الأحد، 9 أغسطس 2020

آراء علماء المذهب الحنفي في حكم كشف وجه المرأة والنظر إليه (نسخة مطوّلة)

  

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه

 

هذا مبحث في جمع أقوال فقهاء المذهب الحنفي في مسألتي:

 

١) حكم كشف وجه المرأة أمام الرجال الأجانب

٢) وحكم نظر الرجال الأجانب إلى وجه المرأة إن كان مكشوفا


والهدف من هذه المبحث هو جمع أقوال الحنفية في موضع واحد، وهي كثيرة ومتشعبة، ولذلك يوجد نسخة مختصرة من هذا الموضوع على الرابط التالي اقتُصِر فيها على إيراد الشاهد من كلام كل فقيه، مع تقسيمهم في مجموعات حسب أقوالهم. 



تحرير آراء علماء المذهب الحنفي في حكم كشف وجه المرأة والنظر إليه

(نسخة مختصرة)




وفي الصورتين التاليين استعراض موجز لأقوال فقهاء الحنفية في هاتين المسألتين

 

 





Add caption


 

وقبل البدء في سرد أقوالهم مفصلةً فإنه ينبغي إيراد أربع مسائل:

 

 

 

أولا: معنى النظر بشهوة، ومعنى خوف الفتنة

 

فقد اشترط الفقهاء شرطين لإباحة النظر، وهما: الأمن من الفتنة، وألا يكون النظر بشهوة.

وقد شرح ابن عابدين هذه المعاني بأن المقصود بها ليس النظر العابر حتى لو كان فيه استحسان واستملاح للمنظور، وإنما المقصود بها هو النظر الذي يحرك كوامن النفس للوقوع في محرم.


قال ابن عابدين في الحاشية ج٢ ص٧٩: (قوله: "وتمنع المرأة إلخ" أي تُنهى عنه وإن لم يكن عورة، قوله: "بل لخوف الفتنة": أي الفجور بها) ، ثم قال : (قوله: "بشهوة": لم أر تفسيرها هنا … قلت: يؤيده ما في القول المعتبر في بيان النظر لسيدي عبدالغني: "بيان الشهوة التي هي مناط الحرمة أن يتحرك قلب الإنسان ويميل بطبعه إلى اللذة، وربما انتشرت آلتهإن كثر ذلك الميلان).

وقال في ج٩ ص٥٢٥ : (أقول : حاصله أن مجرد النظر واستحسانه لذلك الوجه الجميل وتفضيله على الوجه القبيح كاستحسان المتاع الجزيل لا بأس به ، فإنه لا يخلو عنه الطبع الإنساني ، بل يوجد في الصغار ، فالصغير المميز يألف صاحب الصورة الحسن أكثر من صاحب الصورة القبيحة ، ويرغب فيه ويحبه أكثر ، بل قد يوجد ذلك في البهائم ، فقد أخبرني من رأى جملا يميل إلى امرأة حسناء ويضع رأسها عليها كلما رآها دون غيرها من الناس، فليس هذا نظر شهوة، وإنما الشهوة ميله بعد هذا ميل لذة إلى القرب منه أو المس له زائدا على ميله إلى المتاع الجزيل، أو الملتحي، لأن ميله إليه مجرد استحسان ليس معه لذة وتحرّك قلب إليه، كما في ميله إلى ابنه أو أخيه الصبيح، وفوق ذلك الميل إلى التقبيل أو المعانقة أو المباشرة أو المضاجعة ولو بلا تحرك آلة).

وقال أبو منصور الماتريدي في تفسيره ج٧ ص٥٤٥: (ونرى - والله أعلم - أن النظر إلى وجه المرأة ليس بحرام إذا لم يقع في قلب الرجل من ذلك شهوة، فإذا وجد لذلك شهوة ولم يأمن أن يؤدي به ذلك إلى ما يُكره فمحظور عليه أن ينظر إليها إلا أن يريد به معرفتها والنكاح، فإنه قد رُخّص في ذلك).

 

 

ثانيا: أن جمال المرأة لا يقتضي تحقق الفتنة للناظر

 

قال الحصكفي في الدر المختار شرح تنوير الأبصار للتمرتاشي ج١ ص٥٨: (وللحرة .. جميع بدنها حتى شعرها النازل في الأصح خلا الوجه والكفين، فظهْرُ الكف عورة على المذهب، والقدمين على المعتمد، وصوتها على الراجح، وذراعيها على المرجوح، وتمنع المرأة الشابة من كشف الوجه بين الرجال لا لأنه عورة، بل لخوف الفتنة كمسه وإن أمن الشهوة … ولا يجوز النظر إليه بشهوة كوجه أمرد، فإنه يحرم النظر إلى وجهها ووجه الأمرد إذا شك في الشهوة، أما بدونها فيباح ولو كان جميلا كما اعتمده الكمال، قال: فحل النظر منوط بعدم خشية الشهوة مع عدم العورة). 

 

 

ثالثا: أن وجود من ينظر بشهوة لا يوجب على المرأة ستر وجهها

 

قال الماتريدي(وجائز أن يكون النظر إلى وجه المرأة حلالا إذا لم يكن بشهوة، لكن غض البصر وترك النظر أرفق وأزكى .. وأحسن للشابة وأفضل لها أن تستر وجهها ويديها عن الرجال ليس لأن ذلك حرام وإليها معصية، ولكن لما يُخاف في ذلك من حدوث الشهوة ووقوع الفتنة بها).

وقال المرغيناني في حكم غطاء الرجل لرأسه في الحج: (ولأن المرأة لا تغطي وجهها مع أن في الكشف فتنة فالرجل بالطريق الأولى).

وقال البابرتي في العناية شرح الهداية للمرغيناني ج١ ص٢٥٩: (قول القدوري: وبدن الحرة كله عورة إلا وجهها وكفيها "تنصيص" منه "على أن القدم عورة" لأنه لم يستثنها، وروى الحسن عن أبي حنيفة أنها ليست بعورة، وبه قال الكرخي .. على أن الاشتهاء لا يحصل بالنظر إلى القدم كما يحصل بالنظر إلى الوجه، فإذا لم يكن الوجه عورة مع كثرة الاشتهاء فالقدم أولى).

وقال أحمد الأقطع في شرح مختصر القدوري ج١ (مخطوط / ترقيم آلي ص٥١ / ترقيم يدوي ص٤٥): (وأما القدم ففيه روايتان، الصحيح أنها عورة لظاهر الخبر .. وجه الرواية الأخرى أن الوجه يشتهى أكثر مما يشتهى القدم، فإذا خرج الوجه من أن يكون عورة فالقدم أولى)، وقال في شرح مختصر القدوري ج٢ (مخطوط / ترقيم آلي ص٣٩٧ / ترقيم يدوي ص٣٨٧): (ولا يجوز للرجل أن ينظر من الأجنبية إلا إلى وجهها وكفيها).

 

 

 

رابعا: أن نهي المرأة عن إبداء وجهها لا يدل على وجوب تغطيته ، وإنما يدل على استحباب ذلك

 

قال الكمال بن الهمام في فتح القدير ج٢ ص٥١٤ في إحرام المرأة: (والمستحب أن تسدل على وجهها شيئا وتجافيه، وقد جعلوا لذلك أعوادا كالقبة توضع على الوجه ويسدل فوقها الثوب، ودلت المسألة على أن المرأة منهية عن إبداء وجهها للأجانب بلا ضرورة، وكذا دل الحديث عليه).

وقال علاء الدين الحصكفي: (وتمنع المرأة الشابة من كشف الوجه بين الرجال لا لأنه عورة، بل لخوف الفتنة كمسه وإن أمن الشهوة)، وقال عن إحرام المرأة: (لكنها تكشف وجهها لا رأسها، ولو سدلت شيئا عليه وجافته عنه جاز، بل يُندب).

 

 

 

 

 

 

جمهرة أقوال فقهاء المذهب الحنفي في كشف وجه المرأة والنظر إليه

 

 

 

١- الإمام أبو حنيفة (ت١٥٠هـ)

قال الإمام محمد بن الحسن الشيباني في الأصل المعروف بالمبسوط ج٣ ص٥٦: (وأما المرأة الحرة التي لا نكاح بينه وبينها ولا حرمة ممن يحل له نكاحها، فليس ينبغي له أن ينظر إلى شيء منها مكشوفا إلا الوجه والكف، ولا بأس بأن ينظر إلى وجهها وإلى كفها، ولا ينظر إلى شيء غير ذلك منها، وهذا قول أبي حنيفة).

 

٢- القاضي أبو يوسف (ت١٨٢هـ)

قال الإمام أبو جعفر الطحاوي في شرح معاني الآثار ج٣ ص١٣-١٥: (فلما ثبت أن النظر إلى وجهها حلال لمن أراد نكاحها، ثبت أنه حلال لمن لم يرد نكاحها إذا كان لا يقصد بنظره ذلك لمعنىً هو عليه حرام ... وهذا كله قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمة الله عليهم أجمعين)، وقال في شرح معاني الآثار ج٤ ص٣٣٣-٣٣٤: (لأنه لا بأس أن ينظر الرجل من المرأة التي لا رحم بينه وبينها، وليست عليه بمحرمة، إلى وجهها وكفيها .. وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله تعالى).

وقال أبو الليث السمرقندي في عيون المسائل ص١٨٩: (وقال أبو يوسف في رجل حلف بالطلاق أن لا ينظر إلى حرام فنظر إلى وجه امرأة، قال: "لا تطلق امرأته، وليس النظر إليه حراما").

 

٣- محمد بن الحسن الشيباني (ت١٨٩هـ)

قال في الأصل المعروف بالمبسوط ج٣ ص٥٦: (وأما المرأة الحرة التي لا نكاح بينه وبينها ولا حرمة ممن يحل له نكاحها، فليس ينبغي له أن ينظر إلى شيء منها مكشوفا إلا الوجه والكف، ولا بأس بأن ينظر إلى وجهها وإلى كفها، ولا ينظر إلى شيء غير ذلك منها، وهذا قول أبي حنيفة، وقال الله تبارك وتعالى: "وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوْجَهُنَّ وَلَا يُبْدِيْنَ زِيْنَتَهُنَّ إِلّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا"، ففسر المفسرون أن "مَا ظَهَرَ مِنْهَا": الكحل والخاتم، والكحل زينة الوجه، والخاتم زينة الكف، فرخص في هاتين الزينتين، ولا بأس بأن ينظر إلى وجهها وكفيها إلا أن يكون إنما ينظر إلى ذلك اشتهاء منه لها، فإن كان ذلك فليس ينبغي له أن ينظر إليها، وإن دعي إلى شهادة عليها أو أراد تزويجها أو كان حاكما فأراد أن ينظر إلى وجهها ليجيز إقرارها عليها وليشهد الشهود على معرفته - وإن كان إن نظر إليها اشتهاها أو كان عليه أكبر رأيه - فلا بأس بالنظر إلى وجهها وإن كان على ذلك، لأنه لم ينظر إليها هاهنا ليشتهيها، إنما نظر إليها لغير ذلك، فلا بأس بالنظر إليها وإن كان في ذلك شهوة إذا كان على ما وصفت لك).

 

٤- الحسن بن زياد اللؤلؤي (ت٢٠٤هـ)

٥- ابن شجاع الثلجي (ت٢٦٦هـ)

قال علاء الدين السمرقندي في تحفة الفقهاء ج٣ ص٣٣٤ عن قدم المرأة: (وذكر ابن شجاع عن الحسن عن أبي حنيفة أنها ليست بعورة في حق النظر كالوجه والكفين).

 

٦- أبو جعفر الطحاوي (ت٣٢١هـ)

قال في شرح معاني الآثار ج١ ص٤٧٥: (وأما وجه ذلك من طريق النظر فإنا رأينا الرجل ينظر من المرأة التي لا محرم بينه وبينها إلى وجهها وكفيها، ولا ينظر إلى ما فوق ذلك من رأسها، ولا إلى أسفل منه من بطنها وظهرها وفخذيها وساقيها).

وقال في شرح معاني الآثار ج٣ ص١٣-١٥: (باب الرجل يريد تزوّج المرأة هل يحل له النظر إليها أم لا ؟ حدثنا سليمان بن شعيب الكيساني، قال: ثنا يحيى بن حسان، قال: ثنا أبو شهاب الحناط، عن الحجاج بن أرطأة، عن محمد بن سليمان بن أبي حثمة، عن عمه سليمان بن أبي حثمة، قال: رأيت محمد بن مسلمة يطارد ثبيتة بنت الضحاك فوق إجار لها ببصره طردا شديدا، فقلت: أتفعل هذا وأنت من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا ألقي في قلب امرئ خطبة امرأة فلا بأس أن ينظر إليها" … قال جابر: فلقد خطبت امرأة من بني سلمة، فكنت أتخبأ - أي أختفي - في أصول النخل، حتى رأيت منها بعض ما يعجبني فخطبتها فتزوجتها …. قال أبو جعفر: ففي هذه الآثار إباحة النظر إلى وجه المرأة لمن أراد نكاحها، فذهب إلى ذلك قوم، وخالفهم في ذلك آخرون، فقالوا: لا يجوز ذلك لمن أراد نكاح المرأة ولا لغير من أراد نكاحها، إلا أن يكون زوجا لها أو ذا رحم محرم منها، واحتجوا في ذلك بما حدثنا إبراهيم بن مرزوق .. عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: "يا علي، إن لك كنزا في الجنة، وإنك ذو قرنيها، فلا تتبع النظرة النظرة، فإنما لك الأولى وليست لك الأخرى" … فلما حرّم رسول الله صلى الله عليه وسلم النظرة الثانية لأنها تكون باختيار الناظر، وخالف بين حكمها وبين حكم ما قبلها إذا كانت بغير اختيار من الناظر، دل ذلك على أنه ليس لأحد أن ينظر إلى وجه المرأة إلا أن يكون بينه وبينها من النكاح أو الحرمة ما لا يحرم ذلك عليه منها، فكان من الحجة عليهم في ذلك لأهل المقالة الأولى أن الذي أباحه رسول الله صلى الله عليه وسلم في الآثار الأول: هو النظر للخطبة لا لغير ذلك، فذلك نظر بسببٍ هو حلال، ألا ترى أن رجالا لو نظر إلى وجه امرأة لا نكاح بينه وبينها ليشهد عليها وليشهد لها أن ذلك جائز، فكذلك إذا نظر إلى وجهها ليخطبها كان ذلك جائزا له أيضا، فأما المنهي عنه في حديث علي وجرير وبريدة رضي الله عنهم فذلك لغير الخطبة ولغير ما هو حلال، فذلك مكروه محرم، وقد رأيناهم لا يختلفون في نظر الرجل إلى صدر المرأة الأمة إذا أراد أن يبتاعها أن ذلك له جائز حلال، لأنه إنما ينظر إلى ذلك منها ليبتاعها لا لغير ذلك، ولو نظر إلى ذلك منها لا ليبتاعها ولكن لغير ذلك كان ذلك عليه حراما، فكذلك نظره إلى وجه المرأة إن كان فعل ذلك لمعنىً هو حلال، فذلك غير مكروه له، وإن كان فعله لمعنىً هو عليه حرام، فذلك مكروه له، وإذا ثبت أن النظر إلى وجه المرأة ليخطبها حلال خرج بذلك حكمه من حكم العورة، ولأنا رأينا ما هو عورة لا يباح لمن أراد نكاحها النظر إليه، ألا ترى أن من أراد نكاح امرأة فحرام عليه النظر إلى شعرها وإلى صدرها وإلى ما هو أسفل من ذلك في بدنها، كما يحرم ذلك منها على من لم يرد نكاحها، فلما ثبت أن النظر إلى وجهها حلال لمن أراد نكاحها، ثبت أنه حلال لمن لم يرد نكاحها إذا كان لا يقصد بنظره ذلك لمعنىً هو عليه حرام، وقد قيل في قول الله عز وجل: "وَلَا يُبْدِيْنَ زِيْنَتَهُنَّ إِلّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا": إن ذلك المستثنى هو الوجه والكفان … وممن ذهب إلى هذا التأويل محمد بن الحسن رحمه الله، كما حدثنا سليمان بن شعيب بذلك عن أبيه عن محمد، وهذا كله قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمة الله عليهم أجمعين).

وقال في شرح معاني الآثار ج٤ ص٣٣٣-٣٣٤: (قال بكير عن عبدالله بن رافع: لم تكن أم سلمة تحتجب من عبيد الناس. وخالفهم في ذلك آخرون، فقالوا: لا ينظر العبد من الحرة إلا إلى ما ينظر إليه منها الحر الذي لا محرم بينه وبينها، وكان من الحجة لهم في ذلك أن قول النبي صلى الله عليه وسلم الذي ذكروا في حديث أم سلمة لا يدل على ما قال أهل تلك المقالة، لأنه قد يجوز أن يكون أراد بذلك حجاب أمهات المؤمنين، فإنهن قد كن حجبن عن الناس جميعا، إلا من كان منهم ذو رحم محرم، فكان لا يجوز لأحد أن يراهن أصلا إلا من كان بينهن وبينه رحم محرم، وغيرهن من النساء لسن كذلك، لأنه لا بأس أن ينظر الرجل من المرأة التي لا رحم بينه وبينها، وليست عليه بمحرمة، إلى وجهها وكفيها، وقد قال الله عز وجل: "وَلَا يُبْدِيْنَ زِيْنَتَهُنَّ إِلّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا" … فأبيح للناس أن ينظروا إلى ما ليس بمحرم عليهم من النساء إلى وجوههن وأكفهن، وحرم ذلك عليهم من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم لما نزلت آية الحجاب، ففضلن بذلك على سائر الناس) إلى أن قال: (وفي إباحته ذلك للمملوكين - وليسوا بذوي أرحام محرمة - دليل على أن الأحرار الذين ليسوا بذوي أرحام محرمة من النساء في ذلك كذلك .. ثم رجعنا إلى النظر لنستخرج به من القولين قولا صحيحا، فرأينا ذا الرحم لا بأس أن ينظر إلى المرأة التي هو لها محرم إلى وجهها وصدرها وشعرها وما دون ركبتها، ورأينا القريب منها ينظر إلى وجهها وكفيها فقط، ثم رأينا العبد حرام عليه في قولهم جميعا أن ينظر إلى صدر المرأة مكشوفا أو إلى ساقيها، سواء كان رِقُّه لها أو لغيرها، فلما كان فيما ذكرنا كالأجنبي منها لا كذي رحمها المحرم عليها كان في النظر إلى شعرها ايضا كالأجنبي، لا كذي رحمها المحرم عليها، فهذا هو النظر في هذا الباب، وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله تعالى، وقد وافقهم في ذلك من المتقدمين الحسن والشعبي).

وقال في أحكام القرآن ج٢ ص٤٢: (فأما النساء فإن حكمهن في ذلك خلاف هذا، ولهنّ أن يلبسن في الإحرام السراويلات والعمائم بعد ألا يغطين شيئا من وجوههن، ولا اختلاف بين أهل العلم في ذلك …. واختلفوا في تغطية الرجال وجوههم في الإحرام، فأباح ذلك بعضهم …. وخالفهم في ذلك آخرون، فقالوا: لا يغطي وجهه في الإحرام إلا من ضرورة، فيغطيه لها، ويفتدي من ذلك) ومال الطحاوي للقول الثاني ثم قال: (لأنا قد رأينا المحرمات من النساء أوسع أمرا من المحرمين من الرجال في اللباس، لأنا قد رأينا النساء المحرمات يلبسن القمص والسراويلات، ويغطين رؤوسهن، ولا يخمرن وجوههن،فلما كان النساء اللاتي قد أبيح لهن تغطية الرؤوس وإلباس الأبدان القمص وكان ذلك مما يمنع منه الرجال، ومُنعن مع ذلك من تغطية وجوههن، كان الرجال الممنوعون من تغطية ما أبيح للنساء تغطيته في تغطية وجوههن أوكد من المنع وأضيق حالا، فإن قال قائل: فقد روي عن عائشة إباحة المرأة تغطية وجهها في الإحرام … قيل له: هذا عندنا على التغطية بالسدل على الوجه، لا على التغطية بما سواه، كما روي عن عائشة في غير هذا الحديث … والدليل على ما ذكرنا من ذلك أن عائشة قد كانت تكره النقاب للمحرمة وتنهاها عنه … فدل ما ذكرناه على أن عائشة قد كانت تكره تغطية الوجه للمحرمة بالنقاب على مثل ما كان عليه غيرها، وأن الذي أباحت من تغطية هو الذي رواه مجاهد عنها أنها كانت تفعله مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من إسدال الثوب على وجهها عند مرور الركب بها، وقد روي في ذلك عن ابن عمر … رأى ابن عمر امرأة قد سدلت ثوبها على وجهها وهي محرمة، فقال لها: اكشفي وجهك فإنما حرمة المرأة في وجهها، فهذا ابن عمر قد كان يكره للمحرمة سدل الثوب على وجهها، فدل ذلك أنه قد كان يكره تغطية الوجه لها كما ذكرنا أيضا، وكان ما روي عن مجاهد عن عائشة في إباحة المرأة السدل على وجهها في الإحرام أولى عندنا لفعلها ذلك كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم لإطلاق القياس إياه، وذلك أنا قد رأينا الرجل المحرم مطلقٌ له أن يجافي الثوب عن وجهه يستر به الريح والشمس عنه من غير أن يضعه على رأسه الذي يمنعه الإحرام من وضعه عليه، وكانت المرأة مباح لها تغطية رأسها في الإحرام، فكان لها وضعه على رأسها وسدله من رأسها على وجهها، لأنها تسدله من موضع مباح لها وضعه عليه، وهي في ذلك كالرجل الذي يواري وجهه من الموضع المباح له مواراته إياه منه).

وقال في مختصره الفقهي ج٢ ص٥٥٩ (مطبوع مع شرح الجصاص) عن لباس النساء في الحج: (ويلبسن ما شئن من اللباس، ولا يغطين وجوههن، وليسدلن عليها ويجافين عنها، ولا بأس بأن تغطي المرأة فاها في إحرامها، إلا في الصلاة فإنها لا تغطيه فيها).

وقال في مختصره الفقهي ج١ ص٧٠٠ (مطبوع مع شرح الجصاص) عن عورة المرأة في الصلاة: (قال أبو جعفر: أما المرأة فتواري في صلاتها كل شيء منها، إلا وجهها وكفيها وقدميها).

 

 

٧- أبو منصور الماتريدي (ت٣٣٣هـ)

قال في تفسيره ج٧ ص٥٤٥: (وجائز أن يكون النظر إلى وجه المرأة حلالا إذا لم يكن بشهوة، لكن غض البصر وترك النظر أرفق وأزكى … والذي يدل أن للمرأة ألا تغطي وجهها ولا ينبغي للرجل أن يتعمد النظر إلى وجه المرأة إلا عند الحاجة إليه : قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه: "إنما لك الأولى وليست لك الآخرة" … ونرى - والله أعلم - أن النظر إلى وجه المرأة ليس بحرام إذا لم يقع في قلب الرجل من ذلك شهوة، فإذا وجد لذلك شهوة ولم يأمن أن يؤدي به ذلك إلى ما يُكره فمحظور عليه أن ينظر إليها إلا أن يريد به معرفتها والنكاح، فإنه قد رُخّص في ذلك … وأحسن للشابة وأفضل لها أن تستر وجهها ويديها عن الرجال ليس لأن ذلك حرام وإليها معصية، ولكن لما يُخاف في ذلك من حدوث الشهوة ووقوع الفتنة بها، فإذا لم يكن للناظر في ذلك شهوة .. فإنه لا يحظر النظر إلى وجوه أمثالهن، ولا ينظر إلى ما سوى ذلك … ومما يدل على أن الوجه والكفين جائز ألا يكون بعورة : أن المرأة لا تصلي وعورتها مكشوفة، ويجوز أن تصلي ووجهها ويداها ورجلاها مكشوفة، فإذا كان كذلك دل ذلك على أن النظر إلى ذلك جائز إذا لم يكن ذلك لشهوة).

وقال في ج٨ ص٤١٥ في تفسير آية الجلابيب: (وفي الآية دلالة رخصة خروج الحرائر للحوائج، لأنه لو لم يجز لهن الخروج لم يؤمرن بإرخاء الجلباب على أنفسهن).

 

 

٨- الحاكم الشهيد المروزي (ت٣٣٤هـ)

قال في الكافي (مخطوط / ترقيم يدوي ص١٥٦ / ترقيم آلي ص١٦٣): (لا بأس أن ينظر الرجل من أمه وابنته البالغة وأخته وكل ذي محرم منه من سبب أو نسب إلى رأسها وإلى صدرها أو يديها أو عضدها أو ساقها، ولا ينظر إلى ظهرها وبطنها وما بين سرتها حتى يجاوز الركبة، وما حل له النظر إليه منهن حل له مسه وغمزه، وما كرهنا له النظر منهن كرهنا له مسه متجردا، وأما إذا كان من وراء الثوب فلا بأس .. وهذا كله ما أمنا على أنفسهما الشهوة .. ولا ينظر الرجل من المرأة الحرة الأجنبية التي لا حرمة بينه وبينها إلى غير الوجه والكف، لقوله تعالى: "وَلَا يُبْدِيْنَ زِيْنَتَهُنَّ إِلّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا"، ففسر المفسرون " مَا ظَهَرَ مِنْهَا" بالخاتم والكحل زينة الوجه، والخاتم زينة الكف، وينظر إلى الكف والوجه منها ما أمن الشهوة، فإذا اشتهى لم ينظر إلا أن يكون دعي إلى الشهادة عليها أو أراد تزويجها أو كان حاكما ينظر ليجيز إقرارها ويشهد الشهود على معرفتها فلا بأس بالنظر إليها في هذه المواضع وإن كانت فيه شهوة، ولا ينبغي له أن يمس وجهها ولا يديها إذا كانت شابة ممن تشتهى، وأما إذا كانت عجوزا ممن لا تُشتهى فلا بأس بمصافحتها ومس يدها).

 

٩- أبو الحسن الكرخي (ت٣٤٠هـ)

قال الأندربتي في الفتاوى التاتارخانية ج١٨ ص٩٥: (وفي شرح الكرخيالنظر إلى وجه المرأة الأجنبية الحرة ليس بحرام، ولكنه يكره بغير حاجة … ٢٨١٤٦ - وذلك كله إذا لم يكن النظر عن شهوة، فإن كان يعلم أنه لو نظر يشتهي، وفي الكافي: أو شك الاشتهاء، أو كان أكبر رأيه ذلك، فليجتنب بجهده).

وقال البابرتي في العناية شرح الهداية للمرغيناني ج١ ص٢٥٩: (وقوله "واستثناء العضوين" يعني الوجه والكفين "للابتلاء بإبدائهما" لأن المرأة لا تجد بدا من مزاولة الأشياء بيديها ومن كشف وجها لا سيما في الشهادة والمحاكمة، قوله: "وهذا" أي قول القدوري: وبدن الحرة كله عورة إلا وجهها وكفيها "تنصيص" منه "على أن القدم عورة" لأنه لم يستثنها، وروى الحسن عن أبي حنيفة أنها ليست بعورة، وبه قال الكرخي .. على أن الاشتهاء لا يحصل بالنظر إلى القدم كما يحصل بالنظر إلى الوجه، فإذا لم يكن الوجه عورة مع كثرة الاشتهاء فالقدم أولى).

 

 

١٠- أبو بكر الجصاص (ت٣٧٠هـ)

قال في شرح مختصر الطحاوي ج١ ص٧٠٠-٧٠٢: (وذلك لأن جميع بدنها عورة، ولا يحل للأجنبي النظر إليه منها إلا هذه الأعضاء، ويدل عليه قوله تعالى: "وَلَا يُبْدِيْنَ زِيْنَتَهُنَّ إِلّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا" روي أنها الكحل والخاتم، فدل أن يديها ووجهها ليسا بعورة، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار"، فدل أن رأسها عورة، وما كان عورة وجب ستره في الصلاة، واليد والوجه والقدم ليست بعورة، فلا يلزمها سترها في الصلاة).

وقال في أحكام القرآن ج٥ ص١٧٢-١٧٣: (قال أصحابنا: المراد الوجه والكفان، لأن الكحل زينة الوجه والخضاب والخاتم زينة الكف، فإذ قد أباح النظر إلى زينة الوجه والكف فقد اقتضى ذلك لا محالة إباحة النظر إلى الوجه والكفين، ويدل على أن الوجه والكفين من المرأة ليسا بعورة أيضا أنها تصلي مكشوفة الوجه واليدين، فلو كانا عورة لكان عليها سترهما كما عليها ستر ما هو عورة، وإذا كان ذلك جاز للأجنبي أن ينظر من المرأة إلى وجهها ويديها بغير شهوة، فإن كان يشتهيها إذا نظر إليها جاز أن ينظر لعذر مثل أن يريد تزويجها، أو الشهادة عليها، أو حاكم يريد أن يسمع إقرارها … وإنما أباحوا النظر إلى الوجه والكفين وإن خاف أن يشتهي لما ذكرنا من الأعذار للآثار الواردة في ذلك، منها) وذكر بعض الآثار ثم قال: (فهذا كله يدل على جواز النظر إلى وجهها وكفيها بشهوة إذا أراد أن يتزوجها).

وقال في أحكام القرآن ج٥ ص٢٤٥: (في هذه الآية دلالة على أن المرأة الشابة مأمورة بستر وجهها عن الأجنبيين وإظهار الستر والعفاف عند الخروج لئلا يطمع أهل الريب فيها، وفيها دلالة على أن الأمة ليس عليها ستر وجهها وشعرها لأن قوله تعالى: "وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِيْنَ" ظاهره أنه أراد الحرائر).

 

فائدة: التعبير الذي استعمله الجصاص بقوله (مأمورة بستر وجهها) لا يقتضي الوجوب حصرا، بدلالة أن الجصاص استعمل هذه اللفظة لبيان الندب لا الوجوب في عدة مواضع في تفسيره، فقد قال في أحكام القرآن ج٢ ص١٠٧: (فمن كان سنّه سبعا فهو مأمور بالصلاة على وجه التعليم والتأديب)، وقال في ج٣ ص٥٦ نقلا عن الشافعي: (والنكاح مندوب إليه مأمور به)، وقال في ج٣ ص١٩٨: (ألا ترى أن من له سبع سنين مأمور بالصلاة على وجه التعليم)، وقال في ج٥ ص١٣٣: (لا ينبغي لمولاها أن يرفعها إلى الإمام بعد ذلك، بل هو مأمور بالستر عليها)، وقال في ج٥ ص٣٥١ في أحكام رجعة المطلقة: (ولا نعلم بين أهل العلم خلافا في صحة وقوع الرجعة بغير شهود، إلا شيئا يروى عن عطاء فإن سفيان روى عن ابن جريج عن عطاء، قال: "الطلاق والنكاح والرجعة بالبينة"، وهذا محمول على أنه مأمور بالإشهاد على ذلك احتياطا من التجاحد لا على أن الرجعة لا تصح بغي شهود)، وقال في أحكام القرآن ج٥ ص٣٤٧: (وقت الطلاق المأمور به أن يطلقها طاهرا من غير جماع).

 

١١- أبو الليث السمرقندي (ت٣٧٣هـ)

قال في تفسيره المشتهر باسم بحر العلوم في تفسير آية الزينة: (قوله عز وجل: "وَقُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ"، يعني: يحفظن أبصارهن عن الحرام، وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ عن الفواحش، "وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ" يعني: لا يظهرن مواضع زينتهن، إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْها. روى سعيد بن جبير، عن ابن عباس أنه قال: "وجهها وكفيها"، وهكذا قال إبراهيم النخعي. وروي أيضاً عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: "الوجه والكفان"، وهكذا قال الشعبي. وروى نافع، عن ابن عمر أنه قال: "الوجه والكفان"، وقال مجاهد: "الكحل والخضاب"، وروى أبو صالح عن ابن عباس: "الكحل والخاتم"، وروي عن ابن عباس في رواية أُخرى: "إِلَّا ما ظَهَرَ مِنْها" يعني: "فوق الثياب"، وروى أبو إسحاق عن ابن مسعود أنه قال: "ثيابها"، وروي عن ابن مسعود رواية أُخرى أنه سئل عن قوله: "إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْها"؟ فتقنع عبدالله بن مسعود، وغطى وجهه وأبدى عن إحدى عينيه، قوله تعالى: "وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ" يعني: ليرخين بخمرهن على جيوبهن، يعني على الصدر والنحر، قال ابن عباس: "وكنّ النساء قبل هذه الآية يبدين خمرهن من ورائهن كما يصنع النبط، فلما نزلت هذه الآية، سدلن الخمر على الصدر والنحر"، ثم قال: "وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ"، يعني: لا يظهرن مواضع زينتهن، وهو الصدر والساق والساعد والرأس، لأن الصدر موضع الوشاح، والساق موضع الخلخال، والسّاعد موضع السوار، والرأس موضع الإكليل، فقد ذكر الزينة وأراد بها موضع الزينة. "إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ"، يعني: لأزواجهن، "أَوْ آبائِهِنَّ" يعني: يجوز للآباء النظر إلى مواضع زينتهن، "أَوْ آباءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنائِهِنَّ أَوْ أَبْناءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَواتِهِنَّ". وقد ذكر في الآية بعض ذوي الرحم المحرم، فيكون فيه دليل على ما كان بمعناه، لأنه لم يذكر فيها الأعمام والأخوال، ولكن الآية إذا نزلت في شيء، فقد نزلت فيما هو في معناه، والأعمام والأخوال بمعنى الإخوة وبني الإخوة، لأنه ذو رحم محرم. وقد ذكر الأبناء في آية أُخرى، وهي قوله: " لَا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِيْ آبَائِهِنَّ وَلَا أَبْنَائِهِنَّ"، والنظر إلى النساء على أربع مراتب: في وجه: يجوز النظر إلى جميع أعضائها، وهي النظر إلى زوجته وأمته. وفي وجه: يجوز النظر إلى الوجه والكفين، وهو النظر إلى المرأة التي لا يكون محرماً لها، ويأمن كل واحد منهما على نفسه، فلا بأس بالنظر عند الحاجة. وفي وجه: يجوز النظر إلى الصدر والساق والرأس والساعد، وهو النظر إلى امرأة ذي رحم أو ذات رحم محرم، مثل الأخت والأم والعمة والخالة وأولاد الأخ والأخت وامرأة الأب وامرأة الابن وأم المرأة سواء كان من قبل الرضاع أو من قبل النسب، وفي وجه: لا يجوز النظر إلى شيء، وهو أن يخاف أن يقع في الإثم إذا نظر.
ثم قال تعالى: "أَوْ نِسائِهِنَّ" يعني: نساء أهل دينهن، ويكره للمرأة أن تظهر مواضع زينتها عند امرأة كتابية، لأنها تصف ذلك عند غيرها. ويقال: "نِسائِهِنَّ" يعني: العفائف، ولا ينبغي أن تنظر إليها المرأة الفاجرة، لأنها تصف ذلك عند الرجال).

 

١٢- أبو الحسين القدوري (ت٤٢٨هـ)

قال في مختصره ص٢٤١: (ولا يجوز أن ينظر الرجل من الأجنبية إلا إلى وجهها وكفيها، وإن كان لا يأمن الشهوة ؛ لا ينظر إلى وجهها إلا لحاجة، ويجوز للقاضي إذا أراد أن يحكم عليها وللشاهد إذا أراد الشهادة عليها النظر إلى وجهها وإن خاف أن يشتهي).

 

١٣- أبو العباس الناطفي (ت٤٤٦هـ)

قال في الأحكام (مخطوط / ترقيم آلي ص٥ / ترقيم يدوي ص٤): (النظر إلى النساء على أربعة أوجه، في وجه لا يجوز النظر إلى شيء منهن، وفي وجه يجوز النظر إلى جميع أعضائه، وفي وجه يجوز النظر إلى موضع الزينة، وفي وجه يجوز النظر إلى الوجه والكفين، أما الأولى فهو الأجنبية وذات المحرم إذا علم أنه يشتهيها إذا نظر إليها، وأما الوجه الثاني الذي يجوز النظر إلى جميع أعضائها وهي الأمة والزوجة، وأما الوجه الذي يجوز النظر إلى الوجه والكفين فهي المرأة الأجنبية إذا أمن نفسه، وأما جواز النظر إلى مواضع الزينة فهو إلى المحارم إذا كان يأمن على نفسه، وإذا أراد شراء الجارية أو تزوج امرأة فلا بأس بالنظر إلى وجهها، وكذلك القاضي إذا أراد أن يقضي عليها والشاهد إذا أراد أن يشهد عليها وإن علم أنه لو نظر إليها اشتهاها، وإن كانت عجوزا لا يُشتهى مثلها فلا بأس بمصافحتها ومس يديها)، وقال في نفس الصفحة عن المرأة في الحج: (والمرأة في جميع أفعال الحج كالرجل سواء إلا فيما يؤدي إلى كشف العورة أو إلى المثلة، فيجوز لها أن تلبس في حال الإحرام ما بدا لها من الدروع والقميص والخفين، وإحرامها في وجهها، ولا تحلق رأسها، وتأخذ من رؤوس شعرها مثل الأنملة، وليس عليها رمل، وتسدل الثوب على وجهها، ولا ترفع صوتها في التلبية).

 

فائدة: قال السغناقي في كتاب النهاية ج٢ ص٣٠٧ في إحرام المرأة: (واعلم أن سدل الشيء على وجهها واجب عليها،"لما ذكر في الواقعات للناطفي أن المرأة المحرمة ترخي على وجهها خرقة، وتجافي عن وجهها).

واستدلال السغناقي بكلام الناطفي على وجوب تغطية الوجه محل نظر، لأن الناطفي قد صرّح في نفس الموضع بجواز النظر إلى الوجه والكفين.

 

 

١٤- شمس الأئمة الحلواني (ت٤٤٨هـ)

قال نجم الدين الزاهدي في المجتبى شرح مختصر القدوري (مخطوط / ترقيم آلي ص٣٩ / ترقيم يدوي ص٣٣): (شح [أي: قال شمس الأئمة الحلواني القدمان ليستا بعورة، وكذا ذكره الطحاوي والحسن عن أبي حنيفة رحمه الله، وذكر أبو يوسف في جامع الجوامع أربعة أشياء منها لا يمنع جواز الصلاة: الوجه والكفان والقدمان والذراعان، وهو رواية عن أبي حنيفة، لكنه يكره كشف القدم والذراع فيها).

 

١٥- علي بن الحسين السغدي (ت٤٦١هـ)

قال في النتف في الفتاوى ج١ ص٢٨٠: (يحل النظر إلى الرحم المَحْرم، إلى جميع بدنها سوى الظهر والبطن وما بين الركبة والسرة، ولا يحل النظر إلى الأرحام غير المحرمة ما خلا الوجه والكفين).

 

١٦- أحمد الأقطع (ت٤٧٤هـ)

قال في شرح مختصر القدوري ج١ (مخطوط / ترقيم آلي ص٥١ / ترقيم يدوي ص٤٥): (وبدن المرأة الحرة كلها عورة إلا وجهها وكفيها، وذلك لقوله تعالى: "وَلَا يُبْدِيْنَ زِيْنَتَهُنَّ إِلّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا"، قال ابن عباس: "الكحل والخاتم" .. وأما القدم ففيه روايتان، الصحيح أنها عورة لظاهر الخبر .. وجه الرواية الأخرى أن الوجه يشتهى أكثر مما يشتهى القدم، فإذا خرج الوجه من أن يكون عورة فالقدم أولى).

وقال في شرح مختصر القدوري ج٢ (مخطوط / ترقيم آلي ص٣٩٧ / ترقيم يدوي ص٣٨٧): (ولا يجوز للرجل أن ينظر من الأجنبية إلا إلى وجهها وكفيها، وقد دل على ذلك قوله تعالى: "وَلَا يُبْدِيْنَ زِيْنَتَهُنَّ إِلّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا"، قيل في التفسير: "الكحل والخاتم"، وموضع ذلك الوجه واليدين، ولأن المرأة قد تضطر إلى كشف كفيها في المعاملات للأخذ والعطاء، وإلى كشف وجهها لتقام عليها الشهادة، فرخص لها فلم يجعل عورة، فأما قَدَمُها فلا يجوز النظر إليه في الروايتين لأن الحاجة لا تدعو إليه، ويجوز في الرواية الأخرى لما روى عبدالله بن مسعود رضي الله عنه في تأويل قوله تعالى: " إِلّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا": "القرط والخلخال"، قال: وإن كان لا يأمن الشهوة لم ينظر إلى وجهها إلا لحاجة .. ويجوز للقاضي إذا أراد أن يحكم عليها، وللشاهد إذا أراد أن يشهد عليها أن ينظر إلى وجهها وإن خاف أن يشتهي، ذلك لأن الحاجة تدعو إلى النظر في هذا الموضع لغير شهوة، فجاز مع خوف الشهوة، كما يجوز للشهود النظر إلى العورة عند الزنا).

 

١٧- بهاء الدين الإسبيجابي (ت٥٩١هـ)

قال في زاد الفقهاء ج١ ص١٤٨: (وبدن المرأة الحرة كله عورة إلا وجهها وكفيها وقدميها، لقوله صلى الله عليه وسلم: "المرأة عورة مستورة"، والمراد: كونها واجبة الستر، وأما استثناء الوجه والكفين والقدمين فلقوله تعالى: "وَلَا يُبْدِيْنَ زِيْنَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا"، قال علي وابن عباس رضي الله عنهما: "مَا ظَهَرَ مِنْهَا: الكحل والخاتم"، أي: موضعهما، وقالت عائشة رضي الله عنها: "تبدي إحدى عينيها"، وقال ابن مسعود: "خفها وملاءتها"، إلا أنا أخذنا بقول علي وابن مسعود رضي الله عنهما، لأنا أجمعنا على أنه يباح النظر إلى ثيابها، فكذا إلى وجهها وكفيها، وأما قدمها فلأنها كما تُبتلى بإبداء وجهها في المعاملة مع الرجال وبإبداء كفها في الأخذ والإعطاء ؛ تُبتلى بإبداء قدميها إذا مشت حافية أو منتعلة، وفي جامع البرامكة عن أبي يوسف رحمه الله أنه يباح النظر إلى ذراعها أيضا، لأنها في الخَبز وغسل الثياب تُبتلى بإبداء ذراعها أيضا، وهذا إذا لم يكن النظر عن شهوة، فإن كان يعلم أنه يشتهي لو نظر ؛ لم يحلّ له النظر إلى شيء منها لقوله صلى الله عليه وسلم: "من نظر إلى محاسن أجنبية صُب في عينيه الآنك يوم القيامة"، وكذا إذا كان أكثر رأيه أنه لو نظر يشتهيها، لأنه كاليقين فيما لا يوقف على حقيقته).

وقال في زاد الفقهاء ج٢ ص٨٢٩: (قوله: "ولا يجوز للرجل أن ينظر من الأجنبية إلا إلى وجهها وكفيها" لأنها تضطر في كشف كفيها في الأخذ والإعطاء في المعاملات، وإلى كشف وجهها لتقام عليها الشهادات، فرخص لها في ذلك، ولم يجعل من جملة العورات، وأما قدماها فلا يجوز النظر إليها في رواية لعدم الحاجة إليه، وفي الرواية الأخرى يجوز لحق الضرورة في الجملة، وإن كان لا يأمن من الشهوة لا ينظر إلى وجهها إلا لحاجة .. ويجوز للقاضي إذا أراد أن يحكم عليها وللشاهد إذا أراد الشهادة عليها أن ينظر إلى وجهها وإن خاف أن يشتهي لأنه لا يجد بدا من النظر في هذه المواضع، والضرورات تبيح المحظورات، وينبغي أن يقصد الشهادة أو الحكم عليها ولا يقصد منها الشهوة، لأنه لو قدر على التحرز فعلا كان عليه التحرز، فعند العجز عن ذلك يلزمه التحرز قصدا كما لو تترس المشركون بأطفال المسلمين، ويجوز للطبيب أن ينظر إلى موضع المرض منها لما أن الضرورة لها تأثير في إباحة المحرمات).

 

١٨- شمس الأئمة السرخسي (ت٤٨٣هـ)

قال في المبسوط ج١٠ ص١٥٢: (فأما النظر إلى الأجنبيات فنقول: يباح النظر إلى موضع الزينة الظاهرة منهن دون الباطنة، لقوله تعالى: "وَلَا يُبْدِيْنَ زِيْنَتَهُنَّ إِلّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا" وقال علي وابن عباس رضي الله عنهم: "إِلّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا": "الكحل والخاتم"، وقالت عائشة رضي الله عنها: "إحدى عينيها"، وقال ابن مسعود رضي الله عنه: "خفها وملاءتها"، واستدل في ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم: "النساء حبائل الشيطان بهن يصيد الرجال" … فدل أنه لا يباح النظر إلى شيء من بدنها، ولأن حرمة النظر لخوف الفتنة، وعامة محاسنها في وجهها، فخوف الفتنة في النظر إلى وجهها أكثر منه إلى سائر الأعضاء … ولكنا نأخذ بقول علي وابن عباس رضي الله عنهما، فقد جاءت الأخبار في الرخصة بالنظر إلى وجهها وكفها، من ذلك ما روي أن امرأة عرضت نفسها على رسول الله صلى الله عليه وسلم فنظر إلى وجهها فلم ير فيها رغبة، ولما قال عمر رضي الله عنه في خطبته: "ألا لا تغالوا في أصدقة النساء"، فقالت امرأة سفعاء الخدين: … فذكر الراوي أنها كانت سفعاء الخدين، وفي هذا بيان أنها كانت مسفرة عن وجهها، ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم كف امرأة غير مخضوب، فقال: "أكف رجل هذا" ؟ ولما ناولت فاطمة رضي الله عنها أحد ولديها بلالا أو أنسا رضي الله عنهم قال أنس: "رأيت كفها كأنه فلقة قمر"، فدل أنه لا بأس بالنظر إلى الوجه والكف … وهذا كله إذا لم يكن النظر عن شهوة، فإن كان يَعلم أنه إن نظر اشتهى لم يحل له النظر إلى شيء منها … فأما النظر إليها عن شهوة لا يحل بحال إلا عند الضرورة، وهو ما إذا دعي للشهادة عليها، أو كان حاكما ينظر ليوجه الحكم عليها بإقرارها أو بشهادة الشهود على معرفتها).

 

١٩- أبو المظفر السمعاني (ت٤٨٩هـ)

قال في تفسيره ج٣ ص٥٢١: (يجوز النظر إلى وجه المرأة وكفيها من غير شهوة، وإن خاف الشهوة غض البصر، واعلم أن الزينة زينتان: زينة ظاهرة، وزينة باطنة، فالزينة الظاهرة هي الكحل والفتخة والخضاب إذا كان في الكف .. فما كان من الزينة الظاهرة يجوز للأجنبي النظر إليه من غير شهوة، وما كان من الزينة الباطنة لا يجوز للأجنبي النظر إليها).

 

٢٠- أبو الأزهر الخجندي الإسبيجابي (ت٥٠٠هـ)

قال في شرح الجامع الصغير (مخطوط / ترقيم آلي ٢١٧ / ترقيم يدوي ٢١٣): (ثم النسوان على أربعة أصناف .. وقد ذكرناه [الخط رديء لكن هذا هو الأظهر] في شرح الطحاوي)، وقال في شرح مختصر الطحاوي (مخطوط / ترقيم آلي ص٤٥ / ترقيم يدوي ص٤١ وما بعدها): (ثم النسوان أربعة أصناف: زوجة الرجل ومملوكته، والمرأة الأجنبية التي يحل النكاح بينهما وذات الرحم التي هي غير محرم وهي بمنزلة الأجنبية، والمحارم التي لا يحل النكاح بينهما كالأم والأخت، والمرأة التي حرمت بالمصاهرة والرضاع وأمة الغير، فأما حكم زوجته ومملوكته فإنه يحل له أن ينظر إليها وأن يمسها ... وأما المرأة الأجنبية فإنه لا يحل له النظر إليها ولا المس من قرنها إلى قدمها إلا الوجه والكفين إلى المفصل، وأما الرجْلان فإنها عورة في حق النظر، هكذا ذكر محمد في كتاب الاستحسان أنه لا يباح له النظر إلا إلى الوجه والكفين، ولا يباح غير ذلك، وأما في حق الصلاة فإنها ليست بعورة، ذكرها الطحاوي في مختصره فقال: "وأما المرأة أرى في صلاتها كل شيء إلا وجهها وكفيها وقدميها"، وذكر الكرخي في مختصره وجعل القدم غير عورة في حق النظر، وقال: "لا ينظر الرجل إلى المرأة الأجنبية إلا إلى وجهها وكفيها وقدميها"، ولا يحل له مس هذين العضوين إذا كانت شابة ممن تشتهى بخلاف النظر، لأن في النظر ضرورة ولا ضرورة بالمس، وأما إذا كانت عجوزا فلا بأس بالمصافحة إذا كانا كبيرين لا يجامع مثله ولا يجامع مثلها .. وأما إذا كان يشتهي إذا نظر أو كان أكبر رأيه على ذلك يحرم عليه النظر أيضا، وعليه أن يجتنب عن ذلك إلا إذا وقع بصره عليها من غير قصد، ولا ينبغي له أن يديم النظر إليها، وإن نظر إليها عند تحمل الشهادة أو القاضي عند القضاء عليها أو لها أو نظر وهو يريد أن يتزوجها فلا بأس بذلك وإن كان أكبر رأيه أنه يشتهي ذلك،و ولا يحل اللمس).

 

فائدة: قال حاجي خليفة في كشف الظنون في أسماء من اختصروا شرح الطحاوي: (وأبو نصر أحمد بن منصور المطهري الإسبيجابي المتوفى سنة ٤٨٠هـ ثمانين وأربعمائة، ويقال إن شارح المختصر هو الإمام الكبير محمد بن أحمد الخجندي الإسبيجابي، ذكره نفيس الدين وقال: أجاد فيه)، قلت: الصواب هو الثاني بدلالة أن الثاني هو مؤلف الجامع الصغير، وقد أشار في الجامع الصغير (مخطوط / ترقيم آلي ص٢١٧) إلى اختصاره لشرح الطحاوي كما مر أعلاه (انظر الصورة أدناه).

 


 



٢١- يوسف بن علي الجرجاني (ت بعد ٥٢٢هـ)

قال في خزانة الأكمل ج٣ ص٤٤٢: (ولا ينظر الرجل إلى الأجنبية الحرة إلى غير الوجه والكفين، وإنما ينظر إليهما من الشهوة [كذا]، وإن خاف لم ينظر إلا إن دعي إلى شهادة عليها أو أراد تزوجها أو كان حاكما، فينظر إليها فيجيز إقرارها وأشهد الشهود على معرفتها، فحينئذ لا بأس بالنظر إلى وجهها وإن كان فيه شهوة، ولا يمس وجهها ولا يدها إذا كانت شابة مشتهاة، أما لو كانت عجوزا غير مشتهاة لا بأس بمصافحتها وبمس يدها).

 

٢٢- الصدر الشهيد حسام الدين عمر بن عبدالعزيز بن عمر بن مازة البخاري (ت٥٣٦هـ)

قال في فتاويه (مخطوط / ترقيم آلي ص٣٣): (المرأة إذا صلت ولم تستر ظهر قدميها يجوز صلاتها لأن ظهر قدمها ليس بعورة، ألا ترى أنه يجوز للأجنبي أن ينظر إلى ذلك الموضع).

 

٢٣- الزمخشري (ت٥٣٨هـ)

قال في تفسير الكشاف ج٣ ص٢٢٩-٢٣١: (والأجنبية ينظر إلى وجهها وكفيها وقدميها في إحدى الروايتين .. النساء مأمورات أيضا بغض الأبصار، ولا يحل للمرأة أن تنظر من الأجنبي إلى ما تحت سرته إلى ركبته، وإن اشتهت غضت بصرها رأسا … الزينة: ما تزينت به المرأة من حلي أو كحل أو خضاب، فما كان ظاهرا منها كالخاتم والفتخة والكحل والخضاب فلا بأس بإبدائه للأجانب …. فإن قلت: ما المراد بمواقع الزينة ؟ ذلك العضو كله أم المقدار الذي تلابسه الزينة منه ؟ قلت: الصحيح أنه العضو كله كما فسرت مواقع الزينة الخفية، وكذلك مواقع الزينة الظاهرة، الوجه: موقع الكحل في عينيه، والخضاب بالوسمة: في حاجبيه وشاربيه … فإن قلت: لم سومح مطلقا في الزينة الظاهرة ؟ قلت: لأن سترها فيه حرج، فإن المرأة لا تجد بدا من مزاولة الأشياء بيديها، ومن الحاجة إلى كشف وجهها، خصوصا في الشهادة والمحاكمة والنكاح، وتضطر إلى المشي في الطرقات وظهور قدميها، وخاصة الفقيرات منهن، وهذا معنى قوله: "إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا"، يعني إلا ما جرت العادة والجبلة على ظهوره والأصل فيه الظهور).

وقال في ج٣ ص٥٦٠: (ومعنى "يُدْنِيْنَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيْبِهِنَّ": يرخينها عليهن ويغطين بها وجوههن وأعطافهن).

 

٢٤- علاء الدين السمرقندي (ت٥٤٠هـ)

قال في تحفة الفقهاء ج٣ ص٣٣٤: (الأجنبيات وذوات الرحم بلا محرم: فإنه يحرم النظر إليها أصلا من رأسها إلى قدمها سوى الوجه والكفين، فإنه لا بأس بالنظر إليهما من غير شهوة، فإن كان غالب رأيه أنه يشتهي يحرم أصلا، وأما المس فيحرم سواء عن شهوة أو عن غير شهوة، وهذا إذا كانت شابة، فإن كانت عجوزا فلا بأس بالمصافحة إن كان غالب رأيه أنه لا يشتهي، ولا تحل المصافحة إن كانت تشتهي وإن كان الرجل لا يشتهي، فإن كان عند الضرورة فلا بأس بالنظر وإن كان يشتهي، كالقاضي والشاهد ينظر إلى وجهها عند القضاء وتحمل الشهادة، أو كان يريد تزوجها لأن الغرض ليس هو اقتضاء الشهوة .. وأما النظر إلى القدمين هل يحرم ؟ ذكر في كتاب الاستحسان هي عورة في حق النظر، وليس بعورة في حق الصلاة، وكذا ذكر في الزيادات إشارة إلى أنها ليست بعورة في حق الصلاة، وذكر ابن شجاع عن الحسن عن أبي حنيفة أنها ليست بعورة في حق النظر كالوجه والكفين).

 

٢٥- الولوالجي ظهير الدين بن أبي حنيفة (ت٥٤٠هـ)

قال في الفتاوى الولوالجية ج٢ ص٣٢٢: (ولا ينظر من المرأة الحرة الأجنبية التي لا حرمة بينها وبينه إلى غير الوجه والكف لقوله تعالى: "وَلَا يُبْدِيْنَ زِيْنَتَهُنَّ إِلّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا"، ومواضع الزينة الظاهرة هو الكحل والخاتم، والكحل زينة الوجه، والخاتم زينة الكف، ولأن المرأة قد تخلو عن الزوج وقيّم آخر يقوم بأسباب معانيها، فلا بد من الخروج للمعاملة مع الأجانب، فكان في إبداء كفها ووجهها ضرورة، وينظر إلى الوجه والكف منها ما أمن الشهوة، فإذا اشتهى لا ينظر، وكذا إذا كان أكبر رأيه ذلك، أو شك إلا أن يكون دعي إلى شهادة عليها، أو أراد تزويجها، أو كانت أمة أراد شراءها، أو كان حاكما ينظر ليجيز إقرارها ويشهد الشهود على معرفتها، فلا بأس بالنظر إليها في هذه المواضع وإن كانت فيه شهوة).

 

٢٦- ناصر الدين السمرقندي (ت٥٥٦هـ)

قال في الفقه النافع ج٢ ص٨٩٦: (ولا يجوز أن ينظر الرجل من الأجنبية إلا وجهها وكفيها لقوله تعالى: "وَلَا يُبْدِيْنَ زِيْنَتَهُنَّ إِلّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا"، قال ابن عباس رضي الله عنه: "الكحل والخاتم"، يعني موضعهما، فإن كان لا يأمن من الشهوة ؛ لا ينظر إلى وجهها إلا لحاجة، لقوله عليه السلام: "النظر إلى محاسن المرأة الأجنبية سهم من سهام إبليس" عليه اللعنة مسموعة، ويجوز للقاضي إذا أراد أن يحكم عليها وللشاهد إذا أراد أن يشهد عليها أن ينظر إلى وجهها وإن خاف أن يشتهي للضرورة، ويجوز للطبيب أن ينظر إلى موضع المرض منها).

وقال في الملتقط في الفتاوى ص٢٧٧: (الغلام إذا بلغ مبلغ الرجال وكان صبيحا فحكمه حكم النساء، وهو عورة من قرنه إلى قدمه، قال العبد: يعني لا يحل النظر إليه عن شهوة، فأما الصلاة والنظر إليه لا عن شهوة فلا بأس، ولهذا لم يؤمر بالنقاب).

 

٢٧- سراج الدين التنيمي الأوشي (ت٥٦٩هـ)

قال في الفتاوى السراجية ص٣٢٣: (النظر إلى وجه الأجنبية إذا لم يكن عن شهوة ليس بحرام، لكنه مكروه … إذا أراد أن يتزوج امرأة لا بأس أن ينظر إليها وإن كان يعلم أنه يشتهيها، إذا أراد أن يشتري جارية حل له النظر وإن كان يشتهيها، ولا يحل المس إذا لم يأمن على نفسه الشهوة).

 

٢٨- جمال الإسلام الكرابيسي (٥٧٠هـ)

قال في كتاب الفروق ج١ ص٣٤٧: (ما يجوز للأجنبي أن ينظر إلى موضع الزينة الظاهرة من الحرة، وهو الوجه والكف، لا يجوز مسه، وما جاز للأجنبي النظر إليه من الأمة وهي الزينة الباطنة جاز له مسه، وما يجوز لذوي الأرحام النظر إليه من موضع الزينة الباطنة، وهو رأسها وصدرها ويدها وعضدها وساقها يجوز له مسها، الفرق أن ظاهر قول الله تعالى: "قُلْ لِلْمُؤْمِنِيْنَ يَغُضُّوْا مِنْ أَبْصَارِهِمْ" يوجب ألا يجوز للأجنبي النظر إليها أصلا، إلا أن الضرورة أوجبت إباحة النظر إلى الوجه والكف، وهي حاجة الناس إلى مبايعتها والتناول منها وتحمل الشهادة، فجوزناه للضرورة، ولا ضرورة بنا إلى اللمس فلا يجوز).

 

٢٩- رضي الدين السرخسي (ت٥٧١هـ)

قال في المحيط الرضوي ج٢ (مخطوط / ترقيم آلي ص١٤ / ترقيم يدوي ص٨ وما بعدها): (النساء على أربعة أنواع، منها: زوجات ومملوكات، ومنها: ذوات المحارم، ومنها: مملوكات الغير، ومنها: أجنبيات وذوات رحم غير محرم .. النوع الرابع وهو الأجنبيات وذوات رحم [غير] محرم، فلا يحل للأجنبي أن ينظر إلى شيء مكشوف منها إلا الوجه والكف، وروى الحسن عن أبي حنيفة أنه زاد القدم، وقال ابن مسعود رضي الله عنه: "لا يحل النظر إلى شيء منها" وجه ظاهر الرواية قوله تعالى: "وَلَا يُبْدِيْنَ زِيْنَتَهُنَّ إِلّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا"، جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير قوله: "وَلَا يُبْدِيْنَ زِيْنَتَهُنَّ إِلّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا" أنه الكحل والخاتم، والمراد به موضعهما، والكحل موضع الوجه والخاتم موضعه اليد، ولأن المرأة لا بد لها من الخروج للمعاملة مع الأجانب لإقامة معاشها ومعادها لعدم من يقوم بأسباب معاشها فلا بد لها من إبداء الكف للأخذ والإعطاء، ومن كشف وجهها ليعرف وجهها متعامل معها، ولكن للبائع مطالبتها بالثمن والرد عليها بالعيب لأن كل أحد لا يتعامل معها إذا لم يعرف بوجهها، فكان لها في الإبداء ضرورة وللضرورة أثر في الإباحة، ولا ضرورة في القدم ولا يجوز النظر إليه، فإن القدم عورة في حق النظر وليس بعورة في حق جواز الصلاة .. ولا ينظر إلى وجهها وكفها بشهوة لأنه نوع استمتاع بها، وإنه حرام).

 

٣٠- علاء الدين الكاساني (ت٥٨٧هـ)

قال في بدائع الصنائع ج٥ ص١٢١-١٢٣: (فلا يحل النظر للأجنبي من الأجنبية الحرة إلى سائر بدنها إلا الوجه والكفين لقوله تبارك وتعالى: "قُلْ لِلْمُؤْمِنِيْنَ يَغُضُّوْا مِنْ أَبْصَارِهِمْ"، إلا أن النظر إلى مواضع الزينة الظاهرة وهي الوجه والكفان رخص بقوله تعالى: "وَلَا يُبْدِيْنَ زِيْنَتَهُنَّ إِلّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا"، والمراد من الزينة مواضعها، ومواضع الزينة الظاهرة الوجه والكفان، فالكحل زينة الوجه والخاتم زينة الكف، بكشف الوجه والكفين، فيحل لها الكشف، وهذا قول أبي حنيفة رضي الله عنه، وروى الحسن عن أبي حنيفة رحمهما الله أن يحل النظر إلى القدمين أيضا … والقدمان ظاهرتان، ألا ترى أنهما يظهران عند المشي ؟ فكانا من جملة المستثنى من الحظر، فيباح إبداؤهما … ثم إنه إنما يحل النظر إلى مواضع الزينة الظاهرة منها من غير شهوة، فأما عن شهوة فلا يحل .. إلا في حالة الضرورة بأن دعي إلى شهادة أو كان حاكما فأراد أن ينظر إليها ليجيز إقرارها عليها فلا بأس أن ينظر إلى وجهها وإن كان لو نظر إليها لاشتهى أو كان أكبر رأيه ذلك، لأن الحرمات قد يسقط اعتبارها لمكان الضرورة … وكذا إذا أراد أن يتزوج امرأة فلا بأس أن ينظر إلى وجهها وإن كان عن شهوة، لأن النكاح بعد تقديم النظر أدل على الألفة والموافقة الداعية إلى تحصيل المقاصد .. وأما المرأة فلا يحل لها النظر من الرجل الأجنبي ما بين السرة إلى الركبة، ولا بأس أن تنظر إلى ما سوى ذلك إذا كانت تأمن على نفسها، والأفضل للشاب غض البصر عن وجه الأجنبية وكذا الشابة لما فيه من خوف حدوث الشهوة والوقوع في الفتنة) إلى أن قال: (ثم إنما يحرم النظر من الأجنبية إلى سائر أعضائها سوى الوجه والكفين أو القدمين أيضا على اختلاف الروايتين إذا كانت مكشوفة، فأما إذا كانت مستورة بالثوب فإن كان ثوبها صفيقا لا يلتزق ببدنها فلا بأس أن يتأملها ويتأملها جسدها، لأن المنظور إليه الثوب دون البدن، وإن كان ثوبها رقيقا يصف ما تحته ويشف أو كان صفيقا لكنه يلتزق ببدنها حتى يستبين له جسدها فلا يحل له النظر).

 

٣١- قاضيخان الأوزجندي الفرغاني (ت٥٩٢هـ)

جاء في فتاوى قاضيخان ج٢ ص٣٩١: (والعبد في النظر إلى مولاته الحرة التي لا قرابة بينه وبينها بمنزلة الرجل الأجنبي الحر ينظر إلى وجهها وكفها، ولا ينظر إلى ما لا ينظر الأجنبي الحر من الحرة).

وجاء في فتاوى قاضي خان ج٤ ص٣٨٠: (لا بأس للرجل أن ينظر من أمه وبنته البالغة وأخته وكل ذات محرم منه كالجدات وأولاد الأولاد والعمات والخالات إلى شعرها وصدرها ورأسها وثديها وعضدها وسقاها، ولا ينظر إلى ظهرها وبطنها ولا إلى ما بين سرتها إلى أن تجاوز الركبة، وكذا إلى كل ذات محرم ورضاع أو صهرية كزوجة الأب والجد وإن علا، وزوجة الابن وأولاد الأولاد وإن سفلوا .. وما لا يكره النظر إليها من ذوات المحارم فلا بأس بأن يمسها بلا حائل بلا شهوة إلا الأجنبية، فإنه لا بأس بالنظر إلى وجهها ويكره المس .. وإذا أراد الرجل أن يتزوج امرأة فله أن ينظر إلى وجهها، فإن كان بحال يشتهي إذا نظر إلى وجهها أو كان أكبر رأيه أنه يشتهي فلا بأس بأن ينظر إلى وجهها مكشوفا، وكذا لو دعي إلى شهادة عليها، أو كان حاكما فأراد أن ينظر إلى وجهها عند الإقرار ؛ كان له أن ينظر إليها وإن كان يشتهي، ولا بأس للرجل بمصافحة العجوز التي لا تشتهى، وأن تغمز رجله، وكذا لو كان الرجل شيخا يأمن على نفسه وعليها فلا بأس بأن يصافحها، وإن كان لا يأمن لا يحل).

 

٣٢- برهان الدين المرغيناني (ت٥٩٣هـ)

قال في بداية المبتدي ج١ ص٢٢٢: (ولا يجوز أن ينظر الرجل إلى الأجنبية إلا إلى وجهها وكفيها، فإن كان لا يأمن الشهوة لا ينظر إلى وجهها إلا لحاجة … .. ويجوز للقاضي إذا أراد أن يحكم عليها وللشاهد إذا أراد أداء الشهادة عليها النظر إلى وجهها وإن خاف أن يشتهي، ومن أراد أن يتزوج امرأة فلا بأس بأن ينظر إليها وإن علم أنه يشتهيها).

وقال في الهداية في شرح بداية المبتدي ج٤ ص٣٦٨: (ولا يجوز أن ينظر الرجل إلى الأجنبية إلا وجهها وكفيها لقوله تعالى: "وَلَا يُبْدِيْنَ زِيْنَتَهُنَّ إِلّا مَا ظَهَرَ" .. ولأن في إبداء الوجه والكف ضرورة لحاجتها إلى المعاملة مع الرجال أخذا وإعطاء وغير ذلك، وهذا تنصيص على أنه لا يباح النظر إلى قدمها، وعن أبي حنيفة أنه يباح لأن فيه بعض الضرورة، وعن أبي يوسف أنه يباح النظر إلى ذراعها أيضا، لأنه قد يبدو منها عادة. قال: "فإن كان لا يأمن الشهوة لا ينظر إلى وجهها إلا لحاجة" .. وقوله: "لا يأمن" يدل على أنه لا يباح إذا شك في الاشتهاء، كما إذا علم أو كان أكبر رأيه ذلك … قال: "ويجوز للقاضي إذا أراد أن يحكم عليها وللشاهد إذا أراد أداء الشهادة عليها النظر إلى وجهها وإن خاف أن يشتهي" للحاجة إلى إحياء حقوق الناس بواسطة القضاء وأداء الشهادة .. ومن أراد أن يتزوج امرأة فلا بأس بأن ينظر إليها وإن علم أن يشتهيها).

وقال في الهداية في شرح بداية المبتدي ج١ ص١٣٦ في حكم غطاء الرجل لرأسه في الحج: (ولأن المرأة لا تغطي وجهها مع أن في الكشف فتنة فالرجل بالطريق الأولى).

وقال في الهداية ج١ ص٤٥: (وبدن الحرة كلها عورة إلا وجهها وكفيها لقوله عليه الصلاة والسلام: المرأة عورة مستورة، واستثناء العضوين للابتلاء بإبدائهما).

 

٣٣- جمال الدين الغزنوي (ت٥٩٣هـ)

قال في الحاوي القدسي ج٢ ص٣٠٧: (لا يحل لمكلف أن ينظر إلى أحد للشهوة غير أحد الزوجين في الآخر، أو المولى في أمته، وهي في جميع المواضع إلا عند الضرورة، ولغير الشهوة يحل النظر للرجال في الرجال في جميع المواضع إلا فيما تحت السرة إلى تحت الركبة، ولا يحل في أجانب النساء الحرائر إلا في الوجه والكفين والقدمين .. ومن لم يأمن الشهوة من غيره لا يحل له النظر أو المس إلا لحاجة ضرورية، كالقاضي والشاهد إذا أراد الحكم والشهادة، وكذا الخاتن إذا احتاج إلى ختان البالغ، والطبيب إذا احتاج إلى موضوع المداواة، والقابلة إذا احتاجت إلى أخذ الولد، والشاهدة إذا أرادت الشهادة على البكارة أو الثيوبة، ولا يحل النظر لهؤلاء إلا في مقدار الضرورة من الموضع وقدر الحاجة من الوقت، والخصي في هذه الأحكام والمجبوب كالفحل، ولا يجوز للمملوك أن ينظر من سيدته إلا ما يجوز للأجنبي أن ينظر إليه منها .. وعن أبي يوسف فيمن حلف بطلاق امرأته أنه لا ينظر إلى حرام، فنظر إلى وجه امرأة أجنبية أو يدها لا تطلق امرأته، وكره له ذلك لتوهّم الشهوة).

 

٣٤- حسام الدين ابن مكي (ت٥٩٨هـ)

قال في خلاصة الدلائل ج٢ ص٣٩٨: (ولا يجوز أن ينظر الرجل من الأجنبية إلا إلى وجهها وكفيها، لقوله تعالى: "وَلَا يُبْدِيْنَ زِيْنَتَهُنَّ إِلّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا"، قال في التفسير: هو الكحل والخاتم، وموضعهما من الوجه واليدين. فإن كان لا يأمن من الشهوة لا ينظر إلى وجهها إلا لحاجة، لقوله عليه السلام: "النظر إلى محاسن المرأة سهم من سهام إبليس"، ويجوز للقاضي إذا أراد أن يحكم عليها، ولشاهد إذا أراد الشهادة عليها: النظر إلى وجهها وإن خاف أن يشتهي، ويجوز للطبيب أن ينظر إلى موضع المرض منها).

وقال في خلاصة الدلائل ج١ ص٧٦: ("وبدن المرأة الحرة كلها عورة إلا وجهها وكفيها" لقوله تعالى: "وَلَا يُبْدِيْنَ زِيْنَتَهُنَّ إِلّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا"، عن ابن عباس أنه قال: "إنه الكحل والخاتم"، وفي القدم روايتان، والصحيح أنها عورة).

 

٣٥- أبو منصور محمد بن مكرم الكرماني (تقريبا ٦٠٠هـ)

قال في المسالك في المناسك في ص٣٥١-٣٥٦: (يجوز لها أن تغطي رأسها في الإحرام خلاف الرجل، لما ذكرنا أن رأسها عورة .. وذكر في شرح القدوري للعوفي وشرح الكرخي رحمهما الله: "أن للمرأة أن تلبس ما بدا لها من الدروع والقمص والخُمُر والخف والقفازين لأنها عورة مستورة بالنص"، فيجب عليها فعل ما هو أستر لها، ولبس هذه الأشياء على هذه الصفة هو الأصح .. قال: وتكشف المرأة وجهها لقوله صلى الله عليه وسلم: "إحرام المرأة في وجهها"، لكن لها أن تسدل ثوبا على وجهها إن أرادت، وتنحّيه عن وجهها ليقع الأمن عن النظر إليها ولا تكون مكشوفة الوجه كيلا يؤدي إلى الفتنة).

 

٣٦- أبو المعالي بن مازة البخاري (ت٦١٦هـ)

قال في المحيط البرهاني ج٥ ص٣٣٤-٣٣٥: (وأما النظر إلى الأجنبيات فنقول: يجوز النظر إلى مواضع الزينة الظاهرة منهن، وذلك الوجه والكف في ظاهر الرواية … ولأنها تحتاج إلى إبداء وجهها في المعاملات لتحل الشهادة عليها، وتحتاج إلى إبداء كفها عند الأخذ والإعطاء، وروى الحسن عن أبي حنيفة رضي الله عنهما أنه يجوز النظر إلى قدمها أيضا .. وفي جامع البرامكة عن أبي يوسف: أنه يجوز النظر إلى ذراعيها أيضا لأنها تصير مبتليا بإبداء ذراعيها أثناء الغسل والطبخ، قيل: فكذلك يباح النظر إلى ثناياها لأن ذلك يبدو منها عند التحدث مع الرجال في المعاملات، وذلك كله إذا لم يكن النظر عن شهوة، فإن كان يعلم أنه لو نظر اشتهى أو كان أكثر رأيه ذلك فليجتنب بجهده … ثم النظر إلى الحرة الأجنبية قد يصير مرخصا عند الضرورة لما عرف أن مواضع الضرورة مستثناة عن قواعد الشرع، ومن مواضع الضرورة إذا دعي الرجل إلى شهادة، يعني أداء الشهادة عليها، وأراد الحاكم أن ينظر إليها ليجيز إقراره عليها، وكان إذا نظر اشتهى، أو كان أكثر رأيه ذلك، فلا بأس بالنظر إليها لأن الشاهد لا يجد بدا من النظر إلى المشهود عليه في أداء الشهادة).

وقال في المحيط البرهاني ج٥ ص٣٣٧: (والعبد فيما ينظر إلى مولاته كالحر الأجنبي، حتى لا يحل له أن ينظر إلا إلى وجهها وكفها، وهذا مذهبنا، وقال مالك: نظره إليها كنظر الرجل إلى ذوات محارمه).

وقال في المحيط البرهاني ج٣ ص٤٩٩: (ذكر في واقعات الناطفي أن المرأة المحرمة ترخي على وجهها خرقة وتجافي عن وجهها، ودلت هذه المسألة أن المرأة منهية عن إظهار وجهها للرجال من غير ضرورة، لأنها منهية عن تغطية الوجه لحقّ النسك، لولا أن الأمر كذلك وإلا لم يعرف إرخاءه)، هكذا أوردها، ونقلها عنه السغناقي في النهاية: (ولولا أن الأمر كذلك لما أُمرت بهذا الإرخاء).

قلت: وهذا هو تفسير ابن مازة لرأي الناطفي، وهو خطأ، فقد نص الناطفي على إباحة كشف الوجه والنظر إليه، ولهذا فإن كلامه عن إحرام المرأة محمول على الاستحباب.

 

٣٧- محمد بن رمضان الرومي (توفي بعد ٦١٦هـ)

قال في الينابيع في معرفة الأصول والتفاريع (ملف وورد): (ولا ينظر من الأجنبية سوى وجهها وكفيها، وإن غلب على ظنه أنه يشتهي فهو حرام، والقدم عورة في حق النظر دون الصلاة، وذكر في الزيادات أنها ليست بعورة في حق النظر أيضا كالوجه، ويحرم مس الأجنبية سواء كان عن شهوة أو لم يكن، وإن كانت عجوزا فلا بأس بمصافحتها إذا كان لا يشتهي، ويباح له النظر إذا أراد أن يتزوجها وإن خاف أن يشتهي).

 

٣٨- محمد بن محمود الأسروشني (ت٦٣٢هـ)

قال باب الكراهية من كتاب الفصول (مخطوط / مستقل لباب الكراهة من كتاب الفصول، ترقيم آلي ص٥٠ / ترقيم يدوي ص٤٩): (حرم نظر الرجل إلى جميع أعضاء الحرة الأجنبية، وإلى فوق ثوبها الرقيق أو الملتزق ببدنها بحيث يوصف ما تحته ولو بغير شهوة، إلا وجهها وكفيها فقط في ظاهر الرواية، وقال الطحاوي – وهو رواه عن أبي حنيفة -: "يجوز النظر إلى قدم الأجنبية بغير شهوة" كما يجوز بدؤهما في الصلاة، والأصح أنه لا يجوز لأن في الصلاة ضرورة لا في النظر، بخلاف الوجه والكف فإنها تحتاج إلى بدء وجهها في المعاملات مع الرجل وإلى إبداء كفيها في الأخذ والإعطاء، ومواضع الضرورة مستثناة في قواعد الشرع، وفي أبي يوسف: "ويباح النظر إلى ذراعيها أيضا" لأنها تضطر في الطبخ والخبز وغسل الثياب إلى إبداء ذراعيها، فإذا خاف الشهوة حرم نظره إلى وجهها وغير ذلك منها .. لا يحل له أن يمس وجهها وكفيها وإن أمن الشهوة، ولا ينظر إلى عظامها بعد موتها، فإن كانت عجوزا لا تشتهى لا بأس بمصافحتها، وللعجوز أن تغمز يدي أجنبي ورجليه .. وكذا إذا كان شيخا يأمن على نفسه ونفسها فلا بأس بأن يصافح الأجنبية، فإن لم يأمن على نفسه أو على نفسها لا يحل ذلك).

 

٣٩- يوسف السجستاني (ت٦٣٨هـ)

قال في منية المفتي (مخطوط / ترقيم آلي ص١٧٥ / ترقيم يدوي ص١٧١): (العبد يدخل على مولاته بغير إذنها بالإجماع، وهو في النظر إليها كالأجنبي حتى ينظر إلى وجهها وكفيها، ولا ينظر إلى مواضع الزينة الباطنة، وقال مالك وهو أحد قولي الشافعي رحمه الله: "يحل له من سيدته ما يحل للمحرم" ... وأعضاء الحرة عورة ما خلا الوجه والكفين والقدمين)، وقد نقله عنه السيد أحمد بن محمد الحموي في شرح الأشباه والنظائر ج٣ ص٤١٧.

 

٤٠- نجم الدين الزاهدي الغزميني (ت٦٥٨هـ)

قال نجم الدين الزاهدي في المجتبى شرح مختصر القدوري (مخطوط / ترقيم آلي ص٣٩ / ترقيم يدوي ص٣٣): (قال: "وبدن المرأة الحرة كلها عورة إلا وجهها وكفيها" لقوله تعالى: "وَلَا يُبْدِيْنَ زِيْنَتَهُنَّ إِلّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا"، قال في التفسير: الوجه والكف، وقال عليه السلام: "المرأة عورة مستورة"، إلا أنه رخص في حق الوجه والكف للضرورة، وعن عائشة رضي الله عنها: "الرخصة في إحدى عينيها فحسب لاندفاع ضرورة المشي بها" .. وقول المصنف رحمه الله: "وبدن المرأة الحرة كلها عورة إلا وجهها وكفيها" نص على أن قدميها وذراعيها عورة، وكذا ذكره في كتاب الاستحسان: الوجه والكفان ليسا بعورة، فأما ما سوى ذلك فهو عورة شح [أي: قال شمس الأئمة الحلواني]، القدمان ليستا بعورة، وكذا ذكره الطحاوي والحسن عن أبي حنيفة رحمه الله، وذكر أبو يوسف في جامع الجوامع أربعة أشياء منها لا يمنع جواز الصلاة: الوجه والكفان والقدمان والذراعان، وهو رواية عن أبي حنيفة، لكنه يكره كشف القدم والذراع فيها شك [لم يتبين لي صاحب الرمز]، وكل شيء من الحرة عورة ما خلا الوجه والكف والذراعين).

وقال في (مخطوط / ترقيم آلي ص٣٤٤ / ترقيم يدوي ص٣٣٣): (ولا يجوز أن ينظر الرجل من الأجنبية إلا وجهها وكفيها لقوله تعالى: "وَلَا يُبْدِيْنَ زِيْنَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا"، قال علي وابن عباس رضي الله عنهما: "ما ظهر منها: الكحل والخاتم"، والمراد موضعهما وهو الوجه والكف، كما أن المراد بالزينة المذكورة في الآية مواضعها، ولأن في إبداء الكف والوجه ضرورة لحاجتها إلى المعاملة مع الرجال أخذا وإعطاء، قلت: وهذا تنصيص على أنه لا يباح النظر إلى قدميها وذراعيها، والناس عنه غافلون، وعن أبي يوسف رحمه الله أنه يباح النظر إلى ذراعيها لأنه قد يبدو منها عادة، وقد استقينا الكلام فيه في باب شروط الصلاة من هذا الكتاب. قال: "وإن كان لا يأمن الشهوة لم ينظر إلى وجهها إلا لحاجة" .. فإذا خاف الشهوة لم ينظر من غير حاجة تحرزا عن المحرم هي، وقوله: "لا بأس" يدل على أنه لا يباح إذا شك في الاشتهاء، كما إذا غلب على ظنه ذلك، ولا يحل أن يمس وجهها ولا كفيها وإن كان يأمن الشهوة لقيام المحرم وانتفاء الضرورة والبلوى بخلاف النظر لأن فيه بلوى .. وهذا في الشابة المشتهاة، وأما العجوز التي لا تشتهى فلا بأس بمصافحتها ومس يدها لانعدام الفتنة .. قال: "ويجوز للقاضي أن ينظر إذا أراد أن يحكم عليها والشاهد إذا أراد الشهادة النظر إلى وجهها وإن خاف أن يشتهي للحاجة إلى إحياء حقوق الناس بواسطة الشهادة والقضاء، لكن ينبغي أن يقصد أداء وجوب الشهادة والحكم لا قضاء الشهوة" تحرزا عن قصد القبيح، وأما النظر لتحمل الشهادة إذا اشتهى قيل يباح له والأصح أنه لا يباح لوجود من لا يشتهي بخلاف حالة الأداء، وإذا أراد أن يتزوج لا بأس أن ينظر إليها وإن علم أنه يشتهيها). 

 

٤١- ابن عبدالقادر الرازي (ت٦٦٦هـ)

قال في تحفة الملوك ج١ ص٢٣٠: (ويحرم النظر إلى غير الوجه والكفين من الحرة الأجنبية، وفي القدم روايتان، فإن خاف الشهوة لم ينظر إلى الوجه أيضا إلا لحاجة، وكذا لو شك).

 

٤٢- محمود أو عمر المحبوبي (الجد) (ت٦٧٣هـ)

قال في شرح الوقاية ج٥ ص٩٨: (ومن الأجنبية إلى وجهها وكفيها فقط، وكذا السيدة، فإن خاف لا ينظر إلى وجهها إلا لحاجة، كقاض يحكم وشاهد يشهد عليها، ومن يريد نكاح امرأة أو شراء أمة أو رجل يداويها، فينظر إلى موضع مرضها بقدر الضرورة).

 

٤٣- ابن مودود الموصلي (ت٦٨٣هـ)

قال في متن المختار للفتوى: (ولا ينظر إلى الحرة الأجنبية إلا إلى الوجه والكفين إن لم يخف الشهوة، فإن خاف الشهوة لا يجوز إلا للحاكم والشاهد).

وقال في الاختيار لتعليل المختار ج٤ ص١٥٦: (إلا إلى الوجه والكفين إن لم يخف الشهوة، وعن أبي حنيفة أنه زاد القدم لأن في ذلك ضرورة للأخذ والإعطاء ومعرفة وجهها عند المعاملة مع الأجانب لإقامة معاشها ومعادها لعدم من يقوم بأسباب معاشها، والأصل فيه قوله تعالى: "وَلَا يُبْدِيْنَ زِيْنَتَهُنَّ إِلّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا"، قال عامة الصحابة: "الكحل والخاتم"، والمراد موضعهما لما بينا، وموضعهما الوجه واليد … فإن خاف الشهوة لا يجوز إلا للحاكم والشاهد لما فيه من الضرورة إلى معرفتها لتحمل الشهادة والحكم عليها، وكما يجوز له النظر إلى العورة لإقامة الشهادة على الزنا).

 

٤٤- علي بن زكريا المنبجي (ت٦٨٦هـ)

قال في اللباب في الجمع بين السنة والكتاب ج٢ ص٦٤٩: (ولكن الذي أباح بهذه الآية للمملوكين من النظر إلى النساء إنما هو ما ظهر ما الزينة، وهو: الوجه والكفان، وفي إباحته ذلك للمملوكين - وليسوا بذوي أرحام محرمة - دليل على أن الأحرار الذين ليسوا بذوي أرحام محرمة من النساء في ذلك كذلك).

 

٤٥- جلال الدين الخبازي (ت٦٩١هـ)

قال في شرح مشكلات الهداية (مخطوط / ترقيم آلي ص٢٦): ("المرأة عورة مستورة" يعني من حقها أن تستر كما يقال: "الله معبود" أي: من حقه أن يعبد لا لأجل الجنة ولا لأجل النار، واستثناء العضوين للابتلاء بإبدائهما، لكن على الناظر أن لا ينظر بشهوة، وتحصين الكف إشارة إلى أن ظهر الكف عورة، قوله: "وهو الأصح" لأن المرأة محتاجة إلى كشف قدميها عند مشيها، كما يحتاج لإظهار وجهها ويديها عند المعاملة، فإذا خرج الوجه والكف عن أن يكون عورة للحاجة مع أن الكف والوجه في كونه مشتهى فوق القدم، فلأن يخرج القدم أولى).

 

٤٦- مظفر الدين ابن الساعاتي (ت٦٩٤هـ)

قال في مجمع البحرين ص٨٢١: (يحرم النظر إلى العورة إلا لضرورة، كالطبيب والخاتن والقابلة، وينظر الرجل من الرجل والمرأة منه ومن المرأة إلى غير العورة، ومن زوجته وأمته التي تحل له إلى جميعها، ومن محارمه وأمة الغير إلى الوجه والرأس والصدر والساقين والعضدين، ولا بأس بمس ذلك إذا أمن الشهوة، ويمس للشراء وإن خاف، ولا ينظر من الحرة الأجنبية إلا إلى الوجه والكفين إذا أمن، فإن خاف امتنع إلا القاضي والشاهد، ولا يمس وإن أمن، وينظر العبد من سيدته ما ينظر الأجنبي والخصي من الأجنبية ما ينظر الفحل، ولا بأس بالنظر إلى من يريد نكاحها وإن علم الشهوة).

 

٤٧- أبو البركات النسفي (ت٧١٠هـ)

قال في كنز الدقائق ج١ ص٦٠٩: (لا ينظر إلى غير وجه الحرة وكفيها، ولا ينظر من اشتهى إلى وجهها إلا الحكم والشاهد، وينظر الطبيب إلى موضع مرضها).

 

٤٨- حسام الدين السغناقي (ت٧١٤هـ) 

قال في النهاية ج٤ (مخطوط / ترقيم آلي ١٩٢ / ترقيم يدوي ص١٨٧) في نقل طويل عن مبسوط السرخسي: (نظر الرجل إلى المرأة ينقسم أربعة أقسام: نظره إلى زوجته ومملوكته، ونظره إلى ذوات محارمه، ونظره إلى إماء الغير، ونظره إلى الحرة الأجنبية، ثم في مسائل النظر قياس واستحسان، بيان هذا أن المرأة من قرنها إلى قدمها عورة هو القياس، وإليه أشار صلى الله عليه وسلم فقال: "المرأة عورة مستورة"، ثم أبيح النظر إلى بعض المواضع منها للحاجة والضرورة، فكان ذلك استحسانا لكونه أرفق بالناس، قال علي وابن عباس رضي الله عنهم: "مَا ظَهَرَ مِنْهَا": "الكحل والخاتم"، والمراد موضعهما، وإنما قيل بقول علي وابن عباس لأن عائشة رضي الله عنه تقول المراد من قوله تعالى "إِلّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا": "إحدى عينيها"، وقال ابن مسعود: "المراد منه خفها وملاءتها"، واستدل ابن مسعود بقوله صلى الله عليه وسلم: "النساء حبائل الشيطان بهن يصيد الرجال"، وقال عليه السلام: "ما تركت بعدي فتنة اضر على الرجال من النساء"، وجرى في مجلسه يوما: "ما خير ما للرجال من النساء وخير ما للنساء من الرجال" ؟ فلما رجع علي إلى بيته أخبر فاطمة رضي الله عنها، فقالت: "خير ما للرجال من النساء أن لا يروهن، وخير ما للنساء من الرجال أن لا يرونهم"، فلما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك قال: "هي بضعة مني" فدل أنه لا يجوز النظر إلى شيء من بدنها، ولأن حرمة النظر لخوف الفتنة، وعامة محاسنها في وجهها، فخوف الفتنة في النظر إلى وجهها أكثر منه إلى سائر الأعضاء، وبنحو هذا تستدل عائشة رضي الله عنها، ولكنها تقول: "هي لا تجد بدا من أن تمشي في الطريق ولا بد من أن تفتح إحدى عينيها لتبصر الطريق"، فيجوز لها أن تكشف إحدى عينيها لهذه الضرورة، والثابت بالضرورة لا تعدو موضع الضرورة، ولكنا نأخذ بقول علي وابن عباس رضي الله عنهم، فقد جاءت الأخبار في الرخصة في النظر إلى وجهها وكفها، من ذلك ما روي أن امرأة عرضت نفسها على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنظر إلى وجهها فلم ير فيها رغبة، ولما قال عمر رضي الله عنه في خطبته: "ألا لا تغالوا في صُدق النساء فإنها لو كانت مكرمة عند الله أو أتقاكم لكان الأولى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوالله ما خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من أربعمائة أوقية ونش"، فقامت امرأة سفعاء الخدين .. فذكر الراوي أنها كانت سفعاء الخدين، وفي هذا بيان أنها كانت مسفرة عن وجهها، ولما ناولت فاطمة رضي الله عنها أحد ولديها بلالا أو أنسا قال: رأيت كفها كأنه فلقة قمر، فدل أنه لا بأس بالنظر إلى الوجه والكف، وإما خوف الفتنة فقد يكون بالنظر إلى ثيابها أيضا، قال القائل:

عجوز ترجّى أن تكون فتية *** وقد لحب الجنبان واحدودب الظهر

تدس إلى العطار سلعة أهلها *** وهل يصلح العطار ما أفسد الدهر

وما غرني إلا خضاب بكفها *** وكحل بعينيها وأثوابها الصفر

ثم لا شك أنه يباح النظر إلى ثيابها ولا يعتبر خوف الفتنة في ذلك، فكذلك إلى وجهها وكفها، وإذا خاف الشهوة لم ينظر من غير حاجة لقوله صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه: "لا تتبع النظرة النظرة، فإن الأولى لك والثانية عليك"، يعني بالأخرى أن تبصر بشهوة .. والصغيرة إذا كانت لا تشتهى يباح مسها والنظر إليها، لأنه ليس لبدنها حكم العورة .. كل هذا من المبسوط).

وقال في كتاب النهاية ج٢ ص٣٠٧ (كما نقل عنه ابن الضياء الحنفي في البحر العميق ج١ ص٧١٣): (واعلم أن سدل الشيء على وجهها واجب عليها، "لما ذكر في الواقعات للناطفي أن المرأة المحرمة ترخي على وجهها خرقة، وتجافي عن وجهها، ودلت المسألة على أن المرأة منهية عن إظهار وجهها للرجال من غير ضرورة، لأنها منهية عن تغطية الوجه في النسك، ولولا أن الأمر كذلك لما أُمرت بهذا الإرخاء).


وقال السغناقي في النهاية ٢/ ١٦٣ : (الشعر المسترسل : هل هو عورة ؟ احترازٌ عن اختيار الصدر الشهيد وغيره ، فإنه ذكر في الجامع الصغير أن المراد بالشعر ما على الرأس ، وأما المسترسل هل هي عورة ؟ ففيه روايتان ، وذكر المصنف في التجنيس ما يوافق ما ذكر في الهداية ، فقال : "المرأة إذا صلت وشعرها ما تحت الأذنين مكشوف قدر الربع لا يجوز صلاتها" ، لأن في كون المسترسل من شعرها روايتين ، واختار الفقيه أبو الليث رحمه الله هذه الرواية وهي أنه عورة احتياطا لأن تلك الرواية اقتضت أن يجوز للأجنبي النظر إلى صدغ الأجنبية وطرف ناصيتها كما ذهب إليه عبدالله البلخي رحمه الله ، وهذا أمر يؤدي إلى الفتنة ، فكان الاحتياط في الأخذ بهذه الرواية).


 

٤٩- عمر بن محمد بن عوض السنامي (ت قبل ٧٢٥هـ)١٦٣

قال في نصاب الاحتساب ص١٣٢: (الحرة تمنع من كشف الوجه والكف والقدم فيما يقع عليه نظر الأجنبي لأنها لا تأمن عن شهوة بعض الناظرين إليها .. وفي شرح الكرخي: "النظر إلى وجه الأجنبية الحرة ليس بحرام، ولكن يكره بغير حاجة لأنه لا يؤمن الفتنة").

وقال في نصاب الاحتساب ص١٤٢: (مسألة: ذكر في كتاب الحج من التجنيس والمزيد: "المرأة المحرمة ترخي إلى وجهها وتجافي عن وجهها"، دلت المسألة على ان المرأة المحرمة منهية عن إظهار وجهها للأجانب من غير ضرورةلأنها منهية عن تغطية الوجه لحق النسك ولولا أن الأمر كذلك لم يكن لهذا الإرخاء فائدة).

وقال في نصاب الاحتساب ص١٤٤: (وفي الملتقط الناصري: "ويُكره للذكور الصغار لبس الخلخال والسوار" وفيه: "أن الغلام إذا بلغ مبلغ الرجال ولم يكن صبيحا فحكمه حكم الرجال وإن كان صبيحا فحكمه حكم النساء وهو عورة من قرنه إلى قدمه"، يعني لا يحل النظر إليه عن شهوة، فأما السلام والنظر عن غير شهوة فلا بأس به ولهذا لم يؤمر بالنقاب).

وقال في نصاب الاحتساب ص٢٢٠ وما بعدها: (والزينة الظاهرة لا يجب سترها ولا يحرم النظر إليها لقوله تعالى: "إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا"، وفيها ثلاثة أقوال: أحدهما أنها الثياب، وهذا قول ابن مسعود رضي الله تعالى عنه، والثاني هو الكحل والخاتم، وهذا قول ابن عباس رضي الله عنه والمسور بن مخرمة، والثالث الوجه والكفان، وهذا قول الحسن وسعيد بن جبير وعطاء .. قال الجصاص: "قال أصحابنا: يريد به الوجه والكفين لأن الكحل من زينة الوجه والخاتم من زينة الكفين فإذا أباح النظر إلى زينة الوجه والخاتم كان ذلك إباحة النظر إلى الوجه وكذلك الكف" قال: "ويدل على ذلك أن المرأة يجوز لها أن تصلي مكشوفة الوجه والكفين ولو كانت من العورة لم يجز لها ذلك"، قال الفقيه أبو الليث في كتاب الاستحسان: "كنا نشك في المرأة تصلي وظهر قدميها مكشوفة حتى وجدت رواية عن الحسن عن أبي حنيفة أن صلاتها جائزة"، وعلى قياس هذا يجوز النظر إلى ظهر قدميها وهذا إذا كان النظر بغير شهوة، وأما إذا كان النظر للشهوة فإنه لا يجوز إلا عند الأعذار، وهي الشهادة من القاضي ومن الشاهد، وإذا أراد أن يتزوجها جاز له النظر إليها وإن اشتهى، وعند الحاجة إلى العلاج .. فصول من أحكام الآية من كلام الجصاص: قال أبو بكر: "قوله وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوْبِهِنَّ فيه دليل على أن صدر المرأة ونحرها عورة لا يجوز للأجنبي النظر إليها منها"، قال: "وقوله تعالى: "وَلَا يُبْدِيْنَ زِيْنَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا" يقتضي ظاهره إباحة إبداء مواضع الزينة الظاهرة وهو الوجه واليد، لأن فيها السوار والقلب .. "وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِيْنَ مِنْ زِيْنَتِهِنَّ" .. ويدل على حظر النظر إلى وجهها للشهوة إذا كان أقرب للزينة وأدعى إلى الفتنة).

 

٥٠- عيسى القرشهري (ت٧٣٤هـ)

قال في المبتغى (مخطوط / ترقيم آلي ص٨٨ / ترقيم يدوي ص٨١): (والقدم عورة في حق النظر، وليس بعورة في حق جواز الصلاة، ولا ينظر إلى كفها ووجهها بشهوة، ولا بأس بالنظر إلى وجهها في التزوج، ولو لم يأمن الشهوة .. ولا يمس وجهها ولا يدها إذا كانت شابة مشتهاة، والعجوز الذي لا يشتهي لا بأس بمصافحتها، ولا بأس بتأمل جسدها وعليها ثوب ما لم يكن ثوبا يبين حجمها فيه فيغض بصره .. امرأة أصابتها قرحة في موضع لا يحل النظر إليه: يعلّم الطبيب امرأة دواء لتداويها، وإلا فتستر كل شيء سوى القرحة فينظر يغض ما أمكن).

 

٥١- فخر الدين الزيلعي (ت٧٤٣هـ)

قال في تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق للنسفي ج٦ ص١٧: (قال رحمه الله: "لا ينظر إلى غير وجه الحرة وكفيها"، وهذا كلام فيه خلل لأنه يؤدي إلى أنه لا ينظر إلى شيء من الأشياء إلا إلى وجه الحرة وكفيها، فيكون تحريضا على النظر إلى هذين العضوين وإلى ترك النظر إلى كل شيء سواهما، وليس هذا بمقصود في هذه المسألة، وإنما المقصود فيها أنه يجوز له النظر إلى هذين العضوين .. وإنما جاز النظر إليهما لقوله تعالى: "وَلَا يُبْدِيْنَ زِيْنَتَهُنَّ إِلّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا" .. ولأن في إبدائهما ضرورة لحاجتها إلى المعاملة مع الرجال والإعطاء وغير ذلك من المخالطة فيها ضرورة كالمشي في الطريق ونحو ذلك، والأصل أن لا يجوز النظر إلى المرأة لما فيه من خوف الفتنة، ولهذا قال عليه السلام: "المرأة عورة مستورة"، إلا ما استثناه الشرع، وهما العضوان، وهذا يفيد أن القدم لا يجوز له النظر إليه، وعن أبي حنيفة أنه يجوز لأن في تغطيته بعض الحرج، وعن أبي يوسف رحمه الله أنه يباح النظر إلى ذراعها أيضا لأنه يبدو منها عادة … ولا ينظر من اشتهى إلى وجهها إلا الحاكم والشاهد .. والأصل فيه أنه لا يجوز أن ينظر إلى وجه امرأة أجنبية مع الشهوة لما روينا إلا للضرورة إذا تيقن بالشهوة أو شك فيها، وفي نظر القاضي إذا أراد أن يحكم عليها أو الشاهد إذا أراد أداء الشهادة، وفي نظر الطبيب إلى موضع المرض ضرورة، فيرخص لهم إحياءً لحقوق الناس ودفعا لحاجتهم).

 

٥٢- حسين بن محمد السمنقاني (ت٧٤٦هـ)

قال في خزانة المفتين (مخطوط / ترقيم آلي ص٣٣ / ترقيم يدوي ٢٧): (والنسوان على أربعة أصناف: زوجة المرء والمملوكة والمرأة الأجنبية التي يحل النكاح بينهما وذو الرحم غير المحرم والمحارم التي لا يحل النكاح بينهما .. والنظر إلى الأجنبية ومسها لا يحل من قرنها إلى قدمها إلا الوجه والكفين إلى المفصل).

 

٥٣- عبيدالله بن مسعود المحبوبي (الحفيد) (ت٧٤٧هـ)

قال في النقاية ج٥ ص٩٨: ("ومن الأجنبية إلى وجهها وكفيها فقط"، وهذا في ظاهر الرواية، وعن أبي حنيفة رضي الله عنه أنه يحل النظر إلى قدمها، وقد مر في كتاب الصلاة أن القدم ليست بعورة، قلنا: في الصلاة ضرورة، وليس في نظر الأجنبي إلى القدم ضرورة بخلاف الوجه والكف، "وكذا السيدة" فإنها في النظر إلى قدميها كالأجنبية، "فإن خاف": أي الشهوة، "لا ينظر إلى وجهها إلا لحاجة، كقاض يحكم وشاهد يشهد عليها، ومن يريد نكاح امرأة أو شراء أمة أو رجل يداويها"، فإن لهؤلاء يحل لهم النظر مع خوف الشهوة للحاجة "فينظر إلى موضع مرضها بقدر الضرورة").

 

٥٤- قوام الدين الكاكي (ت٧٤٩هـ)

قال في عيون المذاهب ص٢٢١: (ولا ينظر إلى غير وجه حرة وكفيها، وإليهما بشهوة بالإجماع إلا حاكم وشاهد، وينظر الطبيب إلى موضع مرضها، ورجل إلى رجل إلا العورة، والمرأة للمرأة كالرجل بالإجماع).

 

٥٥- قوام الدين الإتقاني (ت٧٥٨هـ)

قال في غاية البيان نادرة الأقران شرح الهداية ج٦ (مخطوط / ترقيم آلي ص١٧٤ / ترقيم يدوي ص١٧٣): (قال: "ولا يجوز أن ينظر الرجل إلى الأجنبية إلا إلى وجهها وكفيها"، أي: قال القدوري في مختصره، وهو مذهب مالك والشافعي رضي الله عنه أيضا، والأصل فيه قوله تعالى: "قُلْ لِلْمُؤْمِنِيْنَ يَغُضُّوْا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوْا فُرُوْجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللهَ خَبِيْرٌ بِمَا يَصْنَعُوْنَ. وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوْجَهُنَّ وَلَا يُبْدِيْنَ زِيْنَتَهُنَّ إِلّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا"، ومواضع الزينة الرأس لأنه موضع الإكليل، والشعر لأنه موضع العقاص، والدريمان [كذا] والأذن لأنها موضع القرط، والعنق لأنه موضع القلادة، والصدر لأنه موضع الوشاح، والعضد لأنه موضع الدملج، والذراع لأنها موضع السوار، والساق لأنها موضع الخلخال، وذكر الزينة وأراد مواضعها للمبالغة في التستر، ويحل النظر للأجانب إلى موضع الزينة الظاهرة، وهي التي استثناها الله تعالى بقوله: "إِلّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا" .. وقلنا إنها تضطر إلى الخروج للبيع والشراء، وتحتاج إلى الأخذ والإعطاء، وتحتاج إلى كشف العين للمشي وفي كشفها كشف بعض الوجه، وفي التأويلات: كشف الكفين، وعن أصحابنا روايتان في القدم، ففي ظاهر الرواية: لا يحل النظر إليها ولا يباح النظر إلى غير الوجه والكفين، وقال الكرخي في مختصره: "قال ابن شجاع عن الحسن عن أبي حنيفة أنه ينظر إلى وجهها وكفيها وقدمها" إلى هنا لفظ الكرخي، وذلك لأن القدم موضع الزينة الظاهرة .. وهذا إذا لم يكن النظر بشهوة، فإذا لم يأمن الشهوة فلا ينظر إلى الوجه والكف أيضا إلا لحاجة).

 

٥٦- جلال الدين الكرلاني الخوارزمي (ت٧٦٧هـ)

قال في الكفاية شرح الهداية ج٤ ص١٢٦: (لأن النظر إلى الوجه والكف مباح للأجنبي أيضا إذا لم يكن عن شهوة).

وقال في الكفاية شرح الهداية ج٧ ص٣٧٠: (ولكنا نأخذ بقول علي وابن عباس رضي الله تعالى عنهم، فقد جاءت الأخبار في الرخصة في النظر إلى وجهها وكفها، من ذلك ما روي أن امرأة عرضت نفسها على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنظر إلى وجهها فلم ير فيها رغبة .. فقامت سفعاء الخدين وقالت .. فذكر الراوي أنها كانت سفعاء الخدين، وفي هذا أنها كانت مسفرة عن وجهها، ولما ناولت فاطمة رضي الله عنها أحد ولديها بلالا أو أنسا قال: رأيت كفها فلقة قمر، فدل أنه لا بأس بالنظر إلى الوجه والكف، وأما خوف الفتنة فيكون بالنظر إلى ثيابها أيضا، وأما إذا كانت عجوزة لا تشتهى فلا بأس بمصافحتها ومس يدها لانعدام خوف الفتنة، فإن قيل: هذا تعليل في مقابلة النص، وهو ما ذكر في الكتاب: "من مس كف امرأة ليس منها بسبيل وضع على كفه جمرة يوم القيامة" ؟ قيل: المراد: امرأة تدعو النفس إلى مسها، دل عليه ما روي عن أبي بكر وعبدالله بن الزبير رضي الله عنهم: الصغيرة إذا كانت لا تشتهى يباح مسها والنظر إليها، لأنه ليس لبدنها حكم العورة، ولا في النظر والمس خوف الفتنة).

 

٥٧- أكمل الدين البابرتي (ت٧٨٦هـ)

قال في العناية شرح الهداية للمرغيناني ج١ ص٢٥٩: (وقوله "واستثناء العضوين" يعني الوجه والكفين "للابتلاء بإبدائهما" لأن المرأة لا تجد بدا من مزاولة الأشياء بيديها ومن كشف وجهها لا سيما في الشهادة والمحاكمة، قوله: "وهذا" أي قول القدوري: وبدن الحرة كله عورة إلا وجهها وكفيها "تنصيص" منه "على أن القدم عورة" لأنه لم يستثنها، وروى الحسن عن أبي حنيفة أنها ليست بعورة، وبه قال الكرخي .. على أن الاشتهاء لا يحصل بالنظر إلى القدم كما يحصل بالنظر إلى الوجه، فإذا لم يكن الوجه عورة مع كثرة الاشتهاء فالقدم أولى).

وقال في العناية شرح الهداية للمرغيناني ج١٠ ص٢٤: (قال: "ولا يجوز أن ينظر الرجل إلى الأجنبية إلا وجهها وكفيها" .. القياس أن لا يجوز أن ينظر إلى الأجنبية من قرنها إلى قدمها .. ثم أبيح النظر إلى بعض المواضع وهو ما استثناه الكتاب بقوله إلا وجهها وكفيها للحاجة والضرورة، وكان ذلك استحسانا لكونه أرفق بالناس … وقوله: "فإذا خاف الشهوة لم ينظر من غير حاجة" لقوله صلى الله عليه وسلم لعلي: "لا تتبع النظر النظرة، فإن الأولى لك والثانية عليك"، يعني بالثانية أن يبصرها عن شهوة).

 

٥٨- ابن العلاء الأندربتي الدهلوي (ت٧٨٦هـ)

قال في الفتاوى التاتارخانية ج١٨ ص٩٥: (٢٨١٤٥ - وأما النظر إلى الأجنبيات فنقول: يجوز النظر إلى مواضع الزينة الظاهرة منهن، وذلك الوجه والكف في ظاهر الرواية، وفي شرح الكرخي: النظر إلى وجه المرأة الأجنبية الحرة ليس بحرام، ولكنه يكره بغير حاجة … ٢٨١٤٦ - وذلك كله إذا لم يكن النظر عن شهوة، فإن كان يعلم أنه لو نظر يشتهي، وفي الكافي: أو شك الاشتهاء، أو كان أكبر رأيه ذلك، فليجتنب بجهده).

 

٥٩- ابن أبي العز (ت٧٩٢هـ)

قال في التنبيه على مشكلات الهداية ج٣ ص١٠٠٥: (قوله: "ولأن المرأة لا تغطي وجهها مع أن في الكشف فتنة، فالرجل بطريق الأولى" فيه نظر، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشرع للمرأة كشف الوجه للرجال في الإحرام ولا غيره، خصوصا عند الفتنة، وإنما جاء النص بالنهي عن النقاب خاصا، كما جاء النهي عن القفازين، وزيد في حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تنتقب المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين"، رواه أحمد والبخاري والنسائي والترمذي وصححه، وقد تقدم أن القول بأن إحرام المرأة في وجهها إنما هو من كلام ابن عمر .. فالذي دلت عليه السنة أن وجه المرأة كبدن الرجل يحرم ستره بالمفصل على قدره كالنقاب والبرقع، بل وكَيَدِهَا يحرم سترها بالمفصل على قدر اليد كالقفاز، وأما سترها بالكم، وستر الوجه بالملحفة والخمار ونحوهما فلم تنه عنه المرأة ألبتة).

وقال في التنبيه على مشكلات الهداية ج٥ ص٧٨٢: (قوله: "قال علي وابن عباس رضي الله عنه: مَا ظَهَرَ مِنْهَا: الكحل والخاتم، والمراد موضعهما وهو الوجه الكف" في الاستدلال نظر، فإن محل الكحل: العينان، ومحل الخاتم: الأصبع، ولو استدل بما نقل عن ابن عباس وابن عمر وعائشة وعطاء وسعيد بن جبير أن ما ظهر منها: الوجه والكف، كذا ذكره ابن التركماني عن البيهقي لكان أظهر، وروى أبو داود في سننه عن عائشة أن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهم دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وعليها ثياب رقاق، فأعرض عنها، وقال: يا أسماء، إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يرى منها إلا هذا وهذا، وأشار إلى وجهه وكفيه، ولم أر النقل عن علي رضي الله عنه في ذلك).

 

٦٠- أبو بكر الحدادي العبادي (ت٨٠٠هـ)

قال في الجوهرة النيرة ج٢ ص٦١٩: (قوله: "ولا يجوز أن ينظر الرجل من الأجنبية إلا إلى وجهها وكفيها" لأن في إبداء الوجه والكف ضرورة لحاجتها إلى المعاملة مع الرجال أخذا وإعطاء، وقد يضطر إلى كشف وجهها للشهادة لها وعليها عند الحاكم، فرخص لها فيه، وفي كلام الشيخ دلالة على أنه لا يباح له النظر إلى قدمها، وروى الحسن عن أبي حنيفة أنه يباح ذلك، لأن المرأة تضطر إلى المشي، فيبدو قدمها فصار كالكف، ولأن الوجه يشتهى والقدم لا يشتهى، فإذا جاز النظر إلى وجهها فقدمها أولى، قلنا: الضرورة لا تتحقق في كشف القدم، إذ المرأة تمشي في الجوربين والخفين، فتستغني عن إظهار القدمين، فلا يجوز النظر إليهما، قوله: "فإن كان لا يأمن الشهوة لا ينظر إلى وجهها إلا لحاجة"، لقوله عليه السلام: "من نظر إلى محاسن امرأة أجنبية بشهوة صب في عينيه الآنك يوم القيامة"، الآنك هو الرصاص، وقوله: "إلا لحاجة" " هو أن يريد الشهادة عليها، فيجوز له النظر إلى وجهها وإن خاف الشهوة، لأنه مضطر إليه في إقامة الشهادة، أصله شهود الزنا الذين لا بد من نظرهم إلى العورة إذا أرادوا إقامة الشهادة، ولا يحل له أن يمس وجهها ولا كفيها وإن كان يأمن الشهوة لقيام المحرم وانعدام الضرورة بخلاف النظر، لأن فيه ضرورة، والمُحرّم قوله عليه السلام: "من مس كف امرأة ليس منها بسبيل وضع على كفه جمرة يوم القيامة"، ولأن اللمس أغلظ من النظر، ولأن الشهوة فيه أكثر، وهذا إذا كانت شابة تشتهى، أما إذا كانت عجوزا لا تشتهى لا بأس بمصافحتها ومس يدها لانعدام خوف الفتنة، وقد روي أن أبا بكر رضي الله عنه كان يصافح العجائز، وعبدالله بن الزبير استأجر عجوزا لتمرضه، فكانت تغمز رجليه وتفلي رأسه .. قوله: "ويجوز للقاضي إذا أراد أن يحكم عليها وللشاهد إذا أراد أن يشهد عليها أن ينظر إلى وجهها وإن خاف أن يشتهي" للحاجة إلى إحياء حقوق الناس بواسطة القضاء وأداء الشهادة، ولكن ينبغي أن يقصد به أداء الشهادة والحكم عليها، لا قضاء الشهوة، وأما النظر لتحمل الشهادة إذا اشتهى ؛ قيل: مباح كما في حالة الأداء، والأصح أنه لا يباح، لأنه يوجد من لا يشتهي يشهد، فلا ضرورة، ومن أراد أن يتزوج امرأة فلا بأس أن ينظر إليها وإن علم أنه يشتهي، لأن المقصود إقامة السنة لا قضاء الشهوة، قوله: "ويجوز للطبيب أن ينظر إلى موضع المرض منها"، أما إذا كان المرض في سائر بدنها غير الفرج فإنه يجوز له النظر إليه عند الدواء، لأنه موضع ضرورة، وإن كان في موضع الفرج فينبغي أن يعلّم امرأة تداويها، فإن لم توجد امرأة تداويها وخافوا عليها أن تهلك أو يصيبها بلاء أو وجع لا يحتمل ستروا منها كل شيء إلا الموضع الذي فيه العلة، ثم يداويها الرجل ويغض بصره ما استطاع إلا من موضع الجرح، وكذلك نظر القابلة والختان على هذا).

 

٦١- أبو المحاسن جمال الدين الملطي (ت٨٠٣هـ)

قال في المعتصر ج١ ص١٥٨: (تغطية الوجه في الإحرام حرام على المحرم .. وهو القياس، لأن المرأة في الإحرام لا تغطي وجهها مع سعة الأمر عليها في إحرامها في تغطية الرأس ولبس المخيط، فالرجل بذلك أحرى، وهو قول أبي حنيفة ومالك).

 

٦٢- بدر الدين ابن قاضي سماونة (ت٨٢٣هـ)

قال في التسهيل ج٢ ص٦١٠: ("ولا ينظر من الحرة الأجنبية إلا الوجه والكفين لو أمن، وحرم" النظر إلى وجهها "لو خاف الشهوة إلا الحاكم والشاهد" والطبيب ومن يريد نكاحها، فإن لهم النظر وإن اشتهوا، "ولا يمس" وجه الأجنبية وكفيها "وإن أمن، وحِلّ النظر إلى قدم" الأجنبية وكفيها "رواية" عن ح [رمز أبي حنيفة]، "يبيح" س [رمز أبي يوسف] النظر "إلى ذراع" الأجنبية "لضرورة في نحو الخبز ولو عجوزة أو صغيرة لا تشتهى حل النظر والمس").

 

٦٣- حافظ الدين البزازي (ت٨٢٧هـ)

قال في الفتاوى البزازية ج١ ص٢٨٦ (مطبوع بهامش الفتاوى الهندية) عن المرأة في الحج: (وتكشف وجهها ولا ترفع صوتها بالتلبية ولا ترمل، وإن أرخت شيئا على وجهها تجافى وجهها لا بأس، فدلت المسألة على أنها لا تكشف وجهها على الأجانب من غير ضرورة).

وقال في الفتاوى البزازية ج٦ ص٣٧٢: (العبيد يدخلون على مولاتهم بلا إذنها إجماعا، وفي النظر إليها كالأجنبي، وقال الشافعي رحمه الله: يحل له من النظر ما يحل للمحرم .. ومس بدن عجوز لا تُشتهى لا بأس به، وإذا أراد أن يتزوجها له النظر إليها وإن خاف الشهوة)، وقال في ص٣٧٣: (والمحرمة ترخى على وجهها بخرقة وتجافيها عن الوجه، دلت المسألة أنها ممنوعة من كشفها للرجال بلا ضرورة كالشهادة عليها ولها .. ظهر قدمها ليس بعورة فيما رواه الحسن عن الإمام، وعن الثاني ذراعها ليست بعورة، ومسهما حرام، أي مس الوجه والذراع لأنه [لا] يباح مصافحتهن، والاستمتاع حرام بكل حال، وكذا الخلوة، والحكم بالفرق بين الأجنبي وذي الرحم إذا كان النظر لا عن شهوة، فأما بالشهوة فلا يحل لأحد النظر، وكذا إذا كان أكثر رأيه أنه يشتهي لا ينظر إلا للحكم لها أو عليها أو تحمل الشهادة، ولا يقصد الشهوة ويقصد الحكم والتحمل، ولباسها إن [كان] ملتزقا ببدنها أو رقيقا فالنظر من ورائها كالنظر إلى بدنها، والنظر إلى العورة لا يجوز إلا للضرورة كالختان والمداواة والولادة).

 

٦٤- ابن الضياء المكي (ت٨٥٤هـ)

قال في البحر العميق ج١ ص٧١٣: (واعلم أن المرأة كالرجل في حق أداء المناسك في الحج والعمرة، إلا في اثني عشر شيئا … ثانيها: أنها تكشف وجهها ولا تكشف رأسها، لأن رأسها عورة، ولقوله صلى الله عليه وسلم: وإحرام المرأة في وجهها، ولو غطت وجهها بشيء وجافته عن وجهها جاز، قال صاحب النهاية [هو السغناقي]: "واعلم أن سدل الشيء على وجهها واجب عليها، لما ذكر في الواقعات للناطفي أن المرأة المحرمة ترخي على وجهها خرقة، وتجافي عن وجهها، ودلت المسألة على أن المرأة منهية عن إظهار وجهها للرجال من غير ضرورة، لأنها منهية عن تغطية الوجه في النسك، ولولا أن الأمر كذلك لما أُمرت بهذا الإرخاء"، كذا في المحيط [البرهاني لابن مازة]. انتهى. وفي الفوائد المشتملة على مسائل المختصر والتكملة: "أنها تغطي فيها إن شاءت"، وفي الحديث عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم محرمات، فإذا حاذوا بنا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها، فإذا جاوزونا كشفناه"، رواه أحمد وأبو داود ولم يضعفه، وابن ماجة، وفي إسناد يزيد بن أبي زيادة، تُكلِّم فيه، وأخرج له مسلم غير محتج به).

 

٦٥- بدر الدين العيني (ت٨٥٥هـ)

قال في البناية شرح الهداية للمرغيناني ج١٢ ص١٢٨: (يجوز النظر إلى وجه الأجنبية وكفيها لقوله تعالى: "وَلَا يُبْدِيْنَ زِيْنَتَهُنَّ" .. "إِلّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا" .. واختار العلماء قول علي وابن عباس رضي الله عنهم، فكذلك اختاره المصنف، قال علي وابن عباس رضي الله عنهما: "مَا ظَهَرَ مِنْهَا: الكحل والخاتم" … ولو استدل في ذلك بالحديث المرفوع لكان أولى وأحسن وهو ما رواه أبو داود في سننه بإسناده إلى عائشة رضي الله عنها أن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وعليها ثياب رقاق، فأعرض عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: "يا أسماء، إذا بلغت المرأة المحيض لا يصلح أن يرى منها إلا هذا وهذا"، وأشار إلى وجهه وكفه، وأخرجه البيهقي أيضا في سننه … والحاصل أن الذي ذكره من جواز النظر إلى وجه الأجنبية وكفيها إذا أمن الشهوة لقوله تعالى: "وَلَا يُبْدِيْنَ زِيْنَتَهُنَّ إِلّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا"، وأما إذا لم يأمن الشهوة لم يجز النظر إلى وجهها أيضا ولا إلى كفيها .. إلا لحاجة كالشهادة وحكم الحاكم والتزويج، فعند هذه الأشياء يباح النظر إلى وجهها وإن يخاف الشهوة للضرورة).

وقال في منحة السلوك ج٤٠٩: (قوله: "ويحرم النظر إلى غير الوجه والكفين من الحرة الأجنبية" لقوله عليه الصلاة والسلام: "من نظر إلى محاسن امرأة أجنبية عن شهوة صب في عينيه الآنك يوم القيامة"، واستثناء الوجه والكفين لقوله تعالى: "وَلَا يُبْدِيْنَ زِيْنَتَهُنَّ إِلّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا" النور، قال علي وابن عباس: "مَا ظَهَرَ مِنْهَا: الكحل والخاتم"، والمراد بهما موضعهما: وهو الوجه والكف، قوله: "وفي القدم روايتان"، في رواية: لا ينظر إليها، وفي رواية رواها الحسن عن أبي حنيفة أنه يباح النظر إلى قدمها أيضا. وعن أبي يوسف أنه يباح النظر إلى ذراعها. قوله: "فإن خاف الشهوة لم ينظر إلى الوجه أيضا" لما روينا، ولكن خرج منه بعض الأشياء للضرورة، فإذا خاف لم ينظر أصلا إلا للحاجة، مثل الحاكم ينظر للحكم، والشاهد ينظر للشهادة، والطبيب ينظر لموضع المرض. قوله: "وكذا لو شك"، يعني لو شك في الشهوة: لا ينظر أيضا أصلا، لأن الحرمة غالبة، قوله: "ولا يحل للشاب مس الوجه والكفين، وإن أمن الشهوة" لوجود المحرم وانعدام الضرورة. قوله: "إلا من عجوز" يعني إذا كانت عجوزا "لا تشتهى، فلا بأس بمصافحتها ومس يديها" لانعدام خوف الفتنة، قوله: "وكذا لو كان شيخا وأمن عليه وعليها"، أي وكذا تحل المصافحة ونحوها لو كان الرجل شيخا وأمن على نفسه وعلى نفسها لانعدام الفتنة، "حتى إذا خاف عليها حرم" لما فيه من التعرض للفتنة، قوله: "والصغيرة التي لا تشتهى يحل مسها" لانعدام الشهوة، حتى إذا مات صغيرا أو صغيرة يغسله الرجل والمرأة ما لم يبلغ حد الشهوة. قوله: "ويحل للقاضي عند الحكم، والشاهد عند الأداء خاصة، وللخاطب: النظر مع خوف الشهوة" وذلك للضرورة، فرخص لهم إحياء لحقوق الناس ودفعا لحاجتهم، ولكن يقصد القاضي بالنظر: الحكم، والشاهد: إقامة الشهادة، والخاطب: إقامة السنة، بقدر الإمكان لا قضاء الشهوة تحرزا عن القبيح بقدر الإمكان. قيد بقوله: "عند الأداء خاصة" لأنه إذا خاف الشهوة لا يحل له النظر إليها عند التحمل لأنه يوجد من لا يشتهي"، قوله: "ويحل للطبيب النظر إلى موضع المرض منها" أي من المرأة "إن لم يمكنه تعليم امرأة"، اعلم أنه ينبغي للطبيب أن يعلّم امرأة إن أمكن، لأن نظر الجنس أخف، وإن لم يمكن: ستر كل عضو منها سوى موضع المرض ثم ينظر ويغض بصره عن غير ذلك الموضع ما استطاع، لأن ما ثبت بالضرورة يتقدر بقدرها).

 

٦٦- الكمال ابن الهمام (ت٨٦١هـ)

قال في فتح القدير ج٢ ص٥١٤ في إحرام المرأة: (والمستحب أن تسدل على وجهها شيئا وتجافيه، وقد جعلوا لذلك أعوادا كالقبة توضع على الوجه ويسدل فوقها الثوب، ودلت المسألة على أن المرأة منهية عن إبداء وجهها للأجانب بلا ضرورة،وكذا دل الحديث عليه).

وقال في فتح القدير ج١ ص٢٥٩: (فمقتضاه إخراج القدمين لتحقق الابتلاء وإن كان قوله تعالى "وَلَا يُبْدِيْنَ زِيْنَتَهُنَّ"، فالقدم ليس موضع الزينة الظاهرة عادة، ولذا قال الله تعالى: "وَلَا يَضْرِبْنَ بَأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِيْنَ مِنْ زِيْنَتِهِنَّ"، يعني: قرع الخلخال، فأفاد أنه من الزينة الباطنة، وقد روى أبو داود فيه مرسلا عنه صلى الله عليه وسلم: "إن الجارية إذا حاضت لم يصلح أن يرى منها إلا وجهها ويدها إلى المفصل"، ثم كما هو تنصيص على ما ذكرنا كذلك هو تنصيص على أن ظهر الكف عورة بناء على دفع ما قيل إن الكف يتناول ظاهره، لكن الحق أن المتبادر عدم دخول الظهر، ومن تأمل قول القائل: "الكف يتناول ظاهره" أغناه عن توجيه الدفع إذ إضافة الظاهر إلى مسمى الكف يقتضي أنه ليس داخلا فيه، وفي مختلفات قاضيخان: "ظاهر الكف وباطنه ليسا عورتين إلى الرسغ"، وفي ظاهر الرواية: "ظاهره عورة"، وتنصيص أيضا على أن الذراع عورة، وعن أبي يوسف ليس بعورة، وفي المبسوط في الذراع روايتان، والأصح أنه عورة، وفي الاختيار: "لو انكشف ذراعها جازت صلاتها لأنها من الزينة الظاهرة، وهو السوار وتحتاج إلى كشفه للخدمة، وستره أفضل". وصحح بعضهم أنه عورة في الصلاة لا خارجها، واعلم أنه لا ملازمة بين كونه ليس عورة وجواز النظر إليه، فحل النظر منوط بعدم خشية الشهوة مع انتفاء العورة، ولذا حرم النظر إلى وجهها ووجه الأمر إذا شك في الشهوة ولا عورة).

وقال في فتح القدير ج١٠ ص٢٨: (قوله: "قال علي وابن عباس رضي الله عنهما: مَا ظَهَرَ مِنْهَا: الكحل والخاتم، والمراد موضعهما وهو الوجه والكف"، أقول: الظاهر أن المقصود من نقل قول علي وابن عباس هاهنا إنما هو الاستدلال على جواز أن ينظر الرجال إلى وجه الأجنبية وكفيها بقولهما في تفسير قوله تعالى "إِلّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا"، فإن في تفسيره أقوالا من الصحابة لا يدل على المدعى هاهنا شيء منها سوى قولهما، لكن الدلالة [في] قولهما على ذلك غير واضح أيضا، إذ الظاهر أن موضع الكحل هو العين لا الوجه كله، وكذا موضع الخاتم هو الأصبع لا الكف كله، والمدعى جواز النظر إلى وجه الأجنبية كله وإلى كفيها بالكلية، فالأَولى الاستدلال على ذلك هو المصير إلى ما جاء من الأخبار في الرخصة في النظر إلى وجهها وكفيها)، وذكر أحاديث ثم قال: (فدل على أن لا بأس بالنظر إلى وجه المرأة وكفها، قوله: "وهذا إذا كانت شابة تشتهى، أما إذا كانت عجوزا لا تشتهى فلا بأس بمصافحتها ومس يدها لانعدام خوف الفتنة"، قال بعض المتأخرين: "يريد أن حرمة مس الوجه والكف تختص بما إذا كانت شابة، أما إذا كانت عجوزا لا تشتهى فلا بأس بمسهما" انتهى، أقول: ليس هذا بشرح صحيح، إذ لم يذكر في هذا الكتاب ولا في غير من كتب الفقه عدم البأس بمس وجه المرأة الأجنبية وإن كانت عجوزا، وإنما المذكور هنا وفي سائر الكتب عدم البأس بمس كفها إذا كانت عجوزا).

 

٦٧- فخر الدين الرومي (ت٨٦٤هـ)

قال في مشتمل الأحكام (مخطوط / ترقيم آلي ٢٦٢ / ترقيم يدوي ٢٥١): (ولا يجوز أن ينظر الرجل إلى الأجنبية إلا إلى وجهها وكفيها، ولا يباح النظر إلى قدمها، وعن أبي حنيفة رحمه الله أنه يباح، وعن أبي يوسف رحمه الله أن يباح النظر إلى ذراعها أيضا، وإن كان لا يأمن الشهوة فلا ينظر إلى وجهها إلا لحاجة، ولا يباح إذا شك في الاشتهاء، كما إذا علم أو كان أكبر رأيه ذلك، ولا يحل له أن يمس وجهها ولا كفها وإن كان يأمن الشهوة، وهذا إذا كانت شابة تشتهى، أما إذا كانت عجوزا لا تشتهى فلا بأس بمصافحتها ومسها، وكذا إذا كان شيخا يأمن على نفسه وعليها، فإن كان لا يأمن عليها لا تحل مصافحتها، والصغيرة إذا كانت لا تشتهى يباح مسها والنظر إليها، ويجوز للقاضي إذا أراد أن يحكم عليها والشاهد إذا أراد الشهادة عليها النظر إلى وجهها وإن خاف أن يشتهي).

 

٦٨- زين الدين ابن قطلوبغا (ت٨٧٩هـ)

قال في التصحيح والترجيح على مختصر القدوري ص١٥٨ في شروط الصلاة: (قوله: "إلا وجهها وكفيها"، قال في الهداية: وهذا تنصيص على أن القدم عورة، ويروى أنها ليست بعورة وهو الأصح"، قال في الجواهر: "أي ليست بعورة في حق الصلاة، وعورة في حق النظر"، وقال في الاختيار: "الصحيح أنها ليست بعورة في الصلاة، وعورة خارج الصلاة"، قلت: تنصيص الكتاب أولى بالصواب لقول محمد في كتاب الاستحسان: "وما سوى ذلك عورة"، وقال قاضي خان: "وفي قدميها روايتان، والصحيح أن انكشاف ربع القدم يمنع الصلاة"، وكذا قال في نصاب الفقهاء [لأبي المعالي ابن مازة صاحب التتمة]، ولأن ظهر القدم محل الزينة المنهي عن إبدائها، قال تعالى: "وَلَا يَضْرِبْنَ بَأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِيْنَ مِنْ زِيْنَتِهِنَّ").

قلت: وهذه إشارة منه إلى عدم وجود قول أو رواية في المذهب في وجوب ستر وجه المرأة، لأن غرض كتابه (التصحيح والترجيح) هو إيراد الأقوال والروايات التي أعرض عنها القدوري، وليس فيه رواية أخرى غير إباحة الكشف وإباحة النظر.

 

٦٩- ملا خسرو (ت٨٨٥هـ)

قال في كتاب درر الحكام شرح غرر الأحكام ج١ ص٥٩: (إلا وجهها وكفيها وقدميها، فإنها لا تجد بدا من مزاولة الأشياء بيديها وفي كفيها زيادة ضرورة، ومن الحاجة إلى كشف وجهها خصوصا في الشهادة والمحاكمة والنكاح، وتضطر إلى المشي في الطرقات وظهور قدميها خصوصا الفقيرات منهن، وهو معنى قوله تعالى على ما قالوا: "إِلّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا"، أي: ما جرت العادة والجبلّة على ظهوره).

وقال في درر الحكام شرح غرر الأحكام ج١ ص٣١٤: (وينظر الرجل إلى وجه الأجنبية وكفيها فقط، لأن في إبداء الوجه والكف ضرورة لحاجتها إلى المعاملة مع الرجال أخذ وإعطاء ونحوهما .. وإن خاف أي الرجل أو المملوك الشهوة: لا ينظر إلى وجهها إلا لحاجة .. فإذا خاف الشهوة لم ينظر من غير حاجة تحرزا عن المحرم كقاض يحكم عليها، وشاهد يشهد عليها، فإن نظرهما إلى وجهها جائز وإن خاف الشهوة للحاجة إلى إحياء حقوق الناس بالقضاء .. ومن يريد نكاح امرأة حيث جاز أن ينظر إليها وإن خاف الشهوة).

 

٧٠- محمد بن يوسف القرماني (ت٨٨٦هـ)

قال في زبدة الفتاوى مخطوط / (ترقيم يدوي ص٥٠٢ / ترقيم آلي ٥١٣): (حرُم نظر الرجل إلى جميع أعضاء الحرة الأجنبية، وإلى فوق ثوبها الدقيق أو الملتزق ببدنها بحيث يوصف ما تحته ولو بغير شهوة إلا وجهها وكفيها فقط في ظاهر الرواية، وقال الطحاوي: "وهو رواية عن الإمام رحمه الله: يجوز النظر إلى قدمي الأجنبية بغير شهوة كما يجوز إبداؤهما في الصلاة"، والأصح عدم الجواز لأن في الصلاة ضرورة لا في النظر بخلاف الكف والوجه فإنهما يحتاج إلى إبداء كفيها في الأخذ والإعطاء، وإبداء وجهها في المعاملات مع الرجال، ومواضع الضرورة مستثناة عن قواعد الشرع، وعن أبي يوسف رحمه الله: "يباح النظر إلى ذراعيها" أيضا لأنها تضطر في الطبخ والخبز وغسل الثياب إلى إبداء ذراعيها، فإن خاف الشهوة حرم نظره إلى جميع أعضائها منه الوجه وغيره .. ولا يحل له أن يمس وجهها وكفيها وإن أمن الشهوة، ولا ينظر إلى عظامها بعد موتها، وإن كانت عجوزة لا تشتهى فلا بأس بمصافحتها).

 

٧١- برهان الدين الكركي (ت٩٢٢هـ)

قال في فيض المولى (مخطوط / ترقيم آلي ص١٣٠ / ترقيم يدوي ص١٢١): (النظر إلى وجه الأجنبية إذا لم يكن عن شهوة ليس بحرام لكنه مكروه، وبشهوة حرام ومكروه على الأصح من المذهب .. وكذا في الأجنبية: لا ينظر إلى وجهها إذا كان عن شهوة أو أكبر رأيه ذلك إلا لإثبات الحكم وهو القضاء لها أو عليها، أو الشهادة لها أو عليها، أو يريد نكاحها، لكن لا تُقصد الشهوة ولكن يقصد الحكم، ومن وراء الثياب لا ينظر إليها إن كان الثوب رقيقا أو ملتزقا يصفها، ولا يجوز النظر إلى العورة إلا عند الضرورة، وهي الاحتقان والختان والولادة والمداواة والبكارة وفي العنة والرد بالعيب).

 

٧٢- مصلح الدين الأماسي (ت٩٣٦هـ)

قال في مخزن الفقه (مخطوط / ص١٧٥ ترقيم آلي / ص١٧١ ترقيم يدوي): (وينظر الرجل من الرجل سوى ما بين سرته إلى تحت ركبته، ومن عرسه وأمته الحلال إلى فرجها، ومن محرمه وأمة غيره إلى الرأس والوجه والصدر والساق والعضد إن أمن شهوته وإلا فلا، لا إلى الظهر والبطن والفخذ، وما حل نظرا منهما حل مسا إذا أمن الشهوة، وله مس ذلك إن أراد شراءها وإن خاف شهوته، وأمة بلغت لا تُعرض في إزار واحد، ومن الأجنبية إلى وجهها وكفيها فقط إذا أمن الفتنة، وكذا السيدة، فإن خاف لا ينظر إلى وجهها إلا لحاجة كقاض يحكم وشاهد يشهد عليها، ولا يجوز أن يمس ذلك وإن أمن الشهوة، ومن يريد نكاح امرأة أو شراء أمة وإن خيف شهوتهم فلا بأس به، وكرجل يداويها فينظر إلى موضع مرضها بقدر الضرورة).

 

٧٣- سعدي جلبي (ت٩٤٥هـ)

قال في حاشيته على شرح العناية على الهداية للبابرتي ج١٠ ص٢٩: (قوله: "والأولى على أربعة اقسام: نظره إلى الأجنبية الحرة" أقول: الأولى أن يقول: "إلى ما لا يحل من الأجنبية الحرة" .. قال المصنف: "فإذا خاف شهوة لم ينظر إلخ"، أقول: تتميم للحديث فإن الحديث إنما دل على تحريم النظر عند تحقق الشهوة، ولم يكن المدعى ذلك، بل تحريمه عند عدم الأمن هنا، وشتان ما بينهما، فضم ذلك إليه ليتم التقريب).

 

٧٤- بهاء الدين زاده (ت٩٥٢هـ)

قال في حاشيته على تفسير البيضاوي ج٦ ص٢١٣ في تفسير آية الزينة: ("وَلَا يُبْدِيْنَ زِيْنَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُوْلَتِهِنَّ"، والزينة ما تزينت به المرأة من حلي أو كحل أو صبغ، فما كان ظاهرا منها كالخاتم والفتخة وهي ما لا فص فيه من الخاتم والكحل والصبغ ؛ فلا بأس فيه بإبدائه للأجانب بشرط الأمن من الشهوة).

 

٧٥- إبراهيم الحلبي (ت٩٥٦هـ)

قال في متن ملتقى الأبحر ج١ ص١٢٢: (وجميع بدن الحرة عورة إلا وجهها وكفيها، وقدميها في رواية).

وقال في متن ملتقى الأبحر في الحج ج١ ص٤٢١: (والمرأة في جميع ذلك كالرجل إلا أنها تكشف وجهها لا رأسها، ولو سدلت على وجهها شيئا وجافته جاز).

وقال في متن ملتقى الأبحر في محظورات النظر ج١ (مخطوط / ترقيم آلي ص٢١٥ / ص٢٠٢): (ويحرم النظر إلى العورة إلا عند الضرورة كالطبيب والخاتن والخافضة والقابلة والحاقن، ولا يتجاوز قدر الضرورة، وينظر الرجل من الرجل إلى ما سوى العورة .. ومن محارمه وأمة غيره إلى الوجه والرأس والصدر والساق والعضد ولا بأس بمسه بشرط أمن الشهوة في النظر والمس، ولا ينظر إلى البطن والفخذ وإن أمن، ولا إلى الحرة الأجنبية إلا الوجه والكفين إن أمن الشهوة، وإلا فلا يجوز لغير الشاهد عند الأداء والحاكم عند الحكم، ولا يجوز مس ذلك وإن أمن إن كانت شابة، ويجوز إن كانت عجوزا لا تشتهى).

 

٧٦- شمس الدين القهستاني (ت نحو ٩٦٠هـ) (السدل في الحج يدل على الكراهة)

قال في جامع الرموز ص٢١٨ في الحج: (ويتقي الرجل والمرأة "ستر الوجه" لأنه محرم عليهما)، ثم قال في ص٢٢٩: ("والمرأة كالرجل" في جميع الأحكام "إلا أنها لا تكشف رأسها بل" تكشف "وجهها، ولو سدلت شيئا عليه" أي أرسلته على وجهها .. "جاز" ذلك السدل، وفيه إشعار بأن الأولى كشف وجهها كما في شرح الطحاوي، لكن في النهاية [للسغناقي] أن السدل واجب).

وقال في جامع الرموز ص٥٣٠: (وينظر الرجل من الحرة الأجنبية إلى الوجه، وهذا في زمانهم، وأما في زماننا فمنع من الشابة، وينظر العبد من السيدة إلى الوجه، فالعبد كالأجنبي وقيل كالمحرم كما في التمرتاشي [كذا في المطبوع والمخطوط، وهو يحتاج لتحرير، لأن القهستاني متقدم على التمرتاشي]، وفيه إشارة إلى أنه يحل النظر إلى وجه الأجنبية إلا أنه مكروه كما في أيمان الولوالجي، وهذا إذا لم يكن عن شهوة، وإلا فحرام كما في نادرة الفتاوى، "والكفين" تغليب، أي الكف والقدم، وينظر إلى ذراعها في رواية كما في الخزانة .. والكلام مشير إلى أن الخلوة كالنظر وإن كان معها غيرها كما في حج الهداية، ويدخل العبد على سيدته بلا إذنها بالإجماع كما في التتمة .. "وشرط" لحل النظر إليها وإليه "الأمن" بطريق اليقين "من الشهوة" أي ميل النفوس إلى القرب منها أو منه، أو المس لها أو له مع النظر، بحيث يدركه التفرقة بين الوجه الجميل والمتاع الجزيل، فالميل إلى التقبيل فوق الشهوة المحرمة .. وفيه إشارة إلى أنه لو علم منه الشهوة أو ظن أو شك حرم النظر كما في المحيط وغيره).

 

٧٧- زين الدين ابن نجيم المصري (الأكبر) (ت٩٧٠هـ)

قال في البحر الرائق شرح كنز الدقائق للنسفي ج١ ص٢٨٤: (قوله: "وبدن الحرة عورة إلا وجهها وكفيها" لقوله تعالى: "وَلَا يُبْدِيْنَ زِيْنَتَهُنَّ إِلّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا" … ولأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى المحرمة عن لبس القفازين والنقاب، ولو كانا عورة لما حرم سترهما، ولأن الحاجة تدعو إلى إبراز الوجه للبيع والشراء، وإلى إبراز الكف للأخذ والإعطاء، فلم يجعل ذلك عورة …. واعلم أنه لا ملازمة بين كونه ليس بعورة وجواز النظر إليه، فحلّ النظر منوط بعدم خشية الشهوة مع انتفاء العورة، ولذا حرم النظر إلى وجهها ووجه الأمرد إن شك في الشهوة ولا عورة، كذا في شرح المنية، قال مشايخنا: "تمنع المرأة الشابة من كشف وجهها بين الرجال في زماننا للفتنة" … واستثنى المصنف القدم للابتلاء في إبدائه خصوصا الفقيرات وفيه اختلاف الرواية عن أبي حنيفة والمشايخ، فصحح في الهداية وشرح الجامع الصغير لقاضي خان أنه ليس بعورة، واختاره في المحيط، وصحح الأقطع وقاضي خان في فتاويه على أنه عورة، واختاره الإسبيجابي والمرغيناني، وصحح صاحب الاختيار أنه ليس بعورة في الصلاة وعورة خارجها، ورجح في شرح المنية كونه عورة مطلقا).

وقال في أبواب الحج ج٢ ص٦٢٢: (قوله: "والمرأة كالرجل غير أنها تكشف وجهها لا رأسها .." لأن أوامر الشرع عامة جميع المكلفين ما لم يقم دليل على الخصوص، وإنما لا تكشف رأسها لأنه عورة بخلاف وجهها، فاشتركا في كشف الوجه وانفردت بتغطية الرأس، ولما كان كشف وجهها خفيا لأن المتبادر إلى الفهم أنها لا تكشفه لما أنه محل الفتنة نص عليه وإن كانا سواء فيه .. والمراد بكشف الوجه عدم مماسة شيء له، فلذا يكره لها أن تلبس البرقع لأن ذلك يماس وجهها، كذا في المبسوط، ولو أرخت شيئا على وجهها وجافته لا بأس به، كذا ذكر الأسبيجابي، لكن في فتح القدير: "أنه يستحب" .. وفي فتاوى قاضيخان: "ودلت المسألة على أنها لا تكشف وجهها للأجانب من غير ضرورة" اهـ، وهو يدل على أن هذا الإرخاء عند الإمكان ووجود الأجانب واجب عليها إن كان المراد لا يحل أن تكشف، فمحمل الاستحباب عند عدمهم وعلى أنه عند عدم الإمكان فالواجب على الأجانب غض البصر، لكن قال النووي في شرح مسلم قبيل كتاب السلام في قوله سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجأة ؟ فأمرني أن أصرف بصري، قال العلماء: "وفي هذا حجة أنه لا يجب على المرأة أن تستر وجهها في طريقها، وإنما ذلك سنة مستحبة لها، ويجب على الرجال غض البصر عنها إلا لغرض شرعي". اهـ، وظاهره نقل الإجماع فيكون معنى ما في الفتاوى: لا ينبغي كشفها).

وسئل في فتاويه (مطبوع مع الفتاوى الغياثية) ص١٧٩ عن النظر إلى وجه الأجنبية ؛ هل هو حرام لغير القاضي ومن هو في حكمه ؟ فأجاب: (لا يحرم إلا عند شهوة، والله أعلم).

 

٧٨- محمد بن بيرعلي الشهير بالبركلي (ت٩٨١هـ)

قال في كتاب الطريقة المحمدية والشريعة الأحمدية ص٤٥٢-٤٥٣: (فإن كانت المنظور إليها حرة أجنبية غير محرم للناظر يحرم النظر إليها سوى وجهها وكفيها مطلقا .. والنظر إلى وجهها وكفيها من غير حاجة مكروه، وإلا فكالنّظر إلى الذكر)، ثم ذكر الأعذار التي تجيز النظر للمرأة على كل حال ومنها المداواة وإرادة النكاح، ثم قال: (ففي هذه الأعذار يجوز النظر وإن خاف الشهوة، لكن لا ينبغي أن يقصدها).

 

٧٩- أبو السعود أفندي (ت٩٨٢هـ)

قال في تفسيره ج٦ ص١٧٠: ("وَلَا يُبْدِيْنَ زِيْنَتَهُنَّ إِلّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا" عند مزاولة الأمور التي لا بد منها عادة، كالخاتم والكحل والخضاب ونحوها، فإن في سترها حرجا بيّنا .. والمستثنى هو الوجه والكفان لأنها ليست بعورة).

وقال في تفسير آية الجلابيب ج٧ ص١١٥: (الجلباب ثوب أوسع من الخمار ودون الرداء تلويه المرأة على رأسها وتبقى منه ما ترسله على صدرها، وقيل هي الملحفة وكل ما يتستر به، أي يغطين بها وجوههن وأبدانهن إذا برزن لداعية من الدواعي .. وعن السدي: تغطي إحدى عينيها وجبهتها والشق الآخر إلا العين، "ذَلِكَ" أي ما ذكر من التغطي "أَدْنَى" أقرب "أَنْ يُعْرَفْنَ" ويميزن عن الإماء والقينات اللاتي هن مواقع تعرضهم وإيذائهم "فَلَا يُؤْذَيْنَ" من جهة أهل الريبة بالتعرض لهن).

 

٨٠- شمس الدين التمرتاشي (ت١٠٠٤هـ)

قال في متن تنوير الأبصار وجامع البحار (كما في الدر المختار للحصكفي شرح تنوير الأبصار للتمرتاشي ج١ ص٥٨): (وللحرة جميع بدنها خلا الوجه والكفين والقدمين، وتمنع من كشف الوجه بين رجال لخوف الفتنة، ولا يجوز النظر إليه بشهوة كوجه أمرد).

وقال في متن تنوير الأبصار وجامع البحار (كما في الدر المختار للحصكفي شرح تنوير الأبصار للتمرتاشي ج١ ص١٦٤) في باب الحج: (والمرأة كالرجل، لكنها تكشف وجهها لا رأسها، ولو سدلت شيئا عليه وجافته عنه جاز).

وقال في متن تنوير الأبصار وجامع البحار (راجع الدر المختار للحصكفي شرح تنوير الأبصار للتمرتاشي ج١ ص٦٥٦): (ومن الأجنبية إلى وجهها وكفيها فقط، وعبدها كالأجنبي معها، فإن خاف الشهوة امتنع نظره إلى وجهها إلا لحاجة، ويشهد عليها، وكذا مريد نكاحها).

 

٨١- سراج الدين عمر بن إبراهيم بن نجيم المصري (الأصغر) (ت١٠٠٥هـ)

قال في النهر الفائق ج٢ ص٩٨ في إحرام المرأة: (غير أنها لا تكشف رأسها وتكشف وجهها، لما أخرجه أبو داود من حديث عائشة: "كان الركبان تمر بنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم محرمات، فإذا جاوزنا سدلت إحداهن جلبابها من رأسها على وجهها، فإذا جاوزنا كشفناه"، قالوا: "ويستحب أن تجعل على رأسها شيئا وتجافيه"، وقد جعلوا لذلك أعوادا كالقبة توضع على الوجه ويسدل فوقها، ودلت المسألة والحديث على أنها منهية عن إبداء وجهها للأجانب بلا ضرورة، كذا في الفتح [أي فتح القدير لابن الهمام، وقد صدّر كلامه بقوله " والمستحب أن تسدل على وجهها شيئا وتجافيه "]، وقول قاضي خان: "دلت المسألة على أنها لا تكشف وجهها للأجانب، أي: لا يحل لها ذلك"، وما في البحر [الرائق] من أن معناه: "لا ينبغي كشفها أخذا من قول النووي: قال العلماء في قوله: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجأة فأمرني أن أصرف بصري حجة على أنه لا يجب على المرأة أن تستر وجهها في طريقها، وإنما ذلك سنة، ويجب على الرجل غض البصر إلا لغرض شرعي إذ ظاهره نقل الإجماع" ممنوع، بل المراد علماء مذهبه).

وقال في النهر الفائق ج١ ص١٨٣: ("إلا وجهها وكفيها وقدميها"، أما الوجه فلا خلاف فيه، ومنع الشابة من كشفه لخوف الفتنة، ولا تلازم بين سلب العورة عنه وحل النظر إليه، ألا ترى أنه يحرم النظر إلى وجه الأمرد إذا شك ولا عورة، وعبر بالكف دون اليد إيماء إلى أن ظاهره عورة، وهو ظاهر الرواية، وفي مختلفات قاضيخان: "ليس عورة"، واختاره ابن أمير حاج، وافهم كلامه أن الذراع عورة بالأولى وهو الذي رجحه السرخسي، ورجح بعضهم أنه عورة في الصلاة لا خارجها، والأول أولى، وأما القدمان ففيهما اختلاف، وقد رجح غير واحد ما هنا، لكن رجح الأقطع وقاضي خان أنهما عورة، واختاره الأسبيجابي والمرغيناني، وانتصر له العلامة الحلبي، ورجّح في الاختيار أنه عورة خارج الصلاة فقط).

 

٨٢- عبدالحليم بن محمد الشهير بأخي زاده (ت١٠١٣هـ)

قال في حاشيته ص٢١٧ على درر الحكام لملا خسرو: (قوله: "وكفيها" أي: باطن اليدين، أو اليدين، وقد سبق التفصيل في كتاب الصلاة .. قوله: "إلى وجه الأجنبية" وذكر في بعض شروح الهداية: أن مشايخنا قالوا: تمنع المرأة الشابة عن كشف وجهها بين الرجال في زماننا، وقد صرح في بعض الفتاوى أن النظر إلى وجه الأجنبية على وجه الشهوة حرام، وبدونها مكروه).

 

٨٣- ملا علي قاري (ت١٠١٤هـ)

قال في فتح باب العناية بشرح النقاية ج١ ص٢١٧ (لعبيدالله بن مسعود المحبوبي) تلخيص الوقاية (لمحمود المحبوبي) الذي هو اختصار لهداية المرغيناني: (وعورة الحرة بدنها، أي جميع أعضائها .. إلا الوجه والكف والقدم لقوله تعالى: وَلَا يُبْدِيْنَ زِيْنَتَهُنَّ إِلّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا، أي إلا ما جرت به العادة على ظهورها للأجانب من الوجه والكف والقدم، إذ من ضرورة إبداء الزينة إبداء مواضعها، والكحل زينة الوجه، والخاتم زينة الكف، ولأن المرأة لا تجد بدا من مزاولة الأشياء بيديها، ومن الحاجة إلى كشف وجهها خصوصا الشهادة والمحاكمة، وتضطر إلى المشي في الطرقات وظهور قدميها خصوصا الفقيرات).

وقال في باب الحج ج١ ص٦٧١: (والمرأة كالرجل إلا أنها لا تكشف رأسها لأنه عورة، بل تكشف وجهها … ولو سدلت أي أرسلت .. على وجهها مجافيا أي مبعدا عنه، أي عن وجهها جاز ذلك السدل).

وقال في كتاب الكراهية ج٤ ص١٤: (وينظر الرجل من الأجنبية ومن السيدة إلى الوجه والكفين لأنها محتاجة إلى إبداء ذلك لحاجتهما إلى الإشهاد وإلى الأخذ والإعطاء، ومواضع الضرورة مستثناة من قواعد الشرع، والقدم كالوجه في رواية الحسن كما ذكره الطحاوي، لأنها تحتاج إلى إبداء قدمها إذا مشت حافية أو منتعلة .. وشُرِط في حل النظر: الأمن عن الشهوة، فإن من لم يأمن لم يحل النظر احترازا عن الوقوع في الحرام، إلا عند الضرورة كالقضاء والشهادة، أي أدائها لضرورة إحياء حقوق الناس، وقيدنا بأدائها لأن النظر لتحملها لا يباح مع الشهوة مع الأصح، لأنه يوجد من لا يشتهي فلا ضرورة).

 

٨٤- حسن بن عمار الشرنبلالي (ت١٠٦٩هـ)

قال في حاشيته على كتاب درر الحكام لملا خسروج١ ص٣١٤: (قوله: "وينظر الرجل إلى وجه الأجنبية وكفيها" .. قوله "فقط" تنصيص على أنه لا يباح النظر إلى قدمها، وعن أبي حنيفة أنه يباح لأن فيه بعض الضرورة .. .. ولا يحل له مس ما جاز النظر إليه من الأجنبية وإن كان يأمن الشهوة لقيام المحرم وعدم الضرورة والبلوى، بخلاف النظر، لأن فيه بلوى .. وهذا إذا كانت شابة تشتهى، أما إذا كانت عجوزا لا تشتهى فلا بأس بمصافحتها ومس يدها إذا أمن على نفسه وعليها).

وقال في متن نور الإيضاح ص٥٣: (وجميع بدن الحرة عورة إلا وجهها وكفيها وقدميها).

وقال في مراقي الفلاح شرح متن نور الإيضاح له ج١ ص٩١: (وجميع بدن الحرة عورة إلا وجهها وكفيها باطنهما وظاهرهما في الأصح، وهو المختار … فشعر الحرة حتى المسترسل عورة في الاصح وعليه الفتوى، فكشف ربعه يمنع صحة الصلاة، ولا يحل النظر إليه مقطوعا منها).

وقال في مراقي الفلاح شرح نور الإيضاح له في باب الحج ج١ ص٢٨٠: (والمرأة في جميع أفعال الحج كالرجل غير أنها لا تكشف رأسها، وتسدل على وجهها شيئا تحته عيدان كالقبة تمنع مسه بالغطاء).

 

٨٥- الشهاب الخفاجي (ت١٠٦٩هـ)

قال في حاشيته على تفسير البيضاوي ج٦ ص٣٧٢: (ومذهب أبي حنيفة: الوجه والكفان والقدمان ليست بعورة مطلقا، فلذا حمل المصنف رحمه الله الزينة على ظاهرها بقرينة الاستثناء، والمراد: لا يبدينها في مواضعها).

 

٨٦- شيخي زاده داماد (ت١٠٧٨هـ)

قال في مجمع الأنهر شرح ملتقى الأبحر لإبراهيم الحلبي ج٢ ص٥٤٠: (ولا ينظر الرجل إلى الحرة الأجنبية إلا إلى الوجه والكفين إن أمن الشهوة، لأن إبداء الوجه والكف يلزمها بالضرورة للأخذ والإعطاء، ولا ينظر إلى قدميها لعدم الضرورة في إبدائهما … وإن لم يأمن الشهوة لا يجوز النظر إلى الوجه والكفين .. لغير الشاهد عند الأداء، فلا يجوز عند التحمل أن ينظر مع عدم أمن الشهوة في الأصح، لأن وجود من لا يشتهي في التحمل ليس بمعدوم بخلاف من يؤديها، وقيل يباح كما في النظر عند الأداء والحاكم عند الحكم وإن لم يأمنا لأنهما مضطران إليه في إقامة الشهادة والحكم عليها، كما يجوز له النظر إلى العورة لإقامة الشهادة على الزنا).

وقال في مجمع الأنهر شرح ملتقى الأبحر لإبراهيم الحلبي ج١ ص٨٢: (وجميع بدن الحرة عورة إلا وجهها وكفيها لقوله عليه الصلاة والسلام: "بدن الحرة كلها عورة إلا وجهها وكفيها"، والكف من الرسغ إلى الأصابع .. وفي المنتقى: "تمنع الشابة عن كشف وجهها لئلا يؤدي إلى الفتنة وفي زماننا المنع واجب بل فرض لغلبة الفساد" .. "وقدميها في رواية" أي في رواية الحسن عن الإمام، وهي الأصح لأن المرأة مبتلاة بإبداء قدميها في مشيها إذ ربما لا تجد الخف، وفي رواية أنها عورة، وفي الاختيار أنها ليست بعورة في الصلاة وعورة خارج الصلاة، ولو انكشف ذراعها جازت صلاتها لأنها تحتاج إلى كشفه في الخدمة، وستره أفضل).

وقال في مجمع الأنهر شرح ملتقى الأبحر لإبراهيم الحلبي ج١ ص٤٢١: (والمرأة في جميع ذلك، أي في جميع أحكام الحج، كالرجل لعموم الأوامر ما لم يقم دليل الخصوص، إلا أنها تكشف وجهها كالرجل، وإنما ذكره مع أن المرأة لا تخالف الرجل في كشف الوجه لأن المتبادر إلى الفهم أنها لا تكشفه لما إنه محل الفتنة، كما قيل: إنه عليه الصلاة والسلام لم يشرع للمرأة كشف الوجه في الإحرام خصوصا عند خوف الفتنة، وإنما ورد النهي عن النقاب والقفازين … ولو سدلت، أي: أرسلت … على وجهها شيئا وجافته، أي: باعدت ذلك الشيء عن وجهها جاز ذلك السدل، وفي شرح الطحاوي: الأولى: كشف وجهها، لكن في النهاية إن السدل أوجب، ودلت المسألة على أن المرأة لا تكشف وجهها للأجانب من غير ضرورة).

 

٨٧- علاء الدين الحصكفي (ت١٠٨٨هـ)

قال في الدر المختار شرح تنوير الأبصار للتمرتاشي ج١ ص٥٨: (وللحرة .. جميع بدنها حتى شعرها النازل في الأصح خلا الوجه والكفين، فظهر الكف عورة على المذهب، والقدمين على المعتمد، وصوتها على الراجح، وذراعيها على المرجوح، وتمنع المرأة الشابة من كشف الوجه بين الرجال لا لأنه عورة، بل لخوف الفتنة كمسه وإن أمن الشهوة … ولا يجوز النظر إليه بشهوة كوجه أمرد، فإنه يحرم النظر إلى وجهها ووجه الأمرد إذا شك في الشهوة، أما بدونها فيباح ولو كان جميلا كما اعتمده الكمال، قال: فحِلّ النظر منوط بعدم خشية الشهوة مع عدم العورة).

وقال في الدر المختار شرح تنوير الأبصار للتمرتاشي ج١ ص١٦٤ في الحج: (والمرأة فيما مر كالرجل لعموم الخطاب ما لم يقم دليل على الخصوص، لكنها تكشف وجهها لا رأسها، ولو سدلت شيئا عليه وجافته عنه جاز، بل يندب).

وقال في الدر المختار شرح تنوير الأبصار وجامع البحار للتمرتاشي ج١ ص٦٥٦: (وينظر من الأجنبية ولو كافرة .. إلى وجهها وكفيها فقط للضرورة .. وعبدها كالأجنبي معها، فينظر لوجهها وكفيها فقط .. وعند الشافعي ومالك: ينظر كمحرمه، فإن خاف الشهوة أو شك امتنع نظره إلى وجهها، فحل النظر مقيد بعدم الشهوة، وإلا فحرام، وهذا في زمانهم، وأما في زماننا فمَنَعَ من الشابة قهستاني وغيره إلا النظر - لا المس - لحاجة كقاض وشاهد يحكم ويشهد عليها .. وكذا مريد نكاحها ولو عن شهوة بنية السنة لا قضاء الشهوة).

وقال في الدر المنتقى في شرح الملتقى (أي ملتقى الأبحر) لإبراهيم الحلبي (مطبوع بهامش مجمع الأنهر لشيخي زادة داماد في شرح ملتقى الأبحر للحلبي) ج١ ص١٢٢: (وجميع بدن الحرة عورة إلا وجهها وكفيها، وقدميها .. في رواية .. وكذا صوتها وليس بعورة على الأشبه، وإنما يؤدي إلى الفتنة، ولذا تُمنع من كشف وجهها بين الرجال للفتنة، ولا يجوز النظر إليها بشهوة كوجه الأمرد، وأما بدونها فيحل).

وقال في الدر المنتقى في شرح الملتقى (أي ملتقى الأبحر) لإبراهيم الحلبي (مطبوع بهامش مجمع الأنهر لشيخي زادة داماد في شرح ملتقى الأبحر للحلبي) ج١ ص٤٢١: (والمرأة في جميع ذلك كالرجل لعموم الخطاب ما لم يقم دليل الخصوص، إلا أنها تكشف وجهها لا رأسها، ولو سدلت على وجهها شيئا وجافته جاز، بل ندب، وقيل: بل يجب، وقيل: الأولى كشفه، ذكره القهستاني).

وقال في الدر المنتقى في شرح الملتقى (أي ملتقى الأبحر) لإبراهيم الحلبي (مطبوع بهامش مجمع الأنهر لشيخي زاده داماد في شرح ملتقى الأبحر للحلبي) ج٤ ص٢٠٢-٢٠٤: (ولا إلى الحرة الأجنبية ولو كافرة إلا إلى الوجه، وهذا في زمانهم، أما في زماننا فمنع من الشابة، وفي أيمان الولوالجية أنه مكروه، ولو بشهوة فحرام كما في نادرة الفتاوى، والكفين تغليب أي الكف والقدم والذراع … وهذا إن أمن الشهوة، فيحرم ملامستها بشهوة … وإلّا يأمنها [أي الفتنة] فلا يجوز لغير الشاهد عند الأداء عليها أو لها، لا عند التحمل على الأصح إذ يوجد من لا يشتهي … ولا يجوز مس ذلك وإن أمن، لأنه أغلظ من النظر .. وقدمنا جواز مس الرجل ما ينظر إليه من الرجل والمحرم فقط، فلا يحل مس وجه أجنبية أو كفها وإن أمن).

وقال في الدر المختار (انظر رد المحتار على الدر المختار ج٩ ص٥٢٨): ("وما حل نظره" مما مر من ذكر أو أنثى "حل لمسه" إذا أمن الشهوة على نفسه وعليها .. "إلا من أجنبية" فلا يحل مس وجهها وكفها وإن أمن الشهوة لأنه أغلظ، ولذا تثبت به حرمة المصاهرة، وهذا في الشابة، أما العجوز التي لا تشتهى فلا بأس بمصافحتها ومس يدها إذا أمن ... "و" ينظر "من الأجنبية" ولو كافرة. مجتبى [أي: قال الزاهدي في المجتبى] "إلى وجهها وكفيها فقط" للضرورة، قيل: والقدم والذراع إذا أجّرت نفسها للخبر. تاتارخانية "وعبدها كالأجنبي معها" فينظر لوجهها وكفيها فقط، نعم يدخل عليها بلا إذن إجماعا ولا يسافر بها إجماعا .. "فإن خاف الشهوة" أو شك "امتنع نظره إلى وجهها" فحل النظر مقيد بعدم الشهوة وإلا فحرام، وهذا في زمانهم، واما في زماننا فمنع من الشابة. قهستاني وغيره "إلا" النظر لا المس "لحاجة" كقاض وشاهد يحكم "ويشهد عليها").

 

٨٨- الفتاوى الهندية (جُمِعت برئاسة نظام الدين البلخي قرابة عام ١١٠٠هـ)

جاء في الفتاوى الهندية في ج١ ص٢٣٥ عن إحرام المرأة في الحج: (والمرأة في جميع ذلك كالرجل غير أنها لا تكشف رأسها وتكشف وجهها، ولو سدلت على وجهها شيئا وجافته عنه جاز).

وجاء في ج٥ ص٣٢٩: (وأما النظر إلى الأجنبيات فنقول: يجوز النظر إلى مواضع الزينة الظاهرة منهن، وذلك الوجه والكف في ظاهر الرواية، كذا في الذخيرة، وإن غلب على ظنه أنه يشتهي فهو حرام، كذا في الينابيع [للرومي]، النظر إلى وجه الأجنبية إذا لم يكن عن شهوة ليس بحرام لكنه مكروه، كذا في السراجية .. وفي جامع البرامكة عن أبي يوسف رحمه الله أنه يجوز النظر إلى ذراعيها أيضا عند الغسل والطبخ، قيل: وكذلك يباح النظر إلى ثناياها، وذلك كله إذا لم يكن النظر عن شهوة، كذا في المحيط، وكذلك يباح النظر إذا شك في الاشتهاء، كذا في الكافي، قيل: وكذلك يباح النظر إلى ساقها إذا لم يكن النظر عن شهوة، فإن كان يعلم أنه لو نظر يشتهي أو كان أكبر رأيه ذلك فليجتنب بجهده، كذا في الذخيرة … ثم النظر إلى الحرة الأجنبية قد يصير مرخّصا عند الضرورة، كذا في المحيط … يجوز للقاضي إذا أراد أن يحكم عليها، وللشاهد إذا أراد أن يشهد عليها أن ينظر إلى وجهها وإن خاف أن يشتهي، ولكن ينبغي أن يقصد به أداء الشهادة أو الحكم عليها لا قضاء الشهوة … ولو أراد أن يتزوج امرأة فلا بأس بأن ينظر إليها وإن خاف أن يشتهيها، كذا في التبيين [تبيين الحقائق للزيلعي] … والعبد في النظر إلى مولاته الحرة التي لا قرابة بينه وبينها بمنزلة الرجل الأجنبي الحر ينظر إلى وجهها وكفها، ولا ينظر إلى ما لا ينظر الأجنبي الحر من الحرة الأجنبية).

 

٨٩- إسماعيل حقي (ت١١٢٧هـ)

قال في تفسيره روح البيان ج٦ ص١٤١ في تفسير آية الزينة: (وجميع الحرة عورة إلا وجهها وكفيها .. "وَلَا يُبْدِيْنَ زِيْنَتَهُنَّ" .. "إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا" … فإن في سترها حرجا بيّنا .. قال ابن الشيخ: الزينة ما تزينت به المرأة من حلي أو كحل أو ثوب أو صبغ، فما كان منها ظاهرا كالخاتم والفتخة وهي ما لا فص فيه من الخاتم والكحل والصبغ فلا بأس بإبدائه للأجانب بشرط الأمن من الشهوة .. وفيه دليل على أن صدر المرأة ونحرها عورة لا يجوز للأجنبي النظر إليه).

وقال في ج٧ ص٢٤٠ في تفسير آية الجلابيب: (والمعنى يغطين بها وجوههن وأبدانهن وقت خروجهن من بيوتهن لحاجة، ولا يخرجن مكشوفات الوجوه والأبدان كالإماء حتى لا يتعرض لهن السفهاء ظنا بأنهن إماء).

 

٩٠- أحمد ملا جيون اللكنوي (ت١١٣٠هـ)

قال في التفسيرات الأحمدية ص٨٨ وما بعدها: (وعندنا لما جاز إظهار الزينة بنفسها كان المراد هاهنا المنهي عنها هو الزينة حال كونها في مواضعها أو مواضع الزينة كالرأس والأذن والعنق والصدر والعضدين والذراعين والسابق، فإنها مواضع للإكليل والقرط والقلادة والوشاح والدملج والسوار والخلخال على ما صرح به في المدارك، فالمعنى: لا يظهرن هذه المواضع إلا ما ظهر منها ضرورة، وذلك مثل الوجه والكف فقط، لأن في سترهما حرجا بينا، خصوصا في الشهادات والمحاكمات والنكاح وغير ذلك .. وقد قال صاحب الهداية في كتاب الكراهة: .. ولا يجوز أن ينظر الرجل إلى الأجنبية إلا إلى وجهها وكفيها لقوله تعالى: "وَلَا يُبْدِيْنَ زِيْنَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ"، قال علي وابن عباس رضي الله عنهما: "مَا ظَهَرَ مِنْهَا: الكحل والخاتم"، والمراد مواضعهما، وسرد الكلام إلى آخره، والمقصود أنه تمسك بهذه الآية أن لا ينظر الرجل إلى الأجنبية إلا إلى وجهها وكفيها، ولا يتم التمسك إلا بانضمام مقدمة وهي أنه لما جوّز الله تعالى لها إظهار الكف والوجه علم أنه جوّز للناظر الأجنبي النظر إليهما، وإلا فالمذكور في الآية ما هو من جانب المرأة دون ما هو من جانب الناظر، وأين هذا من ذاك، ولذلك ترى صاحب البيضاوي لم يجوز النظر إلى الوجه والكف مع أنه تيقن بجواز إظهار الكف .. وقيل المراد بالزينة مواقعها، والمستثنى هو الوجه والكفان لأنها ليست بعورة، والأظهر أن هذا في الصلاة لا في النظر، فإن كل بدن الحرة عورة لا يحل لغير الزوج والمحرم النظر إلى شيء منها إلا للضرورة كالمعالجة وتحمل الشهادة، هذا كلامه، ولا يخفى حسنه، ولنا على علمائنا كلام يعسر حله ويتعذر جوابه وهو أن آية الحجاب التي ستأتي في سورة الأحزاب تدل على وجوب احتجاب أزواج النبي عليه السلام من الرجال، وقد قال بعض المفسرين أن هذا الحكم عام لجميع المؤمنات، ولكن خصت به أزواج النبي عليه السلام بخصوص الواقعة، وهو يناقض ما فهم من سورة النور المذكورة هنا، وهو جواز النظر إلى الوجه والكف إذا أمن من الشهوة، والقاضي والشاهد والطبيب خاصة إن لم يأمن منها، نعم لا يرد ذلك على نص القرآن بأن يختص آية ثمة بأزواج النبي صلى الله عليه وسلم كما يدل عليه ظاهر العبارة، أو يراد بالزينة هاهنا نفسها لا مواقعها كما هو رأي الشافعي رحمه الله، أو يختص إظهار المواضع بنفس الإظهار في الصلاة بالنظر للغير كما نقلنا آنفا، فتأمل وأنصف …. ثم إن كل هذه في حق الستر عن الرجل الأجنبي المشتهي، وأما في حق غيره فيجوز لها إظهار مواضع الزينة كلها، لا تخصيص له بالوجه والكف والقدم، وذلك مذكور)، إلى أن قال: (بخلاف وجه الأجنبية وكفها، حيث لا يباح المس وإن أبيح النظر لأن الشهوة متكاملة إلا إذا كان يخاف عليها أو على نفسه الشهوة، فحينئذ لا ينظر ولا يمس).

 

٩١- محمد بن حسين الطوري (ت١١٣٨هـ)

قال في تكملته للبحر الرائق لابن نجيم المصري شرح كنز الدقائق للنسفي ج٨ ص٢١٨: (لا يجوز له النظر من المرأة إلى غير الوجه وكفيها، فقد أفاد منع النظر منها غير الوجه وكفيها … ولأن المرأة لا بد لها من الخروج للمعاملة مع الأجانب، فلا بد لها من إبداء الوجه لتعرف فتطالب بالثمن ويرد عليها بالعيب، ولا بد من إبداء الكف للأخذ والعطاء … ولا ينظر من اشتهى إلى وجهها إلا الحاكم والشاهد .. والأصل أنه لا يجوز أن ينظر إلى وجه الأجنبية بشهوة لما روينا إلا للضرورة إذا تيقن بالشهوة أو شك فيها، وفي نظر من ذكرنا مع الشهوة ضرورة، فيجوز).

 

٩٢- عبدالغني النابلسي (ت١١٤٣هـ)

قال في رشحات الأقلام ص١١١: (وعورة الحرة: جميع بدنها إلا وجهها وكفيها وقدميها، والصغيرة جدا لا يكون لها عورة، وعورة الصبي والصبية ما داما لم يشتهيا القبل والدبر، ثم تتغلظ بعد ذلك إلى عشر سنين، ثم تكون كعورة البالغين).

 

٩٣- أبو سعيد الخادمي (ت١١٧٦هـ)

قال في البريقة المحمودية في شرح الطريقة المحمدية ج٥ ص٢٧: ("فإن كانت المنظورة" إليها "حرة أجنبية غير مَحْرَم" .. "للناظر: يحرم النظر إليها سوى وجهها وكفيها"، وفي القدم روايتان، والأصح كونها عورة، وأما ظهر الكف فعورة، وفي التاتارخانية: نظر وجه الأجنبية ليس بحرام، لكن يكره بغير حاجة، وعن أبي يوسف: يجوز النظر إلى ذراعيها لا سيما عند استئجارها للخبز، وكذا النظر إلى ثيابها مباح، ولا بأس بمصافحة العجائز، ولا بأس في معانقتها من وراء الثياب إن غليظة، ولا بالنظر في صغيرة غير مشتهاة، والمس كذلك، "مطلقا" بشهوة أو بغيرها، كذا فسر، لكن مخالف لصريح ما في المنتقى من قوله: "ولا إلى الحرة الأجنبية إلا إلى الوجه والكفين إن أمن الشهوة"، وأيضا في التاتارخانية: "فإن علم الشهوة أو شك فليجتنب بجهد"، لكن في النصاب [نصاب الاحتساب للسنامي] عن الخصاف أن أبا بكر الأعمش [من فقهاء الحنفية في القرن الرابع] خرج إلى الرستاق وكان النساء في شط نهر كاشفات الذراع والرؤوس، فذهب إلى أن خالطهن ولم يتحام عن النظر إليهن، فقيل له: كيف هذا ؟ فقال: لا حرمة لهن لهتكهن حرمة أنفسهن .. "حتى قالوا لا يجوز النظر إلى عظم امرأة بالية في القبر" الظاهر أن يقيد بشهوة، "والنظر إلى وجهها وكفيها" ظاهره الإطلاق "من غير حاجة مكروه" خشية إفضائه إلى الفتنة، ولهذا أمر بالالتفات، وفي النصاب: "الحرة تمنع من كشف الوجه والكف والقدم لأنها لا تأمن على شهوة بعض الناظرين إلا إذا كانت عجوزا فيجوز النظر إلى وجهها ومصافحتها"، "وإلا" أي: وإن لم يكن المنظور إليها حرة أجنبية بل كانت أمة للغير أو محرما للناظر "فكالنظر إلى الذكر مع زيادة البطن والظهر" ).

 

٩٤- محمد ثناء الله المظهري (ت١٢٢٥هـ)

قال في تفسيره ج٦ ص٤٩٤: (قال البيضاوي [وهو شافعي]: "الأظهر أن هذا في الصلاة لا في النظر، فإن كل بدن الحرة عورة لا يحل لغير الزوج والمحرم النظر إلى شيء منها إلا لضرورة، كالمعالجة وتحمل الشهادة"، وفي كتب الحنفية: كون وجه الحرة خارجا عن العورة غير مختص بالصلاة، قال في الهداية: لا يجوز أن ينظر الرجل إلى الأجنبية إلا وجهها وكفيها، لقوله تعالى: "وَلَا يُبْدِيْنَ زِيْنَتَهُنَّ إِلّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا"، ولأن في إبداء الكف والوجه ضرورة لحاجتها إلى المعاملة مع الرجال أخذا وإعطاء وغير ذلك، فإن كان الرجل لا يأمن من الشهوة لا ينظر إلى وجهها إلا لحاجة، كتحمل الشهادة وأدائها والقضاء، ولا يباح إذا شك في الاشتهاء كما إذا علم أو كان أكبر رأيه ذلك، قلت: ومذهب أبي حنيفة يؤيده ما رواه أبو داود مرسلا: "الجارية إذا حاضت لم يصلح يرى منها إلا وجهها ويدها إلى المفصل"، قلت: إبداء المرأة زينتها الخفية لغير أولي الإربة من الرجال جائز إجماعا ثابت بنص الكتاب لعدم خوف الفتنة، فإبداء زينتها الظاهرة لهم أولى بالجواز، ونظر الرجال إلى وجه امرأة أجنبية إذا شك في الاشتهاء لا يجوز على ما قال صاحب الهداية أيضا، وقال ابن همام: "حرم النظر إلى وجهها ووجهه الأمرد إذا شك في الشهوة"، ويلزم هذا الحكم: الحكم بأن لا تبدو المرأة وجهها لرجل أجنبي إذا شك منه الشهوة، وإلا كان تعرضا للفساد، وزوال احتمال الشهوة من الرجل الأجنبي ذي الإربة للمرأة الأجنبية غير متصور، فيلزمنا القول بأنه لا يجوز للمرأة الحرة إبداء وجهها لرجل ذي إربة غير الزوج والمحرم، فإن عامة محاسنها في وجهها، فخوف الفتنة في النظر إلى وجهها أكثر منه في النظر إلى سائر أعضائها، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المرأة عورة، فإذا خرجت استشرفها الشيطان"، رواه الترمذي عن ابن مسعود، فإن هذا الحديث يدل على أنها كلها عورة، غير أن الضرورات مستثناة إجماعا، والضرورة قد تكون بأن لا تجد المرأة من يأتي بحوائجها من السوق ونحو ذلك، فتخرج متقنعة كاشفة إحدى عينيها لتبصر الطريق، فإن لم تجد ثوبا سائغا تخرج فيما تجد من الثياب ساترة ما استطاعت، وقد تكون إذا احتاجت إلى الطبيب أو الشهود أو القاضي، فالمراد بالزينة في الآية إن كان نفس الزينة كما فسرناه تبعا لما قال البيضاوي بالحلي والثياب والأصباغ، ويكون حينئذ تحريم إبداء مواضع الزينة بدلالة النص بالطريق الأولى، فلا خفاء على هذا في تأويل الاستثناء حيث يقال: معنى "إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا": إلا ثيابها الظاهرة، قال البغوي: "قال ابن مسعود: هي الثياب"، بدليل قوله تعالى: "خُذُوْا زِيْنَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ" أرادوا به الثياب، وإن كان المراد بها مواضع الزينة فمعنى الاستثناء: إلا ما ظهر منها عند الضرورات ؛ ضرورة الخروج لقضاء الحوائج أو ضرورة الاستشهاد ونحو ذلك، يعني: من غير قصد إلى إبدائها، فاستثناء الوجه والكفين من عورة الحرة ليس إلا لأجل الصلاة، ويدل على عدم جواز إبداء المرأة وجهها قوله تعالى: "يَا أَيُّهَا الْنَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِيْنَ يُدْنِيْنَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيْبِهِنَّ").

 

٩٥- أحمد الطحطاوي (ت١٢٣١هـ)

قال في حاشيته على مراقي الفلاح للشرنبلالي شرح متن نور الإيضاح ج١ ص٢٤١: (قال بعض الفضلاء بحثا: "وظاهر ذلك أنه يُكره التقنع للأمة"، وهو كذلك، لكن بالنسبة لزمن عمر رضي الله تعالى عنه، أما في زماننا فينبغي أن يجب التقنع لا سيما في الإماء البيض لغلبة الفسق فيه، قوله: "للحرج"، من حيث أنها تباع وتشرى وتخرج لحاجة مولاها في ثياب مهنتها عادة، فاعتبر حالها بذوات المحارم في حق جميع الرجال، قوله: "وجميع بدن الحرة" أي: جسدها، قوله: "إلا وجهها"، ومنع الشابة من كشفه لخوف الفتنة لا لأنه عورة، قوله: "وهو المختار" وإن كان خلاف ظاهر الرواية، قوله: "وعن أبي حنيفة ليس بعورة" [أي ذراع المرأة]، واختاره في الاختيار للحاجة للكشف للخدمة كما في البحر، قال الكمال [ابن الهمام]: "وصحح بعضهم أنه عورة في الصلاة لا خارجها، ولا تلازم بين كونه ليس بعورة [أي القدم] وجواز النظر إليه، لأن حل النظر منوط بعدم خشية الشهوة مع انتفاء العورة، ولذا حرم النظر إلى وجهها ووجه الأمرد إذا شك في الشهوة ولا عورة" انتهى، وفي الزاهدي عن الشيخين: "أن الذراع لا يمنع جواز الصلاة لكن يكره كشفه ككشف القدم". قهستاني).

وقال في حاشيته على مراقي الفلاح شرح نور الإيضاح ج١٢ ص١٠٦: (قوله: "وَلَا يُبْدِيْنَ زِيْنَتَهُنَّ" لم يرد نفس الزينة، لأن النظر إلى عين الزينة مباح مطلقا، ولكن المراد: موضع الزينة، فالرأس موضع التاج، والوجه موضع الكحل، والعنق والصدر موضع القلادة، والأذن موضع القرط، والعضد موضع الدملوج، والساعد موضع السوار، والكف موضع الخاتم والخضاب، والساق موضع الخلخال، والقدم موضع الخضاب، انتهى. تبيين)، وقال في ص١٠٨: (قوله: "فلا يحل مس وجهها" وإن جاز النظر إليه مع الكراهة، كما في السراجية)، وقال في ص١١١: (قوله: "وأما في زماننا فمنع من الشابة" أي: فمنع نظر الوجه من الشابة ولو من غير شهوة، قوله: "إلا النظر والمس لحاجة كقاض وشاهد"، ويجب عليهما أن يقصدا أداء الشهادة والحكم، لا قضاء الشهوة تحرزا عن القبيح قدر الإمكان. انتهى. زيلعي).

 

٩٦- ابن عابدين (ت١٢٥٢هـ)

قال في الحاشية الحاشية ج٢ ص٧٩: (قوله: "وتمنع المرأة إلخ" أي تُنهى عنه وإن لم يكن عورة، قوله: "بل لخوف الفتنة": أي الفجور بها. قاموس. أو "الشهوة"، والمعنى تُمنع من الكشف لخوف أن يرى الرجال وجهها فتقع الفتنة لأنه مع الكشف قد يقع النظر إليها بشهوة، قوله: "كمسّه" أي كما يُمنع الرجل من مس وجهها وكفها وإن أمن الشهوة إلخ، قال الشارح في الحظر والإباحة: "وهذا في الشابة، أما العجوز التي لا تُشتهى فلا بأس بمصافحتها ومس يدها إن أمن" انتهى، ثم كان من المناسب في التعبير ذكر مسألة المس بعد مسألة النظر بأن يقول: ولا يجوز النظر إليه بشهوة كمسه وإن أمن الشهوة إلخ، لأن كلا من النظر والمس مما يُمنع الرجل عنه، والكلام فيما تُمنع هي عنه، قوله: "لأنه أغلظ"، أي: من النظر، وهو علةٌ لمنع المس عند أمن الشهوة، أي بخلاف النظر، فإنه عند الأمن لا يُمنع … قوله: "ولا يجوز النظر إليه بشهوة" أي: إلا لحاجة، كقاض أو شاهد بحكم أو يشهد عليها لا لتحمل الشهادة، وكخاطب يريد نكاحها فينظر ولو عن شهوة بنية السنة لا قضاء الشهوة .. والتقييد بالشهوة يفيد جوازه بدونها، لكن سيأتي في الحظر تقييده بالضرورة، وظاهره الكراهة بلا حاجة داعية، قال في التاتارخانية: "وفي شرح الكرخي: النظر إلى وجه الأجنبية الحرة ليس بحرام، ولكنه يُكره لغير حاجة". اهـ، .. قوله: "بشهوة": لم أر تفسيرها هنا … قلت: يؤيده ما في القول المعتبر في بيان النظر لسيدي عبدالغني: "بيان الشهوة التي هي مناط الحرمة أن يتحرك قلب الإنسان ويميل بطبعه إلى اللذة، وربما انتشرت آلته إن كثر ذلك الميلان، وعدم الشهوة أن لا يتحرك قلبه إلى شيء من ذلك بمنزلة من نظر إلى ابنه الصبيح الوجه وابنته الحسناء"انتهى).

وقال في ج٢ ص٥٢٨ في الحج: (قوله: "جاز"، أي من حيث الإحرام، بمعنى أنه لم يكن محظورا لأنه ليس بستر، وقوله: "بل يندب" أي خوفا من رؤية الأجانب، وعبّر في الفتح بالاستحباب، لكن صرح في النهاية بالوجوب، وفي المحيط: "ودلت المسألة على أن المرأة منهية عن إظهار وجهها للأجانب بلا ضرورة لأنها منهية عن تغطيته لحق النسك لولا ذلك، وإلا لم يكن لهذا الإرخاء فائدة" اهـ، ونحوه في الخانية. وفّق في البحر بما حاصله أن محمل الاستحباب عند عدم الأجانب، وأما عند وجودهم فالإرخاء واجب عليها عند الإمكان، وعند عدمه يجب على الأجانب غض البصر، ثم استدرك على ذلك بأن النووي نقل أن العلماء قالوا: لا يجب على المرأة ستر وجهها في طريقها، بل يجب على الرجال الغض، قال: وظاهره نقل الإجماع، واعترضه في النهر بأن المراد: علماء مذهبه، قلت: يؤيده ما سمعته من تصريح علمائنا بالوجوب والنهي. تنبيه: علمت مما تقرر عدم صحة ما في شرح الهداية لابن الكمال من أن المرأة غير منهية عن ستر الوجه مطلقا إلا بشيء فصّل على قدر الوجه كالنقاب والبرقع كما قدمناه أول الباب).

وقال في حاشيته على البحر الرائق ج٢ ص٦٢٢ عن كشف المرأة وجهها في الحج: (نعم يؤيد أن المراد عدم الحل ما في الذخيرة، حيث قال: "وفي الأصل: المرأة المحرمة ترخي على وجهها بخرقة وتجافي عن وجهها"، قالوا: "هذه المسألة دليل على أن المرأة منهية عن إظهار وجهها للرجال من غير ضرورة، لأنها منهية عن تغطية الوجه لأجل النسك").

وقال في ج٩ ص٥٢٥ : (ذكر الشارح في فصل المحرمات من النكاح : أن حد الشهوة في المس والنظر الموجبة لحرمة المصاهرة : "تحرك آلته أو زيادته ، وبه يُفتى ، وفي امرأة ونحو شيخ : تحرك قلبه أو زيادته" انتهى ، وقال القهستاني في هذا الفصل: "وشرط لحل النظر إليها وإليه : الأمن بطريق اليقين من شهوة، أي ميل النفس إلى القرب منها أو منه أو المس لها أو له مع النظر، وبحيث يدرك التفرقة بين الوجه والجميل والمتاع الجزيل، فالميل إلى التقبيل فوق الشهوة المحرمة .. وفيه إشارة إلى أنه لو علم منه الشهوة أو ظن أو شك حرم النظر كما في المحيط وغيره" انتهى . أقول : حاصله أن مجرد النظر واستحسانه لذلك الوجه الجميل وتفضيله على الوجه القبيح كاستحسان المتاع الجزيل لا بأس به ، فإنه لا يخلو عنه الطبع الإنساني ، بل يوجد في الصغار ، فالصغير المميز يألف صاحب الصورة الحسن أكثر من صاحب الصورة القبيحة ، ويرغب فيه ويحبه أكثر ، بل قد يوجد ذلك في البهائم ، فقد أخبرني من رأى جملا يميل إلى امرأة حسناء ويضع رأسها عليها كلما رآها دون غيرها من الناس، فليس هذا نظر شهوة، وإنما الشهوة ميله بعد هذا ميل لذة إلى القرب منه أو المس له زائدا على ميله إلى المتاع الجزيل، أو الملتحي، لأنه ميله إليه مجرد استحسان ليس معه لذة وتحرّك قلب إليه، كما في ميله إلى ابنه أو أخيه الصبيح، وفوق ذلك الميل إلى التقبيل أو المعانقة أو المباشرة أو المضاجعة ولو بلا تحرك آلة، وأما اشتراطه في حرمة المصاهرة فلعله للاحتياط والله أعلم، ولا يخفى أن الأحوط عدم النظر مطلقا).

وقال في ج٩ ص٥٢٨: (قوله: "فلا يحل مس وجهها" أي وإن جاز النظر إليه على ما يأتي).

وقال في ج٩ ص٥٣١ وما بعدها: (قال الإتقاني: "وعن أبي يوسف أنه يباح النظر إلى ساعدها ومرفقها للحاجة إلى إبدائهما إذا أجرت نفسها للطبخ والخبر" اهـ، والمتبادر من هذه العبارة أن جواز النظر ليس خاصا بوقت الاشتغال بهذه الأشياء بالإجارة بخلاف العبارة الأولى، وعبارة الزيلعي أوفى بالمراد، وهي: "وعن أبي يوسف أنه يباح النظر إلى ذراعها أيضا، لأنه يبدو منها عادة" اهـ فافهم، قوله: "وعبدها كالأجنبي معها" لأن خوف الفتنة منه كالأجنبي بل أكثر لكثرة الاجتماع) إلى أن قال: (قوله: "فإن خاف الشهوة" قدمنا حدها أول الفصل، قوله: "مقيد بعدم الشهوة"، قال في التاتارخانية: "وفي شرح الكرخي: النظر إلى وجه الأجنبية الحرة ليس بحرام، ولكنه يُكره لغير حاجة" اهـ، وظاهره الكراهة ولو بلا شهوة، قوله: "وإلا فحرام" أي: إن كان عن شهوة حرم، قوله: "وأما في زماننا فمُنع من الشابة" لا لأنه عورة بل لخوف الفتنة كما قدمه في شروط الصلاة. قوله: "لا المس" تصريح بالمفهوم، قوله: "في الأصح" لأنه يوجد من لا يشتهي، فلا ضرورة بخلاف حالة الأداء هداية، والمفهوم منه أن الخلاف عند خوف الشهوة لا مطلقا فتنبه، قوله: "ولو عن شهوة" راجع للجميع، وصرح به للتوضيح، وإلا فكلام المصنف في النظر بشهوة بمقتضى الاستثناء، قوله: "بنية السنة" الأولى جعله قيدا للجميع أيضا على التجوز لئلا يلزم عليها إهمال القيد في الأولين لما قال الزيلعي وغيره: "ويجب على الشاهد والقاضي أن يقصد الشهادة والحكم لا قضاء الشهوة تحرزا عن القبيح"، ولو أراد أن يتزوج امرأة فلا بأس أن ينظر إليها وإن خاف أن يشتهيها) إلى أن قال في عورة الميتة: ("وعظم ذراع حرة ميتة"، احترز بالذراع عن عظم الكف والوجه مما يحل النظر إليه في الحياة، وقيد بالحرة لأن ذراع الأمة يحل النظر إليه في حياتها بخلاف نحو عظم ظهرها).

 

٩٧- أبو الثناء الآلوسي (ت١٢٧٠هـ)

قال في تفسير روح المعاني ج٩ ص٣٣٥-٣٤١: ("وَلَا يُبْدِيْنَ زِيْنَتَهُنَّ"، أي ما يتزين به من الحلي ونحوه إلا ما ظهر منها، أي إلا ما جرت العادة والجبلة على ظهوره والأصل فيه الظهور كالخاتم والفتخة والكحل والخضاب، فلا مؤاخذة في إبدائه للأجانب، وإنما المؤاخذة في إبداء ما خفي من الزينة كالسوار والخلخال والدملج والقلادة والإكليل والوشاح والقرط، وذكْر الزينة دون مواقعها للمبالغة في الأمر بالتستر لأن هذه الزينة واقعة على مواضع من الجسد لا يحل النظر إليها إلا لمن استثني في الآية بعد .. وقال ابن المنير [من المالكية]: "الزينة على حقيقتها .. وأيضا لو كان المراد من الزينة موقعها للزم أن يحل للأجانب النظر إلى ما ظهر من مواقع الزينة الظاهرة وهذا باطل لأن كل بدن الحرة عورة لا يحل لغير الزوج والمحرم النظر إلى شيء منها إلا لضرورة كالمعالجة وتحمل الشهادة" [انتهى كلام ابن المنير وعلق عليه الآلوسي] وأنت تعلم أن ابن المنير مالكي، وما ذكره مبني على مذهبه، وما ذكره الزمخشري مبني على المشهور من مذهب الإمام أبي حنيفة من أن مواقع الزينة الظاهرة من الوجه والكفين والقدمين ليست بعورة مطلقا، فلا يحرم النظر إليها .. ومذهب الشافعي عليه الرحمة ما في الزواجر أن الوجه والكفين ظهرهما وبطنهما إلى الكوعين عورة في النظر من المرأة ولو أمة على الأصح وإن كانا ليسا عورة من الحرة في الصلاة .. وذهب بعض الشافعية إلى حل النظر إلى الوجه والكف إن أمنت الفتنة، وليس يعول عليه عندهم، وفسر بعض أجلتهم ما ظهر بالوجه والكفين بعد أن ساق الآية دليلا على أن عورة الحرة ما سواهما، وعلل حرمة نظرهما بمظنة الفتنة، فدل ذلك على أنه ليس كل ما يحرم نظره عورة، وأنت تعلم أن إباحة إبداء الوجه والكفين حسبما تقتضيه الآية عندهم مع القول بحرمة النظر إليهما مطلقا في غاية البعد فتأمل) إلى أن قال: (ثم اعلم أن عندي مما يلحق بالزينة المنهي عن إبدائها ما يلبسه أكثر مترفات النساء في زماننا فوق ثيابهن ويتسترن به إذا خرجن من بيوتهن، وهو غطاء منسوج من حرير ذي عدة ألوان، وفيه من النقوش الذهبية أو الفضية ما يبهر العيون، وأرى أن تمكين أزواجهن ونحوهم لهن من الخروج بذلك ومشيهن به بين الأجانب من قلة الغيرة، وقد عمت البلوى بذلك).

وقال في تفسير آية الجلابيب: (والظاهر أن المراد بـ"عَلَيْهِنَّ": على جميع أجسادهن، وقيل: على رؤوسهن أو على وجوههن لأن الذي كان يبدو منهن في الجاهلية هو الوجه … وأنت تعلم أن وجه الحرة عندنا ليس بعورة، فلا يجب ستره، ويجوز النظر من الأجنبي إليه إن أمن الشهوة مطلقا، وإلا فيحرم، وقال القهستاني: منع النظر من الشابة في زماننا ولو بلا شهوة … وظاهر الآية لا يساعد على ما ذكر في الحرائر، فلعلها محمولة على طلب تستر تمتاز به الحرائر عن الإماء أو العفائف مطلقا عن غيرهن فتأمل).

 

٩٨- عبدالغني بن حمادة الميداني الدمشقي (ت١٢٩٨هـ)

قال في كتاب اللباب في شرح الكتاب ج٤ ص١٦٢ (الكتاب المقصود هو مختصر القدوري): (ولا يجوز للرجل أن ينظر من الأجنبية الحرة إلا إلى وجهها وكفيها ضرورة احتياجها إلى المعاملة مع الرجال أخذا وعطاء وغير ذلك، وهذا تنصيص على أنه لا يباح النظر إلى قدمها، وعن أبي حنيفة أنه يباح لأن فيه بعض الضرورة .. وهذا إذا كان يأمن الشهوة، فإن كان لا يأمن على نفسه الشهوة لم ينظر إلى وجها إلا لحاجة ضرورية .. قال في الدر: "فَحِلُّ النظر مقيد بعدم الشهوة، وإلا فحرام، وهذا في زمانهم، وأما في زماننا فمنع من الشابة قهستاني وغيره" اهـ، ويجوز للقاضي إذا أراد أن يحكم عليها أي المرأة وللشاهد إذا أراد الشهادة عليها النظر إلى وجهها وإن خاف أن يشتهي للحاجة إلى إحياء حقوق الناس بواسطة القضاء وأداء الشهادة).

وقال في اللباب ج١ ص٦٢: ("وبدن المرأة الحرة كله عورة إلا وجهها وكفيها" باطنهما وظاهرهما على الأصح كما في شرح المنية، وفي الهداية: "وهذا تنصيص على أن القدم عورة، ويروى أنها ليست بعورة، وهو الأصح" اهـ، وقال في الجوهرة: "وقيل: الصحيح أنها عورة في حق النظر والمس، وليست بعورة في حق الصلاة"، ومثله في الاختيار، ومشى عليه في التنوير، وقال العلائي: "على المعتمد" لكن في التصحيح خلافه حيث قال: "قلت: تنصيص الكتاب أولى بالصواب لقول محمد في كتاب الاستحسان: وما سوى ذلك عورة"، وقال قاضيخان: "وفي قدميها روايتان"، والصحيح أن انكشاف ربع القدم يمنع الصلاة، وكذا في نصاب الفقهاء وتمامه فيه).

 

٩٩- خليل السهارنفوري (ت١٣٤٦هـ)

قال في بذل المجهود شرح سنن أبي داود ج١٦ ص٤٣١: (والمراد أن المرأة إذا بلغت لا يجوز لها أن تظهر للأجانب إلا ما تحتاج إلى إظهاره للحاجة إلى معاملة أو شهادة إلا الوجه والكفين [كذا]، وهذا عند أمن الفتنة، وأما عند خوف الفتنة فلا، ويدل على تقييده بالحاجة اتفاق المسلمين على منع النساء أن يخرجن سافرات الوجوه، لا سيما عند كثرة الفساد وظهوره).

وقال: (ومذهب الحنفية في هذه المسألة أن الحرة سائر بدنها عورة إلا الوجه والكفين، لقوله تبارك وتعالى: "وَلَا يُبْدِيْنَ زِيْنَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا"، والمراد من الزينة مواضعها، ومواضع الزينة الظاهرة: الوجه والكفان، فالكحل زينة الوجه والخاتم زينة الكف، فيحل لها الكشف، وروى الحسن عن أبي حنيفة رحمهما الله أنه يحل النظر إلى القدمين، وجه هذه الرواية ما روي عن سيدتنا عائشة في قوله تبارك وتعالى: "إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا: القلب والفتخة"، وهي خاتم أصبع الرجل، فدل على جواز النظر إلى القدمين، ولأن الله تعالى نهى عن إبداء الزينة، واستثنى ما ظهر منها، والقدمان ظاهرتان، ألا ترى أنهما يظهران عند المشي، فكأنه من جملة المستثنى من الحظر فيباح إبداؤهما").

 

١٠٠- خليل بن عبدالقادر الشيباني النحلاوي (ت قرابة ١٣٥٠هـ)

قال في كتاب الدرر المباحة ص٥٠: (ينظر الرجل من المرأة الأجنبية الحرة - ولو كافرة - إلى وجهها وكفيها فقط للضرورة قيل: والقدم، والذراع، والمِرفقِ إذا آجرت نفسها للخَبْزِ ونحوه من الطبخ، وغسل الثياب، لأنه يبدو منها عادة،وتُمنع الشابة من كشف وجهها لا لأنه عورة، بل لخوف الفتنة، وعبدها كالأجنبي معها، إلا أنه يدخل عليها بلا إذنها إجماعا، ولا يسافر بها إجماعا، فإن خاف الشهوة امتنع نظره إلى وجهها إلا لحاجة، كقاض وشاهد يحكم ويشهد عليها، وكذا مريد نكاحها ولو عن شهوة بنية السنة .. وما حَلّ نظره حل لمسه إذا أمن الشهوة على نفسه وعليها، إلا من أجنبية فلا يحل مَسُّ وجهها وكفّها وإنْ أمن الشهوة لأنه أغلظ .. والنظرُ إلى ملاءة الأجنبية بشهوة حرام، أما بدونها فلا بأس به).

 

١٠١- ظفر العثماني التهانوي (ت١٣٩٤هـ)

قال في إعلاء السنن ج٢ ص١٦٤: (قد ثبت بالأحاديث المذكورة أن المرأة - أي الحرة بدليل استثناء الأمة - عورة كلها إلا وجهها وكفيها، وهو مذهب الحنفية، ولكن قد اختلفت الرواية عن أبي حنيفة رحمه الله والمشايخ في القدم، فصحح في الهداية وشرح الجامع الصغير لقاضي خان أنه ليس بعروة، واختاره في المحيط، وصحح الأقطع وقاضي خان في فتاواه أنه عورة، واختاره الأسبيجابي والمرغيناني، وصحح صاحب الاختيار أنه ليس بعورة في الصلاة وعورة خارجها، ورجح في شرح المنية كونه عورة مطلقا، وقد فصله في البحر الرائق، ورجح في الكفاية عدم كون القدم عورة مطلقا).

وقال في إعلاء السنن ج١٠ ص٤٨ في إحرام المرأة: (إنما أجازت الحنفية أن تُدِلّ على وجهها من فوق رأسها إذا احتاجت إلى ستر وجهها عن نظر الأجانب من الرجال، لكن إذا سدلت بكون الثوب متجافيا عن وجهها بحيث لا يصيب البشرة … قال في غنية الناسك [مالكي]: "والمراد بكشف الوجه عدم مماسة شيء له، فلذلك يكره لها أن تلبس البرقع لأن ذلك يماس وجهها، كذا في المبسوط، فلو سدلت عليه شيئا وجافته عنه جاز من الإحرام لعدم كونه سترا، وأما عند وجود الأجانب فالإرخاء واجب عليها عند الإمكان، وعند عدمه يجب على الأجانب غض البصر وتمامه في رد المحتار" اهـ، وبهذا يظهر أن ما نسبوه إلى الحنفية لا يصح، والمذهب ما ذكره في الغنية والله تعالى أعلم).

وقال في إعلاء السنن ج١٧ ص٣٧١-٣٧٦: (باب جواز كشف المرأة وجهها وكفيها للأجانب عند عدم خوف الفتنة. أقول: احتج فقهاؤنا بهذه الآثار على جواز النظر إلى الوجه والكفين، ووجه الاستدلال أن الآثار المذكورة تدل على أنه يجوز كشف هذه الأعضاء للمرأة، ولما جاز كشفها لها جاز النظر إليها للرجال … إلا عند خوف الفتنة … وغيره إلا للقاضي والشاهد والخاطب فإنه يباح لهم النظر عند خوف الفتنة أيضا، لأن المصلحة متيقنة، والمفسدة محتمل، ثم المصلحة لا تترتب بدون النظر، والمفسدة ممكن دفعها بالقصد والاختيار، فيغلب المصلحة المفسدة، ثم النبي صلى الله عليه وسلم قد أباح النظر للخاطب كما هو مذكور في كتب الحديث، ولا يخفى أن نظر الخاطب لا يخلو عن شهوة، فالحاكم والشاهد أولى لأنهما أبعد من الشهوة من الخاطب كما لا يخفى.

ثم اعلم أنه قد حدث في هذا الزمان، وأحداث سفهاء الأحلام كالذين مرقوا من الدين كما يمرق السهم من الرمية، بل أشد مروقا منهم، كما لا يخفى على من قابل سيرة هؤلاء السفهاء بسيرة أولئك المارقين، فظنوا أن الحجاب المتعارف للنساء في زماننا مخالف للدين، لأن الشرع أباح للنساء كشف الوجه والكفين للأجانب، وأباح للرجال النظر إليهن، فيكون حبسهم النساء في البيوت وحجبهن عن عيون الرجال ظلما لهن، لا سيما إذا كان ذلك مضرا بصحتهن وموجبا لهلاكهن، مع أن النساء قد كن يحضرن الصلوات والغزوات والأعياد، ويخرجن لحوائجهن في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يأمرهن النبي صلى الله عليه وسلم بالاحتجاب، بل أمر الرجال أن لا يمنعوا إماء الله المساجد، وأمرهن بحضور العيد إلى غير ذلك، وقالوا كل ذلك تقليدا للنصارى وتأثرا بتعليماتهم وإيثارا لأوضاعهم على أوضاع المسلمين، لا لخطأ في الاجتهاد، وأما تمسكهم بالنصوص فليس بشبهة عرضت لهم، بل لتشكيك العوام الجهلة فقط.

والجواب عنه أن لا تعارض بين جواز كشف الوجه والنظر ووجوب الاحتجاب، لأن جواز كشف الوجوه والنظر مبني على الضرورة ودفع الحرج، وحكم الاحتجاب مبني على خوف الفتنة وسد بابها، ولا تعارض بين الحكمين عند اختلاف الجهتين، فافهم.

وفي زمن النبي صلى الله عليه وسلم كانت الضرورة غالبة لعموم الفقر وشدة الاحتياج إلى الخروج، والفتنة مغلوبة لغلبة الصلاح، فلذلك لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم عامة النساء بالاحتجاب في زمنه، وفي زماننا الذي هو شر القرون غلبت الفتنة، وشاع الفساد بحيث لا يؤمن على كثير من المحتجبات والمستورات، واضمحلت الضرورات للكشف، فلذلك شدد المسلمون في الاحتجاب، فقياس زماننا الذي هو شر القرون على زمان النبي صلى الله عليه وسلم الذي هو خير القرون قياس للضد على الضد، وهو من عجائب القياس.

ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم وإن لم يأمر النساء بالاحتجاب حتما بالنظر إلى الضرورة، لكنه لم يكن غافلا عن سد الفتنة مع ضعفها ضعفا شديدا، بل كان يهتم بسدها اهتماما بليغا لأنه بلغ قوله: "قَلْ لِلْمُؤْمِنِيْنَ يَغُضُّوْا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوْا فُرُوْجَهُمْ"، "قُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوْجَهُنَّ"، وقوله تعالى: "وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِيْنَ مِنْ زِيْنَتِهِنَّ"، وقوله تعالى: "يُدْنِيْنَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيْبِهِنَّ" إلى غير ذلك … ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم إن لم يأمر النساء بالاحتجاب حتما فلم ينههن عنه أيضا، بل ندبهن إلى الاحتجاب كما قد ذكرنا …. ثم سلمنا أن الفقهاء جوزوا كشف الوجه والكف للمرأة عند الأجانب، و لكن لم يجوزوا كشف الزائد عليهما، وسلمنا أنهم جوزوا النظر إلى وجه المرأة وكفها، ولكن لم يجوزوا المس وإن كان بلا شهوة، ولم يجوزوا النظر بالشهوة) إلى أن قال: (لأن عدم جواز الكشف في حق سائر النساء لعارض مفارق، وهو الشهوة غير المغلوبة بالمصلحة، فإنْ تحقق عدم الشهوة من الجانبين، أو كانت المصلحة غالبة على المفسدة كما في الكشف والنظر للشهادة أو للقاضي أو للخاطب جاز، وإلا فلا).

 

 

 

انتهى

 

 

هناك 8 تعليقات:

  1. {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (175) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَٰكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ ۚ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ۚ ذَّٰلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا ۚ فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (176) سَاءَ مَثَلًا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَأَنفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ (177) مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي ۖ وَمَن يُضْلِلْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ}.
    اقرأ الآيات جيدا و لا تكن كبلعام بن باعوراء!!.
    كم حرف كتبته و ضل بسببك أناس!!!
    حرام عليك تزوير الأحكام على الناس!!.

    ردحذف
    الردود
    1. من قال لك أنه مزور؟ إحذر مما تقول و لا تتهم الناس بالباطل أخي الكريم رجاء

      حذف
  2. صاحب الحساب هو حاتم العوني والله اعلم، ولا ادري لم يتخفى قبح الله زيغه، والآن فهمت لم رمضان قاديروف دعاه لوحده لاجتماع التصوف في الشيشان!!

    ردحذف
    الردود
    1. من قال أنه زاغ؟ هذا في القلب و لا يعلمه إلا الله، بل هو مجتهد فالكل يصيب و يخطئ في مسألة الفقه و مثل هذه الأمور

      حذف
  3. نقل محكم وتحقيق علمي دقيق ما شاء الله تبارك الله

    ردحذف
  4. طالب العام لايتعصب ويبحث عن الحق وخلاصة القول أن مذهب الجمهور جواز كشف الوجه والكفين للمرأة واستحباب النقاب ويوجبه بعضهم على مخشية الفتنة اجتهادا وسياسة وبعضهم كالنووي والقاضي عياض يؤكدون استحبابه ولايوجبونه والمسألة مهما قيل فيه وتكرر من مسائل الخلاف السائغ المعتبر والشمس لاتحجب بغربال نقطة أخر السطر

    ردحذف
  5. بل نقل كلام العلماء ولكنكم متعصبون للحق كارهون

    ردحذف
    الردود
    1. هذا كلام خطير و ما دليلك على صحته؟ إنتبه لما تقول و حاور غيرك بلطف إن رأيت أنه أخطأ

      حذف