بسم الله الرحمن الرحيم
هذه "محاولة" لتحرير أقوال علماء المذهب المالكي في مسألتين، هما:
١) حكم كشف وجه المرأة أمام الرجال الأجانب
٢)وحكم نظر الرجال الأجانب إلى وجه المرأة إن كان مكشوفا
وتلخيصا لأقوالهم في المسألة الأولى:
فقد اتفق فقهاء المالكية في القديم والحديث على جواز أن تكشف المرأة وجهها أمام الرجال الأجانب عامة دون تقييد، وأوجبت طائفة منهم أن تستر المرأة وجهها إن كانت بارعة الجمال أو ظنت وقوع الفتنة بكشفها، وشذ منهم اثنان فأوجبوا ستر وجهها على كل حال.
فقد اتفق فقهاء المالكية في القديم والحديث على جواز أن تكشف المرأة وجهها أمام الرجال الأجانب عامة دون تقييد، وأوجبت طائفة منهم أن تستر المرأة وجهها إن كانت بارعة الجمال أو ظنت وقوع الفتنة بكشفها، وشذ منهم اثنان فأوجبوا ستر وجهها على كل حال.
وتلخيصا لأقوالهم في المسألة الثانية:
فقد قال جمهور فقهاء المالكية بجواز نظر الرجل الأجنبي إلى وجه المرأة مطلقا، وقالت طائفة منهم بتحريم النظر إلى الشابة وجواز النظر إلى المرأة الكبيرة، وشذ منهم ثلاثة فحرّموا النظر مطلقا.
فقد قال جمهور فقهاء المالكية بجواز نظر الرجل الأجنبي إلى وجه المرأة مطلقا، وقالت طائفة منهم بتحريم النظر إلى الشابة وجواز النظر إلى المرأة الكبيرة، وشذ منهم ثلاثة فحرّموا النظر مطلقا.
إلا أن تحرير آراء كثير من فقهاء المالكية في هذه المسألة شائك جدا لعدة اعتبارات، منها:
الأول: الخلط الشديد بين العورة داخل الصلاة والعورة خارج الصلاة، وكذلك الخلط الشديد بين ما يجوز للمرأة إبداؤه وما يجوز للرجل أن ينظر إليه، فبعضهم يرى أن ما جاز للمرأة إبداؤه في الصلاة جاز إبداؤه خارج الصلاة وبعضهم لا يرى هذا التلازم، وبعضهم يرى أن إباحة الكشف تستلزم إباحة النظر وبعضهم لا يرى هذا التلازم، والذي يثير الإشكال هو أن كثيرا منهم لا يصرح بما هو متحد وما هو غير متحد، ثم يكتفي ببيان حكم إحدى العورات ويترك للقارئ مهمة استنتاج رأيه في العورات الأخرى.
الثاني: الخلط الشديد بين أنواع النظر والكلام بعموميات تفتقر للتفصيل ، فهناك نظرة أولى، وهناك نظرة ثانية، وهذه النظرة الثانية قد تكون لضرورة (كنظر الطبيب والخاطب والشاهد) وقد تكون لغير ضرورة، وكلاهما قد تكون بلذة أو بدون لذة، وهناك حالات تكون الفتنة فيها مظنونة، وحالات تكون فيها الفتنة متيقنة، وهناك شابة وهناك متجالة، وهذه الشابة قد تكون فاتنة وقد تكون من عامة النساء ، بل حتى المتجالة احتمل بعضهم أن تكون فاتنة للرجل الكبير مثلها، وينتج عن هذه التقسيمات أنواع كثيرة من النظر دون أن يفصلها الفقهاء بما يرفع اللبس، فبعضهم عندما يصرح بإباحة النظر إلى وجه المرأة فإن كلامه يحتمل أن تكون الإباحة خاصة بالنظرة الأولى مع تحريم ما بعدها، وبعضهم عندما يحرّم النظر إلى وجه المرأة فإن كلامه يحتمل – بل صرح بعضهم بذلك - أن المقصود بالتحريم هو النظر الذي يتضمن تأمل المحاسن بقصد اللذة، ولذلك يظهر التعارض عند جمع أقوال كل فقيه منهم كما يعسر الجزم برأيه في كل مسألة من هذه المسائل، والذي يزيد الطين بلة أن بعضهم يتكلم عن المنظور إليه دون تحديد هل هو الوجه والكفان ؟ أم أن المقصود هو القدم والساق والشعر وما شابهها.
الثالث: استخدام الألفاظ المحتملة بدلا من الصريحة، فهم في الغالب لا يستخدمون الأحكام الصريحة من قبيل (يجوز / يحرم / يباح / يجب) وإنما يستخدمون الألفاظ المحتملة من قبيل (ليس له / وليس لها / يُكره / لتسدل على وجهها / لا ينظر / لا يباح) وهي ألفاظ تحتمل التحريم كما تحتمل الكراهة، ولذلك اختلف فقهاء المالكية اختلافا كبيرا في تحرير رأي الإمام مالك – فضلا عن غيره - في كل مسألة من هذه المسائل.
الرابع: اكتفاء بعض الفقهاء بنقل أقوال بعض المتقدمين عليه دون ترجيح، وأحيانا ينقل بعضهم القول ونقيضه في عدة مسائل دون توضيح رأيه؛ إلا أن في صياغة الكلام ما يشير على سبيل الاحتمال إلى الرأي الذي يتبناه الناقل.
الخامس: التحرير الرديء لمسائل النظر عند الضرورة في أقوال من حرّموا كشف وجه المرأة أو النظر إليه، وأوضح مثال عليه هو قول الإمام المازري بجواز نظر الخاطب إلى وجه المخطوبة "لأن ذلك ليس بمحرّم على غيره إلا إذا كانت شابة"، وهذا الكلام لا يستقيم إلا إذا كان الأصل في المخطوبات أنهن من العجائز لا الشواب، وهذا قول في غاية الرداءة، وسبب هذا التخبط الظاهر وأمثاله هو أن جَمْع أقوال الإمام مالك في المسألة لا يؤدي إلا إلى نتيجة واحدة هي: إباحة كشف وجه المرأة وإباحة نظر الأجانب إليه حتى لو لم يكن هذا النظر لضرورة بشرط أن يكون النظر بغير التذاذ، وأي محاولة لتقييد كلام الإمام مالك بقيد الضرورة سيؤدي إلى الوقوع في التناقض بوجه من الوجوه كما فعل الإمام المازري الذي جعل الأصل في المخطوبة أنها عجوز متجالة !
السادس: تعليق الحكم بأمور لا ضابط لها، فبعضهم يعلق تحريم كشف الوجه بالشابة دون المتجالة، أو بالجميلة دون غيرها، وهذا كلام فضفاض ليس له ثمرة، فلا يوجد حد يمكن التمييز به بين الشابة والمتجالة، ولا بين الجميلة وغيرها، فما هو جميل فاتن في نظر أحدهم ليس بالضرورة أن يكون جميلا فاتنا في نظر غيره، ولذلك نصّ بعضهم على أن المرأة العجوز الكبيرة قد تكون فتنة للرجل الكبير دون الشاب لتقارب السن بينهما! والذي يزيد الإشكال إشكالا هو عدم تعيين الأصل: فهل الأصل في المرأة أنها جميلة فاتنة حتى يثبت العكس ؟ أم أن الأصل هو أن المرأة تكون من أواسط النساء حتى يثبت أنها جميلة فاتنة.
السابع: تعليق الحكم بأمور غيبية، حيث أوجب بعضهم على المرأة أن تستر وجهها إذا "ظنّت" أن الفتنة ستقع في قلوب الناظرين إذا كشفت عن وجهها، فمن أين للمرأة أن تعرف ما في قلوب الناس حتى تتصرف بناء عليه ؟!
وبسبب هذه العوائق المتراكمة فقد اختلفت أقوال فقهاء المالكية وتضاربت بشكل واسع، ولكن يمكن تقسيم أقوالهم إلى تسعة أقسام على النحو التالي (مع وضع عدد القائلين بكل قول بين قوسين):
الأول: من أوجبوا ستر وجه المرأة مطلقا (٢)
الثاني: من حرموا النظر إلى وجه المرأة مطلقا ولم أجد لهم قولا في حكم كشف وجهها (٢)
الثالث: من أوجبوا الستر عند خوف الفتنة، ولم أجد لهم قولا عند الأمن منها (٣)
الرابع: من أوجبوا الستر عند خوف الفتنة، وأباحوا كشف الوجه عند الأمن منها، ومع ذلك حرموا النظر إليه إلا للضرورة (١)
الخامس: من أوجبوا الستر عند خوف الفتنة، وأباحوا كشف الوجه والنظر إليه عند الأمن منها (١٥)
السادس: من أباحوا كشف الوجه دون تقييد وحرّموا النظر إليه دون تفصيل (٢)
السابع: من أباحوا كشف الوجه دون تقييد وحرّموا النظر إلى الشابة حصرا (١٢)
الثامن: من أباحوا كشف وجه المرأة دون تقييد، ولم أجد لهم قولا في حكم النظر إليه (١١)
التاسع: من أباحوا كشف وجه المرأة أمام الأجانب دون تقييد، وأباحوا للأجنبي أن ينظر إليه لغير حاجة شريطة أن يكون النظر بدون لذة (٥٧)
ويتحصل من ذلك أن ٨٢ من علماء المالكية أباحوا للمرأة كشف وجهها مطلقا، و١٩ أباحوا كشف وجهها كأصل يُستثنى إذا تحققت الفتنة دون أي شرح أو توضيح لمعنى الفتنة المقصود، ويمكن تلخيص أقوالهم في المسألتين في هاتين الصورتين:
وهنا تلخيص موجز لأقوال هؤلاء الفقهاء، علما بأن أقوالهم منقولة بسياقاتها الكاملة مع تحديدها مصادرها في هذا الرابط
القسم الأول: من أوجبوا ستر وجه المرأة مطلقا أمام الأجانب (٢)
ومنهم: ابن شعبان القرطي (مصري ت٣٥٥هـ)، وأبو الحسن علي النوري الصفاقسي (تونسي ت١١١٨هـ).
قال ابن شعبان عن آية الزينة: (وفي "مَا ظَهَرَ مِنْهَا" اختلاف يكثر، وأصحه عندي: اللباس).
وقال أبو الحسن علي النوري الصفاقسي: (والمرأة الحرة مع الأجانب كلها عورة، ومع المحارم ما عدا الوجه والأطراف).
القسم الثاني: من حرموا النظر إلى وجه المرأة الأجنبية مطلقا ولم أجد لهم قولا في حكم كشف وجهها (٢)
ومنهم الإمام الباقلاني (عراقي ت٤٠٢هـ) وابن فرحون (مدني ت٧٩٩هـ)
قال ابن القطان: (ومذهب القاضي أبي بكر بن الطيب [هو الباقلاني]: تحريم النظر إلى وجه المرأة إلا من ضرورة خطبة).
وقال ابن فرحون نقلا عن التوضيح لخليل: (ثلاثة يجوز لهم النظر إلى الأجنبية: الشاهد، والطبيب ونحوه، والخاطب، وروي عن مالك عدم جوازه للخاطب، وعلى القول بالجواز فيجوز في الوجه والكفين).
الثالث: من أوجبوا الستر عند خوف الفتنة، ولم أجد لهم قولا عند الأمن منها (٣)
ومنهم: ابن خويزمنداد (عراقي ت٣٩٠هـ) والصفتي (مصري ت١١٩٣هـ) وأحمد الطاهري الإدريسي (جزائري ت١٣٩٩هـ)
قال ابن خويزمنداد: (إن المرأة إذا كانت جميلة وخيف من وجهها وكفيها الفتنة فعليها ستر ذلك).
وقال الصفتي: (فإن كانت جميلة يخشى منها الفتنة وجب عليها سترهما).
وقال أحمد الطاهر الإدريسي عن ستر وجه المرأة في الحج: (يجب إن ظنت الفتنة بها).
الرابع: من أوجبوا الستر عند خوف الفتنة، وأباحوا كشف الوجه عند الأمن منها، ومع ذلك حرموا النظر إليه إلا للضرورة (١)
ومنهم: الحطاب الرعيني (مدني ثم مغربي ت٩٥٤هـ)
قال الحطاب الرعيني نقلا عن ابن رشد الجد: (جائز للرجل أن يقوم للمرأة الأجنبية في حوائجها .. إذا غض بصره عما لا يحل له النظر إليه مما لا يظهر من زينتها .. وذلك الوجه والكفان .. فجائز للرجل أن ينظر إلى ذلك من المرأة عند الحاجة والضرورة)، وقال: (إن خشي من المرأة الفتنة يجب عليها ستر الوجه والكفين .. هذا ما يجب عليها).
الخامس: من أوجبوا الستر عند خوف الفتنة، وأباحوا كشف الوجه والنظر إليه عند الأمن منها لأنه هو الأصل (١٦)
ومنهم: أبو العباس القرطبي (أندلسي ثم مصري ت٦٥٦هـ) والوغليسي (جزائري ت٧٨٦هـ) وابن ناجي (تونسي ت٨٣٧هـ) وزروق (مغربي ثم مصري ثم ليبي ت٨٩٩هـ) والتتائي (مصري ت٩٤٢هـ) والزرقاني (مصري ت١٠٩٩هـ) والنفراوي (مصري ت١١٢٢هـ) وعلي الطرابلسي (ليبي ت١١٣٨هـ) والعدوي (مصري ت١١٨٩هـ) والدردير (مصري ت١٢٠١هـ) والدسوقي (مصري ت١٢٣٠هـ) وعبدالله بن الحاج إبراهيم العلوي (موريتاني ت١٢٣٣هـ) وأحمد الصاوي (مصري ثم مدني ت١٢٤١هـ) وعليش (مصري ت١٢٩٩هـ) والمجلسي الشنقيطي (موريتاني ت١٣٠٢هـ) وصالح عبدالسميع الآبي (مصري ت١٣٣٥هـ)
قال أبو العباس القرطبي عن حديث الخثعمية: (وفيه دليل على أن المرأة تكشف وجهها في الإحرام، وأنها لا يجب عليها ستره وإن خيف منها الفتنة، لكنها تندب إلى ذلك)، وقال: (فإذا كانت بارعة الجمال وجب عليها أن تستر وجهها لئلا تفتن الناس فتكون من المميلات اللواتي قد توعدن بالنار).
وقال الوغليسي: (وأما الوجه فليس بعورة، إلا أنها إن كانت جميلة الصورة، أو صغيرة فلا يجوز أن ترى، وإن كانت عجوزا جاز أن يراها ويسلم عليها، ولا يسلم على الصغيرة).
وقال ابن ناجي التنوخي: (أن لا يظهر عليها ما يحرم على الرجال النظر إليه غير الوجه والكفين، ما لم يكن النظر إلى وجهها يؤدي إلى الفتنة فيجب عليها ستره).
وقال زروق: (فلييمّم رجل وجهها وكفيها إلى الكوعين"، يعني: مباشرةً، لأن الوجه والكفين مما يباح نظره إليه منها)، وقال: (أما أن المرأة لا تخرج إلا مستترة فواجب لأنها كلها عورة ولو شعرة إلا الوجه والكفين لضرورة التصرف في ضرورياتها)، وقال: (فإن كانت مفتنة وجب عليها الستر).
وقال التتائي: (وأما عورة المرأة مع الرجل الأجنبي: فما عدا وجهها وكفيها فلا يجب عليها سترهما من حيث كونهما عورة، بل لأمر آخر، وهو تحريم النظر إليهما خوف الفتنة)، وقال: (فلييمم رجل منهم وجهها وكفيها فقط، لا ذراعيها، إذ لا يجوز كشفهما ولا لمسهما لأنهما عورة كبقية جسدها، والنظر لهما محرم).
وقال الزرقاني: (وأما الوجه والكفان ظاهرهما وباطنهما فله رؤيتهما مكشوفين ولو شابة بلا عذر من شهادة أو طب إلا لخوف فتنة أو قصد لذة فيحرم)، وقال: (لا لذراعيها لأن ذراعيها عورة اتفاقا، بخلاف وجهها وكفيها، بدليل إظهارهما في الصلاة والإحرام)، وقال عن المرأة في الحج: (فلا يحرم عليها ستره ولو لاصقته له، بل يجب إن علمت أو ظنت أنه يخشى منها الفتنة أو ينظر لها بقصد لذة).
وقال النفراوي: (فلا يرى منها إلا الوجه والكفين .. وهذا كله حيث لا شهوة وإلا حرم النظر ولو لأمه أو بنته)، وقال: (لأنه لا يحرم النظر بمجرده .. وإنما يحرم النظر إليه في حالة خاصة وذلك عند قصد الالتذاذ أو خشية الافتتان)، وقال: (اعلم أن المرأة إذا كان يخشى من رؤيتها الفتنة وجب عليها ستر جميع جسدها حتى وجهها وكفيها، وأما إن لم يخش من رؤيتها ذلك فإنما يجب عليها ستر ما عدا وجهها وكفيها).
وقال علي بن عبدالصادق الطرابلسي: (مِثْل الوجوب في ستر العورة بالنسبة للنظر .. وعورة الحرة مع الأجنبي: غير الوجه والكفين)، وقال: (الحالة التي يجب عليها فيها الستر وهي ما إذا كان منها تخشى الفتنة أو عليها، وعلمت أن نظره إليها بقصد التلذذ).
وقال علي العدوي: (وأما عورة الحرة مع الذكور المسلمين الأجانب فجميع جسدها إلا وجهها وكفيها .. فلا يرى منها إلا وجهها وكفيها)، وقال: (يجوز رؤية الوجه والكفين مطلقا حيث أمنت الفتنة)، وقال عن المرأة في الحج: (والحاصل أنه يجب على المرأة كشف وجهها وكفيها إلا أن يخشى منها الفتنة، فيجب عليها الستر).
وقال الدردير: ("و" هي من حرة "مع" رجل "أجنبي" مسلم "غير الوجه والكفين" .. هذا بالنسبة للرؤية وكذا الصلاة)، وقال: ("و" عورة الحرة "مع رجل أجنبي" منها أي ليس بمحرم لها جميع البدن "غير الوجه والكفين"، وأما هما فليسا بعورة وإن وجب عليها سترهما لخوف فتنة).
وقال الدسوقي: (والكلام هنا فيما هو عورة يجب ستره .. "غير الوجه والكفين" أي: وأما هما فغير عورة يجوز النظر إليهما، ولا فرق بين ظاهر الكفين وباطنهما بشرط أن لا يخشى بالنظر لذلك فتنة، وأن يكون النظر بغير قصد لذة وإلا حرم النظر لهما)، وقال: ( إذا علمت أو ظنت الفتنة بها كان سترها واجبا).
وقال عبدالله بن الحاج إبراهيم العلوي: (وعورتها بالنسبة إلى الستر هي ما أشار له بقوله: "ومع أجنبي غير الوجه والكفين" .. وهل يجب عليها ستر الوجه واليدين إذا خافت أن تفتن الناظر إليهما أو قصد هو اللذة ؟ وهو المشهور .. وأما إذا لم تخش الفتنة فالمشهور جواز النظر إليهما).
وقال أحمد الصاوي: (يجوز للمرأة أن ترى من الأجنبي الوجه والأطراف، ولا يجوز لها لمس ذلك، وكذلك لا يجوز له وضع يده على وجهها)، وقال عن ستر الوجه: (إذا علمت أو ظنت الفتنة بها وجب كما قال الشارح).
وقال محمد عليش في منح الجليل: (فالوجه والكفان ليسا عورة فيجوز لها كشفهما للأجنبي وله نظرهما إن لم تخش الفتنة)، وقال: (وإن علمت أو ظنت الافتتان بكشف وجهها وجب عليها ستره لصيرورته عورة حينئذ).
وقال المجلسي الشنقيطي: (وأما الوجه والكفان ظاهرهما وباطنهما فله رؤيتهما مكشوفين ولو شابة بلا عذر من شهادة أو طب)، وقال: (اعلم أنه يجب عليها الستر المذكور إن علمت أو ظنت أنه يخشى من عدم الستر الفتنة).
وقال صالح عبدالسميع الآبي: (فالوجه والكفان ليسا عورة، فيجوز لها كشفهما للأجنبي وله نظرهما إن لم تخش الفتنة)، وقال: (وحينئذ يجب عليها الستر إن علمت أو ظنت الافتتان بكشف وجهها).
السادس: من أباحوا كشف الوجه دون تقييد وحرّموا النظر إليه دون تفصيل (٢)
ومنهم: ابن فرس (أندلسي ت٥٩٧هـ) وابن الحاج (مغربي ت٧٣٧هـ)
قال ابن فرس: (فمن الأشياء التي يجب غض البصر عنها باتفاق: العورات وما تخشى الفتنة منه وإن لم تكن عورة، كالنظر إلى وجه المرأة، وقد صرف النبي صلى الله عليه وسلم وجه الفضل عن الخثعمية).
وقال ابن الحاج عن تكتيب ذراع المرأة: (ويزيد على ما ذكر بكشف العورة لأجله، إذ أن المرأة الحرة كلها عورة إلا وجهها وكفها)، وقال: (نظر الرجل إلى المرأة والعكس محظور إلا عند الضرورة كالشهادة).
السابع: من أباحوا كشف وجه المرأة أمام الأجانب دون تقييد، وأباحوا النظر إلى الكبيرة مطلقا، وأباحوا النظر إلى الشابة في حال الضرورة فقط (١١)
ومنهم: ابن أبي زيد (تونسي ت٣٨٦هـ) وابن رشد الجد (أندلسي ت٥٢٠هـ) والمازري (تونسي ت٥٣٦هـ) وابن العربي (أندلسي ثم مغربي ت٥٤٣هـ) وابن شاس (مصري ت٦١٦هـ) وابن الحاجب (مصري ت٦٤٦هـ) وابن جزي (أندلسي ت٧٤١هـ) وابن مرزوق (جزائري ت٨٤٢هـ) وابن هلال (مغربي ت٩٠٣هـ) وميارة (مغربي ت١٠٧١هـ) وأحمد الصديق الغماري (مغربي ت١٣٨٠هـ)
قال ابن أبي زيد: (ولا يبدو منها لغير ذوي محرم غير ما يبدو في الصلاة)، وقال: (وليس في النظرة الأولى بغير تعمد حرج، ولا في النظر إلى المتجالة، ولا في النظر إلى الشابة لعذر).
وقال ابن رشد الجد: (أمرت المرأة الحرة بالستر من الأجنبيين، وأن لا تبدي عند غير ذي المحرم منها من زينتها إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا، وهو الوجه والكفان)، وقال: (ويجوز للرجل أن ينظر إلى المرأة المتجالة .. ولا يجوز له أن ينظر إلى الشابة إلا لعذر).
وقال المازري: (فأما الحرة فكلها عندنا عورة إلا الوجه والكفين لأن الله سبحانه قال: "وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا")، وقال : (إنما ينظر عند التزويج إلى ما ليس بعورة منها كالوجه واليدين، لأن ذلك ليس بمحرم على غيره إلا إذا كانت شابة فيمنع الغير من ذلك خوف الفتنة لا لأجل العورة).
وقال أبو بكر بن العربي: (فأما الحرة فجسدها كله عورة، غير وجهها وكفيها، وذهب بعض الناس [يقصد الحنابلة] أنه يلزمها ستر جسدها)، وقال: (لأنها إن كانت فتاة حرم النظر إليها وكلامها).
وقال ابن شاس: (فجميع أبدانهن عورة، إلا الوجه والكفين .. النظر الثاني: في حكم الستر، وهو واجب عن أعين الإنس)، وقال: (ولا يجوز النظر إلى شيء من بدنها إلا الوجه والكفين من المتجالة، وأما الشابة فلا ينظر إليها أصلا إلا لضرورة).
وقال ابن الحاجب: (ويحرم عليه النظر إلى شيء من بدنها إلا الوجه والكفين من المتجالة، وأما الشابة فلا ينظر إليها إلا لضرورة)، ولم أجد لابن الحاجب نصا صريحا في جواز كشف وجه المرأة، إلا أن هذا ما يشير إليه كلامه.
وقال ابن جزي: (وأما الحرة فكلها عورة إلا الوجه والكفين، وزاد أبو حنيفة القدمين، ولم يستثن ابن حنبل)، وقال: (وإن كانت أجنبية جاز أن يرى الرجل من المتجالة الوجه والكفين، ولا يجوز أن يرى ذلك من الشابة إلا لعذر).
وقال ابن مرزوق: (فإن أردتم ليسا [أي الوجه والكفين] بعورة بالنسبة إلى الصلاة فمسَلَّم، وإن أردتم بالنسبة إلى نظر الأجنبي إليهما الذي هو مقصودكم فلا نسلم كونهما ليسا بعورة، ولا كونهما يجوز النظر إليهما من الأجنبي .. قال في الرسالة .. ".. وأما المتجالة فله أن يرى وجهها على كل حال" انتهى، فقوله: "في المتجالة أن يرى وجهها" دليل على أن الذي نُفي أن يرى من الشابة هو الوجه ليتوارد النفي والإثبات على محل واحد .. وفي الاستدلال على أن الوجه ليس بعورة بحيث يجوز نظر الأجنبي إليه بإبدائه الصلاة نظر، لأن عورة الصلاة والعورة التي يجوز النظر إليها نوعان مختلفان .. فإما لأن اللمس لا يجوز وإن جاز النظر، أو لأنهما معا لا يجوزان وهو الظاهر).
وقال ابن هلال: (ولا يجوز له أن يؤاكل النساء إلا زوجته أو ذات محرم إلا المتجالة منهن).
وقال محمد ميارة: (وعورة الحرة مع الرجل الأجنبي جميع بدنها إلا الوجه والكفين فليسا بعورة، وتحريم النظر إليهما إنما هو لخوف الفتنة لا لكونهما عورة)، وقال: (يجوز النظر إلى المرأة المتجالة، وهي الكبيرة التي لا أرب للرجال فيها).
وقال الغماري: (لا يجب عليها سترهما [أي اليدين] لأنهما كالوجه ليستا بعورة، لقوله تعالى: "وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا")، وقال: ("ومن الفرائض غض البصر عن المحارم" .. "وليس في النظرة الأولى بغير تعمد حرج" لحديث جرير .. "ولا في النظر إلى المتجالة" .. "ولا في النظر إلى الشابة لعذر من شهادة عليها وشبهه" للحاجة الماسة إلى ذلك).
الثامن: من أباحوا كشف وجه المرأة أمام الأجانب دون تقييد، ولم أجد لهم قولا في حكم النظر إليه (١١)
ومنهم: أصبغ (مصري ت٢٢٥هـ) وابن بكير (مصري ت٢٣١هـ) وابن حبيب (أندلسي ت٢٣٨هـ) وابن الجهم (عراقي ت٣٢٩هـ) وابن القصار (عراقي ت٣٩٧هـ) وابن المرابط (أندلسي ت٤٨٥هـ) وابن بشير (جزائري ت٥٤٠هـ) وابن عسكر (عراقي ت٧٣٢هـ) وابن هارون (تونسي ت٧٥٠هـ) والجعلي (غير معروف ت١٣٦٤هـ) ومحمد بن يوسف الكافي (ولد في تونس ثم تنقل كثيرا ت١٣٨٠هـ)
قال أصبغ: (يستر الأمة في الصلاة ما يستر الرجل .. والستر موضوع عن الأمة، موضوع عن الرجال، فلذلك لم يؤمر به في الصلاة)، قال الباجي: (وجه قول أصبغ أن ما لا يكون منها عورة خارج الصلاة فإنه لا يكون منها عورة في الصلاة، كالوجه واليدين).
(ابن بكير) قال الباجي: ("إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا: الوجه والكفان" .. وذكر ابن بكير أنه قول مالك وغيره).
وقال ابن حبيب: (ولا يبدو منها لغير ذوي محرم غير ما يبدو في الصلاة).
وقال ابن الجهم: (لأن بها ضرورة إلى إبداء هذين العضوين [أي الوجه والكف] للمعاملات والأخذ والعطاء فدعت الضرورة إلى استثناء هذين العضوين، لأن المرأة يباح لها لبس الخفين في الإحرام فلو كان ساقها ليس بعورة ما جاز أن تستره كما لا تستر وجهها في الإحرام).
وقال ابن القصار في كسوة كفارة اليمين: (لأنها عورة، ولا يجوز أن يظهر منها في الصلاة إلا وجهها وكفاها).
وقال ابن المرابط: (الاستتار للنساء سنة والحجاب على أزواجه صلى الله عليه وسلم فرض).
وقال ابن بشير في كتاب التنبيه على مبادئ التوجيه ج١ ص٤٧٨: (فيجب عليهن ستر سائر أجسادهن إذ كلهن عورة إلا الوجه والكفين .. وأما متى يجب عليه ستر العورة ؟ فيجب عن أعين الإنسان بإجماع).
وقال ابن عسكر: (والحرة كلها عورة إلا وجهها وكفيها)، وقال: (ولها لبس المخيط والخف وسدل ثوب على وجهها غير مربوط خوف فتنتها).
(ابن هارون) قال ابن عرفة في إحرام المرأة: (وتعقب ابن هارون وابن عبدالسلام جَعْلَ ابن الحاجب المذهبَ: جواز سترها بسدل ثوبها دون عقد ولا إبرة بعدم تقييده بكونه عن رؤية أجنبي لقيها).
وقال الجعلي: (وعورة المرأة الحرة في الصلاة أو مع أجنبي جميع بدنها إلا وجهها وكفيها وباطن قدميها).
وقال محمد بن يوسف الكافي: (وعورة المرأة بالنسبة للنظر فيها تفصيل، فبالنسبة للأجانب: ما عدا الوجه والكفين).
التاسع: من أباحوا كشف وجه المرأة أمام الأجانب دون تقييد، وأباحوا للأجنبي أن ينظر إليه حتى لو كان النظر لغير حاجة شريطة أن يكون النظر بدون لذة (٥٧)
وهم أئمة المذهب وأساطينه ومحققوه في القديم والحديث، ومنهم الإمام مالك (ت١٧٩هـ) وابن القاسم (مصري ت١٩١هـ) وابن عبدالحكم (مصري ت٢١٤هـ) وابن المواز (مصري ت٢٦٩هـ) وإسماعيل بن إسحاق القاضي (عراقي ت٢٨٢هـ) وأبو سعيد البراذعي (تونسي ثم صقلي ت٣٧٢هـ) وأبو بكر الأبهري (عراقي ت٣٧٥هـ) وابن الجلاب (عراقي ت٣٧٨هـ) والقاضي عبدالوهاب (عراقي ت٤٢٢هـ) وابن بطال (أندلسي ت٤٤٩هـ) وابن محرز (مغربي ت٤٥٠هـ) وابن يونس (صقلي ثم تونسي ت٤٥١هـ) وابن عبدالبر (أندلسي ت٤٦٣هـ) والباجي (أندلسي ت٤٧٤هـ) وأبو الحسن اللخمي (تونسي ت٤٧٨هـ) وابن عطية (أندلسي ت٥٤١هـ) وسند بن عنان (مصري ت٥٤١هـ) والقاضي عياض (مغربي ثم أندلسي ثم مغربي ت٥٤٤هـ) وابن رشد الحفيد (أندلسي ثم مغربي ت٥٩٥هـ) وابن عات (أندلسي ت٦٠٩هـ) وابن القطان (مغربي ت٦٢٨هـ) والرجراجي (مغربي ت٦٣٨هـ) وأبو عبدالله القرطبي (أندلسي ثم مصري ت٦٧١هـ) والقرافي (مصري ت٦٨٤هـ) والفاكهاني (مصري ت٧٣٤هـ) وأبو حيان الأندلسي (أندلسي ثم مصري ت٧٤٥هـ) وابن عبدالسلام الهواري (تونسي ت٧٤٩هـ) وخليل (مصري ت٧٧٦هـ) والقباب (مغربي ت٧٧٨هـ) وبهرام الدميري (مصري ت٨٠٢هـ) وابن عرفة (تونسي ت٨٠٣هـ) ومحمد بن خليفة الأبي (تونسي ت٨٢٧هـ) والبرزلي (تونسي ت٨٤١هـ) وابن سراج (أندلسي ت٨٤٨هـ) والقلشاني (تونسي ت٨٦٣هـ) وأبو زيد الثعالبي (جزائري ت٨٧٥هـ) والمواق (أندلسي ت٨٩٧هـ) وابن غازي (مغربي ت٩١٧هـ) وعلي المنوفي (مالكي ت٩٣٩هـ) والفيشي (مصري ت٩٧٢هـ) وابن المسبح المرداسي (جزائري ت٩٨٠هـ) وعلي الأجهوري (مصري ت١٠٦٦هـ) والخرشي (مصري ت١١٠١هـ) والرماصي (جزائري ت١١٣٦هـ) والبناني (مغربي ت١١٩٤هـ) والتاودي بن سودة (مغربي ت١٢٠٩هـ) والشيخ مبارك الأحسائي (أحسائي ت١٢٣٠هـ) والرهوني (مغربي ت١٢٣٠هـ) ومحمد الأمير (مصري ت١٢٣٢هـ) وحجازي العدوي (مصري ت١٢٣٢هـ) والقصري (موريتاني ت١٢٣٥هـ) ومحنض الديماني (موريتاني ت١٢٧٧هـ) وحسين بن إبراهيم المغربي (مصري ثم مكي ت١٢٩٢هـ) ومحمد الأمين بن أحمد زيدان (موريتاني ت١٣٢٥هـ) ومحمد كنون (مغربي ت١٣٣٣هـ) والشرنوبي (مصري ت١٣٤٩هـ) والكشناوي (نيجيري ثم مكي ت١٣٩٧هـ)
الإمام مالك: جاء في المدونة في أحكام الظهار: (فقلت لمالك: أفينظر إلى وجهها ؟ فقال: نعم، وقد ينظر غيره أيضا إلى وجهها).
وقال ابن القاسم: (وبلغني عن مالك أنه قال: إذا صلت المرأة متنقبة بشيء أنها لا تعيد، وذلك رأيي، والتلثم مثله)، وفيه إشارة إلى أن نساء المدينة كن يصلين مع الرجال بلا نقاب، وقال ابن رشد: (وسئل ابن القاسم عن نساء أهل الذمة الذين أخذوا عنوة مثل أهل مصر ؛ هل يحل للرجل أن ينظر إلى شعورهن ؟ فقال: "لا يحل لمسلم أن ينظر إلى شعورهن ولا إلى شيء من عوراتهن"، فقيل له: أليس هن بمنزلة الإماء ؟ قال: "لا، بل هن حرائر)، فالسؤال كان النظر إلى الشعر لأن جواز النظر إلى الوجه متقرر.
وقال ابن عبدالحكم: (ولا تخلو المرأة مع رجل ليس بذي محرم منها، ولا بأس أن تأكل مع من يعرف لها الأكل معه بالوجه الذي يعرف من الرجال)، وقال أبو بكر الأبهري: (١٠٩ – قال [ابن عبدالحكم]: "وسئل مالك عن النظر إلى شعور النصارى [من النساء]، وهو ضرورتنا ولا نجد منهن بدا ؟ فقال: ما يعجبني ذلك")، فسألوه عن النظر إلى شعورهن، ولم يسألوه عن وجوههن لأن الجواز متقرر عندهم.
وقال ابن المواز: (والعبد الفحل يرى من شعر سيدته دون غيرها إذا كان لا منظر له)، والتفريق بين سيدته وغيرها برؤية شعرها يقتضي الاشتراك مع غيرها في رؤية الوجه والكفين.
وقال إسماعيل بن إسحاق القاضي: (لأن المرأة يجب عليها أن تستر في الصلاة كل موضع منها لا يراه الغرباء إلا وجهها وكفيها، فدل أنه مما يجوز للغرباء أن يروه، وهو قول مالك).
وقال أبو سعيد البراذعي في حكم المظاهر نقلا عن الإمام مالك: (وجائز أن ينظر إلى وجهها، وقد ينظر غيره إليه).
وقال أبو بكر الأبهري: )لا يجوز لأحد أن ينظر إلى شعر امرأة حرة لا يحل له فرجها، ويكون محرما لها، ولأنه لا يأمن أيضا الفتنة على نفسه بالنظر إليها)، وتخصيص السياق بالنظر إلى الشعر يشير إلى عدم الحرج في النظر إلى الوجه، والذي هو يشير إلى عدم الحرج في كشفه.
وقال ابن الجلاب: (والمرأة كلها عورة إلا وجهها ويديها .. وأطرافها بخلاف جسدها بدلالة جواز النظر إلى الأطراف من ذوات المحارم ومنعه من سائر الجسد)، وحديثه عن النظر إلى ذوات المحارم يشير إلى أن عورة الصلاة للمرأة هي عورة الستر.
وقال القاضي عبدالوهاب: (وجميع بدن المرأة عورة إلا وجهها وكفيها خلافا لمن قال لا يجوز لها كشف الوجه واليدين وهو أحمد بن حنبل)، وقال القاضي عبدالوهاب في شرح الرسالة ج١ ص٩٥: (وإنما جاز ذلك لأن النظر إلى الوجه والكفين مباح، وما سوى هذا من المرأة عورة)، وقال القاضي عبدالوهاب في المعونة ص١٧٢٦: (يجوز النظر إلى المتجالة، ويكره إلى الشابة إلا لعذر).
وقال ابن بطال: (وهذا الحديث يدل أن ستر المؤمنات وجوههن عن غير ذوي محارمهن سنة، لإجماعهم أن للمرأة أن تبدي وجهها في الصلاة، ويراه منها الغرباء).
وقال ابن محرز: (والنظر إلى وجهها وكفيها لغير لذة جائز اتفاقا، لأن الأجنبي ينظر إليه).
وقال ابن يونس: (قال أبو محمد عبدالوهاب [في المعونة]: "وجميع بدن الحرة عورة، إلا الوجه والكفين؛ لقوله تعالى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا})، وقال ابن يونس في المظاهِر: (قال مالك: "وجائز أن ينظر إلى وجهها، وقد ينظر غيره إليه").
وقال ابن عبدالبر: (وفي هذا أوضح الدلائل على أن ذلك منها غير عورة، وجائز أن ينظر إلى ذلك منها كل من نظر إليها بغير ريبة ولا مكروه، وأما النظر للشهوة فحرام تأملها من فوق ثيابها لشهوة فكيف بالنظر إلى وجهها مسفرة).
وقال الباجي: (وقوله: "وقد تأكل المرأة مع زوجها وغيره ممن تؤاكله أو مع أخيها على مثل ذلك" يقتضي أنّ نظر الرجل إلى وجه المرأة وكفيها مباح، لأن ذلك يبدو منها عند مؤاكلتها)، وقال: (وإن كان المرأة ممنوعة من النظر إلى الرجل بمعنى تأمل محاسنه والنظر إلى جماله)، وقال: (والوجه والكفان وإن قلنا: ليسا بعورة منها ؛ فإنه لا يجوز لأجنبي النظر إليهما إلا على وجه مخصوص، فحكم المنع متعلق بها، والإباحة مختصة بها في حكم الأجنبي).
وقال أبو الحسن اللخمي: (فيجوز أن يرى وجهها، قال مالك: "لا بأس بذلك، وقد يرى غيره وجهها"، يريد: على غير وجه التلذذ .. وقد حرمت عليه بالطلاق حتى يراجع).
وقال ابن عطية: (وأمر الله تعالى بأن لا يبدين زينتهن للناظرين إلا ما استثناه من الناظرين في باقي الآية، ثم استثنى ما يظهر من الزينة .. ويقع الاستثناء في كل ما غلبها .. فغالب الأمر أن الوجه والكفين يكثر منهما الظهور)، وكلامه يشمل عورة الستر والنظر.
وقال سند بن عنان في أحكام الحج: (للمرأة أن تستر وجهها عن الرجال، فإن أمكنها بشيء في يديها كالمروحة وشبهها فحسن)، فالمرأة بالخيار ولم يوجب عليها ستر الوجه.
وقال القاضي عياض عن حديث الخثعمية: (وفيه أن الحجاب مرفوع عن النساء .. إذ لم يأمرها النبي عليه السلام بستر وجهها)، وقال عن نظر الفجأة: (المحرم من ذلك: إدامة النظر وتأمل المحاسن على وجه التلذذ والاستحسان والشهوة)، وقال في المطلقة الرجعية: (وكذلك النظر إلى وجهها وكفيها خاصة لغير لذة فلا يختلف قوله في إجازته؛ لأن الأجنبي ينظر إليه).
وقال ابن رشد الحفيد: (حد العورة من المرأة، فأكثر العلماء على أن بدنها كله عورة ما خلا الوجه والكفين .. وذهب أبو بكر بن عبدالرحمن، وأحمد إلى أن المرأة كلها عورة)، وقال: (وأما النظر إلى المرأة عند الخطبة، فأجاز ذلك مالك إلى الوجه والكفين فقط .. على ما قاله كثير من العلماء في قوله تعالى: "وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا" النور أنه الوجه والكفان، وقياسا على جواز كشفهما في الحج عند الأكثر)، وهو بهذا يشير إلى اتحاد عورة النظر وعورة الستر.
وقال ابن عات: (هذا يوهم أن الأجنبي لا يرى وجه المرأة وليس كذلك، وإنما أمرها أن لا تمكنه من ذلك لقصده التلذذ بها، ورؤية الوجه للأجنبي على وجه التلذذ بها مكروه لما فيه من دواعي السوء").
وقال ابن القطان: (وسنقرر النظر إلى وجه الكبيرة بما لا يبقي إشكالا في هذه، حتى يتبين بها جواز النظر إلى وجهها إذا لها يخف الفتنة ولم يقصد اللذة، وامتناعه إذا قصد اللذة)، وقال: (فإذا نحن قلنا: يجوز للمرأة أن تبدي وجهها وكفيها لكل أحد .. فقد جاز للناس النظر إلى ذلك منها، لأنه لو كان النظر إليها ممنوعا - مع أنها يجوز لها الإبداء - كان ذلك معاونة على الإثم).
وقال الرجراجي في المطلقة الرجعية: (ولا خلاف أن وجه المرأة ليس بعورة، وقد قال مالك في كتاب الطهارة من المدونة: "لا بأس أن ينظر الزوج إلى وجهها، وقد يرى غير زوجها وجهها"، وإنما منع من النظر إلى وجهها للذة مخافة الفتنة).
وقال أبو عبدالله القرطبي: (لما كان الغالب من الوجه والكفين ظهورهما عادة وعبادة وذلك في الصلاة والحج، فيصلح أن يكون الاستثناء راجعا إليهما، يدل على ذلك ما رواه أبو داود .. "إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يرى منها إلا هذا وهذا"، وأشار إلى وجهه وكفيه، فهذا أقوى في جانب الاحتياط، ولمراعاة فساد الناس، فلا تبدي المرأة من زينتها إلا ما ظهر من وجهها وكفيها).
وقال القرافي: (الحرائر، في الجواهر أجسادهن كلها عورة إلا الوجه والكفين .. وأوجب ابن حنبل تغطية وجهها وكفيها، لنا أن ذلك ليس عورة في الإحرام فلا يكون عورة في الصلاة)، وقال: (ويجوز للعبد أن يرى من سيدته ما يراه ذو المحرم منها، لقوله تعالى: "وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ"، إلا أن يكون له منظر فيُكره أن يرى ما عدا وجهها).
وقال الفاكهاني في المرأة تموت مع رجال ليس فيهم ذو محرم لها: (إذا لم يكن مع المرأة إلا رجال أجانب فإنهم ييممونها إلى الكوعين، لأن جسدها عورة، فلا يجوز لهم كشفه ولا لمسه، وذراعاها كذلك في حق الأجانب فلذلك اقتصروا في تيممها على الكوعين، لأن الوصول إلى المرفقين في التيمم سنة، ونظر الأجنبي إلى ذراع المرأة محرم، وإذا لزم من فعل السنة محرم لم يجز فعل السنة).
وقال أبو حيان: (فما كان ظاهرا منها كالخاتم والفتخة والكحل والخضاب فلا بأس بإبدائه للأجانب .. وسومح في الزينة الظاهرة لأن سترها فيه حرج .. وفي السنن لأبي داود أنه عليه السلام قال: "يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يرى منها إلا هذا"، وأشار إلى وجهه وكفيه).
وقال ابن عبدالسلام الهواري في المرأة تموت في سفر ومعها رجال لا محرم فيهم: (الرجل ييمم إلى المرفقين، وتيمم المرأة إلى الكوع، لأنه يجوز لها النظر إلى ذراع الأجنبي، ولا يجوز له النظر إلى ذراعها).
وقال خليل في مختصره: (وحرة مع امرأة: ما بين سرة وركبة، ومع أجنبي: غير الوجه والكفين)، قال الخرشي: (والمعنى: أن عورة الحرة مع الرجل الأجنبي جميع بدنها .. ما عدا الوجه والكفين .. فيجوز النظر لهما بلا لذة ولا خشية فتنة من غير عذر ولو شابة).
وقال القباب مختصرا لكتاب ابن القطان: (وقد قدمنا أنه جائز للمرأة إبداء وجهها وكفيها، فإذاً النظر إلى ذلك جائز، لكن بشرط أن لا يخاف فتنة ولا يقصد لذة).
وقال بهرام الدميري: (ولحرة مع أجنبي ما عدا الوجه والكفين .. وترى من أجنبي وجهه وطرفيه).
وقال ابن عرفة: (والحرة عورة .. وجهها وكفيها)، وقال في المطلقة الرجعية: ([قال] ابن محرز: "إنما منعه من رؤية وجهها لقصد اللذة كالأجنبي لا لغير اللذة).
وقال محمد بن خليفة الأبي عن حديث الخثعمية: (الأظهر في صرفه نظر الفضل ليس أنه لوقوع في محرم كما يعطيه كلام القاضي والنووي، وإنما هو لخوف الوقوع كما يعطيه كلام القرطبي).
وقال البرزلي: (وقوله في المدونة في "موت الأجنبي مع ذي محرم فتيممه إلى المرفقين" يحتج به من يرى أنه لا يحل للمرأة أن ترى من الأجنبي إلا ما يراه الرجل من ذوات محارمه، وهو بيّن من هذه المسائل).
وقال أبو القاسم بن سراج: (إذا لم يقع فساد ولا تهمة ولا خلوة ولا ميل لشهوة فاسدة: جائز، ولا يضر كشف وجهها ويديها بذلك كما تكشفهما في الصلاة .. وفي كتاب الظهار من المدونة: جواز نظر الأجنبي إلى وجه المرأة).
