بسم الله الرحمن الرحيم
كان الرجال يختلطون بالنساء في بيوت النبي صلى الله عليه وسلم، وفي بيوت الأنبياء قبله، وفي بيوت الصحابة، وفي المساجد والطرقات والأسواق وأماكن العمل ومجالس العلم، وعلى ذلك تظافرات النصوص الغفيرة من الكتاب والسنة، ودلالتها ظاهرة في إباحة الاختلاط، وأن الجدال في هذه المسألة ضرب من العبث.
فأما الأنبياء من قبل:
فقد كان إبراهيم عليه السلام يستقبل ضيوفه في بيوته، وتقوم امرأته على خدمتهم، قال تعالى: (وَلَقدْ جَاءَتْ رُسُلُنِا إِبْرِاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُواْ سَلامًا قَالَ سَلامٌ فَمَا لَبِثَ أَن جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ. فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُواْ لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ. وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ)، قال الشيخ السعدي في تفسيره: (وامرأة إبراهيم قائمة تخدم أضيافه، فضحكت حين سمعت بحالهم وما أرسلوا به تعجبا).
وكذلك كان ابنه إسماعيل عليه يستقبل الضيوف في بيته، وتدخلهم امرأته حتى لو كان غائبا، وعندما زار إبراهيم بيت ابنه إسماعيل عليهما السلام في غيابه استقبلته امرأة ابنه وهي لا تدري أنه أبو زوجها، يقول الحديث: (فلما جاء إسماعيل كأنه آنس شيئا، فقال: هل جاءكم من أحد؟ قالت: نعم، جاءنا شيخ كذا وكذا فسألنا عنك فأخبرته .. قال : فهل أوصاك بشيء ؟ قالت : نعم، أمرني أن أقرأ عليك السلام ويقول: غيّر عتبة بابك، قال: ذاك أبي، وقد أمرني أن أفارقك، الحقي بأهلك، فطلقها وتزوج منهم أخرى، فلبث عنهم إبراهيم ما شاء الله ثم أتاهم بعد فلم يجده، فدخل على امرأته فسألها عنه؟ فقال: خرج يبتغي لنا) ، رواه البخاري.
وقد جاءت بلقيس إلى سليمان عليه السلام ودخلت عليه في قصره، قال تعالى: (قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)، فدخلت عليه بل وكشفت عن ساقيها أمامه دون أن ينكر عليها شيئا من ذلك.
وكان نبي الله زكريا عليه السلام يدخل على مريم في المحراب، قال تعالى: (فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ)، قال القرطبي في تفسيره : (وجاء في الخبر: إنها كانت في غرفة كان زكريا يصعد إليها بسلّم).
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يدخل بيوت الصحابة كثيرا، ويختلط بأزواجهم في غير ريبة، ودون أدنى حرج.
ومن ذلك أن أبا أسيد الساعدي دعا النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في ليلة زفافه، فما صنع لهم طعاما ولا قربه إليهم إلا امرأته أم أسيد، بلّت تمرات في تور من حجارة من الليل، فلما فرغ النبي صلى الله عليه وسلم أماثته له فسقته، تتحفه بذلك. رواه البخاري ومسلم
وعن أنس بن مالك أن جدته مليكة دعت رسول الله صلى الله عليه وسلم لطعام صنعته له، فأكل منه، ثم قال: قوموا فلأصلي لكم، قال أنس: فقمت إلى حصير لنا قد اسودّ من طول ما لبس فصلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين ثم انصرف. رواه البخاري ومسلم.
واشتكى سعد بن عبادة شكوى له، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده مع عبدالرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وعبدالله بن مسعود، فلما دخل عليه وجده في غاشية أهله، فقال: قد قضى؟ قالوا: لا يا رسول الله. رواه البخاري ومسلم.
ودخل النبي صلى الله عليه وسلم على أم سليم، فأتته بتمر وسمن، فقال: أعيدوا سمنكم في سقائه وتمركم في وعائه فإني صائم. رواه البخاري.
وقال أنس: كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يدخل على أحد من النساء إلا على أزواجه، إلا أم سليم، فإنه كان يدخل عليها، فقيل له في ذلك؟ فقال: إني أرحمها، قتل أخوها معي. رواه مسلم.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يأتي أم سليم فيقيل عندها، فتبسط له نطعا فيقيل عليه، رواه مسلم.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل على أم حرام بنت ملحان، وكانت تحت عبادة بن الصامت، فدخل عليها يوما فأطعمته وجعلت تفلي رأسه، فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم. رواه البخاري ومسلم.
ودخل النبي صلى الله عليه وسلم على الربيّع بنت معوذ رضي الله عنها في صبيحة عرسها، قالت الربيع: فجلس على فراشي كمجلسك مني، وجويريات يضربن بالدف يندبن من قتل من آبائي يوم بدر، حتى قالت جارية: وفينا نبي يعلم ما في غد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تقولي هكذا، وقولي ما كنت تقولين. رواه البخاري
ورأى النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر وعمر، فقال: قوموا، فقاموا معه فأتى رجلا من الأنصار، فإذا هو ليس في بيته، فلما رأته المرأة قالت: مرحبا وأهلا، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: أين فلان؟ قالت: ذهب يستعذب لنا من الماء، إذ جاء الأنصاري، فنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه، ثم قال: الحمد لله، ما أحد اليوم أكرم أضيافا مني، فأضافهم. رواه مسلم.
ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أم السائب، فقال: ما لك يا أم السائب تزفزفين؟ قالت: الحمى، لا بارك الله فيها. رواه مسلم.
ودخل النبي صلى الله عليه وسلم على ابنة عمه ضباعة بنت الزبير، فقال لها: لعلك أردت الحج؟ قالت: والله لا أجدني إلا وجعة، فقال لها: حجي واشترطي، وكانت تