الثلاثاء، 16 يوليو 2024

اتفاق المذاهب الأربعة على جواز كشف الوجه للجميلة الفاتنة



اتفق فقهاء المذاهب الأربعة (كافة) على جواز أن تكشف المرأة وجهها أمام الرجال الأجانب، حتى لو كان وجهها جميلا فاتنا، وحتى لو كان هناك من يُفتتن برؤيته، وحتى لو لم تكن هناك ضرورة لهذا الكشف، وفيما يلي ٤٠ فتوى لفقهاء المذاهب الأربعة في تقرير هذا الحكم، وبيان أن الواجب هو أن يغض الرجل بصره، وأن يتصرف كما يتصرف التقي الراشد، لا كما يتصرف الطفل الذي تمر أمامه قطعة حلوى.


والحديث في مسألة الحجاب طويل ومتشعب، خصوصا مع كثرة الخلط بين مسألتين هما:

 

- مسألة كشف وجه المرأة

- ومسألة النظر إلى وجه المرأة لغير ضرورة

 

فالمسألتان مستقلتان، ومعظم القائلين بتحريم النظر إلى وجه المرأة قالوا بجواز أن تكشف المرأة عن وجهها حتى لو كان نظر الرجل إليه محرما، فالمسألة تشبه عندهم حكم نظر الرجل إلى الغلام الأمرد، فقالوا بتحريم النظر إليه دون فرض الحجاب عليه، كما أن معظم القائلين بتحريم نظر الرجل إلى المرأة قالوا أيضا بتحريم نظر المرأة إلى الرجل، دون أن يطالبوا بتوزيع البراقع على الرجال.

 

ومما يزيد مسألة الحجاب تعقيدا أن الخلاف قائم في كل مذهب من المذاهب الأربعة في حكم كشف الوجه وفي حكم نظر الرجل إليه على ثلاثة أقوال هي الإباحة والكراهة والتحريم، كما أن أحكام كشف الوجه في كل مذهب تختلف بين الشابة والعجوز، كما أن أحكام النظر تختلف بين الشاب والشيخ، وكذلك تختلف بحسب الضرورة وعدمها، ولذلك انقسم كل مذهب من المذاهب الأربعة على أقوال متعددة بحيث يستحيل ادعاء إجماع مذهب من المذاهب على قول من الأقوال، ولا يدّعي إجماع فقهاء المذاهب الأربعة في هذه المسألة على قول واحد إلا كاذب أو جاهل.

 

وهذا الخلاف الطويل العريض يمكن اختصاره في ست نقاط، تغنيك عن مطالعة ٥٠٠ كتاب من كتب الفقه في المذاهب الأربعة، وهذه النقاط الست هي:

 

[١] اتفق الأئمة الأربعة وعامة متقدمي الفقهاء من المذاهب الأربعة على جواز أن تكشف المرأة الشابة الفاتنة وجهها أمام الرجال الأجانب لغير ضرورة، حتى لو كان فيهم من يُفتتن برؤية وجهها، وأن الواجب على الرجل أن يغض بصره، وهذا هو القول المعتمد في المذاهب الأربعة.

 

[٢] أباح عامة متقدمي الحنفية والمالكية والشافعية النظر إلى وجه المرأة المكشوف إذا أُمنت الفتنة على الناظر حتى لو لم يكن لهذا النظر حاجة، وقال متقدمو الحنابلة بجواز النظر إلى وجه العجوز، وتحريم النظر إلى وجه الشابة المكشوف.

 

[٣] اتفق متقدمو المذاهب الأربعة على جواز نظر الرجل إلى وجه المرأة للضرورة حتى لو غلب على ظن الرجل أنه سيُفتن برؤيته، مثل الشاهد والخاطب وغيره، كما أجازوا للطبيب النظر إلى العورة (بما في ذلك العورة المغلظة) حتى لو غلب على ظنه أنه سيُفتن برؤيتها.

 

[٤] اختلف متأخرو الحنفية والمالكية والشافعية في حكم نظر الرجل إلى وجه المرأة على ثلاثة أقوال: بالجواز، والكراهة، والتحريم، وبناء عليه ذهبت جماعة منهم إلى وجوب أن تستر الشابة وجهها ليس لأنه عورة، وإنما لسد الذريعة بألا يرى أحد وجهها فيُفتن به.

 

[٥] عامة الذين حرّموا أن ينظر الرجل إلى وجه المرأة، قالوا أيضا بتحريم أن تنظر المرأة إلى وجه الرجل، والذين أباحوا للرجل أن ينظر إلى وجه المرأة وكفيها قصروا الإباحة للمرأة في أن تنظر إلى وجه الرجل وكفيه فقط، لأن دافع التحريم في الحالتين هو خوف الفتنة.

 

[٦] قال جماعة ممن أوجبوا أن تستر المرأة وجهها سدا للذريعة بأنه يجب على الرجل أيضا أن يستر وجهه إن كان هناك امرأة تنظر إليه، لأن سد الذريعة واجب عندهم في الحالتين، وهو قول مشهور عند متأخري فقهاء الشافعية.

 

وهنا تبدأ قائمة الفتاوى مرتبة على كل مذهب، وسأذكر في بداية كل مذهب قول مؤسسه من الأئمة الأربعة، علما بأن سوف أقتصر على نقل شيء من الفتاوى التي نصّت على تحقق الفتنة عند كشف وجه المرأة فقط، أما الفتاوى التي أباحت نظر الرجل إلى وجه المرأة دون أن تنص على تحقق الفتنة فهي كثيرة للغاية، وهذا كله لبيان حجم التحريف والتزوير والتشويه الذي تعرضت له هذه المسألة ممن لا خلاق لهم.

 

فتاوى المذهب الحنفي

 

قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى (٢٢/ ١٠٩): (والسلف قد تنازعوا في الزينة الظاهرة على قولين، فقال ابن مسعود ومن وافقه: هي الثياب، وقال ابن عباس ومن وافقه: هي في الوجه واليدين مثل الكحل والخاتم، وعلى هذين القولين تنازع الفقهاء في النظر إلى المرأة الأجنبية، فقيل: يجوز النظر لغير شهوة إلى وجهها ويديها، وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي، وقول في مذهب أحمد، وقيل: لا يجوز، وهو ظاهر مذهب أحمد، فإن كل شيء منها عورة حتى ظفرها، وهو قول مالك).

 

وممن أفتى بذلك من فقهاء الحنفية:

 

 

[١] القاضي أبو يوسف (توفي ١٨٢هـ)

 

قال الطحاوي في شرح معاني الآثار (٣/ ١٣): (فلما ثبت أن النظر إلى وجهها حلال لمن أراد نكاحها، ثبت أنه حلال لمن لم يرد نكاحها إذا كان لا يقصد بنظره ذلك لمعنىً هو عليه حرام، وقد قيل في قول الله عز وجل: "ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها" أن ذلك المستثنى هو الوجه والكفان، فقد وافق ما ذكرنا من حديث رسول الله  هذا التأويل، وممن ذهب إلى هذا التأويل محمد بن الحسن رحمة الله عليه، كما حدثنا سليمان بن شعيب بذلك، عن أبيه، عن محمد، وهذا كله قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمة الله عليهم أجمعين).

 

 

[٢] محمد بن الحسن الشيباني (توفي ١٨٩هـ)

 

قال محمد بن الحسن الشيباني في الأصل المعروف بالمبسوط (٣/ ٥٦): (وأما المرأة الحرة التي لا نكاح بينه وبينها ولا حرمة ممن يحل له نكاحها، فليس ينبغي له أن ينظر إلى شيء منها مكشوفا إلا الوجه والكف، ولا بأس بأن ينظر إلى وجهها وإلى كفها، ولا ينظر إلى شيء غير ذلك منها، وهذا قول أبي حنيفة، وقال الله تبارك وتعالى: "وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوْجَهُنَّ وَلَا يُبْدِيْنَ زِيْنَتَهُنَّ إِلّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا"، ففسر المفسرون أن "مَا ظَهَرَ مِنْهَا": الكحل والخاتم، والكحل زينة الوجه، والخاتم زينة الكف، فرخص في هاتين الزينتين، ولا بأس بأن ينظر إلى وجهها وكفيها إلا أن يكون إنما ينظر إلى ذلك اشتهاء منه لها، فإن كان ذلك فليس ينبغي له أن ينظر إليها، وإن دعي إلى شهادة عليها أو أراد تزويجها أو كان حاكما فأراد أن ينظر إلى وجهها ليجيز إقرارها عليها وليشهد الشهود على معرفته - وإن كان إن نظر إليها اشتهاها أو كان عليه أكبر رأيه - فلا بأس بالنظر إلى وجهها وإن كان على ذلك، لأنه لم ينظر إليها هاهنا ليشتهيها، إنما نظر إليها لغير ذلك، فلا بأس بالنظر إليها وإن كان في ذلك شهوة إذا كان على ما وصفت لك).

 

 

[٣] أبو منصور الماتريدي (توفي ٣٣٣هـ)

 

قال الماتريدي في تفسيره (٧/ ٥٤٥): (وجائز أن يكون النظر إلى وجه المرأة حلالا إذا لم يكن بشهوة، لكن غض البصر وترك النظر أرفق وأزكى … والذي يدل أن للمرأة ألا تغطي وجهها ولا ينبغي للرجل أن يتعمد النظر إلى وجه المرأة إلا عند الحاجة إليه قول رسول الله  لعلي رضي الله عنه: "إنما لك الأولى وليست لك الآخرة"، وفي بعضها: "الأولى لك والآخرة عليك"، لأنه كأنه إنما كرر النظر في الثانية لشهوة تحدث في قلبه، وإذْنُه للذي يريد أن يتزوج امرأة أن ينظر إليها يدل على أن نظر الرجل إلى وجه المرأة غير حرام، لأنه لو كان حراما لم يأذن فيه النبي لأحد، ونرى – والله أعلم – أن النظر إلى وجه المرأة ليس بحرام إذا لم يقع في قلب الرجل من ذلك شهوة، فإذا وجد لذلك شهوة ولم يأمن أن يؤدي به ذلك إلى ما يُكره فمحظور عليه أن ينظر إليها إلا أن يريد به معرفتها والنكاح، فإنه قد رُخّص في ذلك).

 

 

[٤] الحاكم الشهيد المروزي (توفي ٣٣٤هـ)

 

قال الحاكم المروزي في الكافي في الفروع (١٣٩): (لا بأس أن ينظر الرجل من أمه وابنته البالغة وأخته وكل ذي محرم منه من سبب أو نسب إلى رأسها وإلى صدرها أو يديها أو عضدها أو ساقها، ولا ينظر إلى ظهرها وبطنها وما بين سرتها حتى يجاوز الركبة، وما حل له النظر إليه منهن حل له مسه وغمزه، وما كرهنا له النظر منهن كرهنا له مسه متجردا، وأما إذا كان من وراء الثوب فلا بأس ... وهذا كله ما أمنا على أنفسهما الشهوة ... ولا ينظر الرجل من المرأة الحرة الأجنبية التي لا حرمة بينه وبينها إلى غير الوجه والكف، لقوله تعالى: "وَلَا يُبْدِيْنَ زِيْنَتَهُنَّ إِلّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا"، ففسر المفسرون "مَا ظَهَرَ مِنْهَا" بالخاتم والكحل زينة الوجه، والخاتم زينة الكف، وينظر إلى الكف والوجه منها ما أمن الشهوة، فإذا اشتهى لم ينظر إلا أن يكون دعي إلى الشهادة عليها أو أراد تزويجها أو كان حاكما ينظر ليجيز إقرارها ويشهد الشهود على معرفتها فلا بأس بالنظر إليها في هذه المواضع وإن كانت فيه شهوة، ولا ينبغي له أن يمس وجهها ولا يديها إذا كانت شابة ممن تشتهى، وأما إذا كانت عجوزا ممن لا تُشتهى فلا بأس بمصافحتها ومس يدها).

 

 

[٥] أبو بكر الجصاص (توفي ٣٧٠هـ)

 

قال الجصاص في أحكام القرآن (٥/ ١٧٢): (قال أصحابنا: المراد الوجه والكفان، لأن الكحل زينة الوجه والخضاب والخاتم زينة الكف، فإذ قد أباح النظر إلى زينة الوجه والكف فقد اقتضى ذلك لا محالة إباحة النظر إلى الوجه والكفين، ويدل على أن الوجه والكفين من المرأة ليسا بعورة أيضا أنها تصلي مكشوفة الوجه واليدين، فلو كانا عورة لكان عليها سترهما كما عليها ستر ما هو عورة، وإذا كان ذلك جاز للأجنبي أن ينظر من المرأة إلى وجهها ويديها بغير شهوة، فإن كان يشتهيها إذا نظر إليها جاز أن ينظر لعذر مثل أن يريد تزويجها، أو الشهادة عليها، أو حاكم يريد أن يسمع إقرارها … وإنما أباحوا النظر إلى الوجه والكفين وإن خاف أن يشتهي لما ذكرنا من الأعذار للآثار الواردة في ذلك، منها) وذكر بعض الآثار ثم قال: (فهذا كله يدل على جواز النظر إلى وجهها وكفيها بشهوة إذا أراد أن يتزوجها).

 

 

[٦] القدوري (توفي ٤٢٨هـ)

 

قال القدوري في مختصره (٢٤١): (ولا يجوز أن ينظر الرجل من الأجنبية إلا إلى وجهها وكفيها، وإن كان لا يأمن الشهوة ؛ لا ينظر إلى وجهها إلا لحاجة، ويجوز للقاضي إذا أراد أن يحكم عليها وللشاهد إذا أراد الشهادة عليها النظر إلى وجهها وإن خاف أن يشتهي).