وقال القلشاني: (وقع في كلام ابن محرز في أحكام الرجعة ما يقتضي أن النظر لوجه الأجنبية لغير لذة جائز بغير ستر)، وقال: (قال ابن الجهم: "لأن بها ضرورة إلى إبداء هذين العضوين للمعاملات والأخذ والإعطاء فدعت الضرورة إلى استثنائهما").
وقال أبو زيد الثعالبي نقلا عن ابن عطية: (ووقع الاستثناء في كل ما غلبها فظهر بحكم ضرورة حركة فيما لا بد منه أو إصلاح شأن، فما ظهر على هذا الوجه فهو المعفو عنه" .. وقال ابن عباس وجماعة: "لا يدخل العبد على سيدته فيرى شعرها إلا أن يكون وغدا").
وقال المواق: ( [قال] ابن القطان .. وقال ابن محرز .. قال عياض .. [قال] ابن عات .. [قال] أبو عمر)، ونقل أقوالهم التي مرت.
وقال ابن غازي المكناسي نقلا عن التوضيح: (ومع أجنبي: غير الوجه والكفين .. وترى من الأجنبي ما يراه من محرمه).
وقال أبو الحسن علي المنوفي: (وعورة المرأة الحرة مع أجنبي جميع بدنها إلا الوجه والكفين)، وقال عن الوجه والكفين: (فيباح له النظر إليهما بغير شهوة، بخلاف ما عدا الوجه والكفين).
وقال الفيشي: (وأما بالنسبة إلى النظر: فعورة الرجل والحرة مع مثلها: ما بين السرة والركبة .. وعورة المرأة مع الأجنبي: ما عدا الوجه والكفين).
وقال ابن المسبح المرداسي: (قوله: "والمرأة كلها عورة ما عدا الوجه والكفين" يعني أن المرأة الحرة كلها عورة بالنسبة إلى الرجال، وأما حكمها مع النساء فالمشهور أنه حكم الرجال مع الرجل).
وقال علي: (المذهب أنه يجوز النظر للشابة أي لوجهها وكفيها لغير عذر بغير قصد التلذذ حيث لم يخش منها الفتنة).
وقال الخرشي: (عورة الحرة مع الرجل الأجنبي جميع بدنها حتى دلاليها وقصتها ما عدا الوجه والكفين ظاهرهما وباطنهما، فيجوز النظر لهما بلا لذة ولا خشية فتنة من غير عذر ولو شابة)، وقال: (تنبيه: لا يجوز ترداد النظر وإدامته إلى امرأة شابة من محارمه أو غيرهن إلا عند الحاجة إليه والضرورة، في الشهادة ونحوها، وعليه فيقيد كلام المصنف بغير ترداد النظر وإدامته، ومفهوم الشابة أنه يجوز ذلك في المتجالة. ذكره الحطاب).
وقال الرماصي: (لإطباقهم على أن عورتها ما عدا الوجه والكفين بالنسبة للصلاة كانت مع رجل أو نساء أو في خلوة .. وذلك كله بالنسبة للنظر)
وقال البناني: (وتقييده عورة الحرة بقوله: "مع امرأة" و "مع أجنبي" و "مع محرم" قرينة أن قصده بيان عورة النظر في الحرة .. "ومع أجنبي غير الوجه والكفين" قول ز: "إلا لخوف فتنة أو قصد لذة فيحرم"، أي النظر إليها).
وقال التاودي بن سودة: (إذا كان الذي يبدو منها لمن ذكر هو الوجه والكفان والقدمان واليدان، لما قيل من أن ذلك ليس بعورة فلا يحرم النظر إليه إلا بقصد شهوة أو مع قصد لذة، وجائز أن ينظر ذلك منها كل من نظر إليها من غير ريبة ولا مكروه، وأما النظر بشهوة فحرام ولو من فوق ثيابها، فكيف بالنظر إلى وجهها).
وقال الشيخ مبارك بن حمد الأحسائي: (وأما الوجه والكفان ظاهرهما وباطنهما فله رؤيتهما مكشوفين ولو شابة بلا عذر).
وقال الرهوني: ("ومع أجنبي غير الوجه والكفين" .. وقول ز [الزرقاني]: "فله رؤيتهما ولو بلا عذر"، اقتصر على هذا لما أفاده كلام ابن محرز من أنه متفق عليه .. والجواز هو ظاهر كلام الإمام في الموطأ).
وقال محمد الأمير: ("ولا تمكن" الحرة في الرؤية "كافرة إلا من الوجه والكفين" .. ومع أجنبي: غير الوجه والكفين)، وقال: ("قوله: لكوعيها" لأنه إنما يرى وجهها وكفيها، ولما كانت الأجنبية ترى أطراف الأجنبي يممته لمرفقيه).
وقال حجازي عدوي: (فلا يقال: لا معنى للعورة في الرؤية إلا ما يحرم كشفه، ألا ترى تحريم رؤية الوجه والكفين لخشية الفتنة)، وقال: (ولذلك لما كان لا يباح له إلا نظر وجهها وكفيها يممها لكوعيها).
وقال القصري: (أنه لا يجوز ذلك [أي ترداد النظر وإدامته] إلى شابة من ذوي محارمه أو غيرهن إلا عند الحاجة إليه والضرورة في الشهادات ونحوها)، وقال: (وأما الوجه والكفان فيجوز النظر إليهما من غير عذر، ولو شابة إلا لخوف فتنة أو قصد لذة، فيحرم حينئذ النظر لهما).
وقال محنض الديماني: (وأما الحرة فعورة النظر فيها ما ذكره المص)، يشير إلى ما ذكره خليل في مختصره "مع أجنبي غير الوجه والكفين".
وقال حسين إبراهيم المغربي: (العبد إن كان جميلا فهو كالأجنبي يحرم نظره لسيدته لغير الوجه والكفين ظاهرهما وباطنهما).
وقال محمد الأمين بن أحمد زيدان الشنقيطي عن الوجه والكفين: (فله نظرهما بلا عذر من شهادة أو طلب، إلا لخوف فتنة أو قصدة لذة فيحرم).
وقال محمد بن المدني كنون عن الوجه والكفين: ("فله رؤيتهما ولو بلا عذر إلخ" هذا هو ظاهر الموطأ).
وقال عبدالمجيد الشرنوبي: (والمراد بالكفين اليدان ظاهرهما وباطنهما لا مجرد الراحتين، بشرط أن يكون النظر بغير شهوة، وإلا حرم).
وقال أبو بكر الكشناوي في أسهل المدارك شرح إرشاد السالك لابن عسكر ج١ ص١٨٤: (فصل في ستر العورة في الصلاة وخارجها .. المرأة الحرة البالغة يجب عليها ستر جميع بدنها لأنها كلها عورة إلا وجهها وكفيها .. حكم المرأة في النظر إلى المرأة كحكم الرجل في النظر إلى الرجل).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق