الجمعة، 27 أبريل 2018

رسالة في تكفير من يحرمون الأغاني والمعازف - للشيخ أبي الفتوح الطوسي



بوارق الإلماع في تكفير من يحرّم السماع

تأليف الشيخ الإمام العالم العلامة العمدة الفهامة ، شيخ الحقيقة والطريقة ، الشيخ شهاب الدين أبي الفتوح أحمد بن محمد بن محمد الطوسي الغزالي


نفع الله به

آمين


 والمنشور هنا هو تفريغ حرفي للمخطوط المتوفر على هذا الرابط
http://www.feqhup.com/uploads/1383975201533.pdf


ترجمة المؤلف


قال الإمام اليافعي في تاريخ (مرآة الجنان) ما حاصله : (أبو الفتوح أحمد بن محمد بن محمد الطوسي الغزالي الواعظ أخو الإمام حجة الإسلام أبي حامد ، شيخ مشهور فصيح مفوّه ، صاحب قبول تام لبلاغته وحُسن إيراده وعذوبة لسانه ، كان مليح الوعظ صاحب كرامات وإشارات ، وكان من الفقهاء غير أنه مال إلى الوعظ والتصوف فغلب عليه ، ودرّس بالنظامية نيابة عن أخيه أبي حامد لما ترك التدريس زهادة فيه ، واختصر كتاب أخيه المسمى بإحياء علوم الدين في مجلد واحد ، وسماه لباب الإحياء ، وله كتاب آخر سمّاه الذخيرة في علم البصيرة ، وطاف البلاد وخدم الصوفية بنفسه وخدموه ، وصحبهم وصحبوه ، وكان مائلا إلى الانقطاع والعزلة ، وذكره الحافظ ابن النجار في تاريخ بغداد وأثنى عليه هو وغيره من العلماء والأولياء ، مات بقزوين في سنة ٥٢٠هـ رحمه الله تعالى) .

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم


المقدمة


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي أسمَع العباد في الميثاق الأول خطاب (ألست بربكم) لإكمال رتبة المعارف ، وكمّل عقول الطلاب لإدراك فوائد الأعمال واللطائف ، وأزال حجب أرواحهم المانعة عن الترقي في الجناب الأحدي دفعا للمصارف والصوارف ، وأرقّ أفئدتهم بنور اليقين ، وجلى مرآة نفوسهم بقوى التمكين ، حتى وجدوا آثار التجليات ، وخلصوا من رق الشهوات ، وجالت أجسادهم في السماع طلبا لخلاص الروح ، وحرصا على إنالة جلائل الفتوح ، فإنها من أكمل صفات الرجل الخائف ، وأصلي على نبيه خاتم الرسل صلاة ترفع قائلها إلى نوامي البركات والشرائف .
يقول العبد الفقير إلى الله تعالى ، المحتاج إلى إنالة فيض فضل الله ، الملتجي إلى جناب الله أحمد بن محمد بن محمد الطوسي ألحقه الله بعباده الأبرار في دار القرار : سألني بعض الصلحاء المتوجهين إلى الله في السراء والضراء أن أكتب له رسالة في السماع وقواعده ، وشروطا في فعله لظهور فوائده ، مستشهدا عليه بالقرآن العظيم والحديث الشريف وأفعال الصحابة ، والرد على منكريه وما يلزمهم من المذكورات شرعا ، وأسْتدلُ بالكتاب والسنة والمعقول والمنقول على أن من قال أن السماح حرام كفر بالإجماع ، وسد عليه طرق المنائح والإلماع ، ولما رأيت صدق رغبته أجبت سؤاله وحصّلت نواله بتحصيل هذا الكتاب بعد الاستخارة في حضرة الملك الوهاب ، وسميته (بوارق الإلماع في تكفير من يحرّم السماع وتعيّن شرفه بالإجماع) ، أسألالله العظيم أن ينفع به إنه قريب مجيب .


معنى السماع وفائدته


اعلم زين الله قلبك بنور الطاعة ، وأدرجك في حقيقة الشهادة والشفاعة ، أن سماع هذه الطائفة عبارة عن ملاحظة الأسرار الغريبة من الأشعار الرقيقة التي ينشدها القوّال مقرونا بذكر الواحد القهار في الاطلاع على الدقائق والأسرار ، وإنما اختاروا هذه لرفع حجج السماع دون غيرها من الأفعال لأمرين :
أحدهما : أن السماع في مقابلة رتبة الصلاة ، فلا تصح الصلاة إلا بعد السماع ، إذ لولا استماع المصلي أركانها وسننها وشروطها من غيره بالتعلم وإلا لما صحت صلاته ، وأيضا أن الصلاة ظاهرها جمع ، وباطنها : إما تفرقة معنوية وذلك ينافي الحضور مع الله تعالى ، أو تفرقة صورية مذمومة كطريان الخواطر الفاسدة في قلبه حالة قيامه في الصلاة ، والسماع ظاهره تفرقه وباطنه جمع ، لأنه باستيلاء حكم السماع عليه تغيب عن أفكاره العوارض الفاسدة حتى بما لا تخطر نفسه بباله .
وثانيها : أنه لما خلق الله الموجودات رتّبها على رتبتين ، أحدهما : مسماة بعالم الغيب وعالم الملكوت ، وهو أوسع العوالم وأكملها ، والتصرف في هذا العالم بالروح والسر ، وآلة وجدان هذا العالم وتجلياتها وإدراك معينها النورانية هو الذوق وصفاء القلب والبصيرة ، وأهل هذا العالم الملائكة والأرواح ، وهذه الرتبة لا يحويها الحس والعقل ، ولا يدركها التقليد والنقل ، قال الله تعالى (وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض) ، وقال عليه الصلاةوالسلام : (ألا وإن علامات العقل التجافي عن دار الغرور ، والإنابة إلى دار الخلود) ، وثانيها : يسمى بعالم الشهادة وعالم الظاهر ، وهذا أضيق من عالم الغيب وأحضر ، وآلة إدراك ما في هذا العالم من الحكم والعجائب بالعقل والحواس الواقعة في بعض الأحيان في الشك والريب والالتباس ، وأهل هذا العالم الأعيان الظلمانية الحيوانية ، ثم اقتضت الحكمة الإلهية إظهار مظهر جامع الأنوار والظلمات لتبين حقائق الآيات ، وفهم معاني التنزلات والتجليات ، وذلك المظهر هو حقيقة النوع الإنساني مقابلة للنور الإيماني والسر الإيقاني .
ولما كان عالم الغيب أوسع وأكمل ، وعطاء الروح والعقل والكشوفات المتعلقة بهذا العالم كان التصرف في هذا العالم بالروح والسر ، ولما كان عالم الشهادة أضيق بالنسبة إلى عالم الغيب واحتاج فيه إلى أشياء متعددة مختلفة الصور والطباع لاصطلاح صورته أعطاه الله بعناية الأزلية الحواس والنفس والتمييز ليحصّل بواسطتها كمال المعرفة والفهم ، ويدرك ما قدر له من السعادة بأكمل نصيب وأوفر سهم ، ولما كان وجوده محصورا محدودا لم يمكنه تمكين فهم جميع المحظورات في حالة واحدة ، والاحتواء على مظاهر تجليات الحق ، حينئذ فوض الله تعالى كمال رتبته إلى قوم جعلهم في تلك الرتبة كمالا وقوة ونفوذا لغيرهم بالنسبة إلى تلك الرتبة .
وأيضا لما كان الإنسان الجزئي في الصورة ضعيف الاستعداد في الرتبة ، ما أمكنه القيام بمصالحه في عالم الظاهر والباطن ، إذا الجزء لا إحاطة له في الرتب الكلية ، فأحال البعض على البعض ، وجعل معاونة البعض إلى البعض يحتاج كل واحد في استدعاء منافعه ودفع المضار عنه نفسه من غيره إلى واسطة ، فلو كانت تلك الواسطة إشارة أو كناية ما كانت تقي بكمال المقصود ، فجعل الله بلطفه الواسطة الكلام المصوّت  ليكون سهل الانحدار سريع الإمحاء معينا لكل أحد في طلب منافعه من غيره ، فأحبّت الطبيعة الإنسانية الصوت لأنها كمالاته الصورية والمعنوية ، واختاره على ما سواه .
وكما أن الطبيعة الجسدية يحتاج في بقائها إلى الغذاء من حيث هو غذاء حتى يختار الغذاء حالة الاحتياج إليه على جميع محبوباته جاها ومالا ، فلما حصل في الصوت زيادات وترتيبات ومنشايات ذوقية روحية وهو علم الموسيقى مالت الطبيعة إليه أقوى من ميلها إلى ما سواه من اللذات الجزئية ، وقد منح الله داود عليه السلام الصوت الحسن فكان إذا قرأ الزبور بالصوت يموت بعض من سمع ذلك في مجلسه ، وورد أيضا في القرآن : (يزيد في الخلق ما يشاء) ، ذكر المفسرون أنه الصوت الحسن ، وقال عليه السلام : (من لم يتغنّ بالقرآن فليس منا) ، وقال عليه السلام : (زينوا القرآن بأصواتكم) ، وفيما ذكرنا دليل على أن رفع الصوت بالأنغام الموسيقية مطلوب الإنسان مطلقا .


سماع أهل التصوف


أما السماع المتعارف بين الفقراء وأصحاب الأحوال لرقة باطنهم وصفاء قلوبهم ، فمبني على ثلاثة أشياء : الزمان والمكان والإخوان .
أما الزمان ففي أوقات صفاء قلوبهم ومحاولتهم الاجتماع طلبا لرضا محبوبهم ، وتجريد ظاهرهم عن الحظوظ النفسانية ، وتفريد بواطنهم عن التعلق بالعادات الشهوانية ، والتفرغ لحضور القلب للقيام مع الله تعالى لا تحصيل المراتب الإنسانية ، إذ العبادة والتوجه إلى الله تعالى ينبغي أن تكون لله لا لعلة ، فإذا اجتمعوا في مثل هذا الزمان انعكست أنوار قلوب البعض إلى آخرين ، فيزداد بذلك الاجتماع نورا وظهورا ووضوحا وسرورا ، وهذا من وصف أهل الجنة ، قال الله تعالى : (ونزعنا ما في صدورهم من غل) الآية . أشار به إلى أهل المعرفة ، (ونزعنا) أي محونا ما في صدور أهل المعرفة والشهود والأذواق الرقيقة (من غل) أي من طلب الحظوظ الدنيوية واستيفاء الشهوات الإنسانية (إخوانا) أي مشتركون في أخذ الأنوار والمعارف والطاعات ، إذ الأخوة مصدرهم واحد (على سرر) الأحوال والمقامات الاسمائية (متقابلين) أي من غلب عليه حكم عقله في مقابلة من غلب عليه حكم قلبه ، ومن غلب عليه حكم روحه في مقابلة من غلب عليه حكم سره ، (لا يمسهم فيها) أي لا يلحقهم في جهة العلم بالله والعلم بأمر الله  والعلم بتدابير الله (نصب) أي حجاب ورجوع إلى عالم النفس (وما هم منها بمخرجين) أي من جنة المعارف والكشوف والطاعات ، يعني أن الحق تعالى إذا أعطى العباد رتبة الكمال والعلم بمراتب الوجود لا ينزعها منهم أصلا ، إذ هو الجواد الكريم ، إذا أعطى زاد ولم يسترد .
وأما المكان ، فالزوايا والخوانق والمساجد أولى ، فالمسجد بني لعبادة الجسد ، والقلب محل مخلوق للمعرفة وظهور الله تعالى ، وهو مهبط الأنوار الإلهية ، فإذا تحرك صاحبُ القلب في المسجد لازدياد نور القلب وصفاء النفس كان أولى من تحرّكِ جسدِ غيره في الصلاة من غير حضور ، ولا خلاف أن من دخل المسجد واشتغل بالصلاة الصورية وكان قلبه مشحونا من الوسواس والتخيلات والأمور التي نهى الشارع عنها كان ساعيا في إزالة الموانع عن قلبه لا يُمنع دخولَ المسجد أصلا ، بل أبلغ من ذلك تحقّق دخول ظالم فاجر آكل للحرام المسجد وعُلِم بالقرائن أن قلبه مشتغل بالفكر في مظالم الناس وأخذ أموالهم ، واشتغل بالصلاة صورة ، لا يُمنَع دخوله ، فكيف يُمنَع من يروم طهارة نفسه وجلاء قلبه ، فلا يجوز منعه أصلا ، فإنه ساع في رقة نفسه وصفاء روحه بسماع غرائب الكلام وإدراك لطائف الأشعار الموجبة ثبوت نسبته مع الملائكة وقطع نسبته من الشياطين والأباليس ، فإذا اجتمع أهل الصفاء في مقام العبادة وأرادوا أيضا صفاء قلوب البعض إلى البعض وازدياد أنوار أسرارهم وتكثير صفاء نفوسهم وأبدانهم بنور ذلك المكان ازدادت أحوالهم وتكملت ذواتهم ، إذ كل مكان بني للعبادة تعلق به روح ونور من عالم الغيب ، فيزداد حرمة وإجلالا ، كالإسطبل فإنه إذا جُعِل مسجدا تعلق به التعظيم والإجلال بعد أن كان محل النجاسة والشياصر ، فالقعود فيه وهو مسجد يورث تنور الباطن كما قال عليه السلام : (المسجد بيت كل تقي) .
وأما الإخوان فهم على ثلاثة أقسام ، الإخوان مطلقا المشتركون في اسم الإيمان كما قال تعالى : (إنما المؤمنون إخوة) فهؤلاء لا تجوز صحبتهم دائما ، بل يصحبون لمحة لإفادتهم ما ينتفعون به ، وإخوان الإرادة والمحبة كالعوام والمحبين للفقراء المعينين لهم بمالهم ونفوسهم على تحصيل طرق الصفاء ، فهؤلاء وإن لم يكونوا متصفين بأوصافهم جازت مصاحبتهم لقوة محبتهم في أهل الذوق والكمال ، فإنهم بقوة الإرادة والصدق يكتسبون من أنوار قلوب أهل الصفاء كما يكتسب السمع المين من حر الشمس ، فإذا رجعوا إلى العوام انتفع غيرهم بهم ، وإخوان الصفاء والمواجيد والتفاريد والذوق والشوق والكمال والصفاء والوصال تجب مصاحبتهم كما يجب لبس السلاح لمحاولة القتال ، واستحب في حق المريدين ونُدِب في حق المحبين تشبها بأهل الكمال في حركاتهم وسكناتهم ، قال عليه السلام : (من تشبه بقوم فهو منهم ، ومن أحب قوما حشر معهم) ، وقال تعالى : (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين) ، أي إذا لم تكونوا من الصادقين فكونوا معهم .



الأدلة على جواز السماع وكفر منكره


وقال تعالى : (ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم) أي : الحق والحكمة والموعظة والزواجر ، وقوله : (أسمعهم) أعم من أن يكون قرآنا أو حديثا أو أشعارا أو غير ذلك ، وقال عليه السلام : (إن من الشعر لحكمة) ، فمن لم يعلم الله به خيرا لم يسمعه الحكمة والمعرفة والمواعظ والزواجر مطلقا ، فلا يسمعه حينئذ الخير والحق من الأشعار في السماع ، فمن لا يجد شيئا من الحق والحكمة والفوائد أنكره ، فحينئذ يكون إنكاره على نفسه .
وإنكاره سماع الغناء وسماع ضرب الدف والأصوات الحسنة مخالفة السنة ، ومخالفة السنة اعتقادا أو تحريما كُفْر ، والإعراض عنه والانتهاء فسق ، وورد في مسلم والبخاري عن الربيع بنت معوذ بن عفراء قالت : (جاء النبي صلى الله عليه وسلم وجلس على فراشي وعندي جويريتان يضربان بالدف ويندبن من قتل من آبائهن يوم بدر ، فقالت إحداهما : وفينا نبي يعلم ما في غد ، فقال صلى الله عليه وسلم : دعي هذا وقولي ما كنت تقولين ، وكان الشعر : نحارب أقواما ببرقة ثهمد - بضرب وطعن والسيوف المهند ، فعدلت إحداهما إلى قولها : وفينا نبي يعلم ما في غد) ، فهذا الحديث دال على أنه صلى الله عليه وسلم سمع صوت الدف والغناء والشعر من الجويريتين اللتين لهن حالة يحرم فيها سماع أصواتهن من غير حاجة ، وهو صلى الله عليه وسلم حاضر يصغي إليهن ، فسماع الغناء والأصوات من الرجل بطريق الأولى ، كيف وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الجويريتين بالغناء والشعر وضرب الدف حيث قال : (قولي ما كنت تقولين) ، والأمر للوجوب إذا تجرد عن القرائن ، كقوله تعالى : (وأقيموا الصلاة) ، وللندب بالقرينة كقوله تعالى : (فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا) ، وللإباحة بالقرينة أيضا كقوله : (وإذا حللتم فاصطادوا) ، وهاهنا يحتمل الوجوب لأنه صلى الله عليه وسلم أمرهما مشافهة ، فلا تجوز مخالفته لأنه صلى الله عليه وسلم أمرها بإعادة ما كانت تقوله أولا ، وهو عليه السلام يصغي إلى معانيه ، وإذا طلب صلى الله عليه وسلم شيئا من غيره وهو صلى الله عليه وسلم مصغ إليه وجب عليه ذكره لقوله تعالى : (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم) .
وروى أيضا البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها قالت (دخل عليها أبو بكر وعندها جويريتان يضربان بالدف بما تقاولت به الأنصار يوم بعاث ، والنبي صلى الله عليه وسلم مغشّى عليه بثوبه ، فانتهرهما أبو بكر ، فكشف النبي صلى الله عليه وسلم عن وجهه وقال : دعهما يا أبا بكر فإنها أيام عيد) ، وهذا الحديث بصراحته دال على جواز سماع الدف والغناء وحضورهما والرد على منكريهما ، وفيه دليل على جواز زجر المُنكِر ودفعه عن الإنكار لأنه عليه السلام نهى المنكِرَ عليه ، فقال تعالى : (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) ، فمن قال أن سماع الغناء حرام أو ضرب الدف حرام ، أو حضورهما حرام ، كأنما قال إن النبي صلى الله عليه وسلم سمع حراما ومنع النهي عن الحرام ، ومن اعتقد ذلك كفر بالاتفاق .
فإن قيل : يجوز هذا في يوم العيد لا في غيره لأنه قيد في جوازه في يوم عيد ، قلنا : الاتفاق على أن خصوص السبب لا يمنع عموم الحكم ، وأكثر ما ورد في القرآن كذلك ، كقوله تعالى : (إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون) نزلت في حق أبي جهل وأبي لهب وعتبة وشيبة وعبدالله بن أبي بن سلول ، والحكم عام في الكفار ، وكذلك قوله : (إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما) إلى قوله : (واخفض لهما جناح الذل من الرحمة) ، الخطاب مع النبي صلى الله عليه وسلم والحكم عام ، وفي هذا الحديث إشارة إلى أن كل حالة يوجد فيها فرح القلوب وطيبة البواطن في أيام العيد أو غيرها جائز فيها السماع بالدف والغناء والأشعار ، وفي مسند أحمد : (أن الحبشة كانوا يدفون بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ويرقصون ، ويقولون : محمد عبد صالح ، فقال صلى الله عليه وسلم : ما يقولون ؟ قال : يقولون : محمد عبد صالح) ، وهذا يدل على جواز حضورالرقص وجواز سماع صوت الدف والغناء ، فمن قال إن الرقص حرام وصوت الدف والغناء حرام كان ذلك افتراء منه أن النبي صلى الله عليه وسلم حضر الحرام وأقر غيره على الحرام ، ومن اختلج ذلك في باطنه كَفُر بالاتفاق .



الرد على اعتراضات المنكرين


وإن قال هذا المنكر : هذا جائز في حق النبي صلى الله عليه وسلم فلم قلتم إنه جائز في حقنا ؟ قلنا : لأنه إذا كان صلى الله عليه وسلم شارعا فلا يجوز للشارع أن يكتم حكما فيه أمر بحكم شرعي ، لقوله تعالى : (إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون) ، ولقوله تعالى : (وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه) ، فلو كان فعل الرقص وحضور السماع والغناء والضرب بالدف حراما كان واجبا عليه بحكم هذه الآية تبيينه لغيره ، ولو جاز ذلك له دون غيره وجب عليه بيانه ، كما ورد في الخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهاهم عن الوصال ثم فعل ، فلما سألوه قال : (لست كأحدكم ، إني أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني) ، فلما حضر الرقص وسماع الدف والغناء ولم ينه أحدا عن ذلك دل على جوازه مطلقا .
فإن قال المنكر : إن الرقص لعب ، واللعب حرام لأنه صلى الله عليه وسلم قال : (لا الدد مني ولا أنا من الدد) والدد : اللعب ، قلنا : هذا الحديث مخصوص باللعب المحرم كالنرد والقمار وغير ذلك ، لأنه ورد في البخاري عن عائشة رضي الله عنها : (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان واقفا على باب بيتي والحبشة يلعبون بحرابهم في المسجد ، وأنا أنظر إلى لعبهم) ، فإذا جاز اللعب في المسجد في حضرة الشارع ، ففي غيره بطريق أولى ، ومن قال إن اللعب مطلقا حرام كان ذلك اعترافا منه أن النبي صلى الله عليه وسلم نظر إلى الحرام وأمر بالحرام على حاله ، ومن اختلج ذلك في باطنه كفر بالاتفاق .
وإن قال المنكر : ورد في الخبر : (لا لعب إلا في ثلاث : الرمي والفرس وملاعبة الرجل أهله) ، قلنا : هنا حصر الحاصر للاهتمام ، وذلك لا يدل على تحريم ما سواه كما قال تعالى : (إنما أنت منذر) ، وكلمة (إنما) للحصر ، فقد حصر حاله عليه السلام في الإنذار ، وفي هذا إشارة إلى أن الإنذار مختص به فقط لأنه خاتم النبيين ، وذلك لا يفيد الحصر ، إذ هو عليه السلام مبشر ومبلغ وغير ذلك ، وكذلك هاهنا فقد ذكر هذه الثلاثة بالحصر ، إما لأنها من حيث كمال الدين في الرمي والتوادد والتحابب لأصل ثبوت المودة بين الزوج والزوجة ، والولد الذي بين المتحابين يكون رضيَّ الأخلاق والذي بين المتنافرين يكون سيء الأخلاق ، وقال الله تعالى : (الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب) ، والقول أعم من أن يكون قرآنا أو حديثا أو حكاية الصالحين أو سماع الأشعار ، ثم مدح الله تعالى مستمع القول ومتبع أحسنه بالهداية والعقل ، فلزم من هذا أن من لم يستمع قول المغني المفهوم من مطلق قوله (يستمعون القول) المشتمل على الحكمة بالصوت الحسن ، لم يكن الله هداهم ولا وهبهم العقل ، ومن كان عاريا عن الهداية ضال ، والضال من أهل النار ، ولأنه تعالى جعل الضلالة صفة للنصارى حيث قال تعالى : (قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا) ، ثم جعل وصف النصارى الكفر حيث قال : (لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة) فلزم من هذا أن من لم يستمع قول المغني المفهوم من مطلق قوله (يستمعون القول) الباقي على عمومه ، وعدم وجدان ما خصه من الغناء بالصوت الحسن ، أو قول الغناء بالصوت والدف بما رويناه من أحاديث البخاري ومسلم وأحمد من سماع ضرب الدف والغناء من الحبشة ، وحضور الرقص منهم والجويريتان ؛ يكون ضالا كافرا ، كيف وقد اجتمعت الثلاثة في حضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قالت له صلى الله عليه وسلم أنصارية : (يا رسول الله ، إني نذرت أن أضرب بين يديك بالدف ، فقال لها صلى الله عليه وسلم : إن كنت نذرت فاضربي . فضربت بين يديه وغنت وقالت : طلع البدر علينا ، من ثنيات الوداع ، وجب الشكر علينا ، ما دعا لله داع) ، فقد سمع النبي صلى الله عليه وسلم قول المرأة بالصوت والغناء وضرب الدف ، فمن قال إن حضور السماع وحضور ضرب الدف وحضور الرقص حرام قال إن النبي صلى الله عليه وسلم فعل الحرام وأمر بالحرام ، ومن اختلج ذلك في باطنه كفر بالاتفاق ، ولا خلاف أن النذر لا ينعقد بالحرام ، فحينئذ دل ما ذكرنا من الأحاديث والآيات على إباحة السماع بالغناء وضرب الدف والرقص ، ومما يؤيد جواز الرقص ما رويناه في مسند أحمد بن حنبل عن علي كرم الله وجهه قال : (أتيت النبي صلى الله عليه وسلم أنا وجعفر وزيد ، قال ، فقال لزيد : أنت مولاي ، فحجل ، ثم قال لجعفر : أنت أشبهت خلقي وخلقي ، فحجل ، ثم قال لي : أنت مني ، فحجلت) ، والحجل رقص خاص ، والعام يجرد الخاص ، فإذا جاز نوع من الرقص جاز مطلقا .
فإن قال المنكر : سلمنا جواز الحجل ، فلم قلتم بجواز التكثير منه ؟ قلنا : وذلك أن الشيء المطلق إذا جاز بعضه ولم يرد النهي عن الباقي دل على جوازه ، إذ لو كان البعض الآخر على الحرمة لوجب على النبي صلى الله عليه وسلم بيانه ، لقوله تعالى : (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس) فلو كان التكثر منه حراما لوجب عليه بيانه ، ولما لم يتعرض لذلك دل على إباحته ، فهذه الأمور التي ذكرناها تتعلق بالكتاب والسنة .
فأما الذي يتعلق بالمنقول فما روى أبو طالب المكي ، وهو ثقة عند أهل الإسلام : أن بعض الصحابة مثل معاوية وغيره أشار إلى وقت خلوة تطيب فيها نفسه ، ولم تزل العلماء مواظبين لأهل ملة السماع إلى زماننا هذا ، كعبدالله بن جعفر ، وقد ذكر الماوردي في الحاوي الكبير كلاما معناه أن معاوية بلغه أن عبدالله بن جعفر مكث على السماع مستغرقا أوقاته فيه ، فقال لعمرو بن العاص : قم بنا إليه فإنه غلب هواه على شرفه ، فأتيا إليه فطرقا عليه ، فأمر جواريه بالسكوت وأذن لهما بالدخول ، فلما استقر معاوية قال : يا عبدالله ، مُرْهن أن يرجعن إلى ما كنّ فيه ، فجعلن يغنّين ومعاوية يحرك رأسه ويهز رجله من فوق السرير ، فقال عمرو بن العاص : جئت تنهاه فهو أحسن حالا منك ، فقال : صه يا عمرو ، إن الكريم لطروب ، ومعاوية من كبار الصحابة وكاتب وحي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخو زوجته أم حبيبة ، ومتابعة الصحابة رضي الله عنهم توجب الاهتداء ، حيث قال صلى الله عليه وسلم : (أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم) فمن امتنع من الاقتداء بهم انتفى في حقه الاهتداء .
وإن قال المنكر : على تقدير صحة هذا القول المنقول عن الصحابة في جميع الصور إلا في السماع ، قلنا : هذا لا يجدي نفعا ، لأنه حينئذ يكون حاله مع الصحابة كحال أبي لهب مع النبي صلى الله عليه وسلم لما قال له : (تقول أنّا نؤمن بقولك يا محمد ، ومن جملة قولك أني لا أؤمن ، فأنا أصدقك في هذا) . فقال له : (هذا لا ينفعك) ، لأن الإيمان المعتبر هو الإيمان بجميع ما أتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يبعّضه ، فكذلك حال متابعة الصحابة في بعض الأحوال إلا في السماع ، فإنه لا ينفعهم ولا يحصل له الاهتداء .
فإن قال المنكر : إن الإمام أبا حنيفة والشيخ أبا البيان حرّما السماع فأنا أتابعه في ذلك . قلنا : يلزمه أولا قول أبي حنيفة على سماع الملاهي المحرمة وسماع الغناء المفصل الملهي ، لا على الغناء المطلق ، وإلا لزمه محذورات .
أحدها : إما الكفر أو الفسق قطعا ، وذلك أن الأحاديث باعتبار وصولها إلينا ثلاثة أنواع ، أحدها : متواتر الأصل ومتواتر الفرع كحديث الصلاة والزكاة فجاحده كافر ، والثاني : حديث آحاد الأصل مشهور الفرع كأحاديث مسلم ، وجاحده فاسق ، والثالث : حديث آحاد الأصل آحاد الفرع كحديث : (أنا من الله والمؤمنون مني) وغير ذلك ، ولا شيء على جاحده ، وما ذكرنا من الأحاديث على إباحة السماع لصوت الدف والغناء والأشعار آحاد الأصل مشهور الفرع ، فإن أنكر هذه الأحاديث وجحدها فسق ، وإن رجّح قول أبي حنيفة ترجيحا له على فعل النبي صلى الله عليه وسلم كفر بالاتفاق .
ثانيها : يلزمه ترك ما اشترط في صحة العدالة واختيار ما لا يشترط فيه ذلك ، وذلك لأن أخذ الفقه من كتب الفقه لا يشترط في كتب الفقه عدالة الكاتب ولا عدالة الراوي ، فجاز أن الكاتب في النسخة الأولى أو الثانية زاد شيئا أو نقص ، فإذا لا يعتمد على ذلك جزما بخلاف الأحاديث النبوية ، فإنه يشترط في صحة الرواية العدالة ، ومن اختار قولا لم يشترط في صحته العدالة كان سفيها ، إذ السفيه هو من لا يختار الأصلح لدينه ودنياه ، فالسفيه في وصف المنافقين حيث قال تعالى في حقهم : (ألا إنهم هم السفهاء) ، والمنافق في الدرك الأسفل من النار ، فيلزم من هذا أن من اختار قولا منقولا عن غير النبي ولم يشترط في نقله العدالة واعتقد فيه وترك قولا منقولا عن النبي صلى الله عليه وسلم وأعرض عنه كان مأواه الدرك الأسفل من النار ، فإذا يلزم أن من حرم السماع بقول غير النبي صلى الله عليه وسلم وترك فعل النبي صلى الله عليه وسلم وقوله كان مثواه النار .



الرد على استدلالات المنكرين


واستدلوا بقوله تعالى : (وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية) ، فالمكاء : الصفير ، والتصدية : هو ضرب الراحة بالأخرى فيخرج منهما صوت ، قلنا : هذا الاستدلال فاسد ، فإنه منعهم من المكاء والتصدية عند البيت ، ولا يلزم من منع شيء في حالة محرمة منعه في مقاماتٍ تباين ذلك المحل ، ولهذا يجوز للمرأة في الصلاة ضرب الراحة على ظهر كفها إذا نابها شيء ولا يجوز في غيرها ، ولما كان البيت معظما والطواف حوله محل صلاة منعهم عن ذلك ، وأيضا قال : (وما كان صلاتهم عند البيت) ، وما قال : (وما كان سماعهم عند البيت، فإذا لا يلزم من منع التصدية حول البيت منعه في سائر المواضع .
واستدلوا أيضا بقوله تعالى : (ومن الناس من يشتري لهو الحديث) ، ولهو الحديث هو الغناء ، قلنا : يفهم من قوله : (لهو الحديث) اللهو ، ويجوز سماع حق الحديث سواء كان قرآنا أو شعرا أو غير ذلك ، فقد ذكرنا أحاديث صحيحة دالة على جواز سماع الدف والغناء ، فقد ورد إنه من الشعر لحكمة ، فدل هذا النص على أن لهو الحديث مختص بالسماع المضل الملهي عن الحق والعبادة ، وما يبعد العبد عن الحق ، وما لم يكن كذلك فهو باق على الإباحة ، وايضا إذا ورد نص يقبل العموم وجب أولا طلب المخصص ، فإن وجدنا فذاك ، وإلا يحمل على العموم كما ورد في الخبر : (احثوا في وجوه المداحين التراب) ثم ورد أنه مدح النبي صلى الله عليه وسلم فأثاب وأثنى عليه ، قال كعب بن زهير : بانت سعاد فقلبي اليوم متبول ، فألقى إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بردته ، فوجب حمل قوله : (احثوا في وجوه المداحين التراب) على مدح الكذب والفسق للفساق ، فهكذا هنا وجب حمل لهو الحديث على الكذب والملاهي ، وما لم يكن كذلك فهو جائز قطعا .
فإن قال المنكر : سماع الفقراء مباح ، قلنا : لا يحل لأحد أن يحلل أو يحرم في الشرع ما لم ينص الشارع عليه ، لما ورد في الخبر : (الحلال بين والحرام بين ، وبينهما أمور مشتبهات) ، وقال الله تعالى : (ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب) ، فمن قال إن السماع حرام فقد حرم في الشرع ما لم يرد النص به ، إذ لم يرد في كتاب الله ولا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم نص بتحريم السماع والرقص ، ومن حرم في الشرع ما ليس بمحرم فيه افترى على الله كذبا ، ومن افترى على الله شيئا كفر بالإجماع ، وأيضا أن سماع العوام ورقصهم يشبه سماع الحبشة ورقصهم بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا خلاف في إباحة ذلك للعوام ، وأيضا أن حركاتهم يشبه تفرجاتهم في البساتين ، ولا خلاف في إباحة ذلك ، وكذلك أيضا حركاتهم في السماع ، وورد في الخبر : (من تشبه بقوم فهو منهم) ، وأصحاب الحق المحض كبعض الصحابة وأولياء الله تعالى كالجنيد وغيره تحركوا في السماع كما هو منقول عنهم في كتب الرقائق ، فإن تحرك عامي في السماع متشبها بهم طالبا من بركاتهم كان منهم ، وقد ورد في الخبر : (هم القوم لا يشقى بهم جليسهم) .
فإن قال المنكر : إذا تواجد شخص على محبة إنسان أو صورة إنسان كان حراما ، قلنا : قد ورد في الخبر : (والذي نفسي بيده لن تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولن تؤمنوا حتى تحابوا ، ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم ؟ أفشوا السلام بينكم) ، وفي رواية : (تهادوا) ، وفي الخبر أيضا : (ينادي الله قوما يوم القيامة : أين المتحابون لجلالي ؟ فتُنصب لهم منابر من نور يغبطهم النبيون والشهداء) ، فإذا تحابب شخصان لله تعالى وتحرك أحدهما على محبة الآخر لله تعالى كان ذلك مباحا إذا لم يعرف بالباطل .
فإن قال المنكر : لا يتحرك العامي إلا باللعب والباطل ، ومثل هذا اللعب حرام . قلنا : ورد في الخبر : (إذا برز من أخيك كلام فلا تحمله على محمل السوء وأنت تجد له محملا حسنا) ، فإذا رأينا مؤمنا موحدا ، عاميا كان أو غيره ، متحركا في السماع ، ولم يعرف بالباطل ، وجب حمل فعله على الحق ، فإن كان المظنون به كما قلنا فذاك وإلا فأمر اعتقاده إلى الله تعالى لا إلى الناظر إليه .
فإن قال : سلمنا جواز ضرب الدف من غير صنوج ، فإن دف العرب كان كذلك ، ولكن لا نسلم جواز ضرب الدف بالصنوج ، قلنا : لم يرد شيء لا بالتحريم ولا بالكراهة ، فبقي على الإباحة ، فإنْ ضُمَّ كلام الاستماع إلى مباح سُمع صار الكل مباحا إلا أن تدل قرينة على المنع من الجمع بينهما بالتحريم كزواج الأختين ، فإن زواج كل واحدة على انفرادها مباح والجمع بينهما حرام ، وأما القصب الفارسي فلم يرد فيه شيء ، فهو باق على إباحته ، وأما المزمار فحرام لأنه ورد في الخبر أنه سمع صوت المزمار فَسَدَّ أذنيه .
وأيضا يلزم المنكر للرقص والسماع وضرب الدف والغناء حرب الله ، ومحاربة الله تعالى كفر بالاتفاق ، وذلك أنه ورد في الخبر الصحيح : (من عادى لي وليا فقد بارزني بالمحاربة) ، ولا خلاف بين الأمة المحمدية في وجدان الأولياء في المحمديين ، واتفق أهل جميع الأقطار على صحة ولاية الجنيد والشبلي ومعروف الكرخي وعبدالله بن خفيف وغيرهم ممن هم مذكورون في رسالة القشيري عند ذكره الأولياء وغير ذلك ، وقد صح عندهم في سيرهم أنهم تواجدوا في السماع ورقصوا لرفض ما سوى الله عن قلوبهم ، فمن حرم السماع مطلقا فكأنه قال : إن هؤلاء فعلوا حراما ، ومن نسبهم إلى حرام ومباشرة الفعل الحرام عاداهم قولا واعتقادا ، ومن عاداهم بارز الحق تعالى ، ومن بارز الحق تعالى كفر بالاتفاق ، (فقد باء بغضب من الله ومأواهم جهنم وبئس المصير) .



المعاني المصاحبة للسماع وبعض أسراره



فإذا ثبت بما ذكرناه من التقريرات والدلائل والأحاديث أن السماع مباح مطلقا ، وأن منكره إما كافر أو فاسق ، وهو مستحب للمريدين واجب لأولياء الله تعالى بالنسبة إلى مقاماتهم ، إذ هم المجردون عما سوى الله إلى الله ، كما قال الله تعالى : (يريدون وجهه) ، وكلما وجدوا شيئا من الصور حملوه على المعاني الغيبية ، كما قال عليه السلام في أسيد بن حضير ، قال : (يا رسول الله ، كنت أقرأ البارحة سورة البقرة ، فإذا فوق رأسي سحابة فيها مصابيح) ، قال عليه السلام : (تلك السكينة) ، فكذلك أولياء الله تعالى يحملون الصور على المعاني لترتيبهم مراتب الصور ، وسيرهم في مراتب المعاني .
فالدف عندهم إشارة إلى دائرة الأكوان ، والجلدة الراكبة عليه إشارة إلى الوجود المطلق ، والضرب الوارد على الدف إشارة إلى ورود الواردات الإلهية من باطن البطون إلى الوجود المطلق لتحويل الأشياء من الباطن إلى الظاهر ، والجلاجل الخمسة إشارة إلى المراتب النبوية والمراتب الولائية والمراتب الرسالية والمراتب الخلافية والمراتب الإمامية ، وصوتها إشارة إلى ظهور التجليات الإلهية والعلم الإلهي بواسطة هذه المراتب في قلوب الأولياء وأهل الكمال ، ونَفَسَ المغني إشارة إلى هبات الحق تعالى كما هو محرك الأشياء وموجدها ومغنيها ، وصوت المغني إشارة إلى الحق الوارد منه في باطن البطون ، وإشارة إلى مراتب الأرواح والقلوب والأسرار ، والقصب إشارة إلى الذات الإنسانية ، والأثقاب التسعة إشارة إلى منافذه في الظاهر وهي تسعة: العينان والأذنان والمنخران والفم والقبل والدبر ، وتسعة أثقاب أخرى مقلوبة وهي : القلب والعقل والروح والنفس والسر والجوهر الإنساني واللطيفة الزاكية والفؤاد والشغاف ، والنفس النافذ في القصب إشارة إلى نفاذ نور الله تعالى في قصب ذات الإنسان ، فتحركهم للسماع إشارة إلى تذكر طور الحقيقة الإنسانية في مقام الخطاب الأزلي في وقت (ألست بربكم) ، واضطروا إلى نزوع السر عن قفص الجسم ورجومه إلى الوطن الحقيقي حيث قال : (حب الوطن من الإيمان) ، أي وطن الأرواح الذي أوجد الروح منه كما قال تعالى : (ونفخت فيه من روحي) ، والرقص إشارة إلى جولان الروح حول دائرة الموجودات لقبول التجليات والتنزلات ، وهذا حال العارف ، والحجل إشارة إلى وقوف الروح وسره ووجوده وجولان نظره وفكره ونفوذه في مراتب الموجودات ، وهذا حال المحقق ، فطَفْرُهُ إلى فوق : إشارة إلى انجذابه من المقام الإنساني إلى المقام الأحدي ، واكتسابه بواسطة الكائنات آثارا روحانية وأمداد نور الله تعالى ، فإذا خرج روحه عن الحجاب فوصل إلى مراتب الصواب كشف رأسه ، فإذا تجرد عما سوى الله واتصل إلى الله خلع ثيابه ، فإذا كان المغني صاحب حال ومقام ألقى إليه ثوبه ، وإن لم يكن كذلك فإلقاؤه إليه ظلم ، لأن ثوب صاحب الحال صورة حاله ، ولا يستحق قبول حاله إلا من هو في رتبته ، فإن ارتقى إلى مقام علوي والمغني يتكلم في مقام سفلي ألقى إليه بيتا مناسبا لحاله ، فإن أشكل عليه المغني ووقف عليه حاله أخذ غيره وحال معه ليجمع حاله بحاله وينحل عقدته ، فإذا عطش وطلب شرب الماء دل على أنه انقهر ، لأن مقام الروح مقام الصفاء وغذاؤه من الأنوار ، فإذا عطش دل على أنه رجع إلى مقام الجسد ، ومقام الروح وحال الروح التغذي بالغيب ولا يحتاج إلى الظاهر ، ومقام الجسد التغذي بالصورة ، فعند رجوعه من الغيب إلى الشهادة يطلب الماء وذلك دليله على النقص .


الدلالة على شرف السماع


وأما المعنى المعقول الدال على شرف السماع فوجوه ذلك تدل على أن الأحوال اللاحقه قسمان : حركة وسكون ، فالحركة صفة الأرواح والأسرار ، والسكون صفة الأجساد ، والصورة الكثيفة والحرارة والتلطف من لوازم الحركة ، والجمود والتغيير من لوازم السكون ، ولهذا إذا بقي الماء في حوضه -ولو كان كثيرا - يتغير بمرور الزمان ، وإن كان جاريا قليلا لم يتغير ، فكذلك إذا أثّر الصوت الموجود في الباطن حرك الروح إلى طلب الارتقاء ، فيتحرك بحركة الروح فتحصل في وجوده الحرارة ، فتنحل فضلات وجوده وتظهر في قلبه آثار مشهودة .
وثانيها : الغذاء الحسي يقوي الجسد ، وحصول ذلك بمباشرة الغذاء ، وغذاء الروح يقوي القلب والسر وذلك بمباشرة آلات استنزال النور والحياة من العالم الغيبي ، وهو تحريك الروح وسماع المعاني الغريبة من الأشعار الرقيقة ، وترك التعلقات الكونية والانجذاب إلى المنازل الروحانية ، وآلة حضور هذه الأمور اجتماع الإخوان وطلب المدد من الرحمن .
وثالثها أن السماع يجرد الشخص عن الأمور الظاهرة ويهيئه إلى قبول الأنوار والأسرار الباطنة ، فكلما زاد وجده في السماع زاد سيره وطيره في عالم الأرواح ، وعند كثرة ازدياده يرق قلبه ويصل من آثار فيض الله تعالى وتجلياته ، فيحصل له مقام الوصول من غير رياضة وجذبة .
ورابعها : أن الصوت نافذ من الظاهر إلى الباطن ، ويتصل إلى القلب فينتقل القلب والروح بواسطة اختلاف النغمات وتعدد المعاني الواردة على الروح من مرآة الوجود ، والقلب يُتبِع الجسدَ الروحَ في الحركة ، فيتجرد عن التوهمات ، فينفِذ في القوى الجسدية المعانيَ المنفصلةَ في الروح ، فينجذب الجسد إلى مقام الروح ويترفع الحجاب فيشاهد تلك المعاني والحقائق دفعة ، وهذا مقام الكمال العياني الذي لا يحصل بكثير من أنواع الرياضات .
وخامسها : أن السماع سكون في الباطن وحركة في الظاهر ، وما سواه من العبادات غير الصوم حركة في الظاهر، والحركة الظاهرة تناسب الكثرة ، فكلما كثرت الحركة في السماع قوي السكون في القلب ، فتجرد عما سوى الله وظهر فيه الوجد ، وانجذب إلى المقام الأحدي ، فيشاهد بنظر الشوق من العوالم الإلهية ما لا يحيط به العقول والأفهام ، وأما الأركان الثلاثة : الصلاة والحج والشهادة فإنها وإن كانت حركة في الظاهر ولكن قد يظهر بين الحركتين سكون روحي وجهي يؤدي صاحبه إلى [ ………. ] ، وأما الصوم فإنه سكون الظاهر والباطن ، ويخرج من بين السكونين حركة من الله وبالله ولله ، وذلك الإطلاق التام والحكم العام ، فإذا انتشر هذا السماع ومراتبه المشتملة على حقائق الأركان كالصلاة والحج والشهادتين من مراتب ظاهرة ، والصوم والزكاة من جهة باطنه ؛ حصل للإنسان في السماع من الكمالات ما لا يحصل من المواظبة على ما سواه من العبادات .
وسادسها : أن السماع يشتمل على الأحوال الكمالية التي هي نهايات المقامات فيه ، وسينه تشير إلى السم يعني أن سر السماع كالسم يموت الشخص به عن التعلقات الغريبة ، ويوصله إلى المقامات الغيبية ، وميمه وعينه تشير إلى المعية الذاتية الإلهية كما قال عليه السلام : (لي مع الله وقت) ، وسينه وميمه وألفه تشعر أن صاحب السماع يصير علويا ويخرج من المراتب السفلية ، وألفه وميمه تشير إلى أم ليعلم من ذلك أن صاحب السماع أم كل من سواه ، فيأخذ المدد من الغيب بروحانيته ، ويفيض على ما سواه من مراتب الموجودات الحياةَ بها ، والعلم المشير إليه كلمة (ما) ، وعينه وميمه تشير إلى (عَمّ) ، أي : عم صاحب السماع بروحانيته العلويات ، وبحياة قلبه السفليات ، وغير ذلك من المراتب الغيبية ، فإن صاحب السماع يرتقي إلى المقامات الإلهية التي لا يصل إليها بألف اجتهاد وأكمل رياضات ، وكذلك فوائد السماع تبلغ إلى نهايةِ فائدةٍ يجدُها صاحب الذوق والشهود ، ونختم الكتاب بحمد الله تعالى ، وبلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) ، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما ، والحمد لله رب العالمين ، يا الله يا رحمن يا رحيم ، يا حي يا قيوم .

 

تم وكمل كتاب بوارق الإلماع

للشيخ أحمد الغزالي أخي الإمام حجة الإسلام أبي حامد الغزالي رحمهما الله تعالى

الأحد، 22 أبريل 2018

آراء علماء المذهب الحنفي في حكم وجه المرأة


خلاصة البحث
 أجمع محققو المذهب الحنفي على أن وجه المرأة ليس بعورة
 وأجمعوا على عدم وجوب تغطيته
 واختلفوا هل ستر الوجه مندوب أم مباح
 وأجمعوا على جواز النظر إليه بدون شهوة
 وأجمعوا على جواز النظر إليه بشهوة عند الحاجة
 وقال بعض متأخريهم بوجوب تغية الوجه خوف الفتنة
 وتوسع هؤلاء المتأخرون في سد الذريعة جدا
 وقالت قلة قليلة من متأخريهم بحرمة كشف المرأة وجهها

أولا : علماء الحنفية الذين أفتوا بالإباحة (وهم ٤٠ عالما)

١-الإمام أبو حنيفة (ت١٥٠هـ)
٢-القاضي أبو يوسف (ت١٨٢هـ)
وستأتي النصوص عنهما في كلام الطحاوي وغيره .

٣-محمد بن الحسن الشيباني (ت١٨٩هـ)
قال في الأصل المعروف بالمبسوط ج٣ ص٥٦ : (وأما المرأة الحرة التي لا نكاح بينه وبينها ولا حرمة ممن يحل له نكاحها ، فليس ينبغي له أن ينظر إلى شيء منها مكشوفا إلا الوجه والكف ، ولا بأس بأن ينظر إلى وجهها وإلى كفها ، ولا ينظر إلى شيء غير ذلك منها ، وهذا قول أبي حنيفة ، وقال الله تبارك وتعالىوقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها ، ففسر المفسرون أن ما ظهر منها الكحل والخاتم ، والكحل زينة الوجه ، والخاتم زينة الكف ، فرخص في هاتين الزينتين ، ولا بأس بأن ينظر إلى وجهها وكفها إلا أن يكون إنما ينظر إلى ذلك اشتهاء منه لها ، فإن كان ذلك فليس ينبغي له أن ينظر إليها ، وإن دعي إلى شهادة عليها أو أراد تزويجها أو كان حاكما فأراد أن ينظر إلى وجهها ليجيز إقرارها عليها وليشهد الشهود على معرفته - وإن كان إن نظر إليها اشتهاها أو كان عليه أكبر رأيه - فلا بأس بالنظر إلى وجهها وإن كان على ذلك ، لأنه لم ينظر إليها هاهنا ليشتهيها ، إنما نظر إليها لغير ذلك ، فلا بأس بالنظر إليها وإن كان في ذلك شهوة إذا كان على ما وصفت لك) .

٤-الطحاوي (ت٣٢١هـ)
قال في شرح معاني الآثار ج١ ص٤٧٥ : (وأما وجه ذلك من طريق النظر فإنا رأينا الرجل ينظر من المرأة التي لا محرم بينه وبينها إلى وجهها وكفيها ، ولا ينظر إلى ما فوق ذلك من رأسها ، ولا إلى أسفل منه من بطنها وظهرها وفخذيها وساقيها) .
وقال في شرح معاني الآثار ج٣ ص١٣-١٥ : (باب الرجل يريد تزوّج المرأة هل يحل له النظر إليها أم لا ؟ حدثنا سليمان بن شعيب الكيساني ، قال : ثنا يحيى بن حسان ، قال : ثنا أبو شهاب الحناط ، عن الحجاج بن أرطأة ، عن محمد بن سليمان بن أبي حثمة ، عن عمه سليمان بن أبي حثمة ، قال : رأيت محمد بن مسلمة يطارد ثبيتة بنت الضحاك فوق إجار لها ببصره طردا شديدا ، فقلت : أتفعل هذا وأنت من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال : إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إذا ألقي في قلب امرئ خطبة امرأة فلا بأس أن ينظر إليها … قال جابر : فلقد خطبت امرأة من بني سلمة ، فكنت أتخبأ - أي أختفي - في أصول النخل ، حتى رأيت منها بعض ما يعجبني فخطبتها فتزوجتها …. قال أبو جعفر : ففي هذه الآثار إباحة النظر إلى وجه المرأة لمن أراد نكاحها ، فذهب إلى ذلك قوم ، وخالفهم في ذلك آخرون ، فقالوا : لا يجوز ذلك لمن أراد نكاح المرأة ولا لغير من أراد نكاحها ، إلا أن يكون زوجا لها أو ذا رحم محرم منها ، واحتجوا في ذلك بما حدثنا إبراهيم بن مرزوق .. عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له : يا علي ، إن لك كنزا في الجنة ، وإنك ذو قرنيها ، فلا تتبع النظرة النظرة ، فإنما لك الأولى وليست لك الأخرى … فلما حرّم رسول الله صلى الله عليه وسلم النظرة الثانية لأنها تكون باختيار الناظر ، وخالف بين حكمها وبين حكم ما قبلها إذا كانت بغير اختيار من الناظر ، دل ذلك على أنه ليس لأحد أن ينظر إلى وجه المرأة إلا أن يكون بينه وبينها من النكاح أو الحرمة ما لا يحرم ذلك عليه منها ، فكان من الحجة عليهم في ذلك لأهل المقالة الأولى أن الذي أباحه رسول الله صلى الله عليه وسلم في الآثار الأول : هو النظر للخطبة لا لغير ذلك ، فذلك نظر بسبب هو حلال ، ألا ترى أن رجالا لو نظر إلى وجه امرأة لا نكاح بينه وبينها ليشهد عليها وليشهد لها أن ذلك جائز ، فكذلك إذا نظر إلى وجهها ليخطبها كان ذلك جائزا له أيضا ، فأما المنهي عنه في حديث علي وجرير وبريدة رضي الله عنهم فذلك لغير الخطبة ولغير ما هو حلال ، فذلك مكروه محرم ، وقد رأيناهم لا يختلفون في نظر الرجل إلى صدر المرأة الأمة إذا أراد أن يبتاعها أن ذلك له جائز حلال ، لأنه إنما ينظر إلى ذلك منها ليبتاعها لا لغير ذلك ، ولو نظر إلى ذلك منها لا ليبتاعها ولكن لغير ذلك كان ذلك عليه حراما ، فكذلك نظره إلى وجه المرأة إن كان فعل ذلك لمعنىً هو حلال ، فذلك غير مكروه له ، وإن كان فعله لمعنىً هو عليه حرام ، فذلك مكروه له ، وإذا ثبت أن النظر إلى وجه المرأة ليخطبها حلال خرج بذلك حكمه من حكم العورة ، ولأنا رأينا ما هو عورة لا يباح لمن أراد نكاحها النظر إليه ، ألا ترى أن من أراد نكاح امرأة فحرام عليه النظر إلى شعرها وإلى صدرها وإلى ما هو أسفل من ذلك في بدنها ، كما يحرم ذلك منها على من لم يرد نكاحها ، فلما ثبت أن النظر إلى وجهها حلال لمن أراد نكاحها ، ثبت أنه حلال لمن لم يرد نكاحها إذا كان لا يقصد بنظره ذلك لمعنىً هو عليه حرام ، وقد قيل في قول الله عز وجل ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها : إن ذلك المستثنى هو الوجه والكفانوممن ذهب إلى هذا التأويل محمد بن الحسن رحمه الله ، كما حدثنا سليمان بن شعيب بذلك عن أبيه عن محمد ، وهذا كله قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمة الله عليهم أجمعين) .
وقال في شرح معاني الآثار ج٤ ص٣٣٣-٣٣٤ : (قال بكير عن عبدالله بن رافع : لم تكن أم سلمة تحتجب من عبيد الناس . وخالفهم في ذلك آخرون ، فقالوا : لا ينظر العبد من الحرة إلا إلى ما ينظر إليه منها الحر الذي لا محرم بينه وبينها ، وكان من الحجة لهم في ذلك أن قول النبي صلى الله عليه وسلم الذي ذكروا في حديث أم سلمة لا يدل على ما قال أهل تلك المقالة ، لأنه قد يجوز أن يكون أراد بذلك حجاب أمهات المؤمنين ، فإنهن قد كن حجبن عن الناس جميعا ، إلا من كان منهم ذو رحم محرم ، فكان لا يجوز لأحد أن يراهن أصلا إلا من كان بينهن وبينه رحم محرم ، وغيرهن من النساء لسن كذلك ، لأنه لا بأس أن ينظر الرجل من المرأة التي لا رحم بينه وبينها ، وليست عليه بمحرمة ، إلى وجهها وكفيها ، وقد قال الله عز وجل : ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها … فأبيح للناس أن ينظروا إلى ما ليس بمحرم عليهم من النساء إلى وجوههن وأكفهن ، وحرم ذلك عليهم من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم لما نزلت آية الحجاب ، ففضلن بذلك على سائر الناس)  إلى أن قال : (وفي إباحته ذلك للمملوكين - وليسوا بذوي أرحام محرمة - دليل على أن الأحرار الذين ليسوا بذوي أرحام محرمة من النساء في ذلك كذلك .. ثم رجعنا إلى النظر لنستخرج به من القولين قولا صحيحا ، فرأينا ذا الرحم لا بأس أن ينظر إلى المرأة التي هو لها محرم إلى وجهها وصدرها وشعرها وما دون ركبتها ، ورأينا القريب منها ينظر إلى وجهها وكفيها فقط ، ثم رأينا العبد حرام عليه في قولهم جميعا أن ينظر إلى صدر المرأة مكشوفا أو إلى ساقيها ، سواء كان رِقُّه لها أو لغيرها ، فلما كان فيما ذكرنا كالأجنبي منها لا كذي رحمها المحرم عليها كان في النظر إلى شعرها ايضا كالأجنبي ، لا كذي رحمها المحرم عليها ، فهذا هو النظر في هذا الباب ، وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله تعالى ، وقد وافقهم في ذلك من المتقدمين الحسن والشعبي) .
وقال في أحكام القرآن ج٢ ص٤٢ : (فأما النساء فإن حكمهن في ذلك خلاف هذا ، ولهن أن يلبسن في الإحرام السراويلات والعمائم بعد ألا يغطين شيئا من وجوههن ، ولا اختلاف بين أهل العلم في ذلك …. واختلفوا في تغطية الرجال وجوههم في الإحرام ، فأباح ذلك بعضهم …. وخالفهم في ذلك آخرون ، فقالوا : لا يغطي وجهه في الإحرام إلا من ضرورة ، فيغطيه لها ، ويفتدي من ذلك) ومال الطحاوي للقول الثاني ثم قال : (لأنا قد رأينا المحرمات من النساء أوسع أمرا من المحرمين من الرجال في اللباس ، لأنا قد رأينا النساء المحرمات يلبسن القمص والسراويلات ، ويغطين رؤوسهن ، ولا يخمرن وجوههن ، فلما كان النساء اللاتي قد أبيح لهن تغطية الرؤوس وإلباس الأبدان القمص وكان ذلك مما يمنع منه الرجال ، ومُنعن مع ذلك من تغطية وجوههن ، كان الرجال الممنوعون من تغطية ما أبيح للنساء تغطيته في تغطية وجوههن أوكد من المنع وأضيق حالا ، فإن قال قائل : فقد روي عن عائشة إباحة المرأة تغطية وجهها في الإحرامقيل له : هذا عندنا على التغطية بالسدل على الوجه ، لا على التغطية بما سواه ، كما روي عن عائشة في غير هذا الحديث … والدليل على ما ذكرنا من ذلك أن عائشة قد كانت تكره النقاب للمحرمة وتنهاها عنه … فدل ما ذكرناه على أن عائشة قد كانت تكره تغطية الوجه للمحرمة بالنقاب على مثل ما كان عليه غيرها ، وأن الذي أباحت من تغطية هو الذي رواه مجاهد عنها أنها كانت تفعله مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من إسدال الثوب على وجهها عند مرور الركب بها ، وقد روي في ذلك عن ابن عمر … رأى ابن عمر امرأة قد سدلت ثوبها على وجهها وهي محرمة ، فقال لها : اكشفي وجهك فإنما حرمة المرأة في وجهها ، فهذا ابن عمر قد كان يكره للمحرمة سدل الثوب على وجهها ، فدل ذلك أنه قد كان يكره تغطية الوجه لها كما ذكرنا أيضا ، وكان ما روي عن مجاهد عن عائشة في إباحة المرأة السدل على وجهها في الإحرام أولى عندنا لفعلها ذلك كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم لإطلاق القياس إياه ، وذلك أنا قد رأينا الرجل المحرم مطلقٌ له أن يجافي الثوب عن وجهه يستر به الريح والشمس عنه من غير أن يضعه على رأسه الذي يمنعه الإحرام من وضعه عليه ، وكانت المرأة مباح لها تغطية رأسها في الإحرام ، فكان لها وضعه على رأسها وسدله من رأسها على وجهها ، لأنها تسدله من موضع مباح لها وضعه عليه ، وهي في ذلك كالرجل الذي يواري وجهه من الموضع المباح له مواراته إياه منه) .
وقال الطحاوي في مختصره الفقهي ج٢ ص٥٥٩ (مطبوع مع شرح الجصاص) عن لباس النساء في الحج : (ويلبسن ما شئن من اللباس ، ولا يغطين وجوههن ، وليسدلن عليها ويجافين عنها ، ولا بأس بأن تغطي المرأة فاها في إحرامها ، إلا في الصلاة فإنها لا تغطيه فيها) .
وقال في مختصره الفقهي ج١ ص٧٠٠ (مطبوع مع شرح الجصاص) عن عورة المرأة في الصلاة : (قال أبو جعفر : أما المرأة فتواري في صلاتها كل شيء منها ، إلا وجهها وكفيها وقدميها)

٥-أبو منصور الماتريدي (ت٣٣٣هـ)
قال في تفسيره ج٧ ص٥٤٥ : (وجائز أن يكون النظر إلى وجه المرأة حلالا إذا لم يكن بشهوة ، لكن غض البصر وترك النظر أرفق وأزكىوالذي يدل أن للمرأة ألا تغطي وجهها ولا ينبغي للرجل أن يتعمد النظر إلى وجه المرأة إلا عند الحاجة إليه : قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه : إنما لك الأولى وليست لك الآخرة … ونرى - والله أعلم - أن النظر إلى وجه المرأة ليس بحرام إذا لم يقع في قلب الرجل من ذلك شهوة ، فإذا وجد لذلك شهوة ولم يأمن أن يؤدي به ذلك إلى ما يُكره فمحظور عليه أن ينظر إليها إلا أن يريد به معرفتها والنكاح ، فإنه قد رُخّص في ذلك … وأحسن للشابة وأفضل لها أن تستر وجهها ويديها عن الرجال ليس لأن ذلك حرام وإليها معصية ، ولكن لما يُخاف في ذلك من حدوث الشهوة ووقوع الفتنة بها ، فإذا لم يكن للناظر في ذلك شهوة .. فإنه لا يحظر النظر إلى وجوه أمثالهن ، ولا ينظر إلى ما سوى ذلك … ومما يدل على أن الوجه والكفين جائز ألا يكون بعورة : أن المرأة لا تصلي وعورتها مكشوفة ، ويجوز أن تصلي ووجهها ويداها ورجلاها مكشوفة ، فإذا كان كذلك دل ذلك على أن النظر إلى ذلك جائز إذا لم يكن ذلك لشهوة . 
وقال في ج٨ ص٤١٥ : (وفي الآية دلالة رخصة خروج الحرائر للحوائج ، لأنه لو لم يجز لهن الخروج لم يؤمرن بإرخاء الجلباب على أنفسهن) .

٦-القدوري الحنفي (ت٤٢٨هـ)
قال في مختصره ص٢٤١ : (ولا يجوز أن ينظر الرجل من الأجنبية إلا إلى وجهها وكفيها ، وإن كان لا يأمن الشهوة ؛ لا ينظر إلى وجهها إلا لحاجة ، ويجوز للقاضي إذا أراد أن يحكم عليها وللشاهد إذا أراد الشهادة عليها النظر إلى وجهها وإن خاف أن يشتهي) .

٧-السغدي الحنفي (ت٤٦١هـ)
قال في النتف في الفتاوى ج١ ص٢٨٠ : (يحل النظر إلى الرحم المَحْرم ، إلى جميع بدنها سوى الظهر والبطن وما بين الركبة والسرة ، ولا يحل النظر إلى الأرحام غير المحرمة ما خلا الوجه والكفين) .

٨-السرخسي (ت٤٨٣هـ)
قال في المبسوط ج١٠ ص١٥٢ : (فأما النظر إلى الأجنبيات فنقول : يباح النظر إلى موضع الزينة الظاهرة منهن دون الباطنة ، لقوله تعالى : ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منهاوقال علي وابن عباس رضي الله عنهم : ما ظهر منها : الكحل والخاتم ، وقالت عائشة رضي الله عنها : إحدى عينيها ، وقال ابن مسعود رضي الله عنه : خفها وملاءتها ، واستدل في ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم : النساء حبائل الشيطان بهن يصيد الرجال … فدل أنه لا يباح النظر إلى شيء من بدنها ، ولأن حرمة النظر لخوف الفتنة ، وعامة محاسنها في وجهها ، فخوف الفتنة في النظر إلى وجهها أكثر منه إلى سائر الأعضاء … ولكنا نأخذ بقول علي وابن عباس رضي الله عنهما ، فقد جاءت الأخبار في الرخصة بالنظر إلى وجهها وكفها ، من ذلك ما روي أن امرأة عرضت نفسها على رسول الله صلى الله عليه وسلم فنظر إلى وجهها فلم ير فيها رغبة ، ولما قال عمر رضي الله عنه في خطبته : ألا لا تغالوا في أصدقة النساء ، فقالت امرأة سفعاء الخدين : … فذكر الرواي أنها كانت سفعاء الخدين ، وفي هذا بيان أنها كانت مسفرة عن وجهها ، ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم كف امرأة غير مخضوب ، فقال : أكف رجل هذا ؟ ولما ناولت فاطمة رضي الله عنها أحد ولديها بلالا أو أنسا رضي الله عنهم قال أنس : رأيت كفها كأنه فلقة قمر ، فدل أنه لا بأس بالنظر إلى الوجه والكف … وهذا كله إذا لم يكن النظر عن شهوة ، فإن كان يَعلم أنه إن نظر اشتهى لم يحل له النظر إلى شيء منها … فأما النظر إليها عن شهوة لا يحل بحال إلا عند الضرورة ، وهو ما إذا دعي للشهادة عليها ، أو كان حاكما ينظر ليوجه الحكم عليها بإقرارها أو بشهادة الشهود على معرفتها) .

٩-أبو المظفر السمعاني (ت٤٨٩هـ)
قال في تفسيره ج٣ ص٥٢١ : (يجوز النظر إلى وجه المرأة وكفيها من غير شهوة ، وإن خاف الشهوة غض البصر ، واعلم أن الزينة زينتان : زينة ظاهرة ، وزينة باطنة ، فالزينة الظاهرة هي الكحل والفتخة والخضاب إذا كان في الكف .. فما كان من الزينة الظاهرة يجوز للأجنبي النظر إليه من غير شهوة ، وما كان من الزينة الباطنة لا يجوز للأجنبي النظر إليها) .

١٠-الزمخشري (ت٥٣٨هـ)
قال في تفسير الكشاف ج٣ ص٢٢٩-٢٣١ : (والأجنبية ينظر إلى وجهها وكفيها وقدميها في إحدى الروايتين .. النساء مأمورات أيضا بغض الأبصار ، ولا يحل للمرأة أن تنظر من الأجنبي إلى ما تحت سرته إلى ركبته ، وإن اشتهت غضت بصرها رأسا … الزينة : ما تزينت به المرأة من حلي أو كحل أو خضاب ، فما كان ظاهرا منها كالخاتم والفتخة والكحل والخضاب فلا بأس بإبدائه للأجانب …. فإن قلت : ما المراد بمواقع الزينة ؟ ذلك العضو كله أم المقدار الذي تلابسه الزينة منه ؟ قلت : الصحيح أنه العضو كله كما فسرت مواقع الزينة الخفية ، وكذلك مواقع الزينة الظاهرة ، الوجه : موقع الكحل في عينيه ، والخضاب بالوسمة : في حاجبيه وشاربيه … فإن قلت : لم سومح مطلقا في الزينة الظاهرة ؟ قلت : لأن سترها فيه حرج ، فإن المرأة لا تجد بدا من مزاولة الأشياء بيديها ، ومن الحاجة إلى كشف وجهها ، خصوصا في الشهادة والمحاكمة والنكاح ، وتضطر إلى المشي في الطرقات وظهور قدميها ، وخاصة الفقيرات منهن ، وهذا معنى قوله إلا ما ظهر منها ، يعني إلا ما جرت العادة والجبلة على ظهوره والأصل فيه الظهور) .
وقال في ج٣ ص٥٦٠ : (ومعنى يدنين عليهن من جلابيبهن : يرخينها عليهن ويغطين بها وجوههن وأعطافهن) .

١١-علاء الدين السمرقندي (ت٥٤٠هـ)
قال في تحفة الفقهاء ج٣ ص٣٣٤ : (الأجنبيات وذوات الرحم بلا محرم : فإنه يحرم النظر إليها أصلا من رأسها إلى قدمها سوى الوجه والكفين ، فإنه لا بأس بالنظر إليهما من غير شهوة ، فإن كان غالب رأيه أنه يشتهي يحرم أصلا ، وأما المس فيحرم سواء عن شهوة أو عن غير شهوة ، وهذا إذا كانت شابة ، فإن كانت عجوزا فلا بأس بالمصافحة إن كان غالب رأيه أنه لا يشتهي ، ولا تحل المصافحة إن كانت تشتهي وإن كان الرجل لا يشتهي ، فإن كان عند الضرورة فلا بأس بالنظر وإن كان يشتهي ، كالقاضي والشاهد ينظر إلى وجهها عند القضاء وتحمل الشهادة ، أو كان يريد تزوجها لأن الغرض ليس هو اقتضاء الشهوة .. وأما النظر إلى القدمين هل يحرم ؟ ذكر في كتاب الاستحسان هي عورة في حق النظر ، وليس بعورة في حق الصلاة ، وكذا ذكر في الزيادات إشارة إلى أنها ليست بعورة في حق الصلاة ، وذكر ابن شجاع عن الحسن عن أبي حنيفة أنها ليست بعورة في حق النظر كالوجه والكفين) .

١٢-ظهير الدين بن أبي حنيفة (ت٥٤٠هـ)
قال في الفتاوى الولوالجية ج٢ ص٣٢٢ : (ولا ينظر من المرأة الحرة الأجنبية التي لا حرمة بينها وبينه إلى غير الوجه والكف لقوله تعالى : ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها ، ومواضع الزينة الظاهرة هو الكحل والخاتم ، والكحل زينة الوجه ، والخاتم زينة الكف ، ولأن المرأة قد تخلو عن الزوج وقيم آخر يقوم بأسباب معانيها ، فلا بد من الخروج للمعاملة مع الأجانب ، فكان في إبداء كفها ووجهها ضرورة ، وينظر إلى الوجه والكف منها ما أمن الشهوة ، فإذا اشتهى لا ينظر ، وكذا إذا كان أكبر رأيه ذلك ، أو شك إلا أن يكون دعي إلى شهادة عليها ، أو أراد تزويجها ، أو كانت أمة أراد شراءها ، أو كان حاكما ينظر ليجيز إقرارها ويشهد الشهود على معرفتها ، فلا بأس بالنظر إليها في هذه المواضع وإن كانت فيه شهوة) . 

١٣-الكرابيسي (٥٧٠هـ)
قال في كتاب الفروق ج١ ص٣٤٧ : (ما يجوز للأجنبي أن ينظر إلى موضع الزينة الظاهرة من الحرة ، وهو الوجه والكف ، لا يجوز مسه ، وما جاز للأجنبي النظر إليه من الأمة وهي الزينة الباطنة جاز له مسه ، وما يجوز لذوي الأرحام النظر إليه من موضع الزينة الباطنة ، وهو رأسها وصدرها ويدها وعضدها وساقها يجوز له مسها ، الفرق أن ظاهر قول الله تعالى قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم يوجب ألا يجوز للأجنبي النظر إليها أصلا ، إلا أن الضرورة أوجبت إباحة النظر إلى الوجه والكف ، وهي حاجة الناس إلى مبايعتها والتناول منها وتحمل الشهادة ، فجوزناه للضرورة ، ولا ضرورة بنا إلى اللمس فلا يجوز) .

١٤-الكاساني (ت٥٨٧هـ)
قال في بدائع الصنائع ج٥ ص١٢١-١٢٣ : (فلا يحل النظر للأجنبي من الأجنبية الحرة إلى سائر بدنها إلا الوجه والكفين لقوله تبارك وتعالى قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ، إلا أن النظر إلى مواضع الزينة الظاهرة وهي الوجه والكفان رخص بقوله تعالى ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها ، والمراد من الزينة مواضعها ، ومواضع الزينة الظاهرة الوجه والكفان ، فالكحل زينة الوجه والخاتم زينة الكف ، بكشف الوجه والكفين ، فيحل لها الكشف ، وهذا قول أبي حنيفة رضي الله عنه ، وروى الحسن عن أبي حنيفة رحمهما الله أن يحل النظر إلى القدمين أيضا … والقدمان ظاهرتان ، ألا ترى أنهما يظهران عند المشي ؟ فكانا من جملة المستثنى من الحظر ، فيباح إبداؤهما … ثم إنه إنما يحل النظر إلى مواضع الزينة الظاهرة منها من غير شهوة ، فأما عن شهوة فلا يحل .. إلا في حالة الضرورة بأن دعي إلى شهادة أو كان حاكما فأراد أن ينظر إليها ليجيز إقرارها عليها فلا بأس أن ينظر إلى وجهها وإن كان لو نظر إليها لاشتهى أو كان أكبر رأيه ذلك ، لأن الحرمات قد يسقط اعتبارها لمكان الضرورة … وكذا إذا أراد أن يتزوج امرأة فلا بأس أن ينظر إلى وجهها وإن كان عن شهوة ، لأن النكاح بعد تقديم النظر أدل على الألفة والموافقة الداعية إلى تحصيل المقاصد .. وأما المرأة فلا يحل لها النظر من الرجل الأجنبي ما بين السرة إلى الركبة ، ولا بأس أن تنظر إلى ما سوى ذلك إذا كانت تأمن على نفسها ، والأفضل للشاب غض البصر عن وجه الأجنبية وكذا الشابة لما فيه من خوف حدوث الشهوة والوقوع في الفتنة) إلى أن قال : (ثم إنما يحرم النظر من الأجنبية إلى سائر أعضائها سوى الوجه والكفين أو القدمين أيضا على اختلاف الروايتين إذا كانت مكشوفة ، فأما إذا كانت مستورة بالثوب فإن كان ثوبها صفيقا لا يلتزق ببدنها فلا بأس أن يتأملها ويتأملها جسدها ، لأن المنظور إليه الثوب دون البدن ، وإن كان ثوبها رقيقا يصف ما تحته ويشف أو كان صفيقا لكنه يلتزق ببدنها حتى يستبين له جسدها فلا يحل له النظر) .

١٥-الأوزجندي الفرغاني الحنفي (ت٥٩٢هـ)
قال في فتاوى قاضي خان ج٢ ص٣٩١ : (والعبد في النظر إلى مولاته الحرة التي لا قرابة بينه وبينها بمنزلة الرجل الأجنبي الحر ينظر إلى وجهها وكفها ، ولا ينظر إلى ما لا ينظر الأجنبي الحر من الحرة) .

١٦-المرغيناني (ت٥٩٣هـ)
قال في بداية المبتدي ج١ ص٢٢٢ : (ولا يجوز أن ينظر الرجل إلى الأجنبية إلا إلى وجهها وكفيها ، فإن كان لا يأمن الشهوة لا ينظر إلى وجهها إلا لحاجة ….. ويجوز للقاضي إذا أراد أن يحكم عليها وللشاهد إذا أراد أداء الشهادة عليها النظر إلى وجهها وإن خاف أن يشتهي ، ومن أراد أن يتزوج امرأة فلا بأس بأن ينظر إليها وإن علم أنه يشتهيها) .
وقال في الهداية في شرح بداية المبتدي ج٤ س٣٦٨ : (ولا يجوز أن ينظر الرجل إلى الأجنبية إلا وجهها وكفيها لقوله تعالى : ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر .. ولأن في إبداء الوجه والكف ضرورة لحاجتها إلى المعاملة مع الرجال أخذا وإعطاء وغير ذلك ، وهذا تنصيص على أنه لا يباح النظر إلى قدمها ، وعن أبي حنيفة أنه يباح لأن فيه بعض الضرورة ، وعن أبي يوسف أنه يباح النظر إلى ذراعها أيضا ، لأنه قد يبدو منها عادة . قال : فإن كان لا يأمن الشهوة لا ينظر إلى وجهها إلا لحاجة .. وقوله : لا يأمن يدل على أنه لا يباح إذا شك في الاشتهاء ، كما إذا علم أو كان أكبر رأيه ذلك … قال ويجوز للقاضي إذا أراد أن يحكم عليها وللشاهد إذا أراد أداء الشهادة عليها النظر إلى وجهها وإن خاف أن يشتهي للحاجة إلى إحياء حقوق الناس بواسطة القضاء وأداء الشهادة .. ومن أراد أن يتزوج امرأة فلا بأس بأن ينظر إليها وإن علم أن يشتهيها) .
وقال في الهداية في شرح بداية المبتدي ج١ ص١٣٦ في حكم غطاء الرجل لرأسه : (ولأن المرأة لا تغطي وجهها مع أن في الكشف فتنة فالرجل بالطريق الأولى) .
وقال في الهداية ج١ ص٤٥ : (وبدن الحرة كلها عورة إلا وجهها وكفيها لقوله عليه الصلاة والسلام : المرأة عورة مستورة ، واستثناء العضوين للابتلاء بإبدائهما) .

١٧-أبو المعالي بن مازة البخاري الحنفي (ت٦١٦هـ)
قال في المحيط البرهاني ج٥ ص٣٣٤-٣٣٥ : (وأما النظر إلى الأجنبيات فنقول : يجوز النظر إلى مواضع الزينة الظاهرة منهن ، وذلك الوجه والكف في ظاهر الرواية … ولأنها تحتاج إلى إبداء وجهها في المعاملات لتحل الشهادة عليها ، وتحتاج إلى إبداء كفها عند الأخذ والإعطاء ، وروى الحسن عن أبي حنيفة رضي الله عنهما أنه يجوز النظر إلى قدمها أيضا .. وفي جامع البرامكة عن أبي يوسف : أنه يجوز النظر إلى ذراعيها أيضا لأنها تصير مبتليا بإبداء ذراعيها أثناء الغسل والطبخ ، قيل : فكذلك يباح النظر إلى ثناياها لأن ذلك يبدو منها عند التحدث مع الرجال في المعاملات ، وذلك كله إذا لم يكن النظر عن شهوة ، فإن كان يعلم أنه لو نظر اشتهى أو كان أكثر رأيه ذلك فليجتنب بجهدهثم النظر إلى الحرة الأجنبية قد يصير مرخصا عند الضرورة لما عرف أن مواضع الضرورة مستثناة عن قواعد الشرع ، ومن مواضع الضرورة إذا دعي الرجل إلى شهادة ، يعني أداء الشهادة عليها ، وأراد الحاكم أن ينظر إليها ليجيز إقراره عليها ، وكان إذا نظر اشتهى ، أو كان أكثر رأيه ذلك ، فلا بأس بالنظر إليها لأن الشاهد لا يجد بدا من النظر إلى المشهود عليه في أداء الشهادة) .
وقال في المحيط البرهاني ج٥ ص٣٣٧ : (والعبد فيما ينظر إلى مولاته كالحر الأجنبي ، حتى لا يحل له أن ينظر إلا إلى وجهها وكفها ، وهذا مذهبنا ، وقال مالك : نظره إليها كنظر الرجل إلى ذوات محارمه) .

١٨-يوسف السجستاني (ت٦٣٨هـ)
قال في منية المفتي (نقلا عن كتاب غمز عيون البصائر للسيد أحمد بن محمد الحنفي الحموي شرح الأشباه والنظائر لابن نجيم المصري ج٣ ص٤١٧) : (العبد يدخل على مولاته بغير إذنها بالإجماع ، وهو في النظر إليها كالأجنبي ينظر إلى وجهها وكفيها ولا ينظر إلى مواضع زينتها الباطنة) . 

١٩-ابن عبدالقادر الرازي الحنفي (ت٦٦٦هـ)
قال في تحفة الملوك ج١ ص٢٣٠ : (ويحرم النظر إلى غير الوجه والكفين من الحرة الأجنبية ، وفي القدم روايتان ، فإن خاف الشهوة لم ينظر إلى الوجه أيضا إلا لحاجة ، وكذا لو شك) .

٢٠-ابن مودود الموصلي الحنفي (ت٦٨٣هـ)
قال في متن المختار للفتوى : (ولا ينظر إلى الحرة الأجنبية إلا إلى الوجه والكفين إن لم يخف الشهوة ، فإن خاف الشهوة لا يجوز إلا للحاكم والشاهد) .
وقال في الاختيار لتعليل المختار ج٤ ص١٥٦ : (إلا إلى الوجه والكفين إن لم يخف الشهوة ، وعن أبي حنيفة أنه زاد القدم لأن في ذلك ضرورة للأخذ والإعطاء ومعرفة وجهها عند المعاملة مع الأجانب لإقامة معاشها ومعادها لعدم من يقوم بأسباب معاشها ، والأصل فيه قوله تعالى : ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها ، قال عامة الصحابة : الكحل والخاتم ، والمراد موضعهما لما بينا ، وموضعهما الوجه واليد … فإن خاف الشهوة لا يجوز إلا للحاكم والشاهد لما فيه من الضرورة إلى معرفتها لتحمل الشهادة والحكم عليها ، وكما يجوز له النظر إلى العورة لإقامة الشهادة على الزنا) . 

٢١-علي بن زكريا المنبجي الحنفي (ت٦٨٦)
قال في اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج٢ ص٦٤٩ : (ولكن الذي أباح بهذه الآية للمملوكين من النظر إلى النساء إنما هو ما ظهر ما الزينة ، وهو : الوجه والكفان ، وفي إباحته ذلك للمملوكين - وليسوا بذوي أرحام محرمة - دليل على أن الأحرار الذين ليسوا بذوي أرحام محرمة من النساء في ذلك كذلك) .

٢٢-النسفي الحنفي (ت٧١٠هـ)
قال في كنز الدقائق ج١ ص٦٠٩ : (لا ينظر إلى غير وجه الحرة وكفيها ، ولا ينظر من اشتهى إلى وجهها إلا الحكم والشاهد ، وينظر الطبيب إلى موضع مرضها) .

٢٣-الزيلعي الحنفي (ت٧٤٣هـ)
قال في تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق للنسفي ج٦ ص١٧ : (لا ينظر إلى غير وجه الحرة وكفيها .... المقصود فيها أنه يجوز له النظر إلى هذين العضوين .. وإنما جاز النظر إليهما لقوله تعالى ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها .. ولأن في إبدائهما ضرورة لحاجتها إلى المعاملة مع الرجال والإعطاء وغير ذلك من المخالطة فيها ضرورة كالمشي في الطريق ونحو ذلك ، والأصل أن لا يجوز النظر إلى المرأة لما فيه من خوف الفتنة ، ولهذا قال عليه السلام : المرأة عورة مستورة ، إلا ما استثناه الشرع ، وهما العضوان ، وهذا يفيد أن القدم لا يجوز له النظرإليه ، وعن أبي حنيفة أنه يجوز لأن في تغطيته بعض الحرج ، وعن أبي يوسف رحمه الله أنه يباح النظرإلى ذراعها أيضا لأنه يبدو منها عادة … ولا ينظر من اشتهى إلى وجهها إلا الحاكم والشاهد .. والأصل فيه أنه لا يجوز أن ينظر إلى وجه امرأة أجنبية مع الشهوة لما روينا إلا للضرورة إذا تيقن بالشهوة أو شك فيها ، وفي نظر القاضي إذا أراد أن يحكم عليها أو الشاهد إذا أراد أداء الشهادة ، وفي نظر الطبيب إلى موضع المرض ضرورة ، فيرخص لهم إحياءً لحقوق الناس ودفعا لحاجتهم) .

٢٤-البابرتي (ت٧٨٦هـ) 
قال في العناية شرح الهداية للمرغيناني ج١ ص٢٥٩ : (وقوله واستثناء العضوين يعني الوجه والكفين للابتلاء بإبدائهما لأن المرأة لا تجد بدا من مزاولة الأشياء بيديها ومن كشف وجها لا سيما في الشهادة والمحاكمة .. وروى الحسن عن أبي حنيفة أنها ليست بعورة ، وبه قال الكرخي .. على أن الاشتهاء لا يحصل بالنظر إلى القدم كما يحصل بالنظر إلى الوجه ، فإذا لم يكن الوجه عورة مع كثرة الاشتهاء فالقدم أولى) .
وقال : (القياس أن لا يجوز نظر الرجال إلى الأجنبية من قرنها إلى قدمها .. ثم أبيح النظر إلى بعض المواضع وهو ما استثناه الكتاب بقوله إلا وجهها وكفيها للحاجة والضرورة ، وكان ذلك استحسانا لقوله أرفق بالناس … وقوله فإذا خاف الشهوة لم ينظر من غير حاجة لقوله صلى الله عليه وسلم لعلي : لا تتبع النظر النظرة ، فإن الأولى لك والثانية عليك ، يعني بالثانية أن يبصرها عن شهوة) .

٢٥-عبيدالله المحبوبي الحنفي (ت٧٤٧هـ)
قال في النقاية ج٥ ص٩٨ : (ومن الأجنبية إلى وجهها وكفيها فقط .. فإن خاف : أي الشهوة ، لا ينظر إلى وجهها إلا لحاجة كقاض يحكم ، وشاهد يشهد عليها ، ومن يريد نكاح امرأة أو شراء أمة أو رجل يداويها ، فإن لهؤلاء يحل لهم النظر مع خوف الشهوة للحاجة) .

٢٦-الأندربتي الدهلوي (ت٧٨٦هـ)
قال في الفتاوى التتارخانية ج١٨ ص٩٥ : (٢٨١٤٥ - وأما النظر إلى الأجنبيات فنقول : يجوز النظر إلى مواضع الزينة الظاهرة منهن ، وذلك الوجه والكف في ظاهر الرواية ، وفي شرح الكرخي : النظر إلى وجه المرأة الأجنبية الحرة ليس بحرام ، ولكنه يكره بغير حاجة … ٢٨١٤٦ - وذلك كله إذا لم يكن النظر عن شهوة ، فإن كان يعلم أنه لو نظر يشتهي ، وفي الكافي : أو شك الاشتهاء ، أو كان أكبر رأيه ذلك ، فليجتنب بجهده)

٢٧-العبادي الحدادي الحنفي (ت٨٠٠هـ)
قال في الجوهرة النيرة شرح مختصر القدوري ج٢ ص٢٨٣ : (قولهولا يجوز أن ينظر الرجل من الأجنبية إلا إلى وجهها وكفيها لأن في إبداء الوجه والكف ضرورة لحاجتها إلى المعاملة مع الرجال أخذا وإعطاء ، وقد يضطر إلى كشف وجهها للشهادة لها وعليها عند الحاكم ، فرخص لها فيه ، وفي كلام الشيخ دلالة على أنه لا يباح له النظر إلى قدمها … وقوله : إلا لحاجة ، هو أن يريد الشهادة عليها فيجوز له النظر إلى وجهها وإن خاف الشهوة لأنه مضطر إليه في إقامة الشهادة ، أصله شهود الزنا الذين لا بد من نظرهم إلى العورة إذا أرادوا إقامة الشهادة) .

٢٨-بدر الدين العيني (ت٨٥٥هـ)
قال في البناية شرح الهداية للمرغيناني ج١٢ ص١٢٨ : (يجوز النظر إلى وجه الأجنبية وكفيها لقوله تعالى : ولا يبدين زينتهن .. إلا ما ظهر منها .. واختار العلماء قول علي وابن عباس رضي الله عنهم ، فكذلك اختاره المصنف ، قال علي وابن عباس رضي الله عنهما : ما ظهر منها الكحل والخاتم … ولو استدل في ذلك بالحديث المرفوع لكان أولى وأحسن وهو ما رواه أبو داود في سننه بإسناده إلى عائشة رضي الله عنها أن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وعليها ثياب رقاق ، فأعرض عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال : يا أسماء ، إذا بلغت المرأة المحيض لا يصلح أن يرى منها إلا هذا وهذا ، وأشار إلى وجهه وكفه ، وأخرجه البيهقي أيضا في سننه … والحاصل أن الذي ذكره من جواز النظر إلى وجه الأجنبية وكفيها إذا أمن الشهوة لقوله تعالى : ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها ، وأما إذا لم يأمن الشهوة لم يجز النظر إلى وجهها أيضا ولا إلى كفيها .. إلا لحاجة كالشهادة وحكم الحاكم والتزويج ، فعند هذه الأشياء يباح النظر إلى وجهها وإن يخاف الشهوة للضرورة) .

٢٩-العلامة ملا خسرو (ت٨٨٥هـ)
قال في كتاب درر الحكام شرح غرر الأحكام ج١ ص٥٩ : (إلا وجهها وكفيها وقدميها ، فإنها لا تجد بدا من مزاولة الأشياء بيديها وفي كفيها زيادة ضرورها ، ومن الحاجة إلى كشف وجهها خصوصا في الشهادة والمحاكمة والنكاح ، وتضطر إلى المشي في الطرقات وظهور قدميها خصوصا الفقيرات منهن ، وهو معنى قوله تعالى على ما قالوا : إلا ما ظهر منها ، أي : ما جرت العادة والجبلّة على ظهوره) .
وقال في ج١ ص٣١٤ : (وينظر الرجل إلى وجه الأجنبية وكفيها فقط ، لأن في إبداء الوجه والكف ضرورة لحاجتها إلى المعاملة مع الرجال أخذ وإعطاء ونحوهما .. وإن خاف أي الرجل أو المملوك الشهوة : لا ينظر إلى وجهها إلا لحاجة .. فإذا خاف الشهوة لم ينظر من غير حاجة تحرزا عن المحرم كقاض يحكم عليها ، وشاهد يشهد عليها ، فإن نظرهما إلى وجهها جائز وإن خاف الشهوة للحاجة إلى إحياء حقوق الناس بالقضاء .. ومن يريد نكاح امرأة حيث جاز أن ينظر إليها وإن خاف الشهوة) .

٣٠-إبراهيم الحلبي (ت٩٥٦هـ)
قال في متن ملتقى الأبحر ج١ ص١٢٢ : (وجميع بدن الحرة عورة إلا وجهها وكفيها وقدميها في رواية) .
وقال في متن ملتقى الأبحر في الحج ج١ ص٤٢١: (والمرأة في جميع ذلك كالرجل إلا أنها تكشف وجهها لا رأسها ، ولو سدلت على وجهها شيئا وجافته جاز) .
وقال في متن ملتقى الأبحر في محظورات النظر ج١ ص٢٠٢ : (ولا إلى الحرة الأجنبية إلا إلى الوجه والكفين إن أمن ، وإلا لا يجوز لغير الشاهد عند الأداء والحاكم عند الحكم) .

٣١-أبو السعود (ت٩٨٢هـ)
قال في تفسيره ج٦ ص١٧٠ : (ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها عند مزاولة الأمور التي لا بد منها عادة ، كالخاتم والكحل والخضاب ونحوها ، فإن في سترها حرجا بيّنا .. والمستثنى هو الوجه والكفان لأنها ليست بعورة) .

٣٢-ملا علي قاري (ت١٠١٤هـ)
قال في فتح باب العناية بشرح النقاية ج١ ص٢١٧ (لعبيدالله بن مسعود المحبوبي) تلخيص الوقاية (لمحمود المحبوبي) الذي هو اختصار لهداية المرغيناني : (وعورة الحرة بدنها ، أي جميع أعضائها .. إلا الوجه والكف والقدم لقوله تعالى : ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها ، أي إلا ما جرت به العادة على ظهورها للأجانب من الوجه والكف والقدم ، إذ من ضرورة إبداء الزينة إبداء مواضعها ، والكحل زينة الوجه ، والخاتم زينة الكف ، ولأن المرأة لا تجد بدا من مزاولة الأشياء بيديها ، ومن الحاجة إلى كشف وجهها خصوصا الشهادة والمحاكمة ، وتضطر إلى المشي في الطرقات وظهور قدميها خصوصا الفقيرات) .
وقال في الحج ج١ ص٦٧١ : (والمرأة كالرجل إلا أنها لا تكشف رأسها لأنه عورة ، بل تكشف وجهها … ولو سدلت أي أرسلت .. على وجهها مجافيا أي مبعدا عنه ، أي عن وجهها جاز ذلك السدل) .
وقال في كتاب الكراهية ج٤ ص١٤ : (وينظر الرجل من الأجنبية ومن السيدة إلى الوجه والكفين لأنها محتاجة إلى إبداء ذلك لحاجتهما إلى الإشهاد وإلى الأخذ والإعطاء ، ومواضع الضرورة مستثناة من قواعد الشرع ، والقدم كالوجه في رواية الحسن كما ذكره الطحاوي ، لأنها تحتاج إلى إبداء قدمها إذا مشت حافية أو منتعلة .. وشُرِط في جل النظر : الأمن عن الشهوة ، فإن من لم يأمن لم يحل النظر احترازا عن الوقوع في الحرام ، إلا عند الضرورة كالقضاء والشهادة ، اي أدائها لضرورة إحياء حقوق الناس، وقيدنا بأدائها لأن النظر لتحملها لا يباح مع الشهوة مع الأصح ، لأنه يوجد من لا يشتهي. فلا ضرورة) . 

٣٣-ابن الشلبي الحنفي (ت١٠٢١هـ)
قال في حاشيته على تبيين الحقائق للزيلعي شرح كنز الدقائق للنسفي ج٦ ص١٧ : (قال الأتقاني : وأما الإشهادة والقضاء فلأن الإشهاد لا يصح مع جهالة الوجه ، والقضاء كذلك ، فكان فيهما الضرورة ، وللضرورة الماسة أثر إباحة المحرم كضرورة المخمصة يباح بها تناول الميتة ، بخلاف صورة المعاملة ، فإن المعاملة مع المجهولة الوجه جائزة فلم يكن فيه ضرورة ماسة ، وفيه حرج ، فأبحنا النظر من غير شهوة للمعاملة ، ولم يبح حال الشهوة) .

٣٤-الشرنبلالي الحنفي (ت١٠٦٩هـ)
قال في حاشيته على كتاب درر الحكام لملا خسروج١ ص٣١٤ : (قوله : "وينظر الرجل إلى وجه الأجنبية وكفيها" .. قوله "فقط" تنصيص على أنه لا يباح النظر إلى قدمها ، وعن أبي حنيفة أنه يباح لأن فيه بعض الضرورة .... ولا يحل له مس ما جاز النظر إليه من الأجنبية وإن كان يأمن الشهوة لقيام المحرم وعدم الضرورة والبلوى ، بخلاف النظر ، لأن فيه بلوى .. وهذا إذا كانت شابة تشتهى ، أما إذا كانت عجوزا لا تشتهى فلا بأس بمصافحتها ومس يدها إذا أمن على نفسه وعليها) .
وقال في متن نور الإيضاح ص٥٣ : (وجميع بدن الحرة عورة إلا وجهها وكفيها وقدميها) .
وقال في مراقي الفلاح شرح متن نور الإيضاح له ج١ ص٩١ : (وجميع بدن الحرة عورة إلا وجهها وكفيها باطنهما وظاهرهما في الاصح ، وهو المختار … فشعر الحرة حتى المسترسل عورة في الاصح وعليه الفتوى ، فكشف ربعه يمنع صحة الصلاة ، ولا يحل النظر إليه مقطوعا منها) .
وقال في مراقي الفلاح شرح نور الإيضاح له في باب الحج ج١ ص٢٨٠ : (والمرأة في جميع أفعال الحج كالرجل غير أنها لا تكشف رأسها ، وتسدل على وجهها شيئا تحته عيدان كالقبة تمنع مسه بالغطاء) .

٣٥-الشهاب الخفاجي (ت١٠٦٩هـ)
قال في حاشيته على تفسير البيضاوي ج٦ ص٣٧٢ : (ومذهب أبي حنيفة : الوجه والكفان والقدمان ليست بعورة مطلقا ، فلذا حمل المصنف رحمه الله الزينة على ظاهرها بقرينة الاستثناء ، والمراد : لا يبدينها في مواضعها) .

٣٦-الفتاوى الهندية (تم جمعها قرابة عام ١١٠٠هـ)
قالوا في ج١ ص٢٣٥ : (والمرأة في جميع ذلك كالرجل غير أنها لا تكشف رأسها وتكشف وجهها ، ولو سدلت على وجهها شيئا وجافته عنه جاز) .
وقالوا في ج٥ ص٣٢٩ : (وأما النظر إلى الأجنبيات فنقول : يجوز النظر إلى مواضع الزينة الظاهرة منهن ، وذلك الوجه والكف في ظاهر الرواية ، كذا في الذخيرة ، وإن غلب على ظنه أنه يشتهي فهو حرام ، كذا في الينابيع ، النظر إلى وجه الأجنبية إذا لم يكن عن شهوة ليس بحرام لكنه مكروه ، كذا في السراجية .. وفي جامع البرامكة عن أبي يوسف رحمه الله أنه يجوز النظر إلى ذراعيها أيضا عند الغسل والطبخ ، قيل : وكذلك يباح النظر إلى ثناياها ، وذلك كله إذا لم يكن النظر عن شهوة ، كذا في المحيط ، وكذلك يباح النظر إذا شك في الاشتهاء ، كذا في الكافي ، قيل : وكذلك يباح النظر إلى ساقها إذا لم يكن النظر عن شهوة ، فإن كان يعلم أنه لو نظر يشتهي أو كان أكبر رأيه ذلك فليجتنب بجهده ، كذا في الذخيرة … ثم النظر إلى الحرة الأجنبية قد يصير مرخّصا عند الضرورة ، كذا في المحيط … يجوز للقاضي إذا أراد أن يحكم عليها ، وللشاهد إذا أراد أن يشهد عليها أن ينظر إلى وجهها وإن خاف أن يشتهي ، ولكن ينبغي أن يقصد به أداء الشهادة أو الحكم عليها لا قضاء الشهوة … ولو أراد أن يتزوج امرأة فلا بأس بأن ينظر إليها وإن خاف أن يشتهيها ، كذا في التبيين … والعبد في النظر إلى مولاته الحرة التي لا قرابة بينه وبينها بمنزلة الرجل الأجنبي الحر ينظر إلى وجهها وكفها ، ولا ينظر إلى ما لا ينظر الأجنبي الحر من الحرة الأجنبية) .

٣٧-أحمد ملا جيون اللكنوي (ت١١٣٠هـ)
قال في التفسيرات الأحمدية ص٨٨ وما بعدها : (وعندنا لما جاز إظهار الزينة بنفسها كان المراد هاهنا المنهي عنها هو الزينة حال كونها في مواضعها أو مواضع الزينة كالرأس والأذن والعنق والصدر والعضدين والذراعين والسابق ، فإنها مواضع للإكليل والقرط والقلادة والوشاح والدملج والسوار والخلخال على ما صرح به في المدارك ، فالمعنى : لا يظهرن هذه المواضع إلا ما ظهر منها ضرورة ، وذلك مثل الوجه والكف فقط ، لأن في سترهما حرجا بينا ، خصوصا في الشهادات والمحاكمات والنكاح وغير ذلك … وقد قال صاحب الهداية في كتاب الكراهة : .. ولا يجوز أن ينظر الرجل إلى الأجنبية إلا إلى وجهها وكفيها لقوله تعالى : ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر ، قال علي وابن عباس رضي الله عنهما : ما ظهر منها الكحل والخاتم ، والمراد مواضعهما ، وسرد الكلام إلى آخره ، والمقصود أنه تمسك بهذه الآية أن لا ينظر الرجل إلى الأجنبية إلا إلى وجهها وكفيها ، ولا يتم التمسك إلا بانضمام مقدمة وهي أنه لما جوّز الله تعالى لها إظهار الكف والوجه علم أنه جوّز للناظر الأجنبي النظر إليهما ، وإلا فالمذكور في الآية ما هو من جانب المرأة دون ما هو من جانب الناظر ، وأين هذا من ذاك ، ولذلك ترى صاحب البيضاوي لم يجوز النظر إلى الوجه والكف مع أنه تيقن بجواز إظهار الكف … وقيل المراد بالزينة مواقعها ، والمستثنى هو الوجه والكفان لأنها ليست بعورة ، والأظهر أن هذا في الصلاة لا في النظر ، فإن كل بدن الحرة عورة لا يحل لغير الزوج والمحرم النظر إلى شيء منها إلا للضرورة كالمعالجة وتحمل الشهادة ، هذا كلامه ، ولا يخفى حسنه ، ولنا على علمائنا كلام يعسر حله ويتعذر جوابه وهو أن آية الحجاب التي ستأتي في سورة الأحزاب تدل على وجوب احتجاب أزواج النبي عليه السلام من الرجال ، وقد قال بعض المفسرين أن هذا الحكم عام لجميع المؤمنات ، ولكن خصت به أزواج النبي عليه السلام بخصوص الواقعة ، وهو يناقض ما فهم من سورة النور المذكورة هنا ، وهو جواز النظر إلى الوجه والكف إذا أمن من الشهوة ، والقاضي والشاهد والطبيب خاصة إن لم يأمن منها ، نعم لا يرد ذلك على نص القرآن بأن يختص آية ثمة بأزواج النبي صلى الله عليه وسلم كما يدل عليه ظاهر العبارة ، أو يراد بالزينة هاهنا نفسها لا مواقعها كما هو رأي الشافعي رحمه الله ، أو يختص إظهار المواضع بنفس الإظهار في الصلاة بالنظر للغير كما نقلنا آنفا ، فتأمل وأنصف …. ثم إن كل هذه في حق الستر عن الرجل الأجنبي المشتهي ، وأما في حق غيره فيجوز لها إظهار مواضع الزينة كلها ، لا تخصيص له بالوجه والكف والقدم ، وذلك مذكور) .. إلى أن قال : (بخلاف وجه الأجنبية وكفها ، حيث لا يباح المس وإن أبيح النظر لأن الشهوة متكاملة إلا إذا كان يخاف عليها أو على نفسه الشهوة ، فحينذ لا ينظر ولا يمس) .

٣٨-الطوري (ت١١٣٨هـ)
قال في تكملته للبحر الرائق لابن نجيم المصري شرح كنز الدقائق للنسفي ج٨ ص٢١٨ : (لا يجوز له النظر من المرأة إلى غير الوجه وكفيها ، فقد أفاد منع النظر منها غير الوجه وكفيها … ولأن المرأة لا بد لها من الخروج للمعاملة مع الأجانب ، فلا بد لها من إبداء الوجه لتعرف فتطالب بالثمن ويرد عليها بالعيب ، ولا بد من إبداء الكف للأخذ والعطاء … ولا ينظر من اشتهى إلى وجهها إلا الحاكم والشاهد .. والأصل أنه لا يجوز أن ينظر إلى وجه الأجنبية بشهوة لما روينا إلا للضرورة إذا تيقن بالشهوة أو شك فيها ، وفي نظر من ذكرنا مع الشهوة ضرورة ، فيجوز) .

٣٩-الآلوسي (ت١٢٧٠هـ)
قال في تفسير روح المعاني ج٩ ص٣٣٥-٣٤١ : (ولا يبدين زينتهن ، أي ما يتزين به من الحلي ونحوه إلا ما ظهر منها ، أي إلا ما جرت العادة والجبلة على ظهوره ، والأصل فيه الظهور كالخاتم والفتخة والكحل والخضاب ، فلا مؤاخذة في إبدائه للأجانب ، وإنما المؤاخذة في إبداء ما خفي من الزينة ، كالسوار والخلخال والدملج والقلادة والإكليل والوشاح والقرط ، وذكْر الزينة دون مواقعها للمبالغة في الأمر بالتستر لأن هذه الزينة واقعة على مواضع من الجسد لا يحل النظر إليها إلا لمن استثني في الآية بعد …. كذا في الكشاف [للزمخشري الحنفي] … وقال ابن المنير [من المالكية]: الزينة على حقيقتها .. وأيضا لو كان المراد من الزينة موقعها للزم أن يحل للأجانب النظر إلى ما ظهر من مواقع الزينة الظاهرة وهذا باطل لأن كل بدن الحرة عورة لا يحل لغير الزوج والمحرم النظر إلى شيء منها إلا لضرورة كالمعالجة وتحمل الشهادة [انتهى كلام ابن المنير وعلق عليه الآلوسي] وأنت تعلم أن ابن المنير مالكي ، وما ذكره مبني على مذهبه ، وما ذكره الزمخشري مبني على المشهور من مذهب الإمام أبي حنيفة من أن مواقع الزين الظاهرة من الوجه والكفين والقدمين ليست بعورة مطلقا ، فلا يحرم النظر إليها … ومذهب الشافعي عليه الرحمة ما في الزواجر أن الوجه والكفين ظهرهما وبطنهما إلى الكوعين عورة في النظر من المرأة ولو أمة على الأصح وإن كانا ليسا عورة من الحرة في الصلاة … وذهب بعض الشافعية إلى حل النظر إلى الوجه والكف إن أمنت الفتنة ، وليس يعول عليه عندهم ، وفسر بعض أجلتهم ما ظهر بالوجه والكفين بعد أن ساق الآية دليلا على أن عورة الحرة ما سواهما ، وعلل حرمة نظرهما بمظنة الفتنة ، فدل ذلك على أنه ليس كل ما يحرم نظره عورة ، وأنت تعلم أن إباحة إبداء الوجه والكفين حسبما تقتضيه الآية عندهم مع القول بحرمة النظر إليهما مطلقا في غاية البعد فتأمل) إلى أن قال : (ثم اعلم أن عندي مما يلحق بالزينة المنهي عن إبدائها ما يلبسه أكثر مترفات النساء في زماننا فوق ثيابهن ويتسترن به إذا خرجن من بيوتهن ، وهو غطاء منسوج من حرير ذي عدة ألوان ، وفيه من النقوش الذهبية أو الفضية ما يبهر العيون ، وأرى أن تمكين أزواجهن ونحوهم لهن من الخروج بذلك ومشيهن به بين الأجانب من قلة الغيرة ، وقد عمت البلوى بذلك) .
وقال في تفسير يدنين عليهن من جلابيبهن : (والظاهر أن المراد بـعليهن” : على جميع أجسادهن ، وقيل : على رؤوسهن أو على وجوههن لأن الذي كان يبدو منهن في الجاهلية هو الوجه … وأنت تعلم أن وجه الحرة عندنا ليس بعورة ، فلا يجب ستره ، ويجوز النظر من الأجنبي إليه إن أمن الشهوة مطلقا ، وإلا فيحرم ، وقال القهستاني : منع النظر من الشابة في زماننا ولو بلا شهوة … وظاهر الآية لا يساعد على ما ذكر في الحرائر ، فعلعلها محمولة على طلب تستر تمتاز به الحرائر عن الإماء أو العفائف مطلقا عن غيرهن فتأمل) .

٤٠-التهانوي (ت١٣٩٤هـ)
قال في إعلاء السنن ج٢ ص١٦٤ : (قد ثبت بالأحاديث المذكورة أن المرأة - أي الحرة بدليل استثناء الأمة - عورة كلها إلا وجهها وكفيها ، وهو مذهب الحنفية ، ولكن قد اختلفت الرواية عن أبي حنيفة رحمه الله والمشايخ في القَدَم ، فصحح في الهداية وشرح الجامع الصغير لقاضي خان أنه ليس بعورة ، واختاره في المحيط ، وصحح الأقطع وقاضي خان في فتاواه أنه عورة ، واختاره الأسبيجابي والمرغيناني ، وصحح صاحب الاختيار أنه ليس بعورة في الصلاة وعورة خارجها ، ورجح في شرح المنية كونه عورة مطلقا ، وقد فصله في البحر الرائق ، ورجح في الكفاية عدم كون القدم عورة مطلقا) .
وقال في إعلاء السنن ج١٠ ص٤٨ : (إنما أجازت الحنفية أن تُدِلّ على وجهها من فوق رأسها إذا احتاجت إلى ستر وجهها عن نظر الأجانب من الرجال ، لكن إذا سدلت بكون الثوب متجافيها عن وجهها بحيث لا يصيب البشرة … قال في غنية الناسك [مالكي] : والمراد بكشف الوجه عدم مماسة شيء له ، فلذلك يكره لها أن تلبس البرقع لأن ذلك يماس وجهها ، كذا في المبسوط ، فلو سدلت عليه شيئا وجافته عن جاز من الإحرام لعدم كونه سترا ، وأما عند وجود الأجانب فالإرخاء واجب عليها عند الإمكان ، وعند عدمه يجب على الأجانب غض البصر وتمامه في رد المحتار اهـ ، وبهذا يظهر أن ما نسبوه إلى الحنفية لا يصح ، والمذهب ما ذكره في الغنية والله تعالى أعلم) .
وقال في إعلاء السنن ج١٧ ص٣٧١-٣٧٦ : (باب جواز كشف المرأة وجهها وكفيها للأجانب عند عدم خوف الفتنة . أقول : احتج فقهاؤنا بهذه الآثار على جواز النظر إلى الوجه والكفين ، ووجه الاستدلال أن الآثار المذكورة تدل على أنه يجوز كشف هذه الأعضاء للمرأة ، ولما جاز كشفها لها جاز النظر إليها للرجال … إلا عند خوف الفتنة … وغيره إلا للقاضي والشاهد والخاطب فإنه يباح لهم النظر عند خوف الفتنة أيضا ، لأن المصلحة متيقن ، والمفسدة محتمل ، ثم المصلحة لا تترتب بدون النظر ، والمفسدة ممكن دفعها بالقصد والاختيار ، فيغلب المصلحة المفسدة ، ثم النبي صلى الله عليه وسلم قد أباح النظر للخاطب كما هو مذكور في كتب الحديث ، ولا يخفى أن نظر الخاطب لا يخلو عن شهوة ، فالحاكم والشاهد أولى لأنهما أبعد من الشهوة من الخاطب كما لا يخفى .
ثم اعلم أنه قد حدث في هذا الزمان ، وأحداث سفهاء الأحلام كالذين مرقوا من الدين كما يمرق السهم من الرمية ، بل أشد مروقا منهم ، كما لا يخفى على من قابل سيرة هؤلاء السفهاء بسيرة أولئك المارقين ، فظنوا أن الحجاب المتعارف للنساء في زماننا مخالف للدين ، لأن الشرع أباح للنساء كشف الوجه والكفين للأجانب ، وأباح للرجال النظر إليهن ، فيكون حبسهم النساء في البيوت وحجبهن عن عيون الرجال ظلما لهن ، لا سيما إذا كان ذلك مضرا بصحتهن وموجبا لهلاكهن ، مع أن النساء قد كن يحضرن الصلوات والغزوات والأعياد ، ويخرجن لحوائجهن في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم يأمرهن النبي صلى الله عليه وسلم بالاحتجاب ، بل أمر الرجال أن لا يمنعوا إماء الله المساجد ، وأمرهن بحضور العيد إلى غير ذلك ، وقالوا كل ذلك تقليدا للنصارى وتأثرا بتعليماتهم وإيثارا لأوضاعهم على أوضاع المسلمين ، لا لخطأ في الاجتهاد ، وأما تمسكهم بالنصوص فليس بشبهة عرضت لهم ، بل لتشكيك العوام الجهلة فقط .
والجواب عنه أن لا تعارض بين جواز كشف الوجه والنظر ووجوب الاحتجاب ، لأن جواز كشف الوجوه والنظر مبني على الضرورة ودفع الحرج ، وحكم الاحتجاب مبني على خوف الفتنة وسد بابها ، ولا تعارض بين الحكمين عند اختلاف الجهتين ، فافهم .
وفي زمن النبي صلى الله عليه وسلم كانت الضرورة غالبة لعموم الفقر وشدة الاحتياج إلى الخروج ، والفتنة مغلوبة لغلبة الصلاح ، فلذلك لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم عامة النساء بالاحتجاب في زمنه ، وفي زماننا الذي هو شر القرون غلبت الفتنة ، وشاع الفساد بحيث لا يؤمن على كثير من المحتجبات والمستورات ، واضمحلت الضرورات للكشف ، فلذلك شدد المسلمون في الاحتجاب ، فقياس زماننا الذي هو شر القرون على زمان النبي صلى الله عليه وسلم الذي هو خير القرون قياس للضد على الضد ، وهو من عجائب القياس .
ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم وإن لم يأمر النساء بالاحتجاب حتما بالنظر إلى الضرورة ، لكنه لم يكن غافلا عن سد الفتنة مع ضعفها ضعفا شديدا ، بل كان يهتم بسدها اهتماما بليغا لأنه بلغ قوله قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ،. قل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن وقوله تعالى ولا يضربن بأرجلهن ليعلم من يخفين من زينتهن وقوله تعالى يدنين عليهن من جلابيبهن إلى غير ذلك … ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم إن لم يأمر النساء بالاحتجاب حتما فلم ينههن عنه أيضا ، بل ندبهن إلى الاحتجاب كما قد ذكرنا …. ثم سلمنا أن الفقهاء جوزوا كشف الوجه والكف للمرأة عند الأجانب ، و لكن لم يجوزوا كشف الزائد عليهما ، وسلمنا أنهم جوزوا النظر إلى وجه المرأة وكفها ، ولكن لم يجوزوا المس وإن كان بلا شهووة ، ولم يجوزوا النظر بالشهوة) إلى أن قال : (لأن عدم جواز الكشف في حق سائر النساء لعارض مفارق ، وهو الشهوة غير المغلوبة بالمصلحة ، فإن تحقق عدم الشهوة من الجانبين ، أو كانت المصلحة غالبة على المفسدة كما في الكشف والنظر للشهادة أو للقاضي أو للخاطب جاز ، وإلا فلا)



ثانيا : علماء الحنفية الذين أفتوا بالكراهة (وهم ١٣ عالما)

١-القاضي أبو يوسف (ت١٨٢هـ)
قال أبو الليث السمرقندي (ت٣٧٣هـ) في عيون المسائل ص١٨٩ : (وقال أبو يوسف في رجل حلف بالطلاق أن لا ينظر إلى حرام فنظر إلى وجه امرأة ، قال : لا تطلق امرأته ، وليس النظر إليه حراما ، وأكره به ذلك) . 

٢-أبو بكر الجصاص (ت٣٧٠هـ)
قال في شرح مختصر الطحاوي ج١ ص٧٠٠-٧٠٢ : (وذلك لأن جميع بدنها عورة ، ولا يحل للأجنبي النظر إليه منها إلا هذه الأعضاء ، ويدل عليه قوله تعالى - ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها - روي أنها الكحل والخاتم ، فدل أن يديها ووجهها ليسا بعورة ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار ، فدل أن رأسها عورة ، وما كان عورة وجب ستره في الصلاة ، واليد والوجه والقدم ليست بعورة ، فلا يلزمها سترها في الصلاة) .
وقال في أحكام القرآن ج٥ ص١٧٢-١٧٣ : (قال أصحابنا : المراد الوجه والكفان ، لأن الكحل زينة الوجه والخضاب والخاتم زينة الكف ، فإذ قد أباح النظر إلى زينة الوجه والكف فقد اقتضى ذلك لا محالة إباحة النظر إلى الوجه والكفين ، ويدل على أن الوجه والكفين من المرأة ليسا بعورة أيضا أنها تصلي مكشوفة الوجه واليدين ، فلو كانا عورة لكان عليها سترهما كما عليها ستر ما هو عورة ، وإذا كان ذلك جاز للأجنبي أن ينظر من المرأة إلى وجهها ويديها بغير شهوة ، فإن كان يشتهيها إذا نظر إليها جاز أن ينظر لعذر مثل أن يريد تزويجها ، أو الشهادة عليها ، أو حاكم يريد أن يسمع إقرارها … وإنما أباحوا النظر إلى الوجه والكفين وإن خاف أن يشتهي لما ذكرنا من الأعذار للآثار الواردة في ذلك ، منها) وذكر بعض الآثار ثم قال : (فهذا كله يدل على جواز النظر إلى وجهها وكفيها بشهوة إذا أراد أن يتزوجها) ، 
وقال في أحكام القرآن ج٥ ص٢٤٥ : (في هذه الآية دلالة على أن المرأة الشابة مأمورة بستر وجهها عن الأجنبيين وإظهار الستر والعفاف عند الخروج لئلا يطمع أهل الريب فيها ، وفيها دلالة على أن الأمة ليس عليها ستر وجهها وشعرها لأن قوله تعالى ونساء المؤمنين ظاهره أنه أراد الحرائر) .

والتعبير الذي استعمله الجصاص بقوله (مأمورة بستر وجهها) لا يقتضي الوجوب حصرا ، بدلالة أن الجصاص استعمل هذه اللفظة لبيان الندب لا الوجوب في عدة مواضع في تفسيره ، فقد قال في أحكام القرآن ج٢ ص١٠٧ : (فمن كان سنّه سبعا فهو مأمور بالصلاة على وجه التعليم والتأديب) ، وقال في ج٣ ص٥٦ نقلا عن الشافعي : (والنكاح مندوب إليه مأمور به) ، وقال في ج٣ ص١٩٨ : (ألا ترى أن من له سبع سنين مأمور بالصلاة على وجه التعليم) ، وقال في ج٥ ص١٣٣ : (لا ينبغي لمولاها أن يرفعها إلى الإمام بعد ذلك ، بل هو مأمور بالستر عليها) ، وقال في ج٥ ص٣٥١ في أحكام رجعة المطلقة : (ولا نعلم بين أهل العلم خلافا في صحة وقوع الرجعة بغير شهود ، إلا شيئا يروى عن عطاء فإن سفيان روى عن ابن جريج عن عطاء ، قال : الطلاق والنكاح والرجعة بالبينة ، وهذا محمول على أنه مأمور بالإشهاد على ذلك احتياطا من التجاحد لا على أن الرجعة لا تصح بغي شهود) ، وقال في أحكام القرآن ج٥ ص٣٤٧ : (وقت الطلاق المأمور به أن يطلقها طاهرا من غير جماع) .

٣-الكرماني (ت٥٤٣هـ)
قال في المسالك في المناسك في ص٣٥٥-٣٥٦ : (وتكشف المرأة وجهها لقوله صلى الله عليه وسلم : إحرام المرأة في وجهها ، لكن لها أن تسدل ثوبا على وجهها إن أرادت ، وتنحّيه عن وجهها ليقع الأمن عن النظر إليها ولا تكون مكشوفة الوجه كيلا يؤدي إلى الفتنة) .

٤-سراج الدين التنيمي الأوشي الحنفي (ت٥٦٩هـ) 
قال في الفتاوى السراجية ص٣٢٣ : (النظر إلى وجه الأجنبية إذا لم يكن عن شهوة ليس بحرام ، لكنه مكروه … إذا أراد أن يتزوج امرأة لا بأس أن ينظر إليها وإن كان يعلم أنه يشتهيها ، إذا أراد أن يشتري جارية حل له النظر وإن كان يشتهيها ، ولا يحل المس إذا لم يأمن على نفسه الشهوة) . 

٥-البزازي الحنفي (ت٨٢٧هـ)
قال في الفتاوى البزازية ج١ ص٢٨٦ (مطبوع بهامش الفتاوى الهندية) عن المرأة في الحج : (وتكشف وجهها ولا ترفع صوتها بالتلبية ولا ترمل ، وإن أرخت شيئا على وجهها تجافى وجهها لا بأس ، فدلت المسألة على أنها لا تكشف وجهها على الأجانب من غير ضرورة) .

٦-ابن الضياء الحنفي (ت٨٥٤هـ)
قال في البحر العميق ج١ ص٧١٣ : (واعلم أن المرأة كالرجل في حق أداء المناسك في الحج والعمرة ، إلا في اثني عشر شيئا … ثانيها : أنها تكشف وجهها ولا تكشف رأسها ، لأن رأسها عورة ، ولقوله صلى الله عليه وسلم : وإحرام المرأة في وجهها ، ولو غطت وجهها بشيء وجافته عن وجهها جاز ، قال صاحب النهاية : واعلم أن سدل الشيء على وجهها واجب عليها ، لما ذكر في الواقعات للناطفي أن المرأة المحرمة ترخي على وجهها خرقة ، وتجافي عن وجهها ، ودلت المسألة على أن المرأة منهية عن إظهار وجهها للرجال من غير ضرورة ، لأنها منهية عن تغطية الوجه في النسك ، ولولا أن الأمر كذلك لما أُمرت بهذا الإرخاء ، كذا في المحيط . انتهى) .

٧-الكمال ابن الهمام (ت٨٦١هـ)
قال في فتح القدير ج٢ ص٥١٤ : (والمستحب أن تسدل على وجهها شيئا وتجافيه ، وقد جعلوا لذلك أعوادا كالقبة توضع على الوجه ويسدل فوقها الثوب ، ودلت المسألة على أن المرأة منهية عن إبداء وجهها للأجانب بلا ضرورة ، وكذا دل الحديث عليه) .
وقال في فتح القدير ج١ ص٢٥٩ : (وفي المبسوط في الذراع روايتان ، والأصح أنه عورة ، وفي الاختبار : لو انكشف ذراعها جازت صلاتها لأنها من الزينة الظاهرة ، وهو السوار وتحتاج إلى كشفه للخدمة ، وستره أفضل . وصحح بعضهم أنه عورة في الصلاة لا خارجها ، واعلم أنه لا ملازمة بين كونه ليس عورة وجواز النظر إليه ، فحل النظر منوط بعدم خشية الشهرة مع انتفاء العورة ، ولذا حرم النظر إلى وجهها ووجه الأمر إذا شك في الشهوة ولا عورة) 
وقال في فتح القدير : (الظاهر أن المقصود من نقل قول علي وابن عباس هاهنا إنما هو الاستدلال على جواز أن ينظر الرجال إلى وجه الأجنبية وكفيها بقولهما في تفسير قوله تعالى إلا ما ظهر منها ، فإن في تفسيره أقوالا من الصحابة لا يدل على المدعى هاهنا شيء منها سوى قولهما … فالأولى الاستدلال على ذلك هو المصير إلى ما جاء من الأخبار في الرخصة في النظر إلى وجهها وكفيها .. وذكر أحاديث) .

٨-القهستاني (ت نحو ٩٦٠هـ)
قال في جامع الرموز ص٥٣٠ : (وينظر الرجل من الحرة الأجنبية إلى الوجه ، وهذا في زمانهم ، وأما في زماننا فمُنع من الشابة ، وينظر العبد من السيدة إلى الوجه ، فالعبد كالأجنبي وقيل كالمحرم كما في التمرتاشي ، وفيه إشارة إلى أنه يحل النظر إلى وجه الأجنبية إلا أنه مكروه كما في إيمان الولوالجي ، وهذا إذا لم يكن عن شهوة ، وإلا فحرام كما في نادرة الفتاوى) .

٩-محمد بن بير علي الشهير بالبركلي (ت٩٨١هـ)
قال في كتاب الطريقة المحمدية والشريعة الأحمدية ص٤٥٢-٤٥٣ : (فإن كانت المنظور إليها حرة أجنبية غير محرم للناظر يحرم النظر إليها سوى وجهها وكفيها مطلقا .. والنظر إلى وجهها وكفيها من غير حاجة مكروه ، وإلا فكالنّظر إلى الذكر) .. ثم ذكر الأعذار التي تجيز النظر للمرأة على كل حال ومنها المداواة وإرادة النكاح ، ثم قال : (ففي هذه الأعذار يجوز النظر وإن خاف الشهوة ، لكن لا ينبغي أن يقصدها) .

١٠-عبدالحليم بن محمد الشهير بأخي زاده (ت١٠١٣هـ)
قال في حاشيته ص٢١٧ على درر الحكام لملا خسرو : (قوله وكفيها أي باطن اليدين ، أو اليدين ، وقد سبق التفصيل في كتاب الصلاة .. قوله إلى وجه الأجنبية وذكر في بعض شروح الهداية : أن مشايخنا قالوا : تمنع المرأة الشابة عن كشف وجهها بين الرجال في زماننا ، وقد صرح في بعض الفتاوى أن النظر إلى وجه الأجنبية على وجه الشهوة حرام ، وبدونها مكروه) .

١١-شيخي زاده داماد (ت١٠٧٨هـ)
قال في مجمع الأنهر شرح ملتقى الأبحر لإبراهيم الحلبي ج٢ ص٥٤٠ : (ولا ينظر الرجل إلى الحرة الأجنبية إلا إلى الوجه والكفين إن أمن الشهوة ، لأن إبداء الوجه والكف يلزمها بالضرورة للأخذ والإعطاء ، ولا ينظر إلى قدميها لعدم الضرورة في إبدائهما … وإن لم يأمن الشهوة لا يجوز النظر إلى الوجه والكفين .. لغير الشاهد عند الأداء ، فلا يجوز عند التحمل أن ينظر مع عدم أمن الشهوة في الأصح ، لأن وجود من لا يشتهي في التحمل ليس بمعدوم بخلاف من يؤديها ، وقيل يباح كما في النظر عند الأداء والحاكم عند الحكم وإن لم يأمنا لأنهما مضطران إليه في إقامة الشهادة والحكم عليها ، كما يجوز له النظر إلى العورة لإقامة الشهادة على الزنا) .
وقال في مجمع الأنهر شرح ملتقى الأبحر لإبراهيم الحلبي ج١ ص٤٢١ : (والمرأة في جميع ذلك ، أي في جميع أحكام الحج ، كالرجل لعموم الأوامر ما لم يقم دليل الخصوص ، إلا أنها تكشف وجهها كالرجل ، وإنما ذكره مع أن المرأة لا تخالف الرجل في كشف الوجه لأن المتبادر إلى الفهم أنها لا تكشفه لما إنه محل الفتنة ، كما قيل : إنه عليه الصلاة والسلام لم يشرع للمرأة كشف الوجه في الإحرام خصوصا عند خوف الفتنة ، وإنما ورد النهي عن النقاب والقفازين … ولو سدلت ، أي : أرسلت … على وجهها شيئا وجافته ، أي : باعدت ذلك الشيء عن وجهها جاز ذلك السدل ، وفي شرح الطحاوي : الأولى : كشف وجهها ، لكن في النهاية إن السدل أوجب ، ودلت المسألة على أن المرأة لا تكشف وجهها للأجانب من غير ضرورة) .

١٢-إسماعيل حقي (ت١١٢٧هـ)
قال في تفسيره روح البيان ج٦ ص١٤١ : (وجميع الحرة عورة إلا وجهها وكفيهاولا يبدين زينتهن .. إلا ما ظهر منها … فإن في سترها حرجا بيّنا .. قال ابن الشيخ : الزينة ما تزينت به المرأة من حلي أو كحل أو ثوب أو صبغ ، فما كان منها ظاهرا كالخاتم والفتخة وهي ما لا فص فيه من الخاتم والكحل والصبغ فلا بأس بإبدائه للأجانب بشرط الأمن من الشهوة … وفيه دليل على أن صدر المرأة ونحرها عورة لا يجوز للأجنبي النظر إليه) .
وقال في ج٧ ص٢٤٠ في تفسير آية يدنين عليهن من جلابيبهن : (والمعنى يغطين بها وجوههن وأبدانهن وقت خروجهن من بيوتهن لحاجة ، ولا يخرجن مكشوفات الوجوه والأبدان كالإماء حتى لا يتعرض لهن السفهاء ظنا بأنهن إماء) .

١٣-أبو سعيد الخادمي (ت١١٧٦هـ)
قال في البريقة المحمودية في شرح الطريقة المحمدية : (فإن كانت المنظورة إليها حرة أجنبية غير مَحْرَم .. للناظر يحرم النظر إليها سوى وجهها وكفيها .. وفي التتارخانية : نظر وجه الأجنبية ليس بحرام ، لكن يكره بغير حاجة … ولا إلى الحرة الأجنبية إلا إلى الوجه والكفين إن أمن الشهوة ، وأيضا في التتارخانية فإن علم الشهوة أو شك فليجتنب بجهد) .



ثالثا : علماء الحنفية الذين قالوا بالإباحة ، لكن أوجبوا الستر خشية الفتنة (وهم ٩ علماء)

١-عمر بن محمد بن عوض السنامي الحنفي (ت قرابة ٨٢٥هـ)
قال في نصاب الاحتساب ص١٣٢ : (الحرة تمنع من كشف الوجه والكف والقدم فيما يقع عليه نظر الأجنبي لأنها لا تأمن عن شهوة بعض الناظرين إليها .. وفي شرح الكرخي : النظر إلى وجه الأجنبية الحرة ليس بحرام ، ولكن يكره بغير حاجة لأنه لا يؤمن الفتنة) .

٢-ابن نجيم المصري (ت٩٧٠هـ)
قال في البحر الرائق شرح كنز الدقائق للنسفي ج١ ص٢٨٤ : (قوله وبدن الحرة عورة إلا وجهها وكفيها لقوله تعالى : ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها … ولأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى المحرمة عن لبس القفازين والنقاب ، ولو كانا عورة لما حرم سترهما ، ولأن الحاجة تدعو إلى إبراز الوجه للبيع والشراء ، وإلى إبراز الكف للأخذ والإعطاء ، فلم يجعل ذلك عورة …. واعلم أنه لا ملازمة بين كونه ليس بعروة وجواز النظر إليه ، فحلّ النظر منوط بعدم خشية الشهوة مع انتفاء العورة ، ولذا حرم النظر إلى وجهها ووجه الأمرد إن شك في الشهوة ولا عورة ، كذا في شرح المنية ، قال مشايخنا : تمنع المرأة الشابة من كشف وجهها بين الرجال في زماننا للفتنة … واستثنى المصنف القدم للابتلاء في إبدائه خصوصا الفقيرات وفيه اختلاف الرواية عن أبي حنيفة والمشايخ ، فصحح في الهداية وشرح الجامع الصغير لقاضي خان أنه ليس بعورة ، واختاره في المحيط ، وصحح الأقطع وقاضي خان في فتاويه على أنه عورة ، واختاره الإسبيجابي والمرغيناني ، وصحح صاحب الاختيار أنه ليس بعورة في الصلاة وعورة خارجها ، ورجح في شرح المنية كونه عورة مطلقا) .

٣-الحصكفي (ت١٠٨٨هـ)
قال في الدر المختار شرح تنوير الأبصار للتمرتاشي ج١ ص٥٨ : (وللحرة .. جميع بدنها حتى شعرها النازل في الأصح خلا الوجه والكفين ، فظهر الكف عورة على المذهب ، والقدمين على المعتمد ، وصوتها على الراجح ، وذراعيها على المرجوح ، وتمنع المرأة الشابة من كشف الوجه بين الرجال لا لأنه عورة ، بل لخوف الفتنة كمسه وإن أمن الشهوة … ولا يجوز النظر إليه بشهوة كوجه أمرد ، فإنه يحرم النظر إلى وجهها ووجه الأمرد إذا شك في الشهوة ، أما بدونها فيباح ولو كان جميلا كما اعتمده الكمال ، قال : فحل النظر منوط بعدم خشية الشهوة مع عدم العورة) .
وقال في الدر المختار شرح تنوير الأبصار للتمرتاشي ج١ ص١٦٤  في الحج : (والمرأة فيما مر كالرجل لعموم الخطاب ما لم يقم دليل على الخصوص ، لكنها تكشف وجهها لا رأسها ، ولو سدلت شيئا عليه وجافته عنه جاز ، بل يندب) .
قال في الدر المختار شرح تنوير الأبصار وجامع البحار للتمرتاشي ج١ ص٦٥٦ : (وينظر من الأجنبية ولو كافرةإلى وجهها وكفيها فقط للضرورة .. وعبدها كالأجنبي معها ، فينظر لوجهها وكفيها فقط .. وعند الشافعي ومالك : ينظر كمحرمه ، فإن خاف الشهوة أو شك امتنع نظره إلى وجهها ، فحل النظر مقيد بعدم الشهوة ، وإلا فحرام ، وهذا في زمانهم ، وأما في زماننا فمَنَعَ من الشابة قهستاني وغيره إلا النظر - لا المس - لحاجة كقاض وشاهد يحكم ويشهد عليها .. وكذا مريد نكاحها ولو عن شهوة بنية السنة لا قضاء الشهوة) .
وقال في الدر المنتقى في شرح الملتقى (أي ملتقى الأبحر) لإبراهيم الحلبي (مطبوع بهامش مجمع الأنهر لشيخي زادة داماد في شرح ملتقى الأبحر للحلبي) ج١ ص١٢٢ : (وجميع بدن الحرة عورة إلا وجهها وكفيها ، وقدميها … في رواية … وكذا صوتها وليس بعورة على الأشبه ، وإنما يؤدي إلى الفتنة ، ولذا تُمنع من كشف وجهها بين الرجال للفتنة ، ولا يجوز النظر إليها بشهوة كوجه الأمرد ، وأما بدونها فيحل) .
وقال في الدر المنتقى في شرح الملتقى (أي ملتقى الأبحر) لإبراهيم الحلبي (مطبوع بهامش مجمع الأنهر لشيخي زادة داماد في شرح ملتقى الأبحر للحلبي) ج١ ص٤٢١ : (والمرأة في جميع ذلك كالرجل لعموم الخطاب ما لم يقم دليل الخصوص ، إلا أنها تكشف وجهها لا رأسها ، ولو سدلت على وجهها شيئا وجافته جاز ، بل ندب ، وقيل : بل يجب ، وقيل : الأولى كشفه ، ذكره القهستاني) .
وقال في الدر المنتقى في شرح الملتقى (أي ملتقى الأبحر) لإبراهيم الحلبي (مطبوع بهامش مجمع الأنهر لشيخي زادة داماد في شرح ملتقى الأبحر للحلبي) ج٤ ص٢٠٢-٢٠٤ : (ولا إلى الحرة الأجنبية ولو كافرة إلا إلى الوجه ، وهذا في زمانهم ، أما في زماننا فمنع من الشابة ، وفي إيمان الولوالجية أنه مكروه ، ولو بشهوة فحرام كما في نادرة الفتاوى ، والكفين تغليب أي الكف والقدم والذراعوهذا إن أمن الشهوة ، فيحرم ملامستها بشهوة … وإلّا يأمنها [أي الفتنة] فلا يجوز لغير الشاهد عند الأداء عليها أو لها ، لا عند التحمل على الأصح إذ يوجد من لا يشتهي … ولا يجوز مس ذلك وإن أمن ، لأنه أغلظ من النظر .. وقدمنا جواز مس الرجل ما ينظر إليه من الرجل والمحرم فقط ، فلا يحل مس وجه أجنبية أو كفها وإن أمن) .

٤-التمرتاشي (ت١٠٠٤ه)
قال في متن تنوير الأبصار وجامع البحار (كما في الدر المختار للحصكفي شرح تنوير الأبصار للتمرتاشي ج١ ص٥٨) : (وللحرة جميع بدنها خلا الوجه والكفين والقدمين ، وتمنع من كشف الوجه بين رجال لخوف الفتنة ، ولا يجوز النظر إليه بشهوة كوجه أمرد) .
وقال في متن تنوير الأبصار وجامع البحار (كما في الدر المختار للحصكفي شرح تنوير الأبصار للتمرتاشي ج١ ص١٦٤) في باب الحج : (والمرأة كالرجل ، لكنها تكشف وجهها لا رأسها ، ولو سدلت شيئا عليه وجافته عنه جاز) .
وقال في متن تنوير الأبصار وجامع البحار (راجع الدر المختار للحصكفي شرح تنوير الأبصار للتمرتاشي ج١ ص٦٥٦) : (ومن الأجنبية إلى وجهها وكفيها فقط ، وعبدها كالأجنبي معها ، فإن خاف الشهوة امتنع نظره إلى وجهها إلا لحاجة ، ويشهد عليها ، وكذا مريد نكاحها) .

٥-الطحطحاوي الحنفي (ت١٢٣١هـ)
قال في حاشيته على مراقي الفلاح للشرنبلالي شرح متن نور الإيضاح ج١ ص٢٤١ : (قال بعض الفضلاء بحثا : وظاهر ذلك أنه يُكره التقنع للأمة ، وهو كذلك ، لكن بالنسبة لزمن عمر رضي الله تعالى عنه ، أما في زماننا فينبغي أن يجب التقنع لا سيما في الإماء البيض لغلبة الفسق فيه … قوله : وجميع بدن الحرة أي جسدها ، قوله إلا وجهها ، ومنع الشابة من كشفه لخوف الفتنة لا لأنه عورة … قال الكمال [ابن الهمام] ولا تلازم بين كونه ليس بعورة [أي الذراع] وجواز النظر إليه ، لأن حل النظر منوط بعدم خشية الشهوة مع انتفاء العورة ، ولذا حرم النظر إلى وجهها ووجه الأمرد إذا شك في الشهوة ولا عورة) .

٦-ابن عابدين (ت١٢٥٢هـ)
قال في الحاشية ج١ ص٤٠٦ : (قولهوتمنع المرأة إلخأي تُنهى عنه وإن لم يكن عورة ، قوله : “بل لخوف الفتنة : أي الفجور بها .. أو الشهوة ، والمعنى تُمنع من الكشف لخوف أن يرى الرجال وجهها فتقع الفتنة لأنه مع الكشف قد يقع النظر إليها بشهوة … ثم كان من المناسب في التعبير ذكر مسألة المس بعد مسألة النظر بأن يقول : ولا يجوز النظر إليه بشهوة كمسه وإن أمن الشهوة إلخ ، لأن كلا من النظر والمس مما يُمنع الرجل عنه ، والكلام فيما تُمنع هي عنه ، قوله : “لأنه أغلظ ، أي : من النظر ، وهو علةٌ لمنع المس عند أمن الشهوة ، أي بخلاف النظر ، فإنه عند الأمن لا يُمنع … قوله : “ولا يجوز النظر إليه بشهوةأي : إلا لحاجة ، كقاض أو شاهد بحكم أو يشهد عليها لا لتحمل الشهادة ، وكخاطب يريد نكاحها فينظر ولو عن شهوة بنية السنة لا قضاء الشهوة .. والتقييد بالشهوة يفيد جوازه بدونها ، لكن سيأتي في الحظر تقييده بالضرورة ، وظاهره الكراهة بلا حاجة داعية ، قال في التتارخانية : وفي شرح الكرخي : النظر إلى وجه الأجنبية الحرة ليس بحرام ، ولكنه يُكره لغير حاجة . اهـ ،  .. قوله بشهوة :  لم أر تفسيرها هنا … قلت : يؤيده ما في القول المعتبر في بيان النظر لسيدي عبدالغني : بيان الشهوة التي هي مناط الحرمة أن يتحرك قلب الإنسان ويميل بطبعه إلى اللذة ، وربما انتشرت آلته إن كثر ذلك الميلان ، وعدم الشهوة أن لا يتحرك قلبه إلى شيء من ذلك بمنزلة من نظر إلى ابنه الصبيح الوجه وابنته الحسناء اهـ) .
وقال في ج٢ ص٥٢٨ في الحج : (قوله جاز أي من حيث الإحرام ، بمعنى أنه لم يكن محظورا لأنه ليس بستر ، وقوله : “بل يندبأي خوفا من رؤية الأجانب ، وعبّر في الفتح بالاستحباب ، لكن صرح في النهاية بالوجوب ، وفي المحيط : ودلت المسألة على أن المرأة منهية عن إظهار وجهها للأجانب بلا ضرورة لأنها منهية عن تغطيته لحق النسك لولا ذلك ، وإلا لم يكن لهذا الإرخاء فائدة اهـ ، ونحوه في الخانية . وفّق في البحر بما حاصله أن محمل الاستحباب عند عدم الأجانب ، وأما عند وجودهم فالإرخاء واجب عليها عند الإمكان ، وعند عدمه يجب على الأجانب غض البصر ، ثم استدرك على ذلك بأن النووي نقل أن العلماء قالوا : لا يجب على المرأة ستر وجهها في طريقها ، بل يجب على الرجال الغض ، قال : وظاهره نقل الإجماع ، واعترضه في النهر بأن المراد : علماء مذهبه ، قلت : يؤيده ما سمعته من تصريح علمائنا بالوجوب والنهي .
تنبيه : علمت مما تقرر عدم صحة ما في شرح الهداية لابن الكمال من أن المرأة غير منهية عن ستر الوجه مطلقا إلا بشيء فصّل على قدر الوجه كالنقاب والبرقع كما قدمناه أول الباب) .
وقال في ج٦ ص٣٦٩-٣٧٠ : (قال الأتقاني : وعن أبي يوسف أنه يباح النظر إلى ساعدها ومرفقها للحاجة إلى إبدائهما إذا أجرت نفسها للطبخ والخبر اهـ ، والمتبادر من هذه العبارة أن جواز النظر ليس خاصا بوقت الاشتغال بهذه الأشياء بالإجارة ، بخلاف العبارة الأولى ، وعبارة الزيلعي أوفى بالمراد ، وهي : وعن أبي يوسف أنه يباح النظر إلى ذراعها أيضا ، لأنه يبدو منها عادة اهـ فافهم ، قوله وعبدها كالأجنبي معها لأن خوف الفتنة منه كالأجنبي بل أكثر لكثرة الاجتماع) إلى أن قال : (قولهفإن خاف الشهوةقدمنا حدها أول الفصل ، قولهمقيد بعدم الشهوة ، قال في التتارخانية وفي شرح الكرخي : النظر إلى وجه الأجنبية الحرة ليس بحرام ، ولكنه يُكره لغير حاجة اهـ ، وظاهره الكراهة ولو بلا شهوة ، قوله وإلا فحرام أي : إن كان عن شهوة حرم ، قوله وأما في زماننا فمُنع من الشابة لا لأنه عورة بل لخوف الفتنة كما قدمه في شروط الصلاة . قوله لا المس تصريح بالمفهوم ، قوله في الأصحلأنه يوجد من لا يشتهي ، فلا ضرورة بخلاف حالة الأداء هداية ، والمفهوم منه أن الخلاف عند خوف الشهوة لا مطلقا فتنبه ، قوله : “ولو عن شهوةراجع للجميع ، وصرح به للتوضيح ، وإلا فكلام المصنف في النظر بشهوة بمقتضى الاستثناء ، قوله : بنية السنة الأولى جعله قيدا للجميع أيضا على التجوز لئلا يلزم عليها إهمال القيد في الأولين لما قال الزيلعي وغيره : ويجب على الشاهد والقاضي أن يقصد الشهادة والحكم لا قضاء الشهوة تحرزا عن القبيح ، ولو أراد أن يتزوج امرأة فلا بأس أن ينظر إليها وإن خاف أن يشتهيها … اهـ) .
وقال في ج٦ ص٣٦٧ : (قوله فلا يحل مس وجهها أي وإن جاز النظر إليه على ما يأتي) .

٧-عبدالغني بن حمادة الغنيمي الدمشقي الحنفي (ت١٢٩٨هـ)
في كتاب اللباب في شرح الكتاب ج٤ ص١٦٢ (الكتاب المقصود هو مختصر القدوري) : (ولا يجوز للرجل أن ينظر من الأجنبية الحرة إلا إلى وجهها وكفيها ضرورة احتياجها إلى المعاملة مع الرجال أخذا وعطاء وغير ذلك ، وهذا تنصيص على أنه لا يباح النظر إلى قدمها ، وعن أبي حنيفة أنه يباح لأن فيه بعض الضرورة .. وهذا إذا كان يأمن الشهوة ، فإن كان لا يأمن على نفسه الشهوة لم ينظر إلى وجها إلا لحاجة ضرورية .. قال في الدر : فحل النظر مقيد بعدم الشهوة ، وإلا فحرام ، وهذا في زمانهم ، وأما في زماننا فمنع من الشابة قهستاني وغيره اهـ ، ويجوز للقاضي إذا أراد أن يحكم عليها أي المرأة وللشاهد إذا أراد الشهادة عليها النظر إلى وجهها وإن خاف أن يشتهي للحاجة إلى إحياء حقوق الناس بواسطة القضاء وأداء الشهادة) .

٨-السهارنفوري الحنفي (ت١٣٤٦هـ)
قال في بذل المجهود شرح سنن أبي داود ج١٦ ص٤٣١ : (والمراد أن المرأة إذا بلغت لا يجوز لها أن تظهر للأجانب إلا ما تحتاج إلى إظهاره للحاجة إلى معاملة أو شهادة إلا الوجه والكفين [كذا] ، وهذا عند أمن الفتنة ، وأما عند خوف الفتنة فلا ، ويدل على تقييده بالحاجة اتفاق المسلمين على منع النساء أن يخرجن سافرات الوجوه ، لا سيما عند كثرة الفساد وظهوره) .

٩-خليل بن عبدالقادر الشيباني النحلاوي الحنفي (ت قرابة ١٣٥٠هـ)
قال في كتاب الدرر المباحة ص٥٠ : (ينظر الرجل من المرأة الأجنبية الحرة - ولو كافرة - إلى وجهها وكفيها فقط للضرورة … وتُمنع الشابة من كشف وجهها لا لأنه عورة ، بل لخوف الفتنة ، وعبدها كالأجنبي معها .. فإن خاف الشهوة امتنع نظره إلى وجهها إلا لحاجة ، كقاض وشاهد يحكم ويشهد عليها ، وكذا مريد نكاحها ولو عن شهوة بنية السنة) .


رابعا : علماء الحنفية الذين أفتوا بحرمة كشف المرأة وجهها (وهم ٤ علماء)

١-السغناقي الحنفي (ت٧١٤هـ)
قال في كتاب النهاية (كما نقل عنه ابن الضياء الحنفي في البحر العميق ج١ ص٧١٣) : (واعلم أن سدل الشيء على وجهها واجب عليها ، لما ذكر في الواقعات للناطفي أن المرأة المحرمة ترخي على وجهها خرقة ، وتجافي عن وجهها ، ودلت المسألة على أن المرأة منهية عن إظهار وجهها للرجال من غير ضرورة ، لأنها منهية عن تغطية الوجه في النسك ، ولولا أن الأمر كذلك لما أُمرت بهذا الإرخاء) .

٢-علوان النخجواني (ت٩٢٠هـ)
قال في الفواتح الإلهية ج٢ ص١٦٣ : (قل لأزواجك .. وسائر نساء المؤمنين إذا ظهرن وبرزن لحوائجهن أحيانا يدنين ويغطين عليهن ، أي على أيديهن وأرجلهن وعلى جميع معاطفهن من فواضل جلابيبهن وملاحفهن ، بحيث لا يبدو من مفاصلهن وأعضائهن شيء سوى العينين بل عين واحدة ليتميزن بها عن الإماء) .

٣-سراج الدين عمر بن إبراهيم بن نجيم المصري (ت١٠٠٥هـ)
قال في النهر الفائق ج٢ ص٩٨ : (ودلت المسألة والحديث على أنها منهية عن إبداء وجهها للأجانب بلا ضرورة ، كذا في الفتح وقول قاضي خان : دلت المسألة على أنها لا تكشف وجهها للأجانب ، أي : لا يحل لها ذلك) .

٤-القاضي مولوي المظهري (ت١٢٢٥هـ)
قال في تفسيره ج٦ ص٤٩٤ : (قال البيضاوي [شافعي] : الأظهر أن هذا في الصلاة لا في النظر ، فإن كل بدن الحرة عورة لا يحل لغير الزوج والمحرم النظر إلى شيء منها إلا لضرورة ، كالمعالجة وتحمل الشهادة ، وفي كتب الحنفية : كون وجه  الحرة خارجا عن العورة غير مختص بالصلاة ، قال في الهداية : لا يجوز أن ينظر الرجل إلى الأجنبية إلا وجهها وكفيها ، لقوله تعالى : ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها ، ولأن في إبداء الكف والوجه ضرورة لحاجتها إلى المعاملة مع الرجال أخذا وإعطاء وغير ذلك ، فإن كان الرجل لا يأمن من الشهوة لا ينظر إلى وجهها إلا لحاجة ، كتحمل الشهادة وأدائها والقضاء ، ولايباح إذا شك في الاشتهاء كما إذا علم أو كان أكبر رأيه ذلك ، قلت : ومذهب أبي حنيفة يؤيده ما رواه أبو داود مرسلا : الجارية إذا حاضت لم يصلح يرى منها إلا وجهها ويدها إلى المفصل  ، قلت : إبداء المرأة زينتها الخفية لغير أولي الإربة من الرجال جائز إجماعا ثابت بنص الكتاب لعدم خوف الفتنة ، فإبداء زينتها الظاهرة لهم أولى بالجواز ، ونظر الرجال إلى وجه امرأة أجنبية إذا شك في الاشتهاء لا يجوز على ما قال صاحب الهداية أيضا ، وقال ابن همام : حرم النظر إلى وجهها ووجهه الأمرد إذا شك في الشهوة ، ويلزم هذا الحكم : الحكم بأن لا تبدو المرأة وجهها لرجل أجنبي إذا شك منه الشهوة ، وإلا كان تعرضا للفساد ، وزوال احتمال الشهوة من الرجل الأجنبي ذي الإربة للمرأة الأجنبية غير متصور ، فيلزمنا القول بأنه لا يجوز للمرأة الحرة إبداء وجهها لرجل ذي إربة غير الزوج والمحرم ، فإن عامة محاسنها في وجهها ، فخوف الفتنة في النظر إلى وجهها أكثر منه في النظر إلى سائر أعضائها … فاستثناء الوجه والكفين من عورة الحرة ليس إلا لأجل الصلاة ، ويدل على عدم جواز إبداء المرأة وجهها قوله تعالى : يا أيها النبي قل لأزواجك. وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن) .


تم المبحث بحمد الله تعالى