخبر الواحد)،
[١٣٢] فخر الدين الجاربردي الشافعي (ت٧٤٦هـ)
قال في السراج الوهاج في شرح المنهاج (للبيضاوي) ج٢ ص٧٣٨: (لما فرغ من القسمين الأولين: أي الخبر الذي عُلم صدقه، والذي عُلم كذبه، شرع في القسم الثالث، وهو الذي ظُن صدقه. اعلم أن المراد بخبر الواحد ما لم ينته رواته إلى حد التواتر، سواء كان مستفيضا، وهو ما يزيد رواته على الثلاثة، أو لم يكن مستفيضا، وهو ما لم يزد رواته عليها).
[١٣٣] عبدالله بن مسعود المحبوبي تاج الشريعة الحنفي (ت٧٤٧هـ)
قال في التوضيح في حل غوامض التنقيح (له) (مطبوع مع التلويح إلى كشف حقائق التنقيح للتفتازاني) ج٢ ص٣: (فصل: في الاتصال: الخبر لا يخلو من أن يكون رواته في كل عهد قوما لا يحصى عددهم ولا يمكن تواطؤهم على الكذب لكثرتهم وعدالتهم وتباين أماكنهم، أو تصير كذلك بعد القرن الأول، أو لا تصير كذلك بل رواته آحاد، والأول متواتر، والثاني مشهور، والثالث خبر الواحد، ولم يعتبر فيه العدد إذا لم يصل حد التواتر، والأول: يوجب علم اليقين.. والثاني يوجب علم طمأنينة، وهو علم تطمئن به النفس وتظنه يقينا، لكن لو تأمل حق التأمل علم أنه ليس بيقين.. والثالث يوجب غلبة الظن إذا اجتمع الشرائط التي نذكرها إن شاء الله تعالى، وهي كافية لوجوب العمل، وعند البعض لا يوجب شيئا لأنه لا يوجب العلم، ولا عمل إلا عن علم).
[١٣٤] الإمام الذهبي الشافعي (ت٧٤٨هـ)
قال في تذكره الحفاظ ج١ ص١١: (ففي هذا دليل على أن الخبر إذا رواه ثقتان كان أقوى وأرجح مما انفرد به واحد، وفي ذلك حض على تكثير طرق الحديث لكي يرتقي عن درجة الظن إلى درجة العلم، إذ الواحد يجوز عليه النسيان والوهم، ولا يكاد يجوز ذلك على ثقتين لم يخالفهما أحد).
[١٣٥] شمس الدين أبو الثناء الأصبهاني الشافعي (ت٧٤٩هـ)
قال في بيان المختصر شرح مختصر ابن الحاجب ج١ ص٦٣٨: (والثالث: وهو ما لا يُعلم صدقه ولا كذبه، قد يظن صدقه كخبر العدل لرجحان صدقه على كذبه، وقد يُظن كذبه كخبر الكذاب، لرجحان كذبه على صدقه، وقد لا يُظن صدقه ولا كذبه، بل يُشك في صدقه وكذبه كخبر مجهول الحال)، وقال في بيان المختصر شرح مختصر ابن الحاجب ج١ ص٦٥٤: (خبر الواحد: ما لم ينته إلى التواتر، وقيل: ما أفاد الظن، ويبطل عكسه بخبر لا يفيد الظن، والمستفيض ما زاد نقلته على ثلاثة، مسألة: قد يحصل العلم بخبر الواحد العدل بالقرائن لغير التعريف، وقيل: وبغير قرينة، وقال أحمد: ويطرد، والأكثر: لا بقرينة ولا بغيرها، لنا: لو حصل بغير قرينة لكان عاديا فيطرد، ولأدى إلى تناقض المعلومين، ولوجب تخطئة المخالف).
[١٣٦] محمد بن محمد بن أحمد الكاكي الحنفي (ت٧٤٩هـ)
قال في جامع الأسرار في شرح المنار (للنسفي) ص٦٥٠: (خبر الواحد يوجب العمل دون علم اليقين والطمأنينة، بل يوجب الظن، وهو مذهب جملة الفقهاء وأكثر أهل العلم)، وقال في ص٦٦١: (وكذا الإجماع منعقد على قبول خبر الواحد في المعاملات مع أنه قد يترتب على خبر الواحد في المعاملات ما هو حق الله تعالى كما في الإخبار بطهارة الماء ونجاسته) وأجاب عن احتجاج من ردوا خبر الواحد في المعاملات بآية (إن يتبعن إلا الظن)، فقال: (وأما الجواب عن تمسكهم بالآية فنقول: لا نسلم بأن المراد منها المنع عن اتباع الظن مطلقا، بل المراد عن اتباعه فيما هو المطلوب منه العلم اليقيني من أصول الدين أو فروعه).
[١٣٧] ابن قيم الجوزية الحنبلي (ت٧٥١هـ)
قال في إعلام الموقعين عن رب العالمين ج٤ ص٥٤٨: (فلأن الظاهر إنما يكون دليلا صحيحا إذا لم يثبت أن الباطن بخلافه، فإذا قام دليل على الباطن لم يُلتفت إلى ظاهر قد علم أن الباطن بخلافه، ولهذا اتفق الناس على أنه لا يجوز للحاكم أن يحكم بخلاف علمه، وإن شهد عنده بذلك العدول، وإنما يحكم بشهادتهم إذا لم يعلم خلافها، وكذلك لو أقر إقرارا علم أنه كاذب فيه، مثل أن يقول لمن هو أسن منه: "هذا ابني" لم يثبت نسبه ولا ميراثه اتفاقا، وكذلك الأدلة الشرعية مثل خبر الواحد العدل والأمر والنهي والعموم والقياس، إنما يجب اتباعها إذا لم يقم دليل أقوى منها يخالف ظاهرها)، وقال في الصواعق المرسلة (نقلا عن مختصر الصواعق لابن الموصلي) ص٥٤٨: (خبر الواحد بحسب الدليل الدال عليه، فتارة يجزم بكذبه لقيام دليل كذبه، وتارة يظن كذبه إذا كان دليل كذبه ظنيا، وتارة يتوقف فيه فلا يترجح صدقه ولا كذبه إذا لم يقم دليل أحدهما، وتارة يترجح صدقه ولا يجزم به، وتارة يجزم بصدقه جزما لا يبقى معه شك، فليس خبر واحد يفيد العلم ولا الظن، ولا يجوز أن ينفى عن خبر الواحد مطلقا أنه يحصل العلم، فلا وجه لإقامة الدليل على أن خبر الواحد لا يفيد العلم وإلا اجتماع النقيضان، بل نقول: خبر الواحد يفيد العلم في مواضع، أحدها: خبر من قام الدليل القطعي على صدقه.. الثاني: خبر الواحد بحضرة الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يصدقه).
[١٣٨] عضد الدين الأيجي الشيرازي الشافعي (ت٧٥٦هـ)
قال في شرح العضد على مختصر المنتهى الأصولي لابن الحاجب في ص١٣٦: (قد اختلف في خبر الواحد العدل، هل يفيد العلم أو لا؟ والمختار أنه يفيد العلم بانضمام القرائن، وعنى بها الزائدة على ما لا ينفك التعريف عنه عادة، وقال قوم: ويحصل العلم به بغير قرينة أيضا، ثم اختلفوا، فقال أحمد في قول: يحصل العلم به بلا قرينة ويطرد، أي كلما حصل خبر الواحد حصل العلم، وقال قوم: لا يطرد، أي قد يحصل العلم به لكن ليس كلما حصل حصل العلم به، وقال الأكثرون: لا يحصل العلم به لا بقرينة ولا بغير قرينة)، وقال في ص٢٧٨: (المتواتر قاطع، والآحاد مظنون، والقاطع لا يقابله المظنون).
[١٣٩] تقي الدين علي بن عبدالكافي السبكي الشافعي (ت٧٥٦هـ)
قال في الإبهاج في شرح المنهاج (للبيضاوي) ج٢ ص٢٩٩: (القسم الثالث من أقسام الخبر ما لا يُقطع بصدقه ولا بكذبه، وله أحوال، إما أن يترجح احتمال صدقه أو كذبه كخبر العدل والفاسق، أو يتساوى كخبر المجهول).
[١٤٠] صلاح الدين العلائي الشافعي (ت٧٦١هـ)
قال في جامع التحصيل ص٧٣: (لا سبيل إلى القطع إلا في الخبر المتواتر، وأما خبر الواحد فلا يفيد إلا الظن، بل لو صرح المرسِل للحديث بذلك وقال: "أقطع بأن النبي صلى الله عليه وسلم قاله" لزم تأويل قوله وصرفه عن ظاهره، وإلا كان كاذبا، ويعود عليه بالجرح )، وقال في بغية الملتمس في سباعيات حديث الإمام مالك بن أنس ص٤٠: (وإنما المقصود من الإسناد حصول غلبة الظن بالخبر المروي وركون القلب إليه، هذا مما لا ريب فيه، ولا شك أن خبر الواحد لا يفيد العلم لقصوره عن ذلك ).
[١٤١] شمس الدين ابن مفلح الحنبلي (ت٧٦٣هـ)
قال في أصول الفقه ج٢ ص٤٨٧: (خبر العدل يفيد الظن، نص أحمد في رواية الأثرم أنه يعمل به ولا يشهد أنه عليه السلام قاله، وأطلق ابن عبدالبر وجماعة أنه قول جمهور أهل الفقه والأثر والنظر، وظاهره ولو مع قرينة، وذكره جماعة قول الأكثر)، قال المرداوي في التحبير ج٤ ص١٨٠٨ وما بعدها: (قال ابن مفلح في أصوله: "وذكر جماعة قول الأكثر" يعني أن خبر الواحد لا يفيد العلم ولو مع قرينة).
[١٤٢] ابن عمار المالكي (ت٧٦٨هـ)
قال في مفتاح السعيدية في شرح الألفية الحديثية ج١ ص٣٤ بعد أن نقل كلام الزين العراقي بطوله: (وكذا لا يُقطع بما أخرجه الشيخان أو أحدهما عند المحققين، خلافا لابن الصلاح).
[١٤٣] بدر الدين الشبلي الدمشقي الحنفي (ت٧٦٩هـ)
قال في آكام المرجان في أحكام الجان ص١٩٤: (ومن الجائز أن لا يكون عنده علم فيذهب ويكشف ثم يعود فيخبر، ومع هذا فهو خبر واحد لا يفيد غير الظن).
[١٤٤] تاج الدين عبدالوهاب السبكي الدمشقي الشافعي (ت٧٧١هـ)
قال في رفع الحاجب عن مختصر ابن الحاجب ج٢ ص٢٩٥: (والثالث: وهو ما لم يُعلم صدقه ولا كذبه، ثلاثة أقسام: لأنه قد يُظن صدقه كخبر الواحد ، وقد يُظن كذبه كخبر الكذاب، وقد يُشك كالمجهول)، ثم قال في ج٢ ص٣٠٩: (قد يحصل العلم بخبر الواحد العدل وذلك بالقرائن لغير التعريف)، ثم شرح قول ابن الحاجب بتحقق العلم بدون قرينة، فقال في ج٢ ص٣١٠: (أي: قد يحصل العلم بخبر العدل، وإن لم يكن ثمّ قرينة، ولكن هذا لا يطّرد، بل يكون في وقت ما، ونقله الآمدي عن بعض أصحاب الحديث وهو ساقط، فإن ذلك الوقت الذي يحصل فيه العلم إما أن يكون فيه زيادة على الوقت الذي لم تحصل فيه، فالزيادة قرينة فلا وجه لقوله: بغير قرينة، أو لا يكون فيه زيادة، فيكون ترجيحا من غير مرجح، وأنه محال …. وقال أحمد: يطّرد، فيحصل العلم في كل وقت بخبر كل عدل، وإن لم تكن ثمّ قرينة، وهو رأي ابن خويز منداد، وعزاه إلى مالك، لكنه يرى الأخبار متفاوتة، ولعله يرى تفاوت العلوم، وهو الظن بكل من ذهب إلى إفادة خبر الواحد العلم، إذ لا يُظنّ بذي لب أن يساويه بالمتواتر ، وهذا المذهب على سقوطه أوجه من المذاهب قبله، إذ لا ترجيح فيه بدون مرجّح)، وقال في ج٢ ص٣١١: (والمختار في الدليل أنا نجد من أنفسنا احتمال النقيض عند خبر الواحد، ولا نجده عند التواتر، والمعاند في ذلك مكابر )، وقال في جمع الجوامع ص٦٦: (خبر الواحد لا يفيد العلم إلا بقرينة، وقال الأكثر: لا مطلقا، وأحمد: يفيد مطلقا، والأستاذ وابن فورك يفيد المستفيض علما نظريا).
[١٤٥] جمال الدين الإسنوي الشافعي (ت٧٧٢هـ)
قال في نهاية السول شرح منهاج الوصول (للبيضاوي) ص١٦٩: (وإما بالآحاد وهو باطل، لأن الآحاد إن أفادت فإنما تفيد الظن، والشارع إنما أجاز الظن في المسائل العملية وهي الفروع دون العلمية كقواعد أصول الدين وكذلك قواعد أصول الفقه)، وقال في نهاية السول ص٢٦٣: (إن من الأخبار المنسوبة إليه صلى الله عليه وسلم ما هو معارض للدليل العقلي، بحيث لا يقبله التأويل، فيُعلم بذلك امتناع صدوره عنه صلى الله عليه وسلم، وسبب وقوع الكذب أمور: الأول: نسيان الراوي بأن سمع خبرا وطال عهده به فنسي، فزاد فيه أو نقص، أو عزاه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وليس من كلامه. الثاني: غلطه بأن أراد أن ينطق بلفظ فسبق لسانه إلى غيره ولم يشعر، أو كان ممن يرى نقل الخبر بالمعنى فأبدل مكان اللفظ المسموع لفظا آخر لا يطابقه ظنا أنه يطابقه، الثالث: افتراء الملاحدة، أي الزنادقة، وغيرهم من الكفار، فإنهم وضعوا أحاديث مخالفة لمقتضى العقل، ونسبوها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم تنفيرا للعقلاء عن شريعته).
[١٤٦] ابن عادل الحنبلي الدمشقي (ت٧٧٣هـ)
قال في تفسيره المسمى باللباب في علوم الكتاب في تفسير آية (إن ترك خير الوصية): (وقال بعضهم أيضا إنها نسخت بقوله عليه السلام: "لا وصية لوارث"، وفيه إشكال من حيث إنه خبر واحد، فلا يجوز نسخ القرآن به، فإن قيل: بأنه وإن كان خبر واحد إلا أن الأمة تلقته بالقبول، فالتحق بالمتواتر، فالجواب: سلمنا أن الأمة تلقته بالقبول، لكن على وجه الظن أو على وجه القطع؟ فإن كان على وجه الظن فمسلم إلا أن ذلك يكون إجماعا منهم على أنه خبر واحد، فلا يجوز نسخ القرآن به، وإن كان على وجه القطع فممنوع، لأنهم لو قطعوا بصحته مع أنه من باب الآحاد لكانوا قد أجمعوا على الخطأ وأنه غير جائز)، وقال في تفسير آية الغرانيق: (فبهذه الوجوه عرفنا على سبيل الإجماع أن هذه القصة موضوعة، أكثر ما في الباب أن جمعا من المفسرين ذكروها، لكنهم ما بلغوا حد التواتر، وخبر الواحد لا يعارض الدلائل العقلية والنقلية المتواترة )، وقال في تفسير آية (إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات): (من الناس من يحتج بهذه الآيات على قبول خبر الواحد، لأن إظهار هذه الأحكام واجب، ولو لم يجب العمل لم يكن إظهارها واجبا، وتمام التقرير فيه لقوله تعالى في آخر الآية: "إلا الذين تابعوا وأصلحوا وبينوا" فحكم بوقوع البيان بخبرهم، فإن قيل: لم لا يجوز أن يكون كل واحد كان منهيا عن الكتمان ومأمورا بالبيان ليكثر المخبرون فيتواتر الخبر؟ فالجواب:هذا غلط، لأنهم ما نهوا عن الكتمان إلا وهم ممن يجوز عليهم الكتمان، ومن جاز منهم التواطؤ على الكتمان جاز منهم التواطؤ على الوضع والافتراء، فلا يكون خبرهم موجبا للعلم)، وقال في تفسير آية (أم تقولون على الله ما لا تعلمون): (دلت الدلائل على وجوب العمل عند حصول الظن المستفاد من القياس ومن خبر الواحد)، وقال في تفسير آية (إنه من يأت ربه مجرما): (ويمكن أن يقال: ثبت في أصول الفقه أنه يجوز تخصيص القرآن بخبر الواحد، وللخصم أن يجيب بأن ذلك يفيد الظن، فيجوز الرجوع إليه في العمليات، وهذه المسألة ليست من العمليات، بل من الاعتقادات، فلا يجوز الرجوع إليها هاهنا).
[١٤٧] يحيى بن موسى الرهوني المالكي (ت٧٧٣هـ)
قال في تحفة المسؤول في شرح مختصر منتهى السول (لابن الحاجب) عن تقسيم الخبر في ص٥١٩: (وينقسم إلى متواتر وآحاد، فالمتواتر: خبر جماعة مفيد بنفسه العلم بصدقه، وقيل: بنفسه ليخرج ما عُلم صدقهم فيه بالقرائن الزائدة على ما لا ينفك عنه عادة وغيرها) إلى أن قال في ص٥٣٣: (خبر الواحد ما لم ينته إلى التواتر، وقيل: ما أفاد الظن، ويبطل عكسه بخبر لا يفيد الظن، والمستفيض: ما زاد نقلته على ثلاثة).
[١٤٨] علاء الدين علي بن محمد الكناني العسقلاني الحنبلي (ت٧٧٦هـ)
قال في سواد الناظر وشقائق الروض الناظر ص١٨٩: (المسألة الأولى: يجوز التعبد بخبر الواحد عقلا، خلافا لقوم من القدرية والظاهرية، لنا أن في العمل به دفع ضرر مظنون، وهو ما يترتب على المخالفة من حصول العقاب، فوجب العمل به أخذا بالاحتياط لاحتمال مخالفة أمر الله وأمر رسوله بالترك، وإنما قلنا: إن دفع الضرر المظنون جائز عقلا لما ثبت من تجويز الرجوع في التخويف من طريق مرهوب في سفر بخبر الواحد بما يخوفه من سبع أو قاطع طريق، ولا عاقل ينكر ذلك).
[١٤٩] أحمد بن علي بن عبدالرحمن الكناني البلبيسي الحنفي (ت٧٧٩هـ)
قال في جواهر الأفكار على مختصر المنار (المختصر لابن حبيب والمنار للنسفي) في ورقة ٤٣ (مخطوط): ("والمشهور وهو الذي في اتصاله بنا شبهة" صورة لكونه آحادا في الأصل لا معنى، لأن الأمة قد تلقته بالقبول "وانتشر" أي وهو الذي انتشر في القرن الثاني والثالث "من الآحاد" أي في القرن الأول وهو قرن الصحابة.. وموجبه علم الطمأنينة، وهو دون اليقين وفوق أصل الظن، وموجب التواتر: اليقين كما يوجبه الحس، وخبر الواحد وهو الذي في اتصاله بنا شبهة صورة ومعنى، وعرف بما لم يبلغ حد الشهرة، وحكمه أنه يوجب العمل ولا يوجب العلم).
[١٥٠] محمد بن محمود البابرتي الحنفي (ت٧٨٢هـ)
قال في الردود والنقود شرح مختصر ابن الحاجب ج١ ص٦٣٤: (قد يحصل العلم بخبر الواحد العدل بالقرائن لغير تعريف.. وقال أحمد: "ويطّرد"، أي يحصل العلم بخبر كل واحد عدل، سواء كان معه قرينة أو لا، والأكثر على أن خبر الواحد العدل لا يفيد العلم مطلقا).
[١٥١] شمس الدين الكرماني الشافعي (ت٧٨٦هـ)
قال في الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري ج٣ ص٥١: (فإن قلت: خبر الواحد لا يفيد إلا الظن، فتكون فائدة السؤال تقوية ذلك الظن، والتقوية مطلوبة، فلم نهاه عن السؤال عن غيره؟ قلت: خبر الواحد قد يصير محفوفا بالقرائن فيفيد اليقين فلا يحتاج حينئذ إلى السؤال إذ لا فائدة فيه)، وقال في الكواكب الدراري ج٢٥ ص١٤: (والخبر على نوعين، متواتر وهو ما بلغت روايته في الكثرة مبلغا أحالت العادة تواطأهم على الكذب، وضابطه إفادة العلم، وواحد وهو ما ليس كذلك، سواء كان المخبر به شخصا واحدا أو أشخاصا كثيرة بحيث ربما أخبر بقضية مائة نفس ولا يفيد العلم، فلا يخرج عن كونه خبر واحد)، ثم قال عن تبويب البخاري: (باب ما جاء في إجازة خبر الواحد الصدوق في الأذان والصلاة والصوم والفرائض والأحكام)، قال الكرماني: (ليُعلم أنما هو في العمليات لا في الاعتقادات).
[١٥٢] إبراهيم بن موسى الشاطبي المالكي (ت٧٩٠هـ)
قال في الموافقات ج٣ ص٣٣٩: (أجمع المحققون على أن خبر الواحد لا ينسخ القرآن ولا الخبر المتواتر، لأنه رفعٌ للمقطوع به بالمظنون)، وقال في الاعتصام ج٢ ص٤٤: (كل خبر واحد صح سنده، فلا بد من استناده إلى أصل في الشريعة قطعي فيجب قبوله، ومن هنا قبلناه مطلقا)، وقال في الاعتصام ج٣ ص٦٩: (والثاني أنه خبر واحد في مسألة قطعية فلا يسمع)، وقال في الموافقات ج٣ ص١٨٤: (كل دليل شرعي إما أن يكون قطعيا أو ظنيا، فإن كان قطعيا فلا إشكال في اعتباره، وإن كان ظنيا فإما أن يرجع إلى أصل قطعي أولا، فإن رجع إلى قطعي فهو معتبر أيضا، وإن لم يرجع وجب التثبت فيه ولم يصح إطلاق القول بقبوله، ولكنه قسمان: قسم يضاد أصلا قطعيا، وقسم لا يضاده ولا يوافقه، فالجميع أربعة أقسام، فأما الأول فلا يفتقر إلى بيان، وأما الثاني: وهو الظني الراجع إلى أصل قطعي، فإعماله أيضا ظاهر، وعليه عامة أخبار الآحاد، فإنها بيان للكتاب.. وأما الثالث: وهو الظني المعارض لأصل قطعي، ولا يشهد له أصل قطعي، فمردود بلا إشكال ... وأما الرابع وهو الظني الذي لا يشهد له أصل قطعي ولا يعارض أصلا قطعيا فهو في محل النظر).
[١٥٣] سعد الدين التفتازاني الحنفي (ت٧٩٢هـ)
قال في شرح التلويح على التوضيح (للمحبوبي) ج٢ ص٤: (أن الخبر المتواتر يوجب علم اليقين.. وخبر المشهور يفيد علم الطمأنينة، والطمأنينة زيادة توطين وتسكين يحصل للنفس على ما أدركته.. فاطمئنانها رجحان جانب الظن بحيث يكاد يدخل في حد اليقين، وهو المراد هاهنا، وحاصله سكون النفس عن الاضطراب بشبهة إلا عند ملاحظة كونه آحاد الأصل، فالمتواتر لا شبهة في اتصاله صورة ولا معنى، وخبر الواحد في اتصاله شبهة صورة وهو ظاهر، ومعنى حيث لا تتلقاه الأمة بالقبول، والمشهور في اتصاله شبهة صورة، لكونه آحاد الأصل لا معنى، لأن الأمة قد تلقته بالقبول، فأفاد حكما دون اليقين وفوق أصل الظن، فإن قيل في الأصل: خبر واحد، ولم ينظم إليه في الاتصال بالنبي صلى الله عليه وسلم تنزهوا عن وصمة الكذب أي الغالب الراجح من حالهم الصدق، فيحصل الظن بمجرد أصل النقل عن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يحصل زيادة رجحان بدخوله في حد التواتر وتلقيه الأمة بالقبول، فيوجب علم الطمأنينة، وليس المراد بتنزههم عن وصمة الكذب أن نقلهم صادق قطعا بحيث لا يحتمل الكذب، وإلا لكان المشهور موجبا علم اليقين لأن القرن الثاني والثالث وإن لم يتنزها عن الكذب إلا أنه دخل في حد التواتر) إلى أن قال في ص٦: (قوله: "والثالث وهو خبر الواحد" يوجب العمل دون علم اليقين، وقيل لا يوجب شيئا منهما، وقيل يوجبهما جميعا، ووجه ذلك أن الجمهور ذهبوا إلى أنه يوجب العمل دون العلم).
[١٥٤] ابن أبي العز الحنفي (ت٧٩٢هـ)
قال في شرح الطحاوية ج١ ص١١٥: (وكذلك العلم بخبر من الأخبار، فإن خبر الواحد يحصل للقلب نوع ظن، ثم الآخر يقويه، إلى أن ينتهى إلى العلم، حتى يتزايد ويقوى، وكذلك الأدلة على الصدق والكذب ونحو ذلك).
[١٥٥] بدر الدين الزركشي المصري الشافعي (ت٧٩٤هـ)
قال في سلاسل الذهب ص٣٢١ عن أخبار الصحيحين الآحاد: (والذي عليه المحققون كما قال النووي وغيره أنها لا تفيد إلا الظن ما لم تتواتر، قلت: وقد اشتد إنكار ابن برهان على من قال بالأول، وهذا الخلاف يلتفت على أن الأمة إذا عملت بحديث هل يقتضي القطع بصحته؟ والمنقول عن المعتزلة أنه يقتضيه ولا جرم، قال الشيخ عز الدين في قول أبي إسحاق إنه مبني على قول المعتزلة ذلك، قال: وهو مذهب رديء)، وقال في البحر المحيط ج٦ ص١١٥: (أما إجماعهم على العمل على وفق الخبر فلا يقتضي صحته فضلا عن القطع به، فقد يعملون على وفقه بغيره. جزم به النووي في الروضة في كتاب القضاء)، وقال في ج٦ ص١٢٨: (القسم الثالث : ما لا يُقطع بصدقه ولا كذبه، وهو إما أن يترجح احتمالات صدقه كخبر العدل، أو كذبه كخبر الفاسق، أو يتساوى الأمران كخبر المجهول) .
[١٥٦] ابن اللحام البعلي الحنبلي (ت٨٠٣هـ)
قال في القواعد والفوائد الأصولية ص١٨: (غالب الفقه مظنون، لكونه مبنيا على العموميات وأخبار الآحاد والأقيسة وغيرها من المظنونات، فكيف يعبّرون عنه بالعلم)، وقال في القواعد والفوائد الأصولية ص٩٥: (ومنها: المضمضة والاستنشاق، واختلف قول أحمد فيهما: هل يسميان فرضا أم لا؟ فنقل أبو داود وابن إبراهيم: لا يسميان فرضا، وإنما يسميان سنة مؤكدة أو واجبا، لأن حد الفرض ما ثبت من طريق مقطوع به بنص كتاب أو سنة متواترة أو إجماع، وليس طريق ثبوتهما كذلك، وإنما ثبتا بأخبار الآحاد)، وقال في المختصر في أصول الفقه ص٨٣: (مسألة: قيل عن أحمد في حصول العلم بخبر الواحد قولان، والأكثر: لا يحصل)، وقال في المختصر في أصول الفقه ص١٣٨: (ولا يجوز نسخ المتواتر بأخبار الآحاد).
[١٥٧] ابن عرفة المالكي (ت٨٠٣هـ)
نقل في المختصر الفقهي ج٤ ص٢١٩ كلاما نسب أوله لابن رشد، وجاء في آخره: "لأن خبر الواحد الصحيح إنما يفيد الظن"، فقال ابن عرفة: (قلت: الظن الناشئ عن خبر الواحد قوي لوجوب اعتباره والعمل به، بخلاف الظن العارض لإنسان لأمر عرض له)، وقال الشيخ محمد جعيط في حاشيته المسماة منهج التحقيق والتوضيح لحل غوامض التنقيح (للقرافي) ج٢ ص١٤٨: (الذي رجحه الشيخ ابن عرفة أن الظن كاف في المسائل العملية غير الاعتقادية، ككون الأرض سبعة مثل السماوات الثابت ذلك بالآحاد،وإنما يشترط القطع في المسائل العلمية الاعتقادية اهـ).
[١٥٨] الحافظ زين الدين العراقي الشافعي (ت٨٠٦هـ)
قال في التبصرة والتذكرة في شرح ألفيته ج١ ص١٠٥: (وحيث قال أهل الحديث: هذا حديث صحيح الإسناد فمرادهم فيما ظهر لنا عملا بظاهر الإسناد، لا أنه مقطوع بصحته في نفس الأمر لجواز الخطأ والنسيان على الثقة ، هذا هو الصحيح الذي عليه أكثر أهل العلم، خلافا لمن قال: إن خبر الواحد يوجب العلم الظاهر كحسين بن علي الكرابيسي وغيره، وحكاه ابن الصباغ في العدة عن قوم من أصحاب الحديث، قال القاضي أبو بكر الباقلاني: إنه قول من لا يحصل علم هذا الباب. انتهى. وكذا قولهم: هذا حديث ضعيف، فمرادهم: لم تظهر لنا فيه شروط الصحة، لا أنه كذب في نفس الأمر لجواز صدق الكاذب وإصابة من هو كثير الخطأ).
[١٥٩] ابن حبيب طاهر بن الحسن الحلبي الحنفي (ت٨٠٨هـ)
قال في مختصر المنار (للنسفي) ص٣٥ (مطبوع مع شرحه زبدة الأسرار للزيلي): (منها المتواتر وهو الكامل الذي رواه قوم لا يحصي عددهم ولا يتوهم تواطؤهم على الكذب، والمشهور وهو الذي في اتصاله شبهة، وهو ما انتشر من الآحاد حتى صار كالمتواتر).
[١٦٠] الشريف الجرجاني الحنفي (ت٨١٦هـ)
قال في التعريفات ص٩٧: (وخبر الآحاد هو ما نقله واحد عن واحد، وهو الذي لم يدخل في حد الاشتهار، وحكمه يوجب العمل دون العلم، ولهذا لا يكون حجة في المسائل الاعتقادية).
[١٦١] ولي الدين أبو زرعة بن الحافظ العراقي الشافعي (ت٨٢٦هـ)
قال في الغيث الهامع شرح جمع الجوامع (للسبكي) ص٤١٥: (لما ذكر المقطوع بكذبه والمقطوع بصدقه ذكر قسما ثالثا وهو مظنون الصدق، وهو خبر العدل الواحد، والمراد به ما لم ينته إلى التواتر ولو زادت رواته على واحد) إلى أن قال: ("اختلف في أن خبر الواحد هل يفيد العلم أم لا" على أقوال، أحدهما أنه يفيده إن احتفت به قرائن.. الثاني: أنه لا يفيد العلم مطلقا، ولو احتفت به القرائن، وبه قال الأكثرون).
[١٦٢] أبو بكر بن عاصم الغرناطي المالكي (ت٨٢٩هـ)
قال في نظمه مرتقى الوصول إلى علم الأصول:
ثم تقسمت لدى الإسناد * إلى تواتر وللآحاد
فالأول المفيد حكم القطع * وهو الذي انتقاله بجمع
يبعد في العادة أن تواطؤوا * على خلاف الصدق أو تمالؤوا
وخبر الواحد ظنا حصلا * وهو بنقل واحد فما علا
وقال في نظمه الآخر: مهيع الوصول إلى علم الأصول وهو نظم كتاب جده ابن جزي الكلبي تقريب الوصول إلى علم الأصول:
والنقل للأخبار عند الإسناد * نقل تواتر ونقل آحاد
فالخبر الذي له إشاعة * وهو الذي تنقله جماعة
محال أن تواطؤوا على الكذب * ذاك تواتر إليه ينتسب
والعلم حاصل من التواتر * لكن بشرطين لدى المعتبر
فصلٌ وأما خبر الآحاد * فالعلم منه غير مستفاد
لكن يفيد الظن في الأمور * وهو بنقل واحد مشهور
أو نقل جمع لم ينالوا في الورى * حد التواتر الذي قد قررا
وهو مع الشروط فيه حجة * عند أولي العلم فأتْبع نهجه
[١٦٣] شمس الدين البرماوي الشافعي (ت٨٣١هـ)
قال في اللامع الصبيح بشرح الجامع الصحيح (للبخاري) ج١٦ ص٢٢٣ في شرح حديث (إياكم والظن)، قال: (ليس المراد التحذير من ظنون المجتهدين والناس في المشتبهات والظاهرات ونحو ذلك، فإنا مأمورون بالعمل بها، بل فيما تعبد فيه بالقطع من الاعتقادات).
[١٦٤] شمس الدين الفناري الحنفي (ت٨٣٤هـ)
قال في فصول البدائع في أصول الشرائع ج٢ ص٣٠٩: (ثم الإجماع المختلف فيه كإجماعٍ فيه خلاف سابق، أو رجوع من البعض لاحق، فهو كالصحيح من الآحاد لا يضلل جاحده)، وقال في ج٢ ص٢٤٣: (القسم الثالث: خبر الواحد... وفيه مباحث: الأول: أنه لا يوجب العلم مطلقا، وهو مذهب الأكثرين، وقيل يوجبه عند انضمام القرائن الزائدة على ما لا ينفك عن الخبر عادة من الأنواع الأربعة) إلى أن قال: (ولمدعي الضرورة ورود الآحاد في أحكام الآخرة كرؤية الله وعذاب القبر، فإنا نجد العلم بها وإلا لم يفد شيئا إذ لا حظ لها إلا العلم.. قلنا: لا نعلم أنها توجب العقد بمعنى اليقين، بل توجب الظن كما توجب مشاهيرها الطمأنينة).
[١٦٥] أحمد بن حسين بن رسلان الرملي الشافعي (ت٨٤٤هـ)
قال في لمع اللوامع شرح جمع الجوامع (للسبكي) ص٧٠٤: (“و” الأصح "أن الإجماع" إذا انعقد "على وفق خبر" فإنه "لا يدل على صدقه" عند الجمهور، فقد يكون إجماعهم عليه لدليل آخر، أو عملاً بالظن، والثاني: يدل، وبه قال الكرخي، “وثالثها": أن قوله "إن تلقوه بالقبول" مع العمل به دل على صدقه، وإلاّ فلا، وعليه الأستاذ)، وقال في ص٧٠٦: (“وأما" الخبر الذي لا يقطع بصدقه ولا كذبه فهو "مظنون الصدق، فخبر" العدل "الواحد". "و" ليس المراد به: ما يرويه الواحد فقط، بل "هو ما لم ينته إلى" حد "التواتر" فعلى هذا: الخبر منه ما ليس بمستفيض مشهور. "ومنه: المستفيض، وهو الشائع" فيما يعده الناس، وقد صدر "عن أصل”)، وقال في ص٧٠٨: خبر" العدل "الواحد لا يفيد العلم إلاّ بقرينة" تنضم إلى الخبر، فإنها أمارة دالة على الصدق، كما لو أخبر ملِك بموت ولدٍ له مُشْرِفٍ على الموت، وانضم إليه القرائن من صراخ، ونعش، وخروج المُخَدَّرَات على حالٍ منكرةٍ غير معتادة دون موت مثله."وقال الأكثر: لا" يفيد العلم "مطلقاً”)، وقال في ص٧٠٩: خبر الواحد "يجب العمل به" اتفاقاً "في الفتوى والشهادة إجماعاً"، لكن الشهادة باثنين، وكذا قيمة المتلف "وكذا سائر الأمور الدينية الظنية").
[١٦٦] نظام الدين النيسابوري الحنفي (توفي بعد٨٥٠هـ)
قال في تفسير آية (وإن هم إلا يظنون) من سورة البقرة: (ولا حجة لمنكري القياس وخبر الواحد فيه، لأنه لما دل الدليل على وجوب العمل عند حصول الظن المستند إلى القياس أو إلى خبر الواحد كان وجوب العمل معلوما، فكان القول به قولا بالمعلوم)، وقال في تفسير قصة طالوت: (وخبر الواحد لا يفيد إلا الظن)، وقال في قصة الهدهد في سورة النمل: (وفي قول سليمان: "سننظر أصدقت" إشارة إلى أن خبر الواحد وإن زعم اليقين لا يعول عليه إلا بأمارات أخر).
[١٦٧] الحافظ ابن حجر العسقلاني الشافعي (ت٨٥٢هـ)
قال في نزهة النظر شرح نخبة الفكر ص٤٠: (وما تخلفت إفادة العلم عنه كان مشهورا فقط، فكل متواتر مشهور من غير عكس)، وقال في ص٤٢: (وهذا هو المعتمد أن خبر التواتر يفيد العلم الضروري)، وقال في نص طويل نفيس ص٥٥-٦٣: (وخبر الواحد في اللغة: ما يرويه شخص واحد، وفي الاصطلاح: ما لم يجمع شروط التواتر، وفيها أي الآحاد: المقبول، وهو ما يجب العمل به عند الجمهور، وفيها المردود، وهو الذي لم يرجح صدق المخبر به لتوقف الاستدلال بها على البحث عن أحوال رواتها دون الأول، وهو المتواتر، فكله مقبول لإفادته القطع بصدق مخبره، بخلاف غيره من أخبار الآحاد، لكن إنما وجب العمل بالمقبول منها لأنها إما أن يوجد فيها أصل صفة القبول، وهو ثبوت صدق الناقل، أو أصل صفة الرد، وهو ثبوت كذب الناقل، أو لا، فالأول: يغلب على الظن صدق الخبر لثبوت صدق ناقله، فيؤخذ به، والثاني: يغلب على الظن كذب الخبر، لثبوت كذب ناقله، فيطرح، والثالث: إن وجدت قرينة تلحقه بأحد القسمين التحق، وإلا فيتوقف فيه، فإذا توقف عن العمل به صار كالمردود، لا لثبوت صفة الرد، بل لكونه لم توجد فيه صفة توجب القبول والله أعلم. وقد يقع فيها – أي في أخبار الآحاد المنقسمة إلى: مشهور وعزيز وغريب – ما يفيد العلم النظري بالقرائن على المختار، خلافا لمن أبى ذلك، والخلاف في التحقيق لفظي، لأن من جوز إطلاق العلم قيده بكونه نظريا، وهو الحاصل عن الاستدلال، ومن أبى الإطلاق خص لفظ العلم بالمتواتر، وما عداه عنده ظني، لكنه لا ينفي أن ما احتف بالقرائن أرجح مما خلا عنها، والخبر المحتف بالقرائن أنواع: منها ما أخرجه الشيخان في صحيحيهما مما لم يبلغ التواتر، فإنه احتفت به قرائن، منها: جلالتهما في هذا الشأن، وتقدمهما في تمييز الصحيح على غيرهما، وتلقي العلماء لكتابيهما بالقبول، وهذا التلقي وحده أقوى في إفادة العلم من مجرد كثرة الطرق القاصرة عن التواتر، إلا أن هذا يختص بما لم ينتقده أحد من الحفاظ مما في الكتابين، وبما لم يقع التجاذب بين مدلوليه مما وقع في الكتابين حيث لا ترجيح، لاستحالة أن يفيد المتناقضان العلم بصدقهما من غير ترجيح لأحدهما على الآخر، وما عدا ذلك فالإجماع حاصل على تسليم صحته، فإن قيل: "إنما اتفقوا على وجوب العمل به لا على صحته" منعناه، وسند المنع أنهم متفقون على وجوب العمل بكل ما صح ولو لم يخرجه الشيخان، فلم يبق للصحيحين في هذا مزية، والإجماع حاصل على أن لهما مزية فيما يرجع إلى نفس الصحة، وممن صرح بإفادة ما خرجه الشيخان العلم النظري: الأستاذ أبو إسحاق الإسفرائيني، ومن أئمة الحديث: أبو عبدالله الحميدي وأبو الفضل بن طاهر وغيرهما، ويحتمل أن يقال: المزية المذكورة كون أحاديثهما أصح الصحيح، ومنها: المشهور، إذا كانت له طرق متباينة سالمة من ضعف الرواة والعلل، وممن صرح بإفادته العلم النظري: الأستاذ أبو منصور البغدادي والأستاذ أبو بكر بن فورك وغيرهما. ومنها: المسلسل بالأئمة الحفاظ المتقنين، حيث لا يكون غريبا، كالحديث الذي يرويه أحمد بن حنبل مثلا، ويشاركه فيه غيره عن الشافعي، ويشاركه فيه غيره عن مالك بن أنس، فإنه يفيد العلم عند سامعه بالاستدلال من جهة جلالة رواته وأن فيهم من الصفات اللائقة الموجبة للقبول ما يقوم مقام العدد الكثير من غيرهم، ولا يتشكك من له أدنى ممارسة بالعلم وأخبار الناس أن مالكا مثلا لو شافهه بخبر أنه صادق فيه، فإذا انضاف إليه من هو في تلك الدرجة ازداد قوة، وبَعُدَ ما يخشى عليه من السهو، وهذه الأنواع التي ذكرناها لا يحصل العلم بصدق الخبر منها إلا للعالم بالحديث المتبحر فيه، العارف بأحوال الرواة، المطلع على العلل، وكون غيره لا يحصل له العلم بصدق ذلك لقصوره عن الأوصاف المذكورة التي ذكرناها لا ينفي حصول العلم للمتبحر المذكور، ومحصل الأنواع الثلاثة التي ذكرناها أن الأول يختص بالصحيحين، والثاني بما له طرق متعددة، والثالث بما رواه الأئمة، ويمكن اجتماع الثلاثة في حديث واحد، ولا يبعد حينئذ القطع بصدقه، والله أعلم).
[١٦٨] بدر الدين العيني الحنفي (ت٨٥٥هـ)
قال في عمدة القاري ج٣ ص٩٨ عن أحاديث المسح على الخفين: (فيه أن خبر الواحد إذا حف بالقرائن يفيد اليقين، وقد تكاثرت الروايات بالطرق المتعددة عن الصحابة الذين كانوا لا يفارقون النبي صلى الله عليه وسلم في الحضر ولا في السفر، فجرى ذلك مجرى التواتر)، وقال في عمدة القارئ ج١١ ص٤٠ عن حديث الحسن عن أبي هريرة في الحاجم والمحجوم لما قيل للحسن: عن النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال: نعم، ثم قال: الله أعلم، فقال العيني: (جزم حيث سمعه مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وحيث كان خبر الواحد غير مفيد لليقين أظهر التردد فيه)، وقال في ج٢٥ ص١٣ عن تبويب البخاري (باب ما جاء في إجازة خبر الواحد الصدوق في الأذان والصلاة والصوم والفرائض والأحكام)، فقال: (إنما ذكر هذه الأشياء ليُعلم أن إنفاذ الخبر إنما هو في العمليات لا في الاعتقاديات)، وقال العيني في البناية شرح الهداية ج١ ص٥٧١ في المسح على الخفين: (وفي "النوادر": "من أنكر المسح على الخفين عن الكرخي يُخاف عليه الكفر".. وعلى قول محمد: "لا يكفر لأنه بمنزلة الآحاد، ومن أنكر خبر الآحاد لا يكفر"، وقال في ج١ ص٧٢٧ عن نجاسة الخمر: (وفي الجنازية: "والمراد بكونه قطعيا أن يكون سالما عن الأسباب الموجبة للتخفيف".. قلت: لا يلزم منه سلامته عما ذكر أن يكون مقطوعا به، لأن خبر الواحد السالم عن ذلك لا يكون الحكم الثابت به وحده مقطوعا به)، وقال العيني في شرح سنن أبي داود ج٣ ص١٤٢: (قوله: "إن التسليم ركن للصلاة كما أن التكبير ركن لها" ممنوع، لأن هذا الحديث خبر الآحاد، وبمثله لا تثبت الفرضية)، وقال العيني في نخب الأفكار ج١ ص١٢٣: (والجواب القاطع لحديث القلتين أنه خبر واحد، وخبر الواحد إذا ورد مخالفا للإجماع يُردّ).
[١٦٩] الكمال بن الهمام الحنفي (ت٨٦١هـ)
قال في فتح القدير في شرح الهداية (للمرغيناني) ج٣ ص١٥٩: (لأن خبر الواحد لا يوجب اليقين، بل الظن)، وقال في فتح القدير ج٤ ص٤٠٥: (إن شرط قبول خبر الواحد عدم طعن السلف فيه، وعدم الاضطراب، وعدم معارض يجب تقديمه)، وقال في التحرير (مطبوع ضمن تيسير التحرير لأمير باد شاه) ج٣ ص٣٧: (وأما الآحاد فخبر لا يفيد بنفسه العلم)، وقال في ج٢ ص٢٦٨: (المختار أن خبر الواحد قد يفيد العلم بقرائن غير اللازمة لما تقدم.. وعن أحمد: يطرد.. والأكثر: لا، مطلقا)، وقال في متن التحرير ص٣٣١: (المختار أن خبر الواحد قد يفيد العلم بقرائن غير اللازمة لما تقدم، ولو كان غير عدل لا مجردا).
[١٧٠] جلال الدين المحلي الشافعي (ت٨٦٤هـ)
قال في البدر اللامع في شرح متن جمع الجوامع (للسبكي) ج٢ ص١٥٧ (مطبوع مع حاشية العطار) في الأخبار التي تفيد اليقين: (خبر الواحد لا يفيد إلا بقرينة، كما في إخبار الرجل بموت ولده المشرف على الموت مع قرينة البكاء وإحضار الكفن والنعش، وقال الأكثر: لا يفيد مطلقا، وما ذكر من القرينة يوجد مع الإغماء، وقال الإمام أحمد: يفيد مطلقا بشرط العدالة، لأنه حينئذ يجب العمل به كما سيأتي، وإنما يجب العمل بما يفيد العلم لقوله تعالى: "ولا تقف ما ليس لك به علم"، "إن يتبعون إلا الظن" نهي عن اتباع غير العلم وذم على اتباع الظن، وأجيب بأن ذلك فيما المطلوب فيه العلم من أصول الدين كوحدانية الله تعالى وتنزيهه عما لا يليق به، لما ثبت من العمل بالظن في الفروع)، وقال في شرح الورقات ص١٩٣: (والآحاد وهو مقابل المتواتر، وهو الذي يوجب العمل ولا يوجب العلم لاحتمال الخطأ فيه).
[١٧١] شمس الدين المارديني الشافعي (ت٨٧١هـ)
قال في الأنجم الزاهرات في شرح الورقات (للجويني) ص٢١٣: (ورسم الآحاد بالذي يوجب العمل ولا يوجب العلم، لأن خبر الآحاد ظني، لتطرق الوهم إلى الآحاد).
[١٧٢] ابن إمام الكاملية الشافعي (ت٨٧٤هـ)
قال في تيسير الوصول إلى منهاج الأصول (للبيضاوي) ج٤ ص٢٩٨: (الفصل الثالث: فيما ظن صدقه من الأخبار، وهو خبر العدل الواحد، واحترز بالعدل عن الفاسق والمجهول، وبالواحد عن المتواتر، واحدا كان راويه أو أكثر، أفاد العلم بالقرائن المنفصلة أم لا).
[١٧٣] زين الدين ابن قطلوبغا الحنفي (ت٨٧٩هـ)
قال في خلاصة الأفكار شرح مختصر المنار (للنسفي) ص١٣٠: (وخبر الواحد وهو الذي في اتصاله بنا شبهة صورة ومعنى، وعرّف بما لم يبلغ حد الشهرة، وحكمه أنه يوجب العمل ولا يوجب العلم).
[١٧٤] ابن أمير حاج الحنفي (ت٨٧٩هـ)
قال في التقرير والتحبير على تحرير الكمال بن الهمام ج٢ ص٢٦٨: ("مسألة: المختار" كما هو مختار إمام الحرمين والغزالي والآمدي والإمام الرازي وابن الحاجب ورواية عن أحمد "أن خبر الواحد قد يفيد العلم بقرائن غير اللازمة لما تقدم" أي ما يلزم الخبر لنفسه أو للمخبر أو للمخبر عنه "ولو كان" المخبِر "غير عدل لا" أنه يفيده "مجردا" عن القرائن، "وقيل إن كان" المخبر "عدلا جاز" أن يفيد العلم "مع التجرد" عن القرائن، لكن لا يطرد في خبر كل واحد عدل، بمعنى أن كلما حصل خبر الواحد حصل العلم به، بل قد يوجد خبر الواحد ولا يوجد العلم به، وهو عن بعض المحدثين، "وعن أحمد" في رواية أنه يفيد العلم مع التجرد عن القرائن، لكن "يطرد" في خبر كل واحد عدل، بمعنى أن كلما حصل خبر الواحد العدل حصل العلم به.. "والأكثر" من الفقهاء والمحدثين "لا" يفيد العلم "مطلقا" أي سواء كان بقرائن أو لا)، وقال في التقرير والتحبير ج١ ص٢٩٤: ("فالمقيد المتأخر ناسخ عند الحنفية إن أريد الإطلاق، ثم رفع بالقيد فلذا" أي فلكون المقيد المتأخر عن المطلق ناسخا له عند الحنفية "لم يقيد خبر الواحد عندهم المتواتر وهو" أي تقييد خبر الواحد المتواتر هو "المسمى بالزيادة على النص" عندهم، لأن خبر الواحد ظني، والمتواتر قطعي، ولا يجوز نسخ القطعي بالظني).
[١٧٥] محيي الدين الكافيجي الحنفي (ت٨٧٩)
قال في المختصر في علم الأثر ص١٦٧: (ثم إن ما اتفق عليه الشيخان من الصحيح يفيد الظن بصحته وبمضمونه ما لم يتواتر ، خلافا للبعض، لكونه من قبيل غير المتواتر، فظهر ضعف قول من قال إنه يفيد القطع بصحته لاجتماع الأمة على تلقيه بالقبول بناء على أن الكلام هاهنا في الخبر نفسه مع قطع النظر عما عداه، لا في الخبر مع انضمام إجماع الأمة إليه، ألا ترى أنهم يقولون: خبر الواحد لا يفيد إلا الظن وإن كان يفيد العلم في بعض المواضع بانضمام القرائن إليه، فإذا القول هاهنا قول الجمهور لا غير).
[١٧٦] أبو بكر الجراعي الحنبلي (ت٨٨٣هـ)
قال في شرح مختصر أصول الفقه (لابن اللحام) ج٢ ص١٧٤: (ومنهم من قال: الآحاد ما أفاد الظن، ولا شك أنه منتقض طردا وعكسا، إذ طرده: أن غير الآحاد لا يفيد الظن، والحاصل أن القياس يفيد، وعكسه: أن كل خبر آحاد يفيد الظن، والحاصل: أن بعض أخبار الآحاد لا تفيد الظن)
[١٧٧] ملا خسرو الحنفي (ت٨٨٥هـ)
قال في مرآة الأصول في شرح مرقاة الوصول ص٢٠١: (إن كانت الرواة في كل قرن قوما لا يجوز العقل تواطؤهم على الكذب عادة، ويسمى المتواتر، وهو يفيد اليقين بالضرورة، وفيه شبهة صورة إن كانت كذلك في القرن الثاني والثالث لا في الأول، ويسمى المشهور، وهو يفيد طمأنينة الظن وصورة ومعنى إن لم تكن كذلك ويسمى خبر الواحد، وهو يوجب العمل وغلبة الظن بشرائط في الناقل والمنقول بالكتاب والسنة والإجماع والمعقول).
[١٧٨] المرداوي الحنبلي (ت٨٨٥هـ)
قال في التحبير شرح التحرير (كلاهما له) ج٤ ص١٨٠١: (فالأخبار قسمان: تواتر وآحاد، لا غير، قاله ابن البنا في العقود والخصال، والموفق، والطوفي، وجمع كثير.. فلا واسطة بينهما، فالآحاد قسيم التواتر.. فالآحاد هو الذي لا يفيد العلم واليقين، فلا يقصرون اسم الآحاد على ما يرويه الواحد كما هو حقيقة فيه، بل يريدون به ما لا يفيد العلم، ولو كان من عدد كثير، ولو أفاد خبرا، ولو أفاد خبر الواحد العلم بانضمام قرائن أو بالمعجزة فليس منه اصطلاحا)، ثم قال في ج٤ ص١٨٠٨: (أحمد والأكثر: خبر الواحد العدل يفيد الظن فقط. هذا هو الصحيح عن الإمام أحمد وأكثر أصحابه والأكثر من العلماء أيضا غيرهم، لاحتمال السهو والغلط ونحوهما، نص عليه الإمام أحمد في رواية الأثرم، وأنه يعمل به، ولا يشهد أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله، وأطلق ابن عبدالبر وجماعة أنه قول جمهور أهل الفقه والأثر والنظر، لأنه لو أفاد العلم لتناقض معلومان عند إخبار عدلين بمتناقضين، فلا يتعارض خبران، ولثبتت نبوة مدعي النبوة بقوله بلا معجزة، ولكان كالمتواتر فيعارض به المتواتر، ويمتنع التشكيك بما يعارضه وكذبه وسهوه وغلطه، ولا يتزايد بخبر ثان وثالث، ويخطئ من خالفه باجتهاده، وذلك خلاف الإجماع، وعن الإمام أحمد واختاره طائفة من المحدثين وابن أبي موسى وغيره من أصحابنا وغيرهم أنه يفيد العلم، قال الإمام أحمد في رواية حنبل: "أخبار الرؤية حق نقطع على العلم بها" وقال له المروزي: "هنا إنسان يقول الخبر يوجب عملا ولا يوجب علما" فعابه، وقال: "لا أدري ما هذا"، وفي كتاب الرسالة عن أحمد: "لا تشهد على أحد من أهل القبلة أنه في النار إلا أن يكون في حديث كما جاء، نصدقه ونعلم أنه كما جاء"، قال القاضي: ذهب إلى هذا جماعة من الأصحاب أنه يفيد العلم، وذكره في مقدمة المجرد عن أصحابنا، وجزم به ابن أبي موسى، وقاله كثير من أهل الأثر وبعض أهل النظر، والظاهرية، وابن خويزمنداد المالكي، وأنه يخرج على مذهب مالك، وهو قول الكرابيسي، وحمل بعضهم كلام أحمد على أنه أراد الخبر المشهور، وهو الذي صحت له أسانيد متعددة سالمة عن الضعف والتعليل، فإنه يفيد العلم النظري، لكنه لا بالنسبة إلى كل أحد، بل إلى الحافظ المتبحر. قوله: "تنبيه: ظاهر الأول ولو مع قرينة" يعني أن الخلاف المتقدم يعم ما إذا وجد قرينة تدل على صدقه أو لا، قال ابن مفلح في أصوله: "وذكر جماعة قول الأكثر" يعني أن خبر الواحد لا يفيد العلم ولو مع قرينة، وقاله طائفة من العلماء، قال الحارث المحاسبي في كتاب فهم السنن: "هو قول أكثر أهل الحديث من أهل الرأي والفقه"، وقال الشيخ موفق الدين والسيف الآمدي وابن حمدان والطوفي وجمع كثير منهم الرازي والبيضاوي وابن الحاجب والنظام ونقله ابن قاضي الجبل عن الجويني والغزالي أنه يفيد العلم بالقرائن، ونقله غيره عنهما، وهذا أظهر وأصح، لكن قال الماوردي: القرائن لا يمكن أن تضبط بعبارة، وقال غيره: يمكن أن تضبط بما تسكن إليه النفس كسكونها إلى التواتر أو قريب منه بحيث لا يبقى فيه احتمال عنده، ومن القرائن المفيدة للقطع: الإخبار بحضرته صلى الله عليه وسلم ولا ينكره على ما يأتي، أو بحضرة جمع يستحيل تواطؤهم على الكذب ونحوه، قال الشيخ موفق الدين: القرائن قد تفيد العلم بلا إخبار، قوله: "وقال المحققون" من أصحابنا وغيرهم: "لو نقله آحاد الأئمة المتفق على عدالتهم ودينهم من طرق متساوية، وتلقي بالقبول أفاد العلم، منهم القاضي" من أئمة أصحابنا "وقال: هذا المذهب" "و" منهم "أبو الخطاب" من أئمة أصحابنا "وقال هذا ظاهر كلام أصحابنا" ولم يحك فيه خلافا، "و" منهم "ابن الزاغوني والشيخ" تقي الدين، وقال: {والذي عليه الأصوليون من أصحاب أبي حنيفة والشافعي وأحمد أن خبر الواحد إذا تلقته الأمة بالقبول تصديقا له وعملا به يوجب العلم، إلا فرقة قليلة تبعوا طائفة من أهل الكلام أنكروا ذلك، والأول ذكره أبو إسحاق وأبو الطيب وذكره عبدالوهاب وأمثاله من المالكية، والسرخسي وأمثاله من الحنفية، وهو الذي عليه أكثر الفقهاء وأهل الحديث والسلف وأكثر الأشعرية، وغيرهم} انتهى. وقال: {إن هؤلاء اختلفوا: هل يشترط علمهم بصحته قبل العمل؟ على قولين}، وقال ابن عقيل وابن الجوزي والقاضي أبو بكر بن الباقلاني وأبو حامد وابن برهان والفخر الرازي والآمدي وغيرهم: لا يفيد العلم ما نقله آحاد الأئمة المتفق عليهم إذا تلقي بالقبول، حكاه الشيخ تقي الدين عن أكثر هؤلاء الجماعة، وقال ابن الصلاح: {ما أسنده البخاري ومسلم: العلم اليقيني النظري واقع به خلافا لقول من نفى ذلك محتجا بأنه لا يفيد في أصله إلا الظن، وإنما تلقته الأمة بالقبول لأنه يجب عليهم العمل بالظن، والظن قد يخطئ}، قال: {وقد كنت أميل إلى هذا وأحسبه قويا، ثم بان لي أن المذهب الذي اخترناه أولا هو الصحيح، لأن ظن من هو معصوم من الخطأ لا يخطئ، والأمة في إجماعها معصومة من الخطأ}، وقد سبقه إلى ذلك محمد بن طاهر المقدسي، وأبو نصر عبدالرحيم بن عبدالخالق بن يوسف، قال النووي: {وخالف ابن الصلاح المحققون والأكثرون، وقالوا: يفيد الظن ما لم يتواتر} انتهى، وقال الأستاذ أبو إسحاق الإسفرائيني يفيد عملا لا قولا.. وقال أحمد وأكثر أصحابه وغيرهم وحكي إجماعا: {يعمل به في الأصول} أعني أصول الدين، وحكاه ابن عبدالبر إجماعا، قال الإمام أحمد: لا نتعدى القرآن والحديث "و" قال "القاضي" أبو يعلى: يعمل به فيها "فيما تلقته" الأمة بالقبول، ولهذا قال الإمام أحمد: "قد تلقتها العلماء بالقبول"، وقال ابن قاضي الجبل: {مذهب الحنابلة أن أخبار الآحاد المتلقاة بالقبول تصلح لإثبات أصول الديانات، ذكره القاضي أبو يعلى في مقدمة المجرد والشيخ تقي الدين في عقيدته} انتهى، وقال أبو الخطاب وابن عقيل وغيرهما: لا يعمل به فيها، وقد تقدم قريبا أنه لا يفيد العلم وإنما يفيد الظن، لأن طريقها العلم ولا يفيدها خبر الآحاد، وبنى البرماوي وغيره المسألة على أنه يفيد العلم أو لا، إن قلنا: يفيد العلم عمل به فيها، وإلا فلا. قوله: "ولا يكفر منكره في الاصح" أي: لنا في تكفير منكر خبر الآحاد وجهان حكاهما ابن حامد عن الأصحاب، ونقل تكفيره عن إسحاق بن راهويه، والخلاف مبني على القولين بأنه يفيد العلم أو لا، فإن قلنا يفيد العلم كفره منكره، وإلا فلا، ذكره البرماوي وغيره، هو الظاهر، لكن التكفير بمخالفة المجمع عليه لا بد أن يكون معلوما من الدين بالضرورة، كما سبق آخر الإجماع، فهذا أولى، إذ لا يلزم من القطع أن يكفر منكره، وذهب بعضهم إلى أن أصل الخلاف في المسألة لفظي، والصحيح خلاف ذلك، وأن للخلاف فوائد منها: الخلاف في تكفير منكره، ومنها قبوله في أصول الدين إن قلنا يفيد العلم قبل، وإلا فلا).
[١٧٩] ابن قاوان الحسين بن أحمد بن محمد الكيلاني الشافعي (ت٨٨٩هـ)
قال في كتاب التحقيقات في شرح الورقات (للجويني) ص٤٥٦ في أقسام الخبر: (والثالث: قد يظن صدقه، كخبر العدل، وقد يظن كذبه، كخبر الكذوب، وقد لا يظن صدقه ولا كذبه كخبر مجهول الحال)، وقال في ص٤٧٠: (خبر الواحد لا يفيد العلم، وأما أنه لا يفيد العلم لجواز السهو والنسيان على الآحاد، فلا يمنع أن يصدر عنهم كذب إلا أن تنضم إليه القرائن المنفصلة غير اللازمة من أحوال في الخبر والمخبر عنه والمخبر به).
[١٨٠] محمود بن محمد الدهلوي الحنفي (ت٨٩١هـ)
قال في كتاب إفاضة الأنوار في إضاءة أصول المنار (للنسفي) ص٢٩٩: (لأنها تتصل بطرق ثلاثة: بالآحاد، وبالشهرة، وبالتواتر، أما الكتاب فطريق الاتصال فيه واحد وهو التواتر) ثم قال عن الخبر المشهور: (قوله: "فيه شبهة صورة كالمشهور" لأنه من حيث لم يتصل برسول الله صلى الله عليه وسلم قطعا، لما أنه كان من الآحاد في الأصل أي في القرن الأول تمكنت الشبهة فيه، ومن حيث تلقته الأمة بالقبول لا يكون فيه شبهة معنى، قوله: "وأنه يوجب علم الطمأنينة" لما أنه لا ينسخ به الكتاب، ولو كان موجبا علما قطعيا لجاز كما في التواتر، بخلاف الزيادة به على الكتاب لأنه ليس بنسخ من كل وجه.. قوله " بعد أن يكون دون المشهور والمتواتر" وذلك بأن يرويه في القرن الأول والثاني من يتوهم تواطؤهم على الكذب، فبعد ذلك لا يخرج عن كونه خبر الواحد وإن كثر رواته).
[١٨١] ابن بدر الدين العيني الحنفي (ت٨٩٣هـ)
قال في شرح ألفية العراقي ج١ ص٦٠: ("وبالصحيح والضعيف" إذا أطلقهما أهل الحديث فقالوا: هذا حديث صحيح، أو حديث ضعيف، "قصدوا في ظاهر" أي: فمرادهم فيما ظهر لنا عملا بظاهر الإسناد، "لا القطع" بصحته في نفس الأمر، لجواز الخطأ والنسيان على الثقة، أو بكذبه في نفس الأمر، لجواز صدق الكاذب وإصابة من هو كثير الخطأ).
[١٨٢] أحمد بن إسماعيل الكوراني الشافعي ثم الحنفي (ت٨٩٣هـ)
قال في الكوثر الجاري إلى رياض أحاديث البخاري عن حديث علي "كنت رجلا مذاء فأمرت المقداد أن يسأل النبي صلى الله عليه وسلم"، قال: (وفيه أن معرفة فروع الدين يكفي فيه خبر الواحد، والاكتفاء بالظن مع القدرة على اليقين)، وقال في الدرر اللوامع شرح جمع الجوامع ج٣ ص٤٥: (خبر الآحاد غير المحفوف به القرائن لا يفيد العلم عند الجمهور، وعن الإمام أحمد أنه يفيد، وتابعه الأستاذ وابن فورك لكن في قسم منه وهو المستفيض، والظاهر أنهم أرادوا أنه يفيد العلم بالنظر إلى العالم بالأسانيد، الحافظ المتبحر، وإلا القول بأن كل خبر يرويه واحد يفيد القطع في غاية البعد، وعلى ما ذكرنا يُحمل قول الأستاذ وابن فورك، وإلا فالخبر الذي يرويه اثنان ولا قرينة هناك ليس للنظر في إفادته للعلم مدخل ).
[١٨٣] ابن رجب الحنبلي (ت٨٩٥)
قال في فتح الباري شرح صحيح البخاري ج١ ص١٢٦: (فالتحقيق في جوابه أن خبر الواحد يفيد العلم إذا احتفت به القرائن).
[١٨٤] حلولو أحمد بن عبدالرحمن بن موسى الزليطي المالكي (ت٨٩٨هـ)
قال في الضياء اللامع شرح جمع الجوامع (للسبكي) ج١ ص٢٨١: (وأما الظن فلا يُعتمد عليه في عقائد الإيمان اتفاقا، ولا في القواعد الكلية كحلية النكاح والبيع)، وقال في الضياء اللامع ج٢ ص٥٨: (الذي عليه الأكثر أن الدليل القاطع قد يكون نقليا، وقيل: لا يكون نقليا، حكاه الفخر في المعالم، واحتج له بأنه يتوقف على أمور لا سبيل معها، وهي: عدم المجاز والنقل والتقديم والتأخير والتخصيص والنسخ والمعارض العقلي، وأجاب عن ذلك الأكثر بأنها قد تفيد اليقين بانضمام تواتر إما معنوي أو لفظي، أو غيره من القرائن الحالية، قال المصنف: وهو الحق، وما أحسب أن الإمام يخالف في هذا، وإلا لورد عليه ما علم من الدين بالضرورة، ومستنده النقل كالعلم بأحكام المعاد من البعث والحساب ووجود الجنة والنار).
[١٨٥] الحسين بن علي الرجراجي المالكي (ت٨٩٩هـ)
قال في رفع النقاب عن تنقيح الشهاب ج٥ ص٦٣: (قد تقدم لنا أن الخبر عند المؤلف ثلاثة أقسام، تواتر وآحاد وما ليس بتواتر ولا آحاد، وهو خبر الواحد إذا احتفت به القرائن حتى يفيد العلم، فإنه ليس بتواتر لعدم العدد، وليس بآحاد لإفادته العلم، إذ خبر الآحاد يفيد الظن ولا يفيد العلم.. والصحيح أن الخبر على قسمين: تواتر وآحاد خاصة، كما قاله غير واحد كابن الحاجب وغيره، وكون الخبر المنفرد يفيد العلم بالقرائن لا يخرجه ذلك عن خبر الآحاد، لأن مورد التقسيم إنما هو الخبر من حيث هو خبر، أي باعتبار نفسه لا باعتبار القرائن).
[١٨٦] أحمد بن زكري التلمساني المالكي (ت٩٠٠هـ)
قال في غاية المرام في شرح مقدمة الإمام (الجويني) ج٢ ص٦٦٩: (الخبر الذي ليس بمتواتر يسمى عند الأصوليين بخبر الواحد، ولا يعنون به خبر شخص واحد بل خبر الواحد عندهم هو ما لم ينته إلى حد التواتر، وذلك إما بأن لا يكون من روى الخبر جماعة، أو يكون إلا أنه لم يفد علما، أو أفاد لكن لا من نفسه بل بالقرائن الزائدة.. وقوله: "ولا يوجب العلم" فصل يخرج المتواتر، وظاهره أن خبر الواحد لا يفيد العلم بقرينة ولا بغيرها، وهو مذهب الأكثرين، ويحتمل ان يقال: المراد أنه لا يوجب العلم بنفسه، فيكون في كلامه إيماء أن خبر الواحد قد يفيد العلم بقرينة، لأن نفي الأخص لا يستلزم نفي الأعم).
[١٨٧] شمس الدين السخاوي الشافعي (ت٩٠٢هـ)
قال في فتح المغيب بشرح ألفية الحديث ج١ ص٣٢: ("و" إذا تم هذا فـ "بالصحيح" في قول أهل هذا الشأن: هذا حديث صحيح، "وبالضعيف" في قولهم هذا حديث ضعيف، "قصدوا" الصحة والضعف "في ظاهر" الحكم، بمعنى أنه اتصل سنده مع سائر الأوصاف المذكورة، أو فقد شرطا من شروط القبول لجواز الخطأ والنسيان على الثقة، والضبط والإتقان، وكذا الصدق على غيره، كما ذهب إليه جمهور العلماء من المحدثين والفقهاء والأصوليين، ومنهم الشافعي مع التعبد بالعمل به متى ظنناه صدقا، وتجنبه في ضده، "لا" أنهم قصدوا "القطع" بصحته أو ضعفه، إذ القطع إنما يُستفاد من التواتر، أو القرائن المحتف بها الخبر ولو كان آحادا كما سيأتي تحقيقه عند حكم الصحيحين، وأما من ذهب إلى أن خبر الواحد يوجب العلم الظاهر والعمل جميعا فهو محمول على إرادة غلبة الظن أو التوسع، لا سيما من قدم منهم الضعيف على القياس كأحمد، وإلا فالعلم عند المحققين لا يتفاوت).
[١٨٨] يوسف بن حسين الكراماستي الحنفي (ت٩٠٦هـ):
قال في الوجيز في أصول الفقه ص١٤٤: (والمتواتر خبر جماعة يفيد بنفسه العلم بصدقه)، وقال في ص١٤٦: (وخبر الآحاد ما لم ينته إلى حد التواتر، والخبر المشهور عندنا ما كان من الآحاد في الأصل أي القرن الأول ثم انتشر بعده فصار متواترا في القرن الثاني ومن بعدهم مطلقا.. وهو يوجب علم الطمأنينة لا علم اليقين لكونه من الآحاد في الأصل.. وخبر الواحد لا يوجب علم اليقين ولا الطمأنينة، بل يوجب الظن).
[١٨٩] كمال الدين بن أبي شريف الشافعي (ت٩٠٦هـ)
قال في كتاب المسامرة في شرح المسايرة للكمال بن الهمام ص٣٣: (كل لفظ يرد في الشرع مما يُسند إلى الذات المقدسة أو يطلق اسما أو صفة لها وهو مخالف للعقل ويسمى المتشابه لا يخلو إما أن يتواتر أو ينقل آحاد، والآحاد إن كان نصا لا يحتمل التأويل قطعنا بافتراء ناقله أو سهوه أو غلطه، وإن كان ظاهرا فظاهره غير مراد، وإن كان متواترا فلا يتصور أن يكون نصا لا يحتمل التأويل، بل لا بد وأن يكون ظاهرا، وحينئذ نقول الاحتمال الذي ينفيه العقل ليس مرادا منه).
[١٩٠] ابن المبرد المقدسي الحنبلي (ت٩٠٩هـ)
قال في غاية السول إلى علم الأصول ص٦٨: (وينقسم الخبر إلى: متواتر وآحاد، فالتواتر لغة: التتابع، وشرعا: خبر جماعة مفيد بنفسه العلم، والعلم الحاصل به ضروري، وقيل: نظري، والخلاف لفظي.. ويجوز حصول العلم بخبر الواحد مع القرائن لقيامها مقام المخبر، والله أعلم).
[١٩١] الإمام السيوطي الشافعي (ت٩١١هـ)
قال في تدريب الراوي شرح تقريب النواوي ص٣٩: (وإذا قيل: هذا حديث صحيح، فهذا معناه: أي: ما اتصل سنده مع الأوصاف المذكورة، فقبلناه عملا بظاهر الإسناد، لا أنه مقطوع به في نفس الأمر، لجواز الخطأ والنسيان على الثقة ، خلافا لمن قال: إن خبر الواحد يوجب القطع).
[١٩٢] نور الدين علي بن محمد الأشموني الشافعي (ت٩١٨هـ)
قال في البدر اللامع نظم جمع الجوامع (للسبكي):
بخبر الواحد ما العلم حصل *** إلا إذا قرينة بها اتصل
والأكثرون أطلقوا لا أحمد *** بلى إذا المخبر عدلا يوجد
ونجل فورك والأستاذ بلى *** بالمستفيض النظري حصلا
[١٩٣] محمد بن الحسن البدخشي الحنفي (ت٩٢٢هـ)
قال في مناهج العقول شرح منهاج الوصول في علم الأصول ج٢ ص٢٢٦: (أقول: خبر الواحد واجب العمل في العمليات، لا أنه يفيد العلم في الأصول التي هي الاعتقاديات، فلا يكون حجة فيها)، وقال في مناهج العقول ج٢ ص٢٢٩: (الفصل الثالث فيما لم يثبت صدقه ولا كذبه نفيا، ولكن ظُن صدقه، إذ ما لا يظن صدقه غير مقبول عند الجمهور، وإن قيل: رواية مجهول الحال عند البعض، وهو: أي مظنون الصدق: خبر العدل الواحد، بخلاف غير العدل، والمراد بخبر الواحد: ما لم تبلغ روايته حد التواتر ولا حد الشهرة على رأي الحنفية … ثم ما ذكر من أنه ما لم يعلم صدقه إنما هو على المختار، بمعنى أنه بنفسه لا يفيد العلم لا مطلقا لإفادته بانضمام القرائن الزائدة على ما لا ينفك التعريف عنه عادة.. وقال الأكثرون: لا يحصل العلم به، لا بقرينة ولا بغيرها، لنا أما على أنه بدونها لا يفيده فلأنه لو أفاده بدونها اللزوم تناقض المعلومين عند تعارض خبري عدلين، فإن ذلك جائز بل واقع، واللازم باطل، ولأنه لو حصل به العلم لوجب القطع بتخطئة من تخالفوا بالاجتهاد، وهو خلاف الإجماع).
[١٩٤] زكريا الأنصاري الشافعي (ت٩٢٦هـ)
قال في فتح الباقي بشرح ألفية العراقي ج١ ص٩٨: (قولهم هذا حديث صحيح أو ضعيف قصدوا الصحة والضعف في الظاهر، أي: فيما ظهر لهما عملا بظاهر الإسناد، لا القطع بصحته أو ضعفه في نفس الأمر، لجواز الخطأ والنسيان على الثقة، والضبط والصدق على غيره، والقطع إنما يستفاد من المتواتر أو مما احتف بالقرائن، وخالف ابن الصلاح فيما وجد في الصحيحين أو أحدهما، فاختار القطع بصحته، وسيأتي بيانه في حكم الصحيحين)، ثم قال في ص١٣٠: (وقيل صحيح أو يفيد ظنا.. وهذا القول.. عند محققيهم وأكثرهم هو المعتبر كما عزاه إليهم النووي محتجا بأن أخبار الآحاد لا تفيد إلا الظن، ولا يلزم من إجماع الأمة على العمل بما فيهما إجماعها على أنه مقطوع بأنه من كلام النبي صلى الله عليه وسلم ).
وقال في غاية الوصول ج١ ص١٠٢: (الأصح أن خبر الواحد يفيد العلم بقرينة، كما في إخبار رجل يموت ولده المشرف على الموت مع قرينة البكاء وإحضار الكفن والنعش … وقيل: لا يفيد العلم مطلقا، وعليه الأكثر … وقيل: يفيد مطلقا بشرط العدالة).
[١٩٥] الحطّاب الرعيني المالكي (ت٩٥٤هـ)
قال في قرة العين لشرح ورقات إمام الحرمين ص١١٣: ("والآحاد" هو ما لم يبلغ إلى حد التواتر، "وهو الذي يوجب العمل" بمقتضاه "ولا يوجب العلم" لاحتمال الخطأ فيه، ولو بالسهو والنسيان).
[١٩٦] شهاب الدين الرملي الشافعي (ت٩٥٧هـ)
قال في فتاويه ج١ ص١٢٧: (لأن خبر الآحاد والاجتهاد إنما يفيدان الظن)، وقال في غاية المأمول في شرح ورقات الأصول ص٢٧٦: ("والآحاد" وهو مقابل المتواتر، فيشمل المشهور ويسمى المستفيض، وهو الشائع عن أصل.. "هو الذي يوجب العمل" به بسبب عدالة رواته، "ولا يوجب العلم" إلا بقرينة).
[١٩٧] زين الدين ابن نجيم المصري الحنفي (ت٩٧٠هـ)
قال في البحر الرائق شرح كنز الدقائق للنسفي ج٥ ص٧٦: (وأما الأحاديث الواردة فيه فظنية لا تفيد الافتراض)، وقال في فتح الغفار بشرح المنار (ويسمى: مشكاة الأنوار في أصول المنار) (للنسفي) في ج١ ص٢٧١: ("وأنه" أي المشهور "يوجب علم الطمأنينة" وهي زيادة توطين وتسكين يحصل للنفس على ما أدركته، فإن كان المدرك يقينا فاطمئنانها زيادة اليقين وكماله كما يحصل للمتيقن بوجود مكة بعد ما يشاهدها.. وإن كان ظنيا فاطمئنانها رجحان جانب الظن بحيث يكاد يدخل في حد اليقين، وهو المراد هنا.. وحاصله أن العلم به استدلالي وصار حجة للعمل به كالمتواتر، فصحت الزيادة به على كتاب الله تعالى وهو نسخ عندنا، لكن لا يكفر جاحده لأن جحوده لا يؤدي إلى تكذيبه عليه الصلاة والسلام لأنه لم يسمع منه عدد لا يتوهم تواطؤهم على الكذب، بل يؤدي إلى تخطئة العلماء، وهي ليست بكفر بل بدعة وضلالة، كذا في التقرير.. "أو يكون" اتصاله بنا "اتصالا فيه شبهة صورة" وهو ظاهر "ومعنى" حيث لم تتلقه الأمة بالقبول "كخبر الواحد".. "وأنه" أي خبر الواحد "يوجب العمل" لإفادته غلبة الظن بالصدق.. "دون علم اليقين" أي ولا يوجب علما يقينيا وهو مذهب أكثر العلماء وجميع الفقهاء) إلى أن ذكر آية (إن يتبعون إلا الظن) ثم قال: (والجواب عن الآية أنا نمنع أن المراد به المنع عن اتباع الظن مطلقا، بل فيما يكون المطلوب منه العلم يقينا من أصول الدين.. ثم اعلم أن قولنا إن خبر الواحد يفيد العمل دون العلم يمفهومه يشمل ما رواه البخاري ومسلم، فمرويهما مظنون كمروي غيرهما، وجزم ابن الصلاح وجماعة بأنه مقطوع بصحته، لأن الإجماع على قبوله وإن كان عن ظنون: فظن معصوم، والأكثر على خلافه، وتمامه في التحرير).
[١٩٨] رضي الدين ابن الحنبلي الحنفي (ت٩٧١هـ)
قال في قفو الأثر في صفوة علوم الأثر ص٤٩: (حتى إن خبر كل واحد فهو مفيد للظن، وإن تفاوتت طبقات الظنون قوة وضعفا).
[١٩٩] ابن النجار الحنبلي (ت٩٧٢هـ)
قال في مختصر التحرير شرح الكوكب المنير ج٢ ص٣٤٥: (وغير المستفيض من الأحاديث يفيد الظن فقط، ولو مع قرينة عند الأكثر، لاحتمال السهو والغلط ونحوهما على ما دون عدد رواة المستفيض لقرب احتمال السهو والخطأ على عددهم القليل).
[٢٠٠] أمير بادشاه محمد أمين الحسيني الحنفي (ت٩٧٢هـ)
قال في تيسير التحرير (للكمال بن الهمام) ج٣ ص٣٧: ("وأما الآحاد فخبر لا يفيد بنفسه العلم" سواء لم يفد أصلا، أو يفيده بالقرائن المنفصلة، فلا واسطة بين المتواتر وخبر الآحاد).
[٢٠١] ابن حجر الهيتمي الشافعي (ت٩٧٣هـ)
قال في الصواعق المحرقة ج١ ص١١٠: (لأن مفاد الإجماع قطعي، ومفاد خبر الواحد ظني، ولا تعارض بين ظني وقطعي، بل يعمل بالقطعي ويلغى الظني)، وقال في الصواعق المحرقة ج١ ص١٧٤: (وأيضا ورد في أبي بكر وغيره كعلي نصوص متعارضة يأتي بسطها في الفضائل، وهي لا تفيد القطع لأنها بأسرها آحاد وظنية الدلالة).
[٢٠٢] الخطيب الشربيني الشافعي (ت٩٧٧هـ)
قال في تقريره على حاشية العطار ج٢ ص١٥٧ : (أن المتواتر يفيد العلم الضروري …. وأما خبر الواحد فلا يفيده مطردا) .
[٢٠٣] شرف الدين العمريطي الشافعي (توفي بعد٩٨٩هـ)
قال في نظم الورقات:
والخبر: اللفظ المفيد المحتمل *** صدقا وكذبا منه نوع قد نقل
تواترا للعلم قد أفادا *** وما عدا هذا اعتبِر آحادا
فأول النوعين ما رواه *** جمع لنا عن مثله عزاه
وهكذا إلى الذي عنه الخبر *** لا باجتهاد بل سماع أو نظر
وكل جمع شرطه أن يسمعوا *** والكذْب منهم بالتواطي يُمنع
ثانيهما الآحاد يوجب العمل *** لا العلم لكن عنده الظن حصل
[٢٠٤] شهاب الدين أحمد بن قاسم العبادي الشافعي (ت٩٩٢هـ)
قال في الآيات البينات على شرح (الجلال المحلي لـ) جمع الجوامع (للسبكي) ج٣ ص٢٨٨: (وقد بينا فيما سبق بحسب ما ظهر لنا أن القرائن اللازمة لا توجب العلم في خبر الآحاد فراجعه، الثالث: قال السيوطي: ومن ذلك يعني خبر الواحد الذي يفيد العلم بقرينة ما أخرجه الشيخان أو أحدهما.. فإنه احتف به قرائن منها جلالتهما في هذا الشأن وتقدمهما في تمييز الصحيح على غيرهما، وتلقي العلماء لكتابيهما بالقبول.. وأقول: إن ثبت أن هذه قرائن منفصلة فمسلم، وإلا فقد تقدم أن اللازمة لا توجب العلم في الآحاد، على أن الثالثة لا أثر لها على طريق المصنف كما علم مما مر).
[٢٠٥] سراج الدين ابن نجيم الأصغر الحنفي (ت١٠٠٥هـ)
قال في النهر الفائق شرح كنز الدقائق للنسفي ج٢ ص٣٦: (إذ خبر الواحد المضاف إلى غالب الظن لا يفيد يقينا)، وقال في النهر الفائق ج٢ ص١٦٧: (وإنما علقه الإمام بالمشيئة بعد صحة الحديث لما أن خبر الواحد لا يفيد اليقين بل الظن).
[٢٠٦] شمس الدين أبو الثناء الزيلي السيواسي الحنفي (ت١٠٠٦هـ)
قال في زبدة الأسرار في شرح مختصر (ابن حبيب الحلبي لـ) المنار (للنسفي) ص١٥٦: (المتواتر وهو الكامل في الاتصال الذي رواه قوم لا يحصى عددهم، ولا يتوهم تواطؤهم، أي توافيهم على الكذب لكثرتهم وعدالتهم وتباين أمكنتهم إلى أن يتصل برسول الله صلى الله عليه وسلم، فيكون آخره كأوله، وأوسطه كطرافه (كذا).. وحكمه أنه يوجب علم اليقين علما ضروريا كالعلم بالمحسوسات بالعيان، ومن أقسام وجوه الاتصال: المشهور، وهو الذي في اتصاله شبهة صورة، لما أنه كان من الآحاد في الأصل أي في القرن الأول، فتمكنت فيه الشبهة، ومن حيث تلقته الأمة بالقبول لا يكون فيه شبهة معنى.. والصحيح عندنا أنه يوجب طمأنينة لا علمه قطعي (كذا)، لما أنه لا ينسخ به الكتاب، ولو كان قطعيا لجاز نسخ الكتاب به كالمتواتر، بخلاف الزيادة به على الكتاب).
[٢٠٧] الملا علي القاري الحنفي (ت١٠١٤هـ)
قال في كتاب أدلة معتقد أبي حنيفة ص٦٢: (إلا أن يكون قطعي الدراية لا ظني الرواية، لأنه في باب الاعتقاد، لا يُعمل بالظنيات، ولا يكتفى بالآحاد من الأحاديث الواهيات والروايات الوهميات ).
[٢٠٨] حسن بن عبدالله الأقحاصي البوسنوي الحنفي (ت١٠٢٥هـ)
قال في سمت الوصول إلى علم الأصول ص١٢: (فالمتصل إما أن يكون اتصاله بنا من الرسول كاملا فهو المتواتر.. أو يكون في اتصاله شبهة صورة فهو المشهور.. ويوجب علم الطمأنينة، أو يكون فيه شبهة صورة ومعنى، فهو الخبر الواحد، وهو كل خبر يرويه الواحد أو الاثنان، ولا عبرة للعدد بعد كونه دون المتواتر والمشهور، وهو يوجب العمل دون العلم).
[٢٠٩] محمد عبدالرؤوف المناوي الشافعي (ت١٠٣١هـ)
قال في اليواقيت والدرر ج١ ص١٨٧: (وقد عاب ابن عبدالسلام ومن قال بمقالته تلك على ابن الصلاح ومن قال بمقالته، فقال: إن المعتزلة يرون أن الأمة إذا عملت بحديث اقتضى القطع بمضمونه، وهو مذهب رديء، وأيضا إن اراد كل الأمة فلا يخفى فساده، إلا الأمة الذين وجدوا بعد وضع الكتابين، فهم بعضها لا كلها، وإن أراد كل حديث منها تلقى بالقبول في كافة الناس فغير مسلم، ثم إنا نقول: التلقي بالقبول ليس بحجة، فإن الناس اختلفوا أن الأمة إذا عملت بحديث وأجمعوا على العمل به، هل يفيد القطع أو الظن؟ ومذهب أهل السنة أنه يفيد الظن ما لم يتواتر).
[٢١٠] نور الدين الحلبي الشافعي (ت١٠٤٤هـ)
قال في السيرة الحلبية ج١ ص٣٥٥: (وذكر أئمتنا أنه يكفي في وجوب الإتيان بالبسملة في الفاتحة في الصلاة: الظن المفيد له خبر الآحاد، ولعدم التواتر بذلك لا يكفر من نفى كونها آية من الفاتحة بإجماع المسلمين).
[٢١١] ابن علان الشافعي (ت١٠٥٧هـ)
قال في دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين ج٥ ص١٨٨ تعليقا على حديث "ائذن له وبشره بالجنة"، قال: (وفيه قبول خبر الواحد، وفيه جواز العمل بالظن مع القدرة على اليقين).
[٢١٢] أبو البقاء الكفوي الحنفي (ت١٠٩٤هـ)
قال في كتاب الكليات ص٤٤: (ونقل الإجماع إلينا قد يكون بالتواتر فيفيد القطع، وقد يكون بالشهرة فيقرب منه، وقد يكون بخبر الواحد فيفيد الظن ويوجب العمل)، وقال في الكليات ص١٠٤٠: (المسألة الاعتقادية لا يقبل فيها أخبار الآحاد).
[٢١٣] محمد بن حسن الكواكبي الحلبي الحنفي (ت١٠٩٦)
قال في منظومته في أصول فقه السادة الحنفية:
وما من الأقسام قد تحررا * في السنة الغراء قد تقررا
لكن هذا الباب في هذا السنن * لذكر ما خصت به تلك السنن
وأربعٌ أقسامه فالأول * وإنه من بينها المفضل
كيفية اتصال ما بنا اتصل * من الرسول إذ لنا منه حصل
وكاملا كان كذي التواتر * رواته قوم ذوو تكاثر
إليهم تواطؤاً هذا نسب * فليس هاهنا توهم الكذب
والشرط أن يدوم هذا الحد * فالاتصال هاهنا يمتد
فالمخبرون كثرة على نمط * في الجانبين هاهنا مع الوسط
كمثل نقل الذكر والصلاة * والقدر للركعات والزكاة
وأن ذاك موجب الإيقان * علما ضروريا كما الأعيان
ودونه ما كان يعتريه * بالصورة الشبهة فهي فيه
وإنه المشهور في التعداد * وهو الذي أصلا من الآحاد
يكون ثم بعد ذلك اشتهر * جيلا فجيلا منهم قد انتشر
فذا إليهمُ تواطؤاً نُسب * حيث انتفى أيضا توهم الكذب
وهؤلاء القوم قرن ثاني * ومن يكون بعد في الزمان
وأن ذاك يوجب اطمئنانا * لكنه لا يبلغ الإيقانا
ودونه ما صورة ومعنى * ذو شبهة وإنه لأدنى
وهو الذي راويه كان واحدا * أو كان اثنين هاهنا أو صاعدا
فإن فيه لا اعتبار للعدد * إذ كان أدنى رتبة في ذا الصدد
مما مضى وذاك يوجب العمل * لكن به علم اليقين ما حصل
[٢١٤] شهاب الدين الحسيني الحموي الحنفي (ت١٠٩٨هـ)
قال في غمز عيون البصائر ج١ ص١٩٣ عن نسخ القرآن بخبر الواحد: (والجواب أنه لم يرد باليقين القطعي، بل إن الشيء الثابت بشيء لا يرتفع إلا بمثله، والنص وخبر الواحد سواء في وجوب العمل، وهو كاف في الأحكام).
[٢١٥] صالح بن مهدي المقبلي (ت١١٠٨هـ)
قال في نجاح الطالب على مختصر ابن الحاجب ص٢٦١ تعليقا على قول ابن الحاجب: (قد يحصل العلم بخبر الواحد العدل بالقرائن لغير التعريف، وقيل: وبغير قرينة، وقال أحمد: ويطرد، والأكثر: لا بقرينة ولا بغيرها)، فقال: (قوله: وقال أحمد: "ويطرد"، يُحتمل أنه أراد بالعلم الراجح، وإلا فلا يُعقل).
[٢١٦] أحمد بن محمد الدمياطي الشافعي (ت١١١٧هـ)
قال في حاشيته على شرح (الجلال المحلي) لـ (الورقات) للجويني ص٥٣: (قوله "فالمتواتر" بدأ به على عكس التقسيم لطول الكلام على الآحاد. قوله "ما يوجب العلم" أي خبر من شأنه يوجب بنفسه إيجابا عاديا العلم، أي حصول العلم بصدق مضمونه، فخرج بقولهم لنفسه ما يوجبه بواسطة القرائن.. قوله "يوجب العمل" أي بمضمونه.. وإنما لم يوجب خبر الواحد العلم لأن دلالته ظنية).
[٢١٧] محب الله بن عبدالشكور البهاري الحنفي (ت١١١٩هـ)
قال في مسلم الثبوت ج٢ ص٨٨: (الأكثر على أن خبر الواحد إن لم يكن معصوما لا يفيد العلم مطلقا، وقيل يفيد بالقرينة.. فرع، ابن الصلاح وطائفة زعموا أن رواية الشيخين البخاري ومسلم تفيد العلم النظري للإجماع على أن للصحيحين مزية، وهذا بخلاف ما قاله الجمهور، لأن جلالة شأنهما وتلقي الأمة لكتابيهما والإجماع على المزية لو سلم لا يستلزم ذلك، غاية ما يلزم أن أحاديثهما أصح الصحيح هذا مسألة: بعض ما ينسب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم كذب، لقوله سيكذب علي، ولأن منها ما يعارض العقل ولا يقبل التأويل).
[٢١٨] محمد بن عبدالباقي الزرقاني المالكي (ت١١٢٢هـ)
قال في شرح الموطأ ج٢ ص٢٧٨ عن الاحتجاج بما ليس في مصحف عثمان: (وبه قال جمهور العلماء، ويجري عندهم مجرى خبر الواحد في العمل به دون القطع، قاله ابن عبدالبر، وقال الباجي: الصحيح ما ذهب إليه الباقلاني أنه لا يُحتج به لأنه إذا لم يتواتر فليس بقرآن، وحينئذ لا يصح التعلق به)، وقال في مناهل العرفان في علوم القرآن ج٢ ص٢٤١ عن نسخ القرآن بخبر الآحاد: (فالحق عدم جواز نسخ القرآن به للمعنى المذكور، وهو أنه ظني والقرآن قطعي، والظني أضعف من القطعي فلا يقوى على رفعه).
[٢١٩] إسماعيل حقي الحنفي (ت١١٢٧هـ)
قال في تفسير روح البيان في تفسير آية "منهم من قصصنا عليك" في سورة غافر، قال: (لكن ذكر بعض العلماء أن الأولى أن لا يقتصر على عددهم، لأن خبر الواحد على تقدير اشتماله على جميع الشرائط لا يفيد إلا الظن، ولا يعتبر إلا في العمليات دون الاعتقاديات).
[٢٢٠] ملا جيون الحنفي (ت١١٣٠هـ)
قال في نور الأنوار شرح المنار (للنسفي) (مطبوع مع حاشيتي القمر والسنبلي) ج١ ص٥٠٣: (بيان خبر الواحد، وهو كل خبر يرويه الواحد أو الاثنان فصاعدا، إنما قال ذلك ردا لمن فرق بينهما، وقال: يقبل خبر الاثنين دون الواحد، ولا عبرة للعدد فيه بعد أن يكون دون المشهور والمتواتر.. وأنه يوجب العمل دون العلم اليقين) ثم قال في ص٥٠٦: (وهذه الأخبار وإن كانت آحادا لكن لما تلقته الأمة بالقبول صارت بمنزلة المشهور، فلا يلزم إثبات أخبار الآحاد).
[٢٢١] نور الدين السندي الحنفي (١١٣٨هـ)
قال في حاشيته على سنن ابن أبي ماجة ج١ ص٤٢٤ في شرح حديث علي: "كنت إذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا ينفعني الله بما شاء منه، وإذا حدثني عنه غيره استحلفته، فإذا حلف صدقته"، فقال: (ظاهره أن لا يصدقه بلا حلف، وهو مخالف لما علم من قبول خبر الواحد العدل بلا حلف، فالظاهر أن مراده بذلك زيادة التوثيق بالخبر والاطمئنان به، إذ الحاصل بخبر العدل الظن، وهو مما يقبل الضعف والشدة، ومعنى صدقته: أي على وجه الكمال، وإن كان القبول الموجب للعمل حاصلا بدونه).
[٢٢٢] محمد علي التهانوي الحنفي (توفي بعد١١٥٨هـ)
قال في كتاب قواعد في علوم الحديث ص٣١: (فالمتواتر ما رواه عن استناد إلى الحس دون العقل الصرف عدد أحالت العادة تواطؤهم على الكذب فقط.. والمشهور: ما له طرق محصورة بأكثر من اثنين، ولم يبلغ حد التواتر، أي لم يفد بمجرده العلم).
[٢٢٣] أبو سعيد الخادمي الحنفي (ت١١٧٦هـ)
قال في مجامع الحقائق ص٢٥ (مطبوع بذيل منافع الدقائق للكوز الحصاري): (اتصال الخبر إليه صلى الله عليه وسلم إما تواتر إن كان خبر قوم لا يتصور تواطؤهم على الكذب في القرون الثلاثة، فيفيد علما ضروريا خلافا لبعض... وإما مشهورا في القرنين الأخيرين فقط، فيفيد علم طمأنينة الظن، فلا يكفر جاحده.. وإما واحد إن لم يكن كذلك في القرون الثلاثة، فيفيد إن بشرائطه الآتية، فيجب العمل به بالكتاب والسنة والإجماع).
[٢٢٤] الأمير الصنعاني (ت١١٨٢هـ)
قال في ثمرات النظر في علم الأثر ص١٣٠: (وجود الحديث في الصحيحين أو أحدهما لا يقضي بصحته بالمعنى الذي سبق لوجود الرواية فيهما عمن عرفت أنه غير عدل، فقول الحافظ ابن حجر أن رواتهما قد حصل الاتفاق على تعديلهم بطرق اللزوم محل نظر لقوله إن الأمة تلقت الصحيحين بالقبول هو قول سبقه إليه ابن الصلاح وأبو طاهر المقدسي وأبو عبدالرحيم عبدالخالق، وإن اختلف هؤلاء في إفادة هذا التلقي العلم أو الظن)، ثم قال في ص١٣٧ عن الصحيحين: (فهما أجل كتب الحديث، وأحاديثهما السالمة عن التكلم فيهما أقرب الأحاديث تحصيلا للظن المطلوب، ونفس العالم أسكن إلى ما فيهما منها إلى ما في غيرهما، هذا شيء يجده الناظر من نفسه إن أنصف )، ثم قال في ص١٣٨: (قلت: فيجوز الخطأ والنسيان على البخاري نفسه فيما حكم بصحته، وإن كان تجويزا مرجوحا لأنه بعد تتبع الحفاظ لما في كتابه فإظهار ما خالف هذا القول المنقول عنه فيه من الشرطية ما ينهض التجويز ويقود العالم الفطن النظار إلى زيادة الاختبار).
[٢٢٥] شمس الدين السفاريني الحنبلي (ت١١٨٨هـ)
قال في لوائح الأنوار السنية ج١ ص١٧: (وأما الآحاد فهو ما عدا المتواتر، فدخل مستفيض مشهور، وهو ما زاد نقلته على ثلاثة عدول، وعزيز وهو ما لا تنقص نقلته عن عدلين، وخبر الآحاد إن كان مستفيضا مشهورا أفاد علما نظريا كما نقله العلامة ابن مفلح وغيره عن أبي إسحاق الإسفرائيني وابن فورك، وقيل: يفيد القطع، وغير المستفيض من سائر أخبار الآحاد يفيد الظن فقط ولو مع قرينة عند الأكثر لاحتمال السهو والغلط ونحوهما على ما دون عدد رواة المستفيض لقرب احتمال السهو والخطأ على عددهم القليل)، وقال في لوامع الأنوار ج١ ص٥: (فحد هذا العلم المسمى بأصول الدين وبعلم العقائد وبعلم التوحيد وبعلم الكلام: العلم بالعقائد الدينية عن الأدلة اليقينية، أي العلم بالقواعد الشرعية الاعتقادية المكتسبة من أدلتها اليقينية، والمراد بالدينية المنسوبة إلى دين محمد صلى الله عليه وسلم سواء توقفت على الشرع كالسمعيات أم لا، وسواء كانت من الدين في الواقع ككلام أهل الحق، أو لا ككلام المخالف، واعتبروا في أدلتها اليقين لأنه لا عبرة بالظن في هذا العلم، بل في العمليات).
[٢٢٦] أحمد بن عبدالله بن أحمد الحلبي البعلي الحنبلي (ت١١٨٩هـ)
قال في الذخر الحرير شرح مختصر (ابن النجار لـ) التحرير (للمرداوي) ص٤٢٩: (فخبر الواحد: ما لم ينته إلى رتبة التواتر، إما بأن يرويه من هو دون العدد الذي لا بد منه في التواتر على خلاف فيه، أو يرويه عدد التواتر ولكن لم ينتهوا إلى إفادة العلم باستحالة تواطئهم على الكذب، أو لم يكن ذلك في كل الطبقات، أو كان ولكن لم يخبروا عن محسوس على القول باشتراطه في المتواتر، أو غير ذلك مما يعتبر في المتواتر، فالآحاد هو الذي لا يفيد العلم واليقين، يعني أنه لا يفيد العلم الضروري، فلا يقصرون اسم الآحاد على ما يرويه الواحد كما هو حقيقة فيه، بل يريدون به ما لا يفيد العلم ولو كان من عدد كثير، ولو أفاد خبر الواحد العلم بانضمام قرائن، أو بالمعجزة، فليس منه اصطلاحا) إلى أن قال في ص٤٣٥: (لنا في تكفير منكر خبر الآحاد وجهان، والأصح: "لا يكفر منكره"، والخلاف مبني على القولين بأنه يفيد العلم أو لا، فإن قلنا إنه يفيد العلم كفر منكره، وإلا فلا).
[٢٢٧] عبدالرحمن بن جاد الله البناني المغربي المالكي (ت١١٩٨هـ)
قال حاشيته على شرح الجلال المحلي على متن جمع الجوامع (للسبكي): ( وقال الاكثر من العلماء لا يفيد الاحاد اليقين مطلقا ) ج 2 ص١١٤: (مسألة: خبر الواحد لا يفيد العلم إلا بقرينة، كما في إخبار الرجل بموت ولده المشرف على الموت، مع قرينة البكاء وإحضار الكفن والنعش، وقال الأكثر: لا يفيد مطلقا، وما ذكر من القرينة يوجد مع الإغماء).
[٢٢٨] صالح بن محمد الفلّاني المالكي (ت١٢١٨هـ)
قال في كتاب إيقاظ همم أولي الأبصار للاقتداء بسيد المهاجرين والأنصار ص٢٩: (والضرب الثاني من السنة: خبر الآحاد، والثقات الأثبات المتصل، فهذا يوجب العمل عند جماعة علماء الأمة الذين هم القدوة والحجة، ومنهم من يقول إنه يوجب العلم والعمل جميعا).
[٢٢٩] بحر العلوم عبدالعلي محمد بن نظام الدين اللكنوي الحنفي (ت١٢٢٥هـ)
قال في فواتح الرحموت بشرح مسلّم الثبوت (لمحب الله البهاري) ج٢ ص١٤٧: (الاكثر من اهل الأصول ومنهم الائمة الثلاثة على أن خبر الواحد إن لم يكن هذا الواحد المخبر معصوما نبيا لا يفيد العلم مطلقا، سواء احتف بالقرائن أو لا، وقيل: يفيد خبر الواحد الغير المعصوم بالقرينة زائدة كانت ولازمة.. وقيل: خبر الواحد العدل يفيد العلم مطلقا محفوفا بالقرائن أو لا، فعن الإمام أحمد رضي الله عنه هذا الحكم مطردا، فيكون كلما أخبر العدل حصل العلم، وهذا بعيد عن مثله، فإنه مكابرة ظاهرة ، قال الإمام فخر الإسلام: وأما دعوى علم اليقين فباطل بلا شبهة، لأن العيان يرده، وأنا من قبل قد بينا أن المشهور لا يوجب علم اليقين، فهذا أولى، وهذا لأن خبر الواحد محتمل لا محالة، ولا يقين مع الاحتمال، ومن أنكر هذا فقد سفه نفسه وأضل عقله).
[٢٣٠] محمد ثناء الله المظهري الحنفي (ت١٢٢٥هـ)
قال في تفسيره التفسير المظهري في تفسير آية المداينة من سورة البقرة: (وجه قولهم إن قبول شهادة رجلين أو رجل وامرأتين أمر تعبدي على خلاف القياس لأنه من باب خبر الآحاد لا يفيد اليقين بصدق المدعى وكذب الآخر) إلى أن قال: (بل المسلمون ملتزمون أحكام الله تعالى، طالبون العلم به يلتمسون طرقه، فإذا وصل إليهم حكم بطريق قطعي اعتقدوه وعملوا به، وإن وصل إليهم بطريق ظني بحيث لم يترتب عليه العلم اليقيني عملوا به رجاء للثواب أو خوفا من العذاب ما لم يعارضه حكم آخر بطريق أقوى منه، وهذا أمر يقتضيه العقل).
[٢٣١] محمد بن أحمد الدسوقي المالكي (ت١٢٣٠هـ)
قال في حاشيته على الشرح الكبير (للشيخ الدردير) في شرحه لمختصر خليل ج٣ ص٩١ تعليقا على حديث "البيعان بالخيار": (وهذا الحديث وإن كان صحيحا لكن صحته لا تنافي أنه خبر آحاد، وعمل أهل المدينة مقدم عليه عند مالك، وذلك لأن عمل أهل المدينة كالمتواتر، لأنه من قبيل الإجماعيات، والمتواتر يفيد القطع بخلاف خبر الآحاد فإنما يفيد الظن).
[٢٣٢] عبدالله بن إبراهيم الشنقيطي المالكي (ت١٢٣٠هـ)
قال في نظم مراقي السعود:
وخبر الواحد مظنون عرى.. عن القيود في الذي تواترا
والمستفيض منه وهو أربعة.. أقله وبعضهم قد رفعه
عن واحد وبعضهم عما يلي.. وجعله واسطة قول جلي
ولا يفيد العلم بالإطلاق.. عند الجماهير من الحذاق
وبعضهم يفيد إن عدل روى.. واختير ذا إن القرينة احتوى
وفي الشهادة وفي الفتوى العمل.. به وجوبه اتفاقا قد حصل
وقال في نشر البنود على مراقي السعود ج٢ ص٣٦ شرحا لقوله "ولا يفيد العلم بالإطلاق.. عند الجماهير من الحذاق"، قال: (يعني أن خبر الآحاد لا يفيد العلم ولو عدلا مطلقا، أي احتفت به قرينة أم لا عند جمهور الحذاق أي الأصوليين.. ومن خبر الواحد الذي يفيد العلم بقرينة: ما أخرجه الشيخان أو أحدهما لما احتفه به من القرائن)
[٢٣٣] الشوكاني (ت١٢٥٠هـ)
قال في إرشاد الفحول ج١ ص٢٤٧: (القسم الثاني: الآحاد، وهو خبر لا يفيد بنفسه العلم، سواء كان لا يفيده أصلا، أو يفيده بالقرائن الخارجة عنه، فلا واسطة بين المتواتر والآحاد، وهذا قول الجمهور) إلى أن قال في ص٢٥٥: (واعلم أن الخلاف الذي ذكرناه في أول هذا البحث من إفادة خبر الواحد الظن أو العلم مقيد بما إذا كان خبر واحد لم ينضم إليه ما يقويه، وأما إذا انضم إليه ما يقويه أو كان مشهورا أو مستفيضا فلا يجري فيه الخلاف المذكور، ولا نزاع في أن خبر الواحد إذا وقع الإجماع على العمل بمقتضاه فإنه يفيد العلم، لأن الإجماع عليه قد صيره من المعلوم صدقه، وهكذا خبر الواحد إذا تلقته الأمة بالقبول، فكانوا بين عامل به ومتأول له، ومن هذا القسم أحاديث صحيحي البخاري ومسلم، فإن الأمة تلقت ما فيهما بالقبول، ومن لم يعمل بالبعض من ذلك فقد تأوله، والتأويل فرع القبول)، ثم ذكر شروط قبول الخبر في ج١ ص٢٧٧ فقال: (وأما الشروط التي ترجع إلى مدلول الخبر فالأول منها: أن لا يستحيل وجوده في العقل، فإن أحاله العقل رُد ، والشرط الثاني: أن لا يكون مخالفا لنص مقطوع به على وجه لا يمكن الجمع بينهما بحال، والشرط الثالث: أن لا يكون مخالفا لإجماع الأمة عند ما يقول بأنه حجة قطعية).
وقد نقل صديق حسن خان كلام الشوكاني عن أحاديث الصحيحين دون عزو، وكذلك فعل محمد بن عبدالرحمن المحلاوي.
[٢٣٤] حسن العطار الشافعي شيخ الأزهر (ت١٢٥٠هـ)
قال في حاشيته على شرح الجلال المحلي على جمع الجوامع ج٢ ص١٥٧ تعليقا على قول الجلال المحلي: (خبر الواحد لا يفيد إلا بقرينة كما في إخبار الرجل بموت ولده المشرف على الموت مع قرينة البكاء وإحضار الكفن والنعش)، قال: (لا يقال إن العلم حصل بالقرائن لا بالخبر، لأنا نقول: لولا الخبر لجوزنا موت غيره)، ثم قال: (قوله: "نهى عن اتباع غير العلم"، والنهي للتحريم، فلا يكون واجبا، وقوله: وذم على اتباع الظن فدل على حرمته، قوله: "بأن ذلك" أي النهي والذم، فهذه النصوص وإن كان ظاهرها العموم لكنها مخصوصة بما يُطلب فيه اليقين).
[٢٣٥] ابن عابدين الحنفي (ت١٢٥٢هـ)
قال في حاشيته ج١ ص٩٥: (بيان ذلك أن الأدلة السمعية أربعة: الأول: قطعي الثبوت والدلالة كنصوص القرآن المفسرة أو المحكمة والسنة المتواترة التي مفهومها قطعي، الثاني: قطعي الثبوت ظني الدلالة كالآيات المؤولة، الثالث: عكسه، كأخبار الآحاد التي مفهومها قطعي، الرابع: ظنيهما كأخبار الآحاد التي مفهومها ظني)، وقال في حاشيته ج٢ ص٣٨٨: (قوله: "يقع العلم الشرعي" أي المصطلح عليه في الأصول، فيشمل غالب الظن، وإلا فالعلم في فن التوحيد أيضا شرعي، ولا عبرة بالظن هناك،قوله: "وهو غلبة الظن" لأنه العلم الموجب للعمل لا العلم بمعنى اليقين، نص عليه في المنافع وغاية البيان ابن كمال، ومثله في البحر عن الفتح، وكذا في المعراج، وقال القهستاني: "فلا يشترط خبر اليقين الناشئ من التواتر كما أشير به في المضمرات، لكن كلام الشرح مشير إليه" اهـ)، وقال في حاشيته ج١ ص٥٢٧ : (مطلب في عدد الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، قوله "كالإيمان بالأنبياء" لأن عددهم ليس بمعلوم قطعا فينبغي أن يقال آمنت بجميع الأنبياء أولهم آدم وآخرهم محمد عليه وعليهم الصلاة والسلام {معراج} فلا يجب اعتقاد أنهم مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا، وأن الرسل منهم ثلثمائة وثلاثة وعشرون لأنه خبر آحاد)، وقال في حاشية على المنار ورقة ١١٣ (مخطوط): (المراد: المنع عن اتباع الظن فيما يُطلب فيه اليقين كأصول الدين، جمعا ببينه وبين الأدلة على جواز العمل بخبر الواحد، ونحن نقول بموجبه).
[٢٣٦] حبيب الله بن فيض الله القندهاري الحنفي (ت١٢٦٥هـ)
قال في مغتنم الحصول في علم الأصول ص١٣٧: (خبر الواحد العدل: هل يفيد العلم؟ فالأكثر: لا، مطلقا، وهو الظاهر، وقيل: نعم، مطلقا، لكن لا على الاطراد في جميع المواد، وعن أحمد رحمه الله تعالى عنه مطرد، وقيل نعم يشترط القرائن وهو مختار إمام الحرمين والغزالي والآمدي وابن الحاجب وابن الهمام)، ثم قال جوابا على من اعترض بآية "إن يتبعون إلا الظن" على من أوجبوا العمل بخبر الواحد: (وثانيا بأنه مخصوص بأصول الدين لوجوب العمل بالظن في العمليات كما بالشاهد واليمين)، ثم قال: (فائدة: ادعى ابن الصلاح تبعا لبعض من سبقه القطع بما اتفق عليه الشيخان تمسكا بالإجماع على العمل بما في الصحيحين، وأن لهما مزية على غيرهما، والجمهور على خلافه لأن جلالة شأنهما وتلقي الأمة لكتابيهما والإجماع على مزيتهما لو سلم لا يستلزم ذلك، بل غايته أن أحاديثهما أصح الصحيح.. مسألة: بعض ما ينسب إلى الرسول عليه السلام كذب عليه لقوله عليه السلام: "سيُكذب علي"، ولأن منها ما يخالف القرآن، ومنها ما يعارض العقل ولا يقبل التأويل، وقد يمثل له بحديث: "لا يبقى على ظهر الأرض بعد مائة سنة نفس منفوسة" والصواب تأويله بأن المراد من الموجودين الآن، وسبب وقوع الكذب نسيان الراوي أو غلطه أو اتباع الهوى) إلى أن قال: (لأن العادة قضت بكذب مدعي النبوة بلا معجزة، وبوجوب التواتر في نقل القرآن، وأما العقائد فالمنع عن اتباع الظن فيها شرعي، فلنا التزام الجواز فيها).
[٢٣٧] أحمد بن محمد بن أحمد بن أبي كف المحجوبي الموريتاني المالكي (ت١٢٧٥هـ)
له منظومة في أصول الفقه المالكي، قال فيها عن مذهب الإمام مالك:
وخبر الواحد حجة لديه.. بعض فروع الفقه تنبني عليه.
[٢٣٨] محمد بن مصطفى الكوز الحصاري الحنفي (ت١٢٧٦هـ)
قال في منافع الدقائق شرح مجامع الحقائق (للخادمي) ص١٩٣ في تقسيم الأخبار إلى متواتر ومشهور وآحاد: ("وإما مشهور" عطف على قوله "إما تواتر" أي ذلك الاتصال إما مشهور، فيكون فيه شبهة صورة، أي من حيث الخارج لا من حيث الاعتقاد "إن في القرنين الأخيرين فقط" أي إن كان خبر قوم لا يجوز العقل تواطأهم على الكذب في القرنين الثاني والقرن الثالث لا في القرن الأول، بل يكون فيه من الآحاد ثم ينتشر، ولذا تمكنت فيه شبهة عدم الاتصال صورة وإن لم يكن معنى حيث تلقته الأمة بالقبول في القرنين مع عدالتهم، فكان بمنزلة المتواتر، ولا اعتبار للاشتهار فيما بعد القرن الثالث لاشتهار عامة الآحاد بعده، "فيفيد" أي يوجب المشهور "علم طمأنينة الظن" لا علم قطعي، وأنه دون المتواتر فوق الواحد "فلا يكفر جاحده" أي جاحد المشهور، بل يضلل، وأما المتواتر فلخروج رواته عن العداء ابتداء وانتهاء، صار كالمسموع من رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، وتكذيب الرسول كفر، وأما تكذيب المشهور فهو تخطئة جماعة العلماء، وهي ليست بكفر والطمأنينة حاصله سكون النفس عن الاضطراب الناشئ عن فكر كونه آحاد الأصل بسبب الشهرة في القرنين.. "وإما واحد" عطف على أحدهما "إن لم يكن" الراوي "كذلك في القرون الثلاثة" أي إن لم يكن قوما لا يجوز العقل توافقهم على الكذب فيها، بل تكون فيه شبهة صورة ومعنى لعدم ثبوت اتصاله إلى الرسول ولا تلقته الأمة بالقبول كخبر الواحد، وهو كل خبر يرويه واحد أو اثنان فصاعدا، لا عبرة للعدد فيه ما لم يبلغ حد الشهرة، "فيفيد" أي الخبر الواحد غلبة الظن "إن" كان مقارنا "بشرائطه" أي الخبر الواحد "الآتية" المعتبرة في الناقل والمنقول، "فيجب العمل به" أي الخبر الواحد دون علم اليقين عند الجمهور).
[٢٣٩] الشيخ عبدالله البابطين الحنبلي (ت١٢٨٢هـ)
قال في كتابه مختصر في علم أصول الفقه ص٥١: (الدليل: ما يمكن التوصل بصحيح النظر فيه إلى العلم باليقين، وهو المطلوب، وأما ما يحصل عنده الظن: فهو أمارة، وقد سمي دليلا توسعا، والعلم: هو المعنى المقتضي لسكون النفس إلى أن متعلقه كما اعتقده، وهو نوعان: ضروري واستدلالي، فالضروري: ما لا ينتفي بشك ولا شبهة، والاستدلالي مقابله، والظن: تجويز راجح، والوهم: تجويز مرجوح، واستواء التجويزين: شك، والاعتقاد: هو الجزم بالشيء من دون سكون النفس، فإن طابق: فصحيح، وإلا ففاسد، وهو الجهل، وقد يطلق الجهل على عدم العلم)، وقال في مختصر في علم أصول الفقه ص٥٦: (والآحاد: مسند ومرسل، ولا يفيد إلا الظن، ويجب العمل به في الفروع، إذ كان صلى الله عليه وسلم يبعث الآحاد من العمال إلى النواحي، ولعمل الصحابة رضي الله عنهم، ولا يؤخذ بأخبار الآحاد في الأصول، ولا فيما تعم به البلوى علما).
[٢٤٠] طه الكوراني الحنفي (ت١٣٠٠هـ)
قال في شرحه لمختصر المنار (للنسفي) في أصول الفقه ص٨٤ في الخبر المترجح صدقه: (وإن يرجح جانب من جانبي صدقه وكذبه، كأن كان خبر عدل مستجمع لشرائط الرواية التي أشرنا إليها من قبل فالفعل بذلك الجانب الراجح، والعمل به لا عن اعتقاد بحقيقته قطعا، ولذلك ليس يلغي اعتقاد صاحبه الذي هو الجانب الآخر).
[٢٤١] أبو الحسنات محمد عبدالحي بن محمد عبدالحليم المولوي اللكنوي الحنفي (ت١٣٠٤هـ)
قال في حاشية قمر الأقمار على نور الأنوار شرح المنار ج١ ص٥٠٤: (إذا كان خبر الواحد فيما يتكرر وقوعه ويعم به البلوى ويحضره الرجال الكثيرون كحديث الجهر بالتسمية فهو لا يوجب العمل)، ثم قال بعدها عن خبر الآحاد: (يوجب العمل لإفادته غلبة الظن بالصدق عند استجماع شرائطه، وهي كافية لوجوب العمل دون العلم اليقين ودون الطمأنينة، فإن الواحد الغير المعصوم وإن كان عدلا أو وليا يحتمل أن يكون يعرضه النسيان بأن لا يميز بين المسموع وغير المسموع، ويظن غير المسموع مسموعا، ويخبر به أو الخطأ، فكيف يكون خبره مفيدا لليقين أو الطمأنينة؟ نعم إن خبر الواحد مع انضمام القرينة القطعية يفيد اليقين كما إذا أخبر أحد بموت ابن السلطان عند بكائه مع جلسائه، وضرب خدود أهل بيته، والنوحة العظيمة، لكن اليقين حصل بتلك القرينة لا بخبر الواحد من حيث إنه خبر الواحد).
[٢٤٢] أحمد بن عبداللطيف الخطيب الجاوي الشافعي (توفي بعد ١٣٠٦هـ)
قال في حاشية النفحات على شرح (الجلال المحلي لـ) الورقات (للجويني) ص٢٤٥: (ولا يخفى أنه إذا وجب العمل بخبر الآحاد مع أنه لا يفيد إلا الظن فبالخبر المتواتر بالأولى).
[٢٤٣] صديق حسن خان الظاهري (ت١٣٠٧هـ)
قال في فتح البيان في مقاصد القرآن ج١٣ ص٢٦٠ في تفسير آية "إن الظن لا يغني من الحق شيئا"، قال: (وفيه دليل على أن مجرد الظن لا يقوم مقام العلم، وأن الظان غير عالم، وهذا في الأمور التي يحتاج فيها إلى العلم، وهي المسائل العلمية لا فيما يكتفى فيه بالظن، وهي المسائل العملية، وقد قدمنا تحقيق هذا، ولا بد من هذا التخصيص، فإن دلالة العموم والقياس وخبر الواحد ونحو ذلك ظنية، فالعمل بها عمل بالظن، وقد وجب علينا العمل في هذه الأمور)، وقال في فتح البيان ج١٣ ص١٤٧: (لأن من الظن ما يجب اتباعه، فإن أكثر الأحكام الشرعية مبنية على الظن، كالقياس وخبر الواحد ودلالة العموم، لكن هذا الظن الذي يجب العمل به قد قوي بوجه من الوجوه الموجبة للعمل به)، وقال في حصول المأمول من علم الأصول ص٥٥: (الآحاد: وهو خبر لا يفيد بنفسه العلم أصلا، أو يفيده بالقرائن الخارجة عنه، فلا واسطة بين المتواتر والآحاد.. والخلاف في إفادة خبر الآحاد الظن أو العلم مقيد بما إذا كان لم ينضم إليه ما يقويه، وأما إذا انضم إليه ما يقويه أو كان مشهورا أو مستفيضا فلا يجري فيه الخلاف المذكور، ولا نزاع في أن خبر الواحد إذا وقع الإجماع على العمل بمقتضاه فإنه يفيد العلم، لأن الإجماع عليه قد صيره من المعلوم صدقه، وهكذا خبر الواحد إذا تلقته الأمة بقبول، فكانوا بين عامل به ومتأول له، ومن هذا القسم أحاديث صحيحي البخاري ومسلم، والتأويل فرع القبول).
[٢٤٤] مفتي الديار المصرية الإمام محمد عبده الحنفي (ت١٣٢٣هـ)
قال الشيخ محمد رشيد رضا في تفسيره المنار نقلا عن شيخه الإمام محمد عبده في تفسير آية: "وبالآخرة هم يوقنون": (ثم قال بعد كلام في آثار اليقين: اليقين إيمانك بالشيء، والإحساس به من طريق وجدانك كأنك تراه، بأن يكون قد بلغ بك العلم به أن صار مالكا لنفسك مصرفا لها في أعمالها، ولا يكون العلم محققا للإيمان على هذا الوجه حتى تكون قد أصبته من إحدى طريقتين، الأولى: النظر الصحيح فيما يحتاج فيه إلى النظر.. والطريق الأخرى: خبر الصادق المعصوم بعد أن قامت الدلائل على صدقه وعصمته عندك، ولا يكون الخبر طريقا لليقين حتى تكون سمعت الخبر من نفس المعصوم صلى الله عليه وسلم، أو جاءك عنه من طريق لا تحتمل الريب، وهي طريق التواتر دون سواها، فلا ينبوع لليقين بعد طول الزمن بيننا وبين النبوة إلا سبيل المتواترات التي لم يختلف أحد في وقوعها).
[٢٤٥] محمد فيض الكنكوهي الحنفي (ت١٣٢٣هـ)
قال في عمدة الحواشي شرح أصول الشاشي ص١٧٢ عن خبر الواحد: (قوله "وهو يوجب العمل به" أي حكم خبر الواحد: إنه يوجب العمل ولا يوجب العلم، لا علم اليقين ولا علم الطمأنينة، وهذا مذهب أكثر أهل العلم وجملة الفقهاء، وذهب أحمد وأكثر المحدثين إلى أنه يوجب علم اليقين، وهذا خلاف ما نجد في أنفسنا من أخبار الآحاد).
[٢٤٦] ابن المرابط محمد الأمين بن أحمد زيدان الجكني المالكي (ت١٣٢٥هـ أو ١٣٢٦هـ)
قال في مراقي السعود إلى مراقي السعود ص٢٧١: ("وخبر الواحد مظنون" صدقه، وهو خبر "عَرى عن القيود" التي ذكرت "في" الخبر "الذي تواتر".. فهو في ذاته مظنون الصدق وذلك لا ينافي أنه قد يفيد العلم بواسطة أمر خارج عنه.. "ولا يفيد" خبر الواحد "العلم" ولو عدلا "بالإطلاق"، احتفت به قرينة أم لا، "عند الجماهير من الحذاق، وبعضهم" قال: "يفيد إن عدل روى، واختير ذا" القول بإفادته العلم، "إنْ القرينة" المنفصلة الزائدة على العدالة، "احتوى" كإخبار الرجل بموت ولده المشرف على الموت مع قرينة البكاء وإحضار الكفن والنعش، وكما أخرجه الشيخان أو أحدهما لتلقي العلماء لكتابيهما بالقبول).
[٢٤٧] محمد يحيى (لفقيه) بن محمد المختار بن الطالب عبدالله النفاع الداودي الولاتي المالكي (ت١٣٣٠هـ)
قال في فتح الودود بسلم الصعود إلى مراقي السعود ص٢٢٠: (فخبر الواحد ما أفاد الظن، والمتواتر ما أفاد العلم الضروري، والمستفيض ما أفاد العلم النظري.. "ولا يفيد العلم بالإطلاق، عند الجماهير من الحذاق" يعني أن خبر الواحد لا يفيد العلم مطلقا، أي احتفت به القرائن أم لا عند جمهور الحذاق من الأصوليين ولو كان راويه عدلا، "وبعضهم يفيد إن عدل روى".. "واختير ذا إن القرينة احتوى" يعني أن ابن الحاجب اختار إفادة خبر الواحد العدل للعلم إذا احتوى على قرينة منفصلة زائدة على العدالة، ومنه ما أخرجه الشيخان أو أحدهما لما احتف به من القرائن، منها جلالتهما في هذا الشأن وتقدمهما في تمييز الصحيح على غيرهما، وتلقي العلماء لكتابيهما بالقبول، قال ابن حجر: وهذا التلقي وحده أقوى في إفادة العلم من مجرد كثرة الطرق)، وقال في نيل السول على مرتقى الوصول ص٥٧: (ومذهب الجمهور أن خبر الآحاد لا يفيد العلم، ولو احتف به القرائن وكان راويه عدلا)، وقال في إيصال السالك إلى أصول مذهب الإمام مالك ص١٧٩: (يعني أن الخبر أي الحديث أو الفعل أو التقرير الذي رواه واحد عدل فطن مأمون ثقة أو من في حكمه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة شرعية عند مالك رحمه الله، بنى عليه بعض فروع الفقه في مذهبه، ومفاده الظن، وهو الخبر العاري عن قيود المتواتر بأن كان خبر واحد عدل أو خبر جمع لا يمتنع تواطؤهم على الكذب عادة كالاثنين والثلاثة والأربعة)، وقال في إيصال السالك في أصول الإمام مالك ص١٥٧ عن الإجماع: (وهو على قسمين: نطقي وسكوتي، فالنطقي هو أن يكون اجتماع المجتهدين على الحكم بالنطق به من كل واحد منهم.. والنطقي على قسمين: قطعي وظني، فالقطعي منه: المشاهد أو المنقول بالتواتر، والظني هو المنقول بخبر الآحاد الصحيح، وهو حجة ظنية، والقطعي حجة قطعية).
[٢٤٨] جمال الدين القاسمي الشافعي (ت١٣٣٢هـ)
قال في تفسيره محاسن التأويل في تفسير سورة الفلق وحديث سحر النبي صلى الله عليه وسلم: (ولا غرابة في أن لا يُقبل هذا الخبر لما برهن عليه، وإن كان مخرجا في الصحاح، وذلك لأنه ليس كل مخرج فيها سالما من النقد سندا أو معنى، كما يعرفه الراسخون ، على أن المناقشة في خبر الآحاد معروفة منذ عهد الصحابة، قال الإمام الغزالي في المستصفى: ما من أحد من الصحابة إلا وقد رد خبر الواحد).
[٢٤٩] الشيخ عبدالحميد قدس الشافعي (ت١٣٣٤هـ)
قال في لطائف الإشارات شرح تسهيل الطرقات (للعمريطي) لنظم الورقات (للجويني) ص٤٨: (ثم الخبر ينقسم قسمين: متواتر وآحاد، فالمتواتر ما يوجب بنفسه العلم، ويفيده بصدق مضمونه.. والآحاد وهو مقابل المتواتر هو ما يوجب العمل ويفيده ولم يوجب العلم)، إلى أن قال: (ثاني النوعين الآحاد الذي هو مقابل التواتر، وهو الذي يوجب العمل لا العلم، أي لا يوجب العلم، فهو الذي لم تبلغ رواته عدد التواتر واحدا كان راويه أو أكثر، أفاد العلم بالقرائن المنفصلة أم لا، وشرطه عدالة راويه، فلا يجب العمل بخبر الفاسق والمجهول، وإنما لم يوجب خبر الواحد العلم لأن دلالته ظنية).
[٢٥٠] محمد جعيط التونسي المالكي (ت١٣٣٧هـ)
قال في حاشيته المسماة منهج التحقيق والتوضيح لحل غوامض التنقيح (للقرافي) ج٢ ص١٤٠: (قوله: "الدال على كذب الخبر وهو خمسة" هي مخالفته لما علم بالضرورة أو بالنظر، وبمخالفته للدليل القاطع، أو يُنقل آحادا ما تتوفر الدواعي على نقله لغرابته كمثل سقوط الخطيب، أو لشرفه كقواعد الدين، أو جمع الغرابة والشرف كالمعجزات، والغرابة من جهة كونها من خوارق العادات، والشرف من جهة أنها أصل النبوات )، وقال في ص١٤٨: (قوله: "لأن الظن لا يكفي في القطعيات" الذي رجحه الشيخ ابن عرفة أن الظن كاف في المسائل العملية غير الاعتقادية، ككون الأرض سبعة مثل السماوات الثابت ذلك بالآحاد، وإنما يشترط القطع في المسائل العلمية الاعتقادية اهـ).
[٢٥١] محمد بن محفوظ الترمسي الإندونيسي المكي الشافعي (ت١٣٣٨هـ)
قال في إسعاف المطالع بشرح البدر اللامع (للأشموني) شرح جمع الجوامع (للسبكي) ص٤٦٦: (واختلف في الأدلة النقلية هل تفيد اليقين على ثلاثة أقوال أيضا، أحدها: تفيده مطلقا، حكاه الآمدي عن الحشوية، قال: حتى بالغوا وقالوا لا يُعلم شيء بغير الكتاب والسنة، الثاني: لا، مطلقا، لتوقف اليقين فيها على أمور لا طريق إلى القطع بها، والثالث: تفيده إذا انضم إليها تواتر أو غيره، وهو ما اختاره الإمام والآمدي وغيرهما).
[٢٥٢] طاهر الجزائري المالكي (ت١٣٣٨هـ)
قال في توجيه النظر إلى أصول الأثر ج١ ص٤٨٩: (بخلاف خبر الآحاد، فإن فيه الصحيح وغير الصحيح، والصحيح منه لا يحكم له بالصحة عن طريق اليقين، نعم قد تقترن قرائن تفيد العلم بالصحة، ولا بد في خبر الآحاد أن يكون له إسناد معين).
[٢٥٣] محمد بن عبدالرحمن الديسي المسيلي الجزائري المالكي (ت١٣٣٩هـ)
قال في كتاب النصح المبذول لقراء سلم الوصول (له) في نظم الورقات (للجويني) ص٧٨: (فالآحاد هو الذي لم يبلغ حد التواتر، ويوجب العمل بمقتضاه ولا يوجب العلم.. والمتواتر هو ما يوجب العلم).
[٢٥٤] أبو بكر بن عبدالرحمن بن شهاب الدين العلوي الحسيني الشافعي (ت١٣٤١هـ)
قال في الترياق النافع بإيضاح وتكميل مسائل جمع الجوامع ج١ ص٥٤: (واختلف في الدلالة النقلية هل تفيد اليقين أم لا؟ على أقوال أحدها: أنها تفيده مطلقاً، وحكاه الآمدي عن الحشوية، ثانيها: لا تفيده مطلقاً لتوقف اليقين فيها على أمور لا سبيل إلى القطع بها، ثالثها: وهو مذهب جمهور الأشاعرة ومذهب المعتزلة وهو الحق كما اختاره الإمام الرازي وغيره أن الأدلة النقلية قد تفيد اليقين بانضمام تواتر أو مشاهدة مع عدم العلم بالمعارض العقلي كما في أدلة وجوب الصلاة ونحوها فإن الصحابة علموا معانيها المرادة بقرينة المشاهدة ونحن علمناها بواسطة نقل تلك القرائن إلينا تواتراً)، وقال في ج١ ص٢١٨: (وقيل يمتنع نسخ القرآن بالآحاد لأن القران قطعي والآحاد ظني ولا ينسخ القطعي بالظني قلنا محل النسخ الحكم ودلالة القرآن عليه ظنية)، وقال في ج١ ص٢٥٦: (خبر الواحد لا يفيد العلم إلا إذا حفت به قرينة فأكثر، بحيث يقطع السامع مع وجودها بصدق الخبر، كأخبار رجل بموت ولده المعلوم لنا اشرافه على الموت مع قرينة الصياح وإحضار الكفن والنعش، فإن لم تحتف به قرينة لم يفد العلم، هذا ما عليه الآمدي وابن الحاجب وإمام الحرمين والغزالي والبيضاوي واختاره المصنف، وقال الأكثرون: لا يفيد خبر الواحد العلم مطلقا ولو احتفت به القرائن، ورجحه المصنف في شرح المختصر، وقال: إنه الحق، وقال الإمام أحمد ابن حنبل وابن خويز منداد: يفيد خبر الواحد العلم وإن لم تحتف به القرائن بشرط العدالة لوجوب العمل به كما سيأتي، والعمل إنما يجب بما يفيد العلم لنهي الله تعالى عن أتباع غير العلم بقوله: "ولا تقف ما ليس لك به علم" وذمه متبعي الظن بقوله: "إن يتبعون إلا الظن"، وأجيب، بأن هذه النصوص وإن كانت ظاهرة في العموم لكنها مخصصة بما يطلب فيه اليقين من أصول الدين كوحدانيته تعالى وتنزهه عما لا يليق به لما ثبت من العمل بالظن في الفروع، وبأن لا نسلم أنه لو لم يفد العلم لكان العمل به اتباعا لغير المعلوم للاجماع القاطع على وجوب اتباع الظواهر قاله العضد).
[٢٥٥] محمد بن عبدالرحمن عيد المحلاوي الحنفي (ت١٣٤١هـ)
قال في تسهيل الوصول إلى علم الأصول ج١ ص٣٠٣: (حكم المتواتر أنه يفيد اليقين، كما يوجبه الحس، فيكفر جاحده)، ثم قال في ص٣٠٤: (حكم المشهور أنه يوجب العمل به، فيجوز تقييد مطلق الكتاب به، كتقييد آية جلد الزاني بكونه غير محصن برجم ماعز من غير جلد)، ثم قال في ص٣٠٥: (حكم خبر الواحد: وجوب العمل به، إلا إذا كان فيما يتكرر وقوعه، وتعم به البلوى، ويحضره الرجال الكثيرون، كحديث الجهر بالتسمية، فهو لا يوجب العمل)، وقال في ص٣٠٨: (ولا خلاف في أن خبر الواحد إذا وقع الإجماع على العمل بمقتضاه فإنه يفيد العلم، لأن الإجماع عليه قد صيره من المعلوم صدقه، وهكذا خبر الواحد إذا تلقته الأمة بقبول، فكانوا بين عامل به ومتأول له، ومن هذا القسم أحاديث صحيحي البخاري ومسلم، فإن الأمة تلقت ما فيهما بالقبول، ومن لم يعمل بالبعض من ذلك فقد أوله، والتأويل فرع القبول).
[٢٥٦] محمد الخضري بك (ت١٣٤٥هـ)
قال في أصول الفقه ص٢٢٨: (خبر الواحد لا يفيد أكثر من الظن لجواز كذب الراوي، وإن كان هذا الاحتمال يضعف عند وجود العدالة، وقد تقترن بالخبر قرائن تقطع كل احتمال بكذبه، فيحصل العلم بمضمونه، وهذا العلم لم يُستفد من نفس الخبر وإنما استفيد منه بواسطة القرائن، وقيل إنه لا يفيد العلم مع القرائن إلا إذا كان المخبر عدلا، وقيل بجواز إفادته العلم مجردا عن القرائن. إذا كان المراد بأن المحفوف بالقرائن قد يفيد العلم للناس كافة فلا نقول به، لأن الناس ليسوا على شكل واحد في التأثر من القرائن المحتفة بالأخبار، فرب رجل سريع التأثر يعتقد في إنسانٍ البعد عن الكذب ويصادف خبره قرائن تزيد ذلك الاعتقاد فيحصل له العلم، ويوجد بجانبه رجل آخر ليست عنده هذه العقيدة فلا يزال الشك يحوم حول نفسه فلا يكاد يجزم بمثل تلك الرواية، وإن أريد أنه قد يحصل العلم بالخبر المحتف بالقرائن لبعض الناس فلا تظن أن أحدا ينكره إذا هو مشاهد محسوس، فلا يمكن أن يقال إن حصول العلم من الخبر الذي هذا شأنه نتيجة عقلية لا تتخلف حتى يتحد فيها الناس كافة).
[٢٥٧] محمد بن جعفر الكتاني المالكي (ت١٣٤٥هـ)
قال في نظم المتناثر في الحديث المتواتر ص٢٤ عن أحاديث الشيخين وعن قول النووي في أنها لا تفيد اليقين: (وقد انتصر جماعة من المتأخرين في هذه المسألة للنووي ومن وافقه، وبالغوا في رد ما لابن الصلاح وابن حجر ومن ذكرها معهما، وقالوا: إن جلالة شأن البخاري ومسلم وتلقي الأمة لكتابيهما بالقبول والإجماع على المزية لا يستلزم القطع والعلم، غاية ما يلزم أن أحاديثهما أصح الصحيح لاشتمالها على الشروط المعتبرة عند الجمهور على الكمال، وهذا لا يفيد إلا الظن القوي، أي المزاحم لليقين ولا يفيد اليقين، قالوا. وهذا هو الحق الذي يجب أن يعول عليه، قلت: ويؤيده حكم جماعة من أهل الكشف على بعض أحاديثهما بعدم الوقوع، كحديث شق الصدر الشريف ليلة الإسراء والواقع في الصحيحين، وأنكره صاحب الإبريز كشفا).
[٢٥٨] عبدالقادر بن بدران الدومي الحنبلي (ت١٣٤٦هـ)
قال في نزهة الخاطر العاطر في شرح روضة الناظر وجنة المناظر لابن قدامة ج١ ص٢١٦: (حاصله أن للإمام (أي: أحمد بن حنبل) روايتين، إحداهما أن العلم لا يحصل بخبر الواحد، وثانيهما أنه يحصل به العلم، وهو قول جماعة من المحدثين، قال الآمدي: وهو قول بعض أهل الظاهر، وقال الواسطي: وهو رأي ابن حويزمنداد وعزاه إلى الإمام مالك، والذي يظهر من كلام المصنف (أي: ابن قدامة) أن هذه الرواية مخرجة على كلام الإمام أحمد في أحاديث الرؤية لا أنها صريح كلامه، لأنه نقل عنه أنه قال في أخبار الرؤية: يقطع على العلم بها، والذي أراه أنه لا يُفهم من كلام الإمام إلا التخصيص بأخبار الرؤية، فكأنه يقول: إن أخبارها وإن لم تبلغ حد التواتر، لكنها احتفت بقرائن جعلتها بحيث يحصل العلم بها، وتلك القرائن هو ظواهر الآيات القرآنية المثبتة لها، وإلى نحو هذا أشار المصنف فيما بعد حيث قال: "قال بعض العلماء" إلى آخر البحث، فإسناد القول الثاني إلى الإمام من غير تقييد فيه نظر، وكذلك ما نسبه إليه ابن الحاجب والواسطي وغيرهما من أنه قال: يحصل العلم في كل وقت بخبر كل عدل وإن لم يكن ثمّ قرينة، فإنه غير صحيح أصلا، وكيف يليق بمثل إمام السنة أن يدعي هذه الدعوى، وفي أي كتاب رويت عنه رواية صحيحة، ورواياته رضي الله عنه كلها مدونة، معروفة عند الجهابذة من أصحابه، والمصنف رحمه الله (أي: ابن قدامة) من أولئك القوم، ومع هذا أشار إلى أنها رواية مخرجة على كلامه، ثم إنه تصرف بها كما ذكره هنا، فتحقق ذلك وتمهل أيها المنصف).
[٢٥٩] حسن بن عمر السناوني المالكي (ت١٣٤٩هـ)
قال في الأصل الجامع لإيضاح الدرر المنظومة في سلك جمع الجوامع ج٢ ص٦٧: (واختلف في خبر الواحد هل يفيد العلم أم لا على أقوال، فقيل إنه لا يفيد العلم الا بقرينة.. وقال الأكثر لا يفيد مطلقا ولو وجدت قرينة، وأفاد ناظم السعود أن هذا القول عند الجماهير من الحذاق في الأصول.. نعم إلا أنه وإن لم يستفد منه العلم يستفاد منه الظن لقول العلامة ابن عاصم).
[٢٦٠] محمود خطاب السبكي المالكي (ت١٣٥٢هـ)
قال في كتاب الدين الخالص ج١ ص٤٧: (ومن غفلتهم: اعتقادهم أن الله يتصف بالتحول والانتقال والنزول إلى سماء الدنيا، ويستدلون على معتقدهم الفاسد بأحاديث الآحاد، مع أنها لا يصح أن يستدل بها في العقائد، وإنما يستدل بها في الفروع بإجماع أئمة الدين)، وقال في المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود ج١٠ ص٦١: (والاحتياط في العبادة يقضي أن لا يخرج منها إلا يقين، وخبر الواحد لا يفيده).
[٢٦١] محمد أنور شاه الكشميري الحنفي (ت١٣٥٣هـ)
قال في العرف الشذي شرح سنن الترمذي ج١ ص٤٥: (ونقول: إن خبر الواحد لا يفيد إلا الظن، فعملنا به معاملة الظن، ولم نثبت به الركن والشرط).
[٢٦٢] أبو العلا عبدالرحمن المباركفوري (ت١٣٥٣هـ)
قال في تحفة الأحوذي ج٢ ص٣٦٧: (إذ الحاصل بخبر الواحد الظن، وهو مما يقبل الضعف والشدة).
[٢٦٣] محمد بخيت المطيعي الحنفي (ت١٣٥٤هـ)
قال في حاشيته المسماة سلم الوصول لشرح نهاية السول للإسنوي في شرح منهاج الأصول )للبيضاوي( ج٣ ص١١٧: (حاصل الدليل الأول: إلزام القائلين بوجوب العمل بخبر الواحد وبأنه حجة بأنه لو كان حجة في العمليات لكان حجة أيضا في الاعتقادات قياسا لها على العمليات، وحاصل الجواب أننا نمنع أن العلة التي اقتضت وجوب العمل بخبر الواحد في العمليات موجودة في الاعتقاديات، لأن المطلوب في العمليات هو العمل، ويكفي في ذلك الظن، والمقصود في الاعتقاديات: الاعتقاد المطابق للواقع من موجب، فلا يكفي في ذلك الظن).
[٢٦٤] محمد رشيد رضا (ت١٣٥٤هـ)
قال في تفسير المنار في أوائل تفسير سورة البقرة بعد أن نقل كلاما لشيخه الشيخ محمد عبده، فقال: (وأقول: معنى هذا أن بعض أحاديث الآحاد تكون حجة عند من ثبتت عنده واطمأن قلبه بها، ولا تكون حجة على غيره يلزم العمل بها، ولذلك لم يكن الصحابة رضي الله عنهم يكتبون جميع ما سمعوه من الأحاديث ويدعون إليها، مع دعوتهم إلى اتباع القرآن والعمل به وبالسنة العملية المتبعة له إلا قليلا من بيان السنة.. وإنما يجب العمل بأحاديث الآحاد على من وثق بها رواية ودلالة، وعلى من وثق برواية أحد وفهمه لشيء منها أن يأخذه عنه، ولكن لا يجعل ذلك تشريعا عاما).
[٢٦٥] محمد الخضر الشنقيطي المالكي (ت١٣٥٤هـ)
قال في كتاب كوثر المعاني الدراري في كشف خبايا صحيح البخاري ج٤ ص١٦٠ تعليقا على حديث علي في طلبه من المقداد أن يسأل النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (واستدل به على قبول خبر الواحد، وعلى جواز الاعتماد على الخبر المظنون مع القدرة على المقطوع به، وفيهما نظر، لأن السؤال كان بحضرة علي رضي الله تعالى عنه كما مر، ولو صح أن السؤال كان في غيبته لم يكن دليلا على المدعى، لاحتمال وجود القرائن التي تحف الخبر فترقيه عن الظن إلى القطع).
[٢٦٦] عبدالحميد بن باديس المالكي (ت١٣٥٩هـ)
قال في كتاب مجالس التذكير من حديث البشير النذير ص١٥٩: (والعمومات إذا تكاثرت أفادت القطع، ولهذا جعلنا هذا الطريق من الاستدلال أقوى من الاستدلال بالحديث الذي هو خبر آحاد، وخبر الآحاد من حيث ذاته يفيد الظن وإن كان صحيحا، وحيث تواردت تلك العمومات وثبت هذا الحديث فقد بلغ الدليل بنصه وقطعيته غاية القوة والبيان).
[٢٦٧] الشيخ أحمد إبراهيم بك (ت١٣٦٥هـ)
قال في كتاب علم أصول الفقه ص١٨: (في السنة ما هو متواتر نقله عن الرسول صلى الله عليه وسلم جمع يؤمن تواطؤهم واتفاقهم على الكذب عادة، ثم نقله عن هذا الجمع جمع مثلهم، وهكذا حتى وصل إلينا، وهذا القسم من السنة مقطوع بثبوته عن النبي صلى الله عليه وسلم، فهو من حيث الثبوت كالقرآن، إذ كل منقول عن الرسول بالتواتر المفيد لليقين الذي لا شك ولا ريب فيها، ومنها ما نقل إلينا بغير طريق التواتر، بل نقل آحادا أولا ثم اشتهر وتلقته الأمة بالقبول، وهذا القسم قريب من الأول، يفيد الطمأنينة، ومنها ما نقل آحادا ولم يشتهر كالأول، وقد يكون متواترا في الأول ثم ينقل آحادا، وهذا القسم إن كان جميع رواته من لدن الرسول حتى وصوله إلينا ثقات عدولا ضابطين لما سمعوه، كان ما نقلوه إلينا مفيدا للحكم الشرعي في المسائل العملية دون العقائد، بناء ثبوته ثبوتا ظنيا راجحا، والظن الراجح كاف في العمليات دون العقائد التي ترتكز على الأدلة القطعية).
[٢٦٨] محمد عبدالعظيم الزرقاني المالكي (ت١٣٦٧هـ)
قال في مناهل العرفان في علوم القرآن ج٢ ص٢٤١: (ولقائل أن يقول: إن من السنة ما كان آحاديا، وخبر الواحد مهما صح فإنه لا يفيد القطع، والقرآن قطعي المتن، فكيف ينسخ بالسنة التي لا تفيد القطع؟ ومتى استطاع الظن أن يرفع اليقين؟ والجواب: أن المراد بالسنة هنا: السنة المتواترة دون الآحادية، والسنة المتواترة قطعية الثبوت أيضا كالقرآن، فهما متكافئان من هذه الناحية، فلا مانع أن ينسخ أحدهما الآخر، أما خبر الواحد فالحق عدم جواز نسخ القرآن به للمعنى المذكور، وهو أنه ظني والقرآن قطعي، والظني أضعف من القطعي فلا يقوى على رفعه)، وقال في مناهل العرفان ج٢ ص٢٤٧: (استدل الجمهور على مذهبهم بدليلين، أولهما: أن المتواتر قطعي الثبوت وخبر الواحد ظني، والقطعي لا يرتفع بالظني لأنه أقوى منه، والأقوى لا يرتفع بالأضعف، ثانيهما: أن عمر رضي الله عنه رد خبر فاطمة بنت قيس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يجعل لها سكنى مع أن زوجها طلقها وبت طلاقها، وقد أقر الصحابة عمر على رده هذا، فكان إجماعا، وما ذاك إلا لأنه خبر آحادي لا يفيد إلا الظن، فلا يقوى على معارضة ما هو أقوى منه، وهو كتاب الله إذ يقول: "أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم" وسنة رسوله المتواترة في جعل السكن حقا من حقوق المبتوتة).
[٢٦٩] شبير العثماني الحنفي (ت١٣٦٩هـ)
قال في فتح الملهم بشرح صحيح الإمام مسلم ج١ ص٢٣: (قال العبد الضعيف عفا الله عنه: المشهور أن أخبار الآحاد مع تجردها عن القرائن تفيد الظن، والمتواتر يفيد علم اليقين.. فالظن الذي تفيده أخبار الآحاد إنما هو القوي الراجح المقارب لليقين، لا الضعيف المرجوح الذي لا يتجاوز حد التوهم، وهو نوع من العلم يدور عليه كثير من الأحكام الدينية والمعاملات الدنيوية).
[٢٧٠] أحمد مصطفى المراغي (ت١٣٧١هـ)
قال في تفسيره في تفسير آية: "وما يتبع أكثرهم إلا ظنا": (الحق هو الثابت الذي لا ريب في ثبوته وتحققه، أي إن الشك لا يقوم مقام اليقين في شيء، ولا ينتفع به حيث يحتاج إلى اليقين، وخلاصة ذلك أن الظن لا يجعل صاحبه غنيا بعلم اليقين فيما يطلب فيه ذلك كالعقائد الدينية، وبهذا تعلم أن إيمان المقلد غير صحيح.. وفي الآية إيماء إلى أن أصول الإيمان تبنى على اليقين دون الظن،فالعلم المفيد للحق ما كان قطعيا من كتاب أو سنة، وهو الدين الذي لا يجوز للمسلمين التفرق والاختلاف فيه، وما دونه مما لا يفيد إلا الظن فلا يؤخذ به في الاعتقاد، وهو متروك للاجتهاد في الأعمال)، وقال في تفسير آية رفع عيسى عليه السلام: (وحديث الرفع والنزول آخر الزمان حديث آحاد يتعلق بأمر اعتقادي، والأمور الاعتقادية لا يؤخذ فيها إلا بالدليل القاطع من قرآن أو حديث متواتر، ولا يوجد هنا واحد منهما).
[٢٧١] عبدالوهاب خلاف (ت١٣٧٥هـ)
قال في كتاب أصول الفقه ص٤٢: (وسنة الآحاد: هي ما رواها عن الرسول آحاد لم تبلغ جموع التواتر، بأن رواها عن الرسول واحد أو اثنان أو جمع لم يبلغ حد التواتر، ورواها عن هذا الراوي مثله، وهكذا حتى وصلت إلينا بسند طبقاته آحاد لا جموع تواتر، ومن هذا القسم أكثر الأحاديث التي جمعت في كتب السنة، وتسمى خبر الواحد)، ثم قال: (نصوص القرآن الكريم كلها قطعية الورود، ومنها ما هو قطعي الدلالة ومنها ما هو ظني الدلالة، وأما السنة فمنها ما هو قطعي الورود، ومنها ما هو ظني الورود، وكل منهما قد يكون قطعي الدلالة وقد يكون ظني الدلالة، وكل سنة من أقسام السنن الثلاثة المتواترة والمشهور وسنن الآحاد حجة واجب اتباعها والعمل بها، أما المتواترة فلأنها مقطوع بصدورها وورودها عن رسول الله، وأما المشهورة أو سنة الآحاد فلأنها وإن كانت ظنية الورود عن رسول الله إلا أن هذا الظن ترجح بما توافر في الرواة من العدالة وتمام الضبط والإتقان، ورجحان الظن كاف في وجوب العمل، لهذا يقضي القاضي بشهادة الشاهد وهي إنما تفيد رجحان الظن بالمشهود به، وتصح الصلاة بالتحري في استقبال الكعبة وهو إنما يفيد غلبة الظن، وكثير من الأحكام مبنية على الظن، ولو التزم القطع واليقين في كل أمر عملي لنال الناس الحرج).
[٢٧٢] محمد الحجوي الثعالبي المالكي (ت١٣٧٦هـ)
قال في كتاب الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي ج١ ص١١١: (والصواب أن خبر الواحد إذا تجرد عن القرائن مفيد للظن، خلافا للظاهرية الذين ادعوا إفادته العلم اليقيني، قالوا: ولو لم يفد العلم فكان علما بالظن، والله يقول: "إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئا"، وقال: "ولا تقف ما ليس لك به علم"، وهي حجة داحضة، فالقرآن أوجب اليقين في العقائد لا في كل شيء، ونحن إنما أوجبنا العمل بخبر الواحد في الفروع العملية استنادا لعمل الرسول عليه السلام).
[٢٧٣] الشيخ عبدالرحمن السعدي الحنبلي (ت١٣٧٦هـ)
قال في كتاب صفوة أصول الفقه المنتخبة من مختصر التحرير: (والخبر المتواتر لفظا أو معنى يفيد اليقين، بشرط أن ينقله عدد لا يمكن تواطؤهم على الكذب والخطأ، فإذا لم يبلغ هذه الدرجة قيل له آحاد، وقد يحتف ببعض أخبار الآحاد من القرائن ما يفيد معها القطع).
[٢٧٤] شاكر الحنبلي الحنفي (ت١٣٧٨هـ)
قال في أصول الفقه الإسلامي ص٢٤١: (وحكم المتواتر إفادة العلم اليقين ضرورة كنقل القرآن وعدد ركعات الصلاة) وقال في ص٢٤٢ عن خبر الواحد: (وحكمه العمل به متى تحققت في الراوي الشروط الآتي بيانها).
[٢٧٥] شيخ الأزهر محمود شلتوت الحنفي (ت١٣٨٣هـ)
قال في كتاب الإسلام عقيدة وشريعة ص٥٩: (إذا روى الخبر واحد، أو عدد يسير ولو في بعض طبقاته فإنه لا يكون متواترا مقطوعا بنسبته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما يكون آحاديا في اتصاله بالرسول شبهة، فلا يفيد اليقين، إلى هذا ذهب أهل العلم، ومنهم الأئمة الأربعة: مالك وأبو حنيفة والشافعي وأحمد في إحدى الروايتين عنه، وقد جاء في الرواية الأخرى خلاف ذلك، وفيها يقول شارح مسلم الثبوت: "وهذا بعيد عن مثله فإنه مكابرة ظاهرة"، وقال البزدوي: "وأما دعوى علم اليقين – يريد في أحاديث الآحاد – فباطلة بلا شبهة لأن العيان يرده، وهذا لأن خبر الواحد محتمل لا محالة، ولا يقين مع الاحتمال، ومن أنكر هذا فقد سفه نفسه وأضل عقله.. وهكذا نجد نصوص العلماء من متكلمين وأصوليين مجتمعة على أن خبر الآحاد لا يفيد اليقين، فلا تثبت به العقيدة، ونجد المحققين من العلماء يصفون ذلك بأنه ضروري لا يصح أن ينازع أحد في شيء منه، ويحملون قول من قال: "إن خبر الواحد يفيد العلم" على أن مراده العلم بمعنى الظن كما ورد، أو العلم بوجوب العمل، على أن الكلام إنما هو في إفادته العلم على وجه تثبت به العقيدة، وليس معنى هذا أنه لا يحدث علما لإنسان ما، فإن من الناس من يحدث العلم في نفسه بما هو أقل من خبر الواحد الذي نتحدث عنه، ولكن لا يكون ذلك حجة على أحد، ولا تثبت به عقيدة يكفر جاحدها، فإن الله تعالى لم يكلف عباده عقيدة من العقائد عن طريق من شأنه الا يفيد إلا الظن، ومن هنا يتأكد أن ما قررناه من أن أحاديث الآحاد لا تفيد عقيدة ولا يصح الاعتماد عليها في شأن المغيبات قول مجمع عليه وثابت بحكم الضرورة العقلية التي لا مجال للخلاف فيها عند العقلاء ).
[٢٧٦] عبدالرحمن المعلمي اليماني (ت١٣٨٦هـ)
جاء في كتاب آثار الشيخ العلامة عبدالرحمن بن يحيى المعلمي اليماني ج٤ ص١٥٧: (وإنما جاز العمل بالظن في العمليات لسهولة الأمر فيها، وللاحتياج إليه فيها، وليس الحال كذلك في الاعتقاديات)، وقال في ج١٩ ص١٣٣: (ومن الأجوبة أن العمل بخبر الواحد ليس عملا به من حيث هو خبر واحد، ولا من حيث إنه يفيد الظن، بل من حيث إن الشارع أمر بالعمل به، وذاك الأمر ثابت قطعا بما ذكره أهل العلم من الحجج، وما قدمته منها، فالعمل به اتباع للحق المقطوع به لا الظن، وكذلك نقول في جميع الأدلة التي تفيد الظن وقام الدليل القاطع على وجوب العمل بها، أولا ترى أنه إذا اعترف رجل بالغ عاقل مختار عند القاضي ولم يكن هناك ما يدل على بطلان اعترافه ولا صحته فقضى عليه بمجرد اعترافه، فقد قضى بما أنزل الله قطعا؟ لأن وجوب الحكم بالاعتراف مقطوع به، وإن كان الاعتراف لا يفيد إلا الظن، وهكذا إذا قضى بشهادة شاهدين بشرطهما).
[٢٧٧] محمد الأمين الشنقيطي (ت١٣٩٣هـ)
قال في مذكرته في أصول الفقه ص١٢٢: (حاصل كلام أهل الأصول في هذه المسألة التي هي: يفيد خبر الآحاد اليقين أو لا يفيد إلا الظن؟ أن فيها للعلماء ثلاثة مذاهب: الأول: هو مذهب جماهير الأصوليين أن أخبار الآحاد إنما تفيد الظن فقط، ولا تفيد اليقين، وهو مراد المؤلف بالعلم، فالعلم هو اليقين في الاصطلاح، وحجة هذا القول أنك لو سئلت عن أعدل رواة خبر الآحاد أيجوز في حقه الكذب والغلط لاضطررت أن تقول: نعم، فيقال: قطعك إذن بصدقه مع تجويزك عليه الكذب والغلط لا معنى له، والمذهب الثاني: أنه يفيد اليقين إن كان الرواة عدولا ضابطين، واحتج القائلون بهذا بأن العمل بخبر الآحاد واجب، والظن ليس من العلم حتى يجب العمل به، لأن الله يقول: "إن الظن لا يغني من الحق شيئا"، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث"، وهذا القول بإفادته العلم رواية عن أحمد، وحكاه الباجي عن ابن خويزمنداد من المالكية، وهو مذهب الظاهرية، المذهب الثالث هو التفصيل، بأنه {إن} احتفت به قرائن دالة على صدقه أفاد اليقين، وإلا أفاد الظن، ومثال ما احتفت به القرائن إخبار رجل بموت ولده المشرف على الموت مع قرينة البكاء وإحضار الكفن والنعش، ومن أمثلته أيضا أحاديث الشيخين لأن القرائن دالة على صدقها لجلالتها في هذا الشأن وتقديمهما في تمييز الصحيح على غيرهما وتلقي العلماء لكتابهما بالقبول، وهذا التلقي وحده أقوى في إفادة العلم من مجرد كثرة الطرق كما قاله غير واحد، واختار هذا القول أبو العباس ابن تيمية رحمه الله تعالى وحمل بعضهم الرواية عن أحمد على ما قامت القرائن على صدقه خاصة دون غيره. قال مقيده عفا الله عنه: الذي يظهر لي أنه هو التحقيق في هذه المسألة، والله جل وعلا أعلم، أن خبر الآحاد أي الذي لم يبلغ حد التواتر ينظر إليه من جهتين، هو من إحداهما قطعي ومن الأخرى ظني،ينظر إليه من حيث إن العمل به واجب، وهو من هذه الناحية قطعي لأن العمل بالبينات مثلا قطعي منصوص في الكتاب والسنة، وقد أجمع عليه المسلمون، وهي أخبار آحاد، وينظر إليه من ناحية أخرى وهي: هل ما أخبروا به مطابق للواقع في نفس الأمر، فلو قتلنا رجلا قصاصا بشهادة رجلين فقتلنا له هذا قطعي شرعا لا شك فيه، وصدق الشاهدين فيما أخبرا به مظنون في نفس الأمر، لا مقطوع به لعدم العصمة.. تنبيه: اعلم أن التحقيق الذي لا يجوز العدول عنه أن أخبار الآحاد الصحيحة.. تُقبل في الأصول، فما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم بأسانيد صحيحة من صفات الله يجب إثباته واعتقاده على الوجه اللائق بكمال الله وجلاله على نحو ليس كمثله شيء وهو السميع البصير)، وقال في نثر الورود على مراقي السعود ص٣٤٠: (خبر الآحاد إذا انعقد الإجماع موافقا له اختُلف فيه هل يصير بذلك قطعيا أم لا؟ على ثلاثة أقوال، الأول: وهو أصحها عند الأصوليين: أن موافقة الإجماع لخبر الآحاد لا تفيد القطع بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك الخبر المروي آحادا مطلقا، لجواز أن يكون مستندهم غيره، أو يكونوا ظنوا الحكم فوجب عليهم العمل بما غلب على ظنهم وإن لم يكن مطابقا في نفس الأمر عند من يجيز ذلك في حقهم، الثاني: أنه يفيد القطع لاعتضاده بالقطعي الذي هو الإجماع، الثالث: التفصيل، فإن صرح المجمعون بأن ذلك الخبر هو مستندهم أفاد القطع وإلا فلا)، وقال في ص٣٤٦: (ومن المحتف بقرينة الصدق: ما أخرجه الشيخان أو أحدهما لما احتف به من قرائن الصدق لشدة معرفتهما بالصحيح من غيره، وتلقي الناس لكتابيهما بالقبول).
[٢٧٨] الطاهر بن عاشور المالكي (ت١٣٩٣هـ)
قال في كتاب مقاصد الشريعة الإسلامية ج٣ ص٥٢: (لأن وجود القطع والظن القريب منه بين تلك الأدلة مفقود أو نادر، لأن تلك الأدلة إن كانت من القرآن وهو متواتر اللفظ فمعظم أدلته ظواهر.. وإن كانت الأدلة من السنة فهي كلها أخبار آحاد، وهي لا تفيد القطع ولا الظن القريب منه )، وقال في كتاب مقاصد الشريعة الإسلامية ج٣ ص١٤٦: (والدليل العام منها وهو قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "لا ضرر ولا ضرار" هو خبر آحاد، وليس بقطعي النقل عن الشارع، لأن السنة غير المتواترة ليست قطعية المتن)، وقال في تفسيره المعروف بالتحرير والتنوير ج١ ص١٣٩ في مناقشته هل البسملة آية من القرآن أم لا، فقال: (قال الباقلاني: "لو كانت التسمية من القرآن لكان طريق إثباتها إما التواتر أو الآحاد، والأول باطل، لأنه لو ثبت بالتواتر كونها من القرآن لحصل العلم الضروري بذلك، ولامتنع وقوع الخلاف فيه بين الأمة، والثاني أيضا باطل، لأن خبر الواحد لا يفيد إلا الظن.." اهـ وهو كلام وجيه، والأقيسة الاستثنائية التي طواها في كلامه واضحة لمن له ممارسة للمنطق وشرطياتها لا تحتاج للاستدلال لأنها بديهية من الشريعة فلا حاجة إلى بسطها).
[٢٧٩] محمد أبو زهرة (ت١٣٩٤هـ)
قال في كتاب أصول الفقه ص١٠٨: (وقد قال جمهور العلماء إن الحديث المتواتر يوجب العلم اليقيني الضروري، كالعلم الناشئ من العيان.. القسم الثالث: خبر الآحاد، ويسميه الشافعي رضي الله عنه خبر الخاصة، وهو كل خبر يرويه الواحد أو الاثنان أو أكثر عن الرسول صلى الله عليه وسلم ولا يتوافر فيه شرط المشهور، وحديث الآحاد يفيد العلم الظني الراجح ولا يفيد العلم القطعي، إذ الاتصال بالنبي فيه شبهة.. ولهذه الشبهة في إسناد الحديث بالرسول صلى الله عليه وسلم قالوا إنه يوجب العمل به إن لم يعارضه معارض، ولكن لا يؤخذ به في الاعتقاد، لأن الأمور الاعتقادية تبنى على الجزم واليقين ولا تبنى على الظن ولو كان راجحا، لأن الظن في الاعتقاد لا يغني عن الحق شيئا).
[٢٨٠] تقي الدين النبهاني (ت١٣٩٨هـ)
قال في كتاب الشخصية ج٣ ص٨٣: (الحديث المشهور هو ما زاد نقلته عن ثلاثة في جميع طبقاته، ولم يصل حد التواتر، وهو لا يفيد اليقين، وإنما يفيد الظن كأي خبر من أخبار الآحاد، وقد قالوا: إنه يفيد ظنا يقرب من اليقين لأن الأمة تلقته بالقبول في عهد التابعين، فكان قطعي الثبوت عن الصحابي، والراجح في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم التنزه عن الكذب، ولكنه هذا القول لا يعطي الحديث المشهور أكثر مما لأي خبر من أخبار الآحاد، لأن القول بأنه يفيد ظنا يقرب من اليقين قول لا معنى له، فالأمر إما ظن وإما يقين، ولا ثالث لهما، فلا يوجد شيء بين الظن واليقين، ولا شيء يقرب من هذا ويبعد من هذا، ولهذا لا معنى لهذا القول، فالمشهور يفيد الظن، والقول بأنه قطعي الثبوت عن الصحابي لا قيمة له، لأن المطلوب أن يكون قطعي الثبوت عن الرسول لا عن الصحابي).