 

[٧] شمس الأئمة السرخسي (توفي ٤٨٣هـ)

 

قال السرَخْسي في المبسوط (١٠/ ١٥٢): (فأما النظر إلى الأجنبيات فنقول: يباح النظر إلى موضع الزينة الظاهرة منهن دون الباطنة، لقوله تعالى: "وَلَا يُبْدِيْنَ زِيْنَتَهُنَّ إِلّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا" ... فقد جاءت الأخبار في الرخصة بالنظر إلى وجهها وكفها، من ذلك ما روي أن امرأة عرضت نفسها على رسول الله  فنظر إلى وجهها فلم ير فيها رغبة، ولما قال عمر رضي الله عنه في خطبته: "ألا لا تغالوا في أصدقة النساء"، فقالت امرأة سفعاء الخدين: … فذكر الراوي أنها كانت سفعاء الخدين، وفي هذا بيان أنها كانت مسفرة عن وجهها، ورأى رسول الله  كف امرأة غير مخضوب، فقال: "أكف رجل هذا؟" ولما ناولت فاطمة رضي الله عنها أحد ولديها بلالا أو أنسا رضي الله عنهم قال أنس: "رأيت كفها كأنه فلقة قمر"، فدل أنه لا بأس بالنظر إلى الوجه والكف … وهذا كله إذا لم يكن النظر عن شهوة، فإن كان يَعلم أنه إن نظر اشتهى لم يحل له النظر إلى شيء منها … فأما النظر إليها عن شهوة لا يحل بحال إلا عند الضرورة، وهو ما إذا دعي للشهادة عليها، أو كان حاكما ينظر ليوجه الحكم عليها بإقرارها أو بشهادة الشهود على معرفتها).

 

 

[٨] علاء الدين السمرقندي (توفي ٥٤٠هـ)

 

قال السمرقندي في تحفة الفقهاء (٣/ ٣٣٤): (الأجنبيات وذوات الرحم بلا محرم: فإنه يحرم النظر إليها أصلا من رأسها إلى قدمها سوى الوجه والكفين، فإنه لا بأس بالنظر إليهما من غير شهوة، فإن كان غالب رأيه أنه يشتهي يحرم أصلا، وأما المس فيحرم سواء عن شهوة أو عن غير شهوة، وهذا إذا كانت شابة، فإن كانت عجوزا فلا بأس بالمصافحة إن كان غالب رأيه أنه لا يشتهي، ولا تحل المصافحة إن كانت تشتهي وإن كان الرجل لا يشتهي، فإن كان عند الضرورة فلا بأس بالنظر وإن كان يشتهي، كالقاضي والشاهد ينظر إلى وجهها عند القضاء وتحمل الشهادة، أو كان يريد تزوجها لأن الغرض ليس هو اقتضاء الشهوة).

 

 

[٩] علاء الدين الكاساني (توفي ٥٨٧هـ)

 

قال الكاساني في بدائع الصنائع (٥/ ١٢١): (وأما النوع السادس وهو الأجنبيات الحرائر، فلا يحل النظر للأجنبي من الأجنبية الحرة إلى سائر بدنها إلا الوجه والكفين لقوله تبارك وتعالى: "قُلْ لِلْمُؤْمِنِيْنَ يَغُضُّوْا مِنْ أَبْصَارِهِمْ"، إلا أن النظر إلى مواضع الزينة الظاهرة وهي الوجه والكفان رخص بقوله تعالى: "وَلَا يُبْدِيْنَ زِيْنَتَهُنَّ إِلّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا"، والمراد من الزينة مواضعها، ومواضع الزينة الظاهرة الوجه والكفان، فالكحل زينة الوجه والخاتم زينة الكف، ولأنها تحتاج إلى البيع والشراء والأخذ والعطاء ولا يمكنها ذلك عادة إلا بكشف الوجه والكفين، فيحل لها الكشف، وهذا قول أبي حنيفة رضي الله عنه، وروى الحسن عن أبي حنيفة رحمهما الله أن يحل النظر إلى القدمين أيضا … ثم إنه إنما يحل النظر إلى مواضع الزينة الظاهرة منها من غير شهوة، فأما عن شهوة فلا يحل لقوله ﷺ: "العينان تزنيان"، وليس زنا العين إلا النظر عن شهوة، ولأن النظر عن شهوة سبب الوقوع في الحرام، فيكون حراما إلا في حالة الضرورة بأن دعي إلى شهادة أو كان حاكما فأراد أن ينظر إليها ليجيز إقرارها عليها فلا بأس أن ينظر إلى وجهها وإن كان لو نظر إليها لاشتهى أو كان أكبر رأيه ذلك، لأن الحرمات قد يسقط اعتبارها لمكان الضرورة … وكذا إذا أراد أن يتزوج امرأة فلا بأس أن ينظر إلى وجهها وإن كان عن شهوة، لأن النكاح بعد تقديم النظر أدل على الألفة والموافقة الداعية إلى تحصيل المقاصد ... وأما المرأة فلا يحل لها النظر من الرجل الأجنبي ما بين السرة إلى الركبة، ولا بأس أن تنظر إلى ما سوى ذلك إذا كانت تأمن على نفسها، والأفضل للشاب غض البصر عن وجه الأجنبية وكذا الشابة لما فيه من خوف حدوث الشهوة والوقوع في الفتنة).

 

 

[١٠] المرغيناني (توفي ٥٩٣هـ)

 

قال المرغيناني في بداية المبتدي (١/ ٢٢٢): (ولا يجوز أن ينظر الرجل إلى الأجنبية إلا إلى وجهها وكفيها، فإن كان لا يأمن الشهوة لا ينظر إلى وجهها إلا لحاجة، ولا يحل له أن يمس وجهها ولا كفيها، وإن كان يأمن الشهوة والصغيرة إذا كانت لا تشتهى يباح مسها والنظر إليها، ويجوز للقاضي إذا أراد أن يحكم عليها وللشاهد إذا أراد أداء الشهادة عليها النظر إلى وجهها وإن خاف أن يشتهي، ومن أراد أن يتزوج امرأة فلا بأس بأن ينظر إليها وإن علم أنه يشتهيها).

وقال المرغيناني في الهداية (١/ ١٣٦) في حكم غطاء الرجل لرأسه في الحج: (قال: "ولا يغطي وجهه ولا رأسه"، وقال الشافعي يجوز للرجل تغطية الوجه لقوله عليه السلام: "إحرام الرجل في رأسه وإحرام المرأة في وجهها"، ولنا قوله عليه الصلاة والسلام:"لا تخمروا وجهه ولا رأسه فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا"، قاله في مُحرِم توفى، ولأن المرأة لا تغطي وجهها مع أن في الكشف فتنة فالرجل بالطريق الأولى وفائدة ما روى الفرق في تغطية الرأس).

 

 

 

فتاوى المذهب المالكي

 

قال الإمام مالك في الموطأ: (وقد تأكل المرأة مع زوجها وغيره ممن تؤاكله أو مع أخيها على مثل ذلك).

قال الباجي في المنتقى شرح الموطأ (٧/ ٢٥٢) شارحا له: (يقتضي أنّ نظر الرجل إلى وجه المرأة وكفيها مباح، لأن ذلك يبدو منها عند مؤاكلتها ... قال الشيخ أبو بكر الأبهري: "إنما قال مالك رحمه الله أن تأكل المرأة مع من تأمن الفتنة في الأكل معها، قال الله تعالى: قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ" وعندي أن ذلك يقتضي أن يغض عن بعض المرئيات وهي التي لا يحل له أن ينظر إليها").

 

وممن أفتى بذلك من فقهاء المالكية:

 

 

[١] القاضي عبدالوهاب (توفي ٤٢٢هـ)

 

قال القاضي عبدالوهاب في الإشراف على نكت مسائل الخلاف (١/ ٢٦٢): (وجميع بدن المرأة عورة إلا وجهها وكفيها خلافا لمن قال لا يجوز لها كشف الوجه واليدين وهو أحمد بن حنبل، لقوله تعالى: "وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا"، قيل: الوجه والكفان، ولأن كشف ذلك يلزمها في الإحرام، فلو كان عورة لم يجز لها كشفه كباقي بدنها).

وقال القاضي عبدالوهاب في المعونة ص١٧٢٦: (يجوز النظر إلى المتجالة، ويكره إلى الشابة إلا لعذر من شهادة أو علاج أو غير ذلك، لأن الشابة لا تؤمن الفتنة بها والتلذذ بالنظر إليها، والمتجالة قد زال منها هذا المعنى).

 

 

[٢] ابن بطال (توفي ٤٤٩هـ)

 

قال ابن بطال في شرح صحيح البخاري (٩/ ١١) عن حديث الخثعمية: (الأمر بغض البصر خشية الفتنة، ومقتضاه أنه إذا أمنت الفتنة لم يمتنع، ويؤيده أنه ﷺ لم يحول وجه الفضل حتى أدمن النظر إليها لإعجابه بها فخشي الفتنة عليه ... وفيه أن نساء المؤمنين ليس لزوم الحجاب لهن فرضا في كل حال كلزومه لأزواج النبي، ولو لزم جميع النساء فرضا لأمر النبي الخثعمية بالاستتار، ولما صرف وجه الفضل عن وجهها بل كان يأمره بصرف بصره ويعلمه أن ذلك فرضه، فصرف وجهه ﷺ وقت خوف الفتن وتركه قبل ذلك الوقت، وهذا الحديث يدل أن ستر المؤمنات وجوههن عن غير ذوي محارمهن سنة، لإجماعهم أن للمرأة أن تبدي وجهها في الصلاة ويراه منها الغرباء).

 

 

[٣] أبو القاسم بن محرز (توفي ٤٥٠هـ)

 

قال زروق في شرحه على الرسالة (٢/ ١٠٥٤): (وقال ابن محرز: يجوز النظر إلى الأجنبية من غير ضرورة إن لم يقصد اللذة، قال: "والنظر إلى وجهها وكفيها جائز اتفاقا").

وقال الحطاب الرعيني في مواهب الجليل (١/ ٤٩٩): (وأما الرجل فإنه لا يجوز له النظر إلى وجه المرأة للذة، وأما لغير اللذة فقال القلشاني عند قول الرسالة "ولا بأس أن يراها إلخ": "وقع في كلام ابن محرز في أحكام الرجعة ما يقتضي أن النظر لوجه الأجنبية لغير لذة جائز بغير ستر"، قال: "والنظر إلى وجهها وكفيها لغير لذة جائز اتفاقا، لأن الأجنبي ينظر إليه").

 

 

[٤] ابن عبدالبر (توفي ٤٦٣هـ)

 

قال ابن عبدالبر في التمهيد (٦/ ٣٦٥٦): (وعن أبي بكر بن عبدالرحمن قال: "كل شيء من المرأة عورة حتى ظفرها"، قال أبو عمر: قول أبي بكر هذا خارج عن أقاويل أهل العلم، لإجماع العلماء على أن للمرأة أن تصلي المكتوبة ويداها ووجهها مكشوف ذلك كله منها تباشر الأرض به، وأجمعوا على أنها لا تصلي متنقبة ولا عليها أن تلبس قفازين في الصلاة، وفي هذا أوضح الدلائل على أن ذلك منها غير عورة، وجائز أن ينظر إلى ذلك منها كل من نظر إليها بغير ريبة ولا مكروه، وأما النظر للشهوة فحرام تأملها من فوق ثيابها لشهوة فكيف بالنظر إلى وجهها مسفرة، وقد روي نحو قول أبي بكر بن عبدالرحمن عن أحمد بن حنبل).

 

 

[٥] أبو الحسن اللخمي (توفي ٤٧٨هـ)

 

قال أبو الحسن اللخمي في التبصرة (٥/ ٢١٩١) في باب: فيما يحل ويحرم من الزوجة على زوجها قبل أن يراجعها: (والزوجة في ذلك على ثلاثة أوجه، فيجوز أن يرى وجهها، قال مالك: "لا بأس بذلك، وقد يرى غيره وجهها"، يريد: على غير وجه التلذذ).

وقال أبو الحسن اللخمي في التبصرة (٣/ ١٢٨٩) في تغطية المحرم وجهه: (واختُلف في تغطية الرجل وجهه، وفي القفازين للمرأة وفي الخاتم للرجل وفي السوارين وتقلد السيف وشد المنطقة اختيارا وما شابه ذلك كالعصائب، فمنع تغطية الوجه في المدونة، وقال: "إن فعل فعليه الفدية"، وقال أبو مصعب وأبو الحسن ابن القصار وأبو محمد عبدالوهاب: "لا شيء عليه"، والأول أحسن لقول النبي ﷺ في الذي وقصت به راحلته: "لا تخمروا وجهه" ذكره مسلم، ولأن المرأة أحق بالستر، فقد أُمِرت ألا تستر وجهها، ويلزم على القول أن ليس ذلك على الرجل أن يكون لها أن تستر وجهها).

 

 

[٦] القاضي عياض (توفي ٥٤٤هـ)

 

قال القاضي عياض في إكمال المعلم (٧/ ٣) في شرح حديث: "سألت رسول الله ﷺ عن نظر الفجاءة؟ فأمرني أن أصرف بصري"، قال: (ومعنى نظرة الفجأة: التي لم يقصد صاحبها تأملها والنظر إليها، فتلك معفو عنها، والمنهي عنه المحرم من ذلك: إدامة النظر وتأمل المحاسن على وجه التلذذ والاستحسان والشهوة، ولهذا قال في الحديث: إن النبي ﷺ قال لعلي: "لا تتبع النظرة بالنظرة، فإنما لك الأولى وليست لك الثانية"، وأمر الله تعالى المؤمنين والمؤمنات بغض الأبصار، كما أمرهم بحفظ الفروج، وقال عليه السلام: "العين تزني"، وفي هذا كله عند العلماء حجة أنه ليس بواجب أن تستر المرأة وجهها، وإنما ذلك استحباب وسنة لها، وعلى الرجل غض بصره عنها، وغض البصر يجب على كل حال في أمور: كالعورات وأشباهها، ويجب مرة على حال دون حال مما ليس بعورة، فيجب غض البصر إلا لغرض صحيح من شهادة أو تقليب جارية للشراء، أو النظر لامرأة للزواج، أو نظر الطبيب، ونحو هذا)، ثم قال: (فرض ستر عورة الوجه مما اختص به أزواج النبي ﷺ منذ نزل الحجاب، وسيأتي الكلام عليه بإثر هذا الكتاب إن شاء الله).

 

 

[٧] ابن فرس (توفي ٥٩٧هـ)

 

قال ابن فرس في تفسيره (٣/ ٣٦٢): في تفسير آية "قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم": (وذلك أن الإنسان لا يملك أول نظرة، وإنما يؤمر بالغض فيما بعد ذلك ... ومن الأشياء التي يجب غض البصر عنها باتفاق: العورات، وما تُخشى الفتنة منه وإن لم تكن عورة، كالنظر إلى وجه المرأة، وقد صرف النبي ﷺ وجه الفضل عن الخثعمية).

 

 

[٨] ابن عات (توفي ٦٠٩هـ)

 

قال المواق في التاج والإكليل (٢/ ١٨١) عن المطلقة ثلاثا: (وفي المدونة: "إذا أبتّ الرجل امرأته وجحدها لا يرى وجهها إن قدرت على ذلك"، [قال] ابن عات: "هذا يوهم أن الأجنبي لا يرى وجه المرأة وليس كذلك، وإنما أمرها أن لا تمكنه من ذلك لقصده التلذذ بها، ورؤية الوجه للأجنبي على وجه التلذذ بها مكروه لما فيه من دواعي السوء").

 

 

[٩] ابن القطان (توفي ٦٢٨هـ)

 

قال ابن القطان في أحكام النظر (٣٩٣) عن حديث الخثعمية: (وهو ظاهر قوي بما قلناه من إباحة النظر إذا لم يخف الفتنة، وذلك من حيث تركها لم يأمرها بالتنقب، ولم ينه الناس عن النظر إليها، وإنما نهى من خاف عليه الفتنة).

وقال ابن القطان في أحكام النظر (٣٨٦) وما بعدها: (وقد قدمنا في مواضع أن إجازة الإظهار دليل على إجازة النظر، فإذا نحن قلنا: يجوز للمرأة أن تبدي وجهها وكفيها لكل أحد، على غير وجه التبرج من غير ضرورة، لكون ذلك مما ظهر من زينتها، ومما يشق تعاهده بالستر في حال المهنة، فقد جاز للناس النظر إلى ذلك منها، لأنه لو كان النظر إليها ممنوعا - مع أنها يجوز لها الإبداء - كان ذلك معاونة على الإثم وتعريضا للمعصية وإيقاعا في الفتنة؛ بمثابة تناول الميتة للأكل لغير مضطر، فمن قال من الفقهاء بجواز البدو فهو غير محتاج إلى إقامة دليل على جواز النظر، وكذلك أيضا ينبغي أن يكون من لم يجز للمرأة البدو والإظهار غير محتاج إلى إقامة الدليل على تحريم النظر، بل يكون النظر إليها من غير ضرورة حراما، لأنه إذا كان إبداؤه حراما، كان النظر إليه بمثابة النظر إلى العورة أو البطن أو غيرهما، وقد قدمنا أنه جائز للمرأة إبداء وجهها وكفيها، فإذا النظر إلى ذلك جائز، لكن بشرط ألا يخاف الفتنة وأن لا يقصد اللذة، أما إذا قصد اللذة وخاف الفتنة فلا نزاع في التحريم، بل لو كان نظره على هذا الوجه إلى ذات محرمه، بنته أو أخته، كان حراما).

 

 

[١٠] أبو العباس القرطبي (توفي ٦٥٦هـ)

 

قال ابن عمر القرطبي في المفهم لما أشكل من كتاب تلخيص مسلم (٣/ ٤٤١) عن حديث الخثعمية: (قوله "فجعل الفضل ينظر إليها وتنظر إليه"، هذا النظر منهما بمقتضى الطباع، فإنها مجبولة على الميل إلى الصور الحسنة، ولذلك قال في رواية "وكان الفضل أبيض وسيما، أي جميلا"، وصرف النبي ﷺ وجه الفضل إلى الشق الآخر منْعٌ له من مقتضى الطبع، وردٌّ له إلى مقتضى الشرع، وفيه دليل على أن المرأة تكشف وجهها في الإحرام، وأنها لا يجب عليها ستره وإن خيف منها الفتنة، لكنها تندب إلى ذلك، بخلاف أزواج النبي ﷺ، فإن الحجاب عليهن كان فريضة).

 

 

 

فتاوى المذهب الشافعي

 

قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى ٢٢/ ١٠٩: (والسلف قد تنازعوا في الزينة الظاهرة على قولين، فقال ابن مسعود ومن وافقه: هي الثياب، وقال ابن عباس ومن وافقه: هي في الوجه واليدين مثل الكحل والخاتم، وعلى هذين القولين تنازع الفقهاء في النظر إلى المرأة الأجنبية، فقيل: يجوز النظر لغير شهوة إلى وجهها ويديها، وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي، وقول في مذهب أحمد، وقيل: لا يجوز، وهو ظاهر مذهب أحمد، فإن كل شيء منها عورة حتى ظفرها، وهو قول مالك).

 

وممن أفتى بذلك من فقهاء الشافعية:

 

 

[١] أبو عبدالله محمد بن عبدالملك المسعودي (توفي ٤٢٢هـ)

[٢] أبو الطيب الطبري (توفي ٤٥٠هـ)

 

قال العمراني في البيان (٩/ ١٢٦): (وإذا أراد الرجل أن ينظر إلى امرأة أجنبيه منه من غير سبب فلا يجوز له ذلك، لا إلى العورة ولا إلى غير العورة، لقوله تعالى: "قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم"، وروى علي رضي الله عنه أن النبي ﷺ أردف الفضل بن العباس خلفه في حجة الوداع، فأتت امرأة من خثعم إلى النبي ﷺ تستفتيه، فجعل الفضل ينظر إليها وتنظر إليه، فلوى النبي ﷺ عنق الفضل، فقال العباس رضي الله عنه: لويت عنق ابن عمك؟ فقال ﷺ: "رجل شاب، وامرأة شابة، خشيت أن يدخل الشيطان بينهما"، وروي أن النبي ﷺ قال لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه: "يا علي، لا تتبع النظرة النظرة، فإن لك الأولى وليس لك الأخرى"، أو قال: "وعليك الأخرى" ... قال ابن الصباغ والمسعودي والطبري: إذا لم يخف الافتتان بها فله أن ينظر منها إلى الوجه والكفين بغير شهوة، ولا يجوز للمرأة أن تنظر إلى الرجل الأجنبي، لا إلى العورة منه، ولا إلى غير العورة من غير سبب، لقوله تعالى: "وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن"، وروي أن ابن أم مكتوم دخل على النبي ﷺ وعنده أم سلمة وميمونة، وقيل: عائشة وحفصة، فقال: "احتجبا عنه"، فقالا: إنه أعمى لا يبصرنا! فقال ﷺ: " أفعمياوان أنتما؟! أليس تبصرانه؟"، ولأن المعنى الذي منع الرجل من النظر لأجله هو خوف الافتتان، وهذا موجود في المرأة لأنها أسرع إلى الافتتان لغلبة شهوتها، فحرم عليها ذلك).

 

 

[٣] الماوردي (توفي ٤٥٠هـ)

 

قال الماوردي في الحاوي الكبير (٢/ ١٧٠) في عورة المرأة: (وأما العورة فضربان: صغرى وكبرى، فأما الكبرى فجميع البدن إلا الوجه والكفان، وأما الصغرى فما بين السرة والركبة، وما يلزمها ستر هاتين العورتين من أجله على ثلاثة أضرب: أحدها: أن يلزمها ستر العورة الكبرى وذلك في ثلاثة أحوال: أحدها في الصلاة وقد تقدم، والثاني مع الرجال الأجانب، ولا فرق بين مسلمهم وكافرهم، وحرهم وعبدهم، وعفيفهم وفاسقهم، وعاقلهم ومجنونهم في إيجاب ستر العورة الكبرى من جميعهم).

وقال الماوردي في الحاوي الكبير (٩/ ٣٥): (فإذا تقرر ما ذكرنا لم يخل نظر الرجل الأجنبي إلى المرأة الأجنبية من أحد أمرين: إما أن يكون لسبب أو لغير سبب، فإن كان لغير سبب منع منه لقوله تعالى: "قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم"، ومنعت من النظر إليه لقوله تعالى: "وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن"، ولأن نظر كل واحد منهما إلى صاحبه داعية إلى الافتتان به، وروي أن النبي ﷺ صرف وجه الفضل بن العباس وكان رديفه بمنى عن النظر إلى الخثعمية، وكانت ذات جمال، وقال: شاب وشابة، وأخاف أن يدخل الشيطان بينهما).

قال الماوردي في الحاوي الكبير (١٧/ ٤٤) في شهادة الرجل على المرأة والطرق التي يتعرف بها عليها: (منها أن يراها في صغرها.. ومنها أن تكون من ذوي محارم.. ومنها أن يكثر دخولها على نساء أهله فيقلن له: هذه فلانة، فيعرف شخصها بما يتفق له من نظرة بعد نظرة لم يقصدها، فيصير عارفا بها، فأما معرفة كلامها فلا يصير به عارفا لها لاشتباه الأصوات، ومنها أن يتعمد النظر إليها حتى يعرفها، فهذا موجب لمعرفتها، لكن إن نظر إلى ما يجاوز وجهها وكفيها كان فسقا تُرد به شهادته إلا أن يتوب.. وإن نظر إلى وجهها عمدا لشهوة كان فسقا تُرد به شهادته).

 

 

[٤] القاضي حسين (توفي ٤٦٢هـ)

 

قال القاضي حسين في التعليقة (٢/ ٨١٣): (ولأصحابنا في صوت المرأة وجهان: أحدهما أنه عورة، لأن السامع يتلذذ به، فعلى هذا لو رفعت صوتها في الصلاة بطلت صلاتها، والثاني: لا، وهو الأصح، لأن العورة مما يشاد ويُمس ويُستمتع بها، ولأن النساء يروون الأحاديث من وراء حجاب ولم ينكر عليهن منكر، لأنا وإن لم نجعل صوتها عورة فنخاف الافتتان لو رفعت صوتها، وهذا كما أنا لا نجعل وجه المرأة عورة، لكن لا يجوز النظر إليها عند خوف الفتنة، والملاح من المرد وجوههم ليس بعورة، ويحرم النظر إليهم عند خوف الفتنة كما يحرم النظر إلى النساء).

 

 

[٥] الشيرازي (توفي ٤٧٦هـ)

 

قال في المهذب ٢/ ٤٢٤ عن الرجل والمرأة: (ويجوز لكل واحد منهما أن ينظر إلى وجه الآخر عند المعاملة لأنه يحتاج إليه للمطالبة بحقوق العقد والرجوع بالعهدة، ويجوز ذلك عند الشهادة للحاجة إلى معرفتها في التحمل والأداء، ويجوز لمن اشترى جارية أن ينظر إلى ما ليس بعورة منها للحاجة إلى معرفتها، ويجوز للطبيب أن ينظر إلى الفرج للمداواة لأنه موضع ضرورة، فجاز له النظر إلى الفرج كالنظر في حال الختان، وأما من غير حاجة فلا يجوز للأجنبي أن ينظر إلى الأجنبية ولا للأجنبية أن تنظر إلى الأجنبي، لقوله تعالى: "قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون، وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن"، وروت أم سلمة رضي الله عنها قالت: كنت عند رسول الله ﷺ وعنده ميمونة فأقبل ابن أم مكتوم فقال رسول الله ﷺ: "احتجبن عنه" فقلت: يا رسول الله أليس أعمى لا يبصرنا ولا يعرفنا فقال: "أفعمياوان أنتما أليس تبصرانه؟"، وروى علي كرم الله وجهه أن النبي ﷺ أردف الفضل فاستقبلته جارية من خثعم، فلوى عنق الفضل، فقال أبوه العباس لويت عنق ابن عمك قال: "رأيت شابا وشابة فلم آمن الشيطان عليهما" ولا يجوز النظر إلى الأمرد من غير حاجة لأنه يخاف الافتتان به كما يخاف الافتتان بالمرأة).

 

 

[٦] أبو نصر ابن الصباغ (توفي ٤٧٧هـ)

 

قال ابن الصباغ في الشامل في فروع الشافعية في كتاب النكاح (٣٢): (فأما الأجنبي فلا يجوز له النظر إلى الأجنبية فيما عدا الوجه والكفين، فأما الوجه والكفان فإن لم يخف الافتتان بها جاز له النظر بغير شهوة، وإن خاف الافتتان لم يجز، والمرأة أيضا لا تنظر من الرجال إلا إلى الوجه والكفين، لأن الرجل في حق المرأة كالمرأة في حق الرجل، هكذا ذكر أصحابنا، ووجهه ما روت أم سلمة قالت: كنت أنا وميمونة عند النبي ﷺ، فأقبل ابن أم مكتوم، فقال: احتجبا عنه، فقلنا: إنه أعمى، فقال: أفعمياوان أنتما؟، فأما إذا كان بها ضرورة أن ينظر إليها الطبيب جاز، ويجوز النظر إلى وجهها لتحمل الشهادة عليها ولمبايعتها، فأما في غير حال الحاجة فلا ينظر إلا أن يأمن الافتتان بها والشهوة لنظرها).

 

 

[٧] الجويني (توفي ٤٧٨هـ)

 

قال الجويني في نهاية المطلب (١٢/ ٣١): (أما الأجنبية فلا يحل للأجنبي أن ينظر منها إلى غير الوجه والكفين من غير حاجة، والنظر إلى الوجه والكفين يحرم عند خوف الفتنة إجماعا، فإن لم يظهر خوف الفتنة فالجمهور يردعون التحريم لقوله تعالى: "إلا ما ظهر منها"، قال أكثر المفسرين: الوجه والكفان، لأن المعتبر الإفضاء في الصلاة، ولا يلزمهن ستره، فيلحق بما يظهر من الرجال، وذهب العراقيون وغيرهم إلى تحريمه من غير حاجة، قال: وهو قوي عندي، مع اتفاق المسلمين على منع النساء من التبرج والسفور وترك التنقب، ولو جاز النظر إلى وجوههن لكن كالمرد، ولأنهن حبائل الشيطان، واللائق بمحاسن الشريعة حسم الباب وترك تفصيل الأحوال، كتحريم الخلوة تعم الأشخاص والأحوال إذا لم تكن محرمية، وهو حسن).

 

 

[٨] الغزالي (توفي ٥٠٥هـ)

 

قال الغزالي في الوسيط (٥/ ٢٨): (من أراد نكاح امرأة فلينظر إليها، فإنه أحرى أن يؤدم بينهما، وينبغي أن يقتصر على النظر إلى الوجه وذلك بعد العزم على النكاح إن ارتضاها، ولا يُشترط استئذانها في هذا النظر، بل يكفي فيه إذن رسول الله ﷺ، خلافا لمالك، وقد رخص في هذا النظر للحاجة، وإلا فالأصل تحريم النظر إلى الأجنبيات) ثم فصل في حكم النظر بأنواعه وقال عن نظر الرجل إلى المرأة: (وإن كانت محرما نظر إلى ما يبدو في حالة المهنة كالوجه والأطراف، ولا ينظر إلى العورة، وفيما بين ذلك وجهان، وقيل إن الثدي قد يلتحق بالوجه لأنه قد يبدو كثيرا فأمره أخف، وإن كانت أجنبية حرم النظر إليها مطلقا، ومنهم من جوز النظر إلى الوجه حيث تؤمن الفتنة، وهذا يؤدي إلى التسوية بين النساء والمرد، وهو بعيد لأن الشهوة وخوف الفتنة أمر باطن، فالضبط بالأنوثة التي هي من الأسباب الظاهرة أقرب إلى المصلحة، وكذلك لا يجوز للمخنث والعنّين والشيخ الهرم النظر حسما للباب ونظرا إلى الفحولة الظاهرة دون الشهوة الباطنة).

 

 

[٩] الرافعي (توفي ٦٢٣هـ)

 

قال الرافعي في الشرح الكبير (٧/ ٤٧١) في كتاب النكاح: (جرت العادة بذكر حكم النظر هنا، وذاك إما أن لا تمس إليه الحاجة، أو تمس، الحالة الأولى: إذا لم تمس إليه الحاجة، وهو أربعة أقسام، نظر الرجل إلى المرأة، وبالعكس، ونظر الرجل إلى الرجل، ونظر المرأة إلى المرأة، القسم الأول: نظر الرجل إلى المرأة، ويحرم عليه أن ينظر إلى ما هو عورة منها، وكذا إلى الوجه والكفين إن كان يخاف من النظر الفتنة، قال تعالى: "قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم"، وإن لم يخف فوجهان. قال أكثر الأصحاب لا سيما المتقدمون: لا يحرم، لقوله تعالى: "ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها" وهو مفسر بالوجه والكفين، نعم يُكره ذلك، ذكره الشيخ أبو حامد وغيره).

 

 

[١٠] النووي (توفي ٦٧٦هـ)

 

قال النووي في روضة الطالبين (٧/ ٢١): (الفصل الثالث: في أحكام النظر، جرت العادة بذكره هنا، وله حالان، أحدهما أن لا تمس الحاجة إليه، والثاني: أن تمس، والحال الأول: أربعة أضرب، نظر الرجل إلى المرأة وعكسه، والرجل إلى الرجل، والمرأة إلى المرأة، الضرب الأول: نظر الرجل إلى المرأة، فيحرم نظره إلى عورتها مطلقا، وإلى وجهها وكفيها إن خاف الفتنة، وإن لم يخف فوجهان، قال أكثر الأصحاب لا سيما المتقدمون: لا يحرم، لقول الله تعالى: "ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها" وهو مفسر بالوجه والكفين، لكنه يكره، قاله الشيخ أبو حامد وغيره، والثاني: يحرم، قاله الإصطخري وأبو علي الطبري، واختاره الشيخ أبو محمد والإمام، وبه قطع صاحب المهذب والروياني، ووجهه الإمام باتفاق المسلمين على منع النساء من الخروج سافرات، وبأن النظر مظنة الفتنة، وهو محرك الشهوة، فاللائق بمحاسن الشرع سد الباب فيه، والإعراض عن تفاصيل الأحوال).

وقال النووي في شرح صحيح مسلم في كتاب الآداب باب نظر الفجأة: (ومعنى نظر الفجأة أن يقع بصره على الأجنبية من غير قصد، فلا إثم عليه في أول ذلك، ويجب عليه أن يصرف بصره في الحال، فإن صرف في الحال فلا إثم عليه، وإن استدام النظر أثم لهذا الحديث، فإنه ﷺ أمره بأن يصرف بصره، مع قول تعالى: "قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم"، قال القاضي [عياض]: قال العلماء: وفي هذا حجة أنه لا يجب على المرأة أن تستر وجهها في طريقها، وإنما ذلك سنة مستحبة لها، ويجب على الرجال غض البصر عنها في جميع الأحوال إلا لغرض صحيح شرعي، وهو حالة الشهادة والمداواة وإرادة خطبتها أو شراء الجارية أو المعاملة بالبيع والشراء وغيرهما، ونحو ذلك، وإنما يباح في جميع هذا قدر الحاجة دون ما زاد، والله أعلم).

 

 

 

فتاوى المذهب الحنبلي

 

 

قال الخلال في الجامع لعلوم الإمام أحمد (١٣/ ٢٩٧): أخبرني حرب بن إسماعيل، قال: قيل لأحمد: الرجل يكون في السوق يبيع ويشتري، فتأتيه المرأة تشتري منه فيرى كفها ونحو ذلك؟ فكره ذلك، وقال: كل شيء من المرأة عورة، قيل له: فالوجه؟ قال: إذا كانت تُشتَهى فإني أكره ذلك، وإن كانت عجوزا رجوت.

 

وممن أفتى بذلك من فقهاء الحنابلة:

 

 

[١] أبو علي الهاشمي (توفي ٤٢٨هـ)

 

قال أبو علي الهاشمي في كتاب الإرشاد (٥٣٦): في عورة الصلاة: (وفرض على كل أحد ستر عورته، وهي ما بين السرة والركبة في إحدى الروايتين، وفي الأخرى: العورة: القبل والدبر، والأول أصح، وأزرة الرجل إلى أنصاف ساقيه، والفخذ عورة، وليس كالعورة نفسها للخلاف فيه، والمرأة الحرة كلها عورة إلا وجهها، ولا يدخل الرجل الحمام إلا بمئزر ... ولا بأس أن ينظر إليها لعذر من شهادة عليها إذا كان مأمونا وإذا خطبها للنكاح، وأما العجوز الهرمة البرزة فمرخص في النظر إلى وجهها).

 

 

[٢] أبو يعلى الفراء (توفي ٤٥٨هـ)

 

قال أبو يعلى الفراء في الروايتين والوجهين (٢/ ٧٧): (اختلفت الرواية عن أحمد رضي الله عنه هل يكره للمرأة الأجنبية أن تنظر من الرجل الأجنبي ما ليس بعورة لغير حاجة كما يكره ذلك في حق الرجل؟ فنقل إسحاق بن إبراهيم عن أحمد أنه قال: لا ينبغي للمرأة أن تنظر إلى الرجل كما لا ينبغي للرجل أن ينظر إلى المرأة، واحتج بحديث نبهان عن أم سلمة: "أفعمياوان أنتما؟" فظاهر هذا الكراهة وهو اختيار أبي بكر، ونقل بكر بن محمد عنه أنه ذكر له حديث أم سلمة إذا كان لمكاتب إحداكن ما يؤدي، فاحتجين منه؟ فقال: "هذا لأزواج النبي خاصة"، وكذلك نقل الأثرم وقد ذكر له حديث نبهان عن أم سلمة أنه لهن خاصة، فظاهر هذا أنه غير مكروه،  وإن الأخبار الواردة في ذلك خاصة لأزواج النبي  أن ينظرن إلى رجل أجنبي.

وجه الأولى: أنه يكره للرجل أن ينظر من المرأة الاجنبية ما ليس بعورة لغير حاجة خوفا أن يدعو ذلك إلى الفتنة وهذا المعنى موجود في المرأة لا يؤمن عليها حصول الفتنة بنظرها إلى الأجنبي فيجب أن يكره ذلك في حقها، وهذا معنى معتبر ألا ترى أن الصائم منع من القبلة خوفا أن يتعقبها إنزال فيعود بفساد الصيام؟ ويوضح هذا المعنى قول النبي ﷺ لأم سلمة: "أفعمياوان" أنهما لا تبصرانه فنهاها عن النظر إلى ابن أم مكتوم، ولأنها كالرجل يحرم عليها الاستمتاع بالأجنبي كما يحرم على الأجنبي الاستمتاع بها، ثم ثبت أن الأجنبي يكره النظر له كذلك المرأة، ووجه الثانية: أنه لو كان مكروها لوجب أن يؤمر الرجل أن يستر جميع بدنه كما تؤمر المرأة، ولما لم يؤمر الرجل إلا بستر العورة فقط دل على أن النظر إليهم غير مكروه).

 

 

[٣] أبو الخطاب الكلوذاني (توفي ٥١٠هـ)

 

قال أبو الخطاب الكلوذاني في الهداية (٣٨٢) في جواز رؤية الخاطب للمخطوبة وأحكام النظر لغير الخاطب: (ولا يجوز لغيره النظر إلا أن يكون شاهدا فينظر إلى وجه المشهود عليها، أو مبتاعا فينظر إلى وجه البائعة، أو طبيبا فينظر إلى ما تدعو الحاجة إلى نظره من بدنها، أو صبيا مميزا لا شهوة له فينظر إلى ما عدا ما بين السرة والركبة، فإن كان له شهوة فحكمه حكم ذي المحرم في النظر، وعنه: إنه كالأجنبي، أو يكون عبدا فينظر من مولاته إلى الوجه والكفين للحاجة، وسواء في ذلك الفحل والمجبوب، والشيخ والعنّين والمخنث).

 

 

[٤] أبو الوفاء بن عقيل (توفي ٥١٣هـ)

[٥] المرداوي (توفي ٨٨٥هـ)

 

قال المرداوي في الإنصاف (٢٠/ ٥٦): (وقال ابن عقيل: لا يحرم النظر إلى وجه الأجنبية إذا أمن الفتنة. انتهى. قلت: وهذا الذي لا يسع الناس غيره، خصوصا للجيران والأقارب غير المحارم الذي نشأ بينهم، وهو مذهب الشافعي).

 

 

[٦] ابن سنينة السامري (توفي ٦١٦هـ)

 

قال السامري في المستوعب (٨٢٢): (يجوز للرجل أن ينظر من أمه وجدته وابنته وذوي محارمه المحرمة إلى وجهها وشعرها ونحرها وصدرها وثدييها ويديها وساقيها وقدميها، ولا يحل له أن ينظر إلى بطنها ولا إلى ظهرها ولا إلى ما هو أسفل من ذلك إلى الركبة، فإن كان أكثر رأيه إذا نظر شعرها وصدرها اشتهى فينبغي أن لا ينظر، وإن كان يخاف على نفسه فينبغي أن لا يخلو بها ولا يسافر بها، وكل موضع جاز أن ينظر إليه من ذوات محارمه جاز له أن يمسه، ولا ينبغي له أن ينظر من أمة غيره إذا كان مثلها يشتهى إلا إلى ما ينظر من أمه وذوات محارمه، فأما الرجل: فإن عورته ما بين سرته إلى ركبته في الصحيح من الروايتين، والأخرى: القبل والدبر، والسرة والركبة ليستا من العورة، رواية واحدة، وقد ذكرنا ذلك في الصلاة، ويجوز لجارية غيره أن تنظر منه إلى ما ليس بعورة وتمسه، إلا أن تخاف أن تشتهي أو يخاف الرجل أن يشتهيها إن مسها، وأما الحرة الأجنبية فيجوز أن ينظر منها إلا ما ليس بعورة، ولا يمسه إذا كانت شابة مثلها يُشتهى، وأما العجوز التي لا تُشتهى فلا بأس بمصافحتها ومس يدها، وما ليس بعورة منها وهو الوجه، وفي الكفين روايتان، ويجوز أن ينظر إلى وجهها إذا أراد تزويجها والشهادة عليها وإن كان أكثر ظنه أن يشتهيها).

 

 

[٧] ابن قدامة (توفي ٦٢٠هـ)

 

قال ابن قدامة في عمدة الحازم (٤١٠): (وللشاهد النظر إلى وجه المشهود عليها، وللبائع والمبتاع النظر إلى وجه من تعامله، وللطبيب النظر إلى ما تدعو إليه الحاجة من بدنها، وللعبد النظر إلى وجه مولاته وكفيها ... ولا يحل النظر إلى أحد ممن ذكرنا مع الشهوة، ولا يجوز النظر لغير من ذكرنا، وسواء في ذلك الفحل والمجبوب والخصي والعنّين والشيخ والمخنث والممسوح).

 

 

[٨] بهاء الدين المقدسي (توفي ٦٢٤هـ)

 

قال بهاء الدين المقدسي في العدة شرح العمدة (٣٨٨) في النظر إلى المخطوبة: (ومن أراد خطبة امرأة فله النظر منها إلى ما يظهر منها عادة، كوجهها وكفيها وقدميها، لما روى جابر قال: قال رسول الله : إذا خطب أحدكم المرأة فإن استطاع أن ينظر منها إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل، رواه أبو داود، وينظر إلى وجهها لأنه مجمع المحاسن وموضع النظر، وليس بعورة).

وقال بهاء الدين المقدسي في العدة شرح العمدة (٦٨) في عورة الصلاة: (والحرة كلها عورة إلا وجهها وكفيها، لقوله سبحانه: "ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها"، قال ابن عباس: وجهها وكفيها، ولأنه يحرم ستر الوجه في الإحرام وستر الكفين بالقفازين، ولو كانا عورة لم يجز كشفهما، وعنه [أي الإمام أحمد] في الكفين: هما عورة، لأن المشقة لا تلحق بسترهما، فأشبها سائر بدنها).

 

 

[٩] ابن حمدان (توفي ٦٩٥هـ)

 

قال ابن حمدان في الرعاية الصغرى (٢/ ٩٣١) في أحكام النظر إلى النساء: (وينظر عبدها وغير ذي ريبة: الوجه والكفين، لا خلوة، والفحل وذو الشهوة كغيرهما).

 

 

[١٠] ابن مفلح (توفي ٧٦٣هـ)

 

قال ابن مفلح في الآداب الشرعية (١/ ٢٩٧) بعد أن ذكر الخلاف في كشف وجه المرأة، فقال: (وفي هذا حجة على أنه لا يجب على المرأة أن تستر وجهها في طريقها، وإنما ذلك سنة مستحبة لها، ويجب على الرجل غض البصر عنها في جميع الأحوال إلا لغرض شرعي)، ثم قال في حكم الإنكار على من كشفت وجهها في الطريق: (فأما على أقوالنا وقول جماعة من الشافعية وغيرهم أن النظر إلى الأجنبية جائز من غير شهوة ولا خلوة فلا ينبغي أن يسوغ الإنكار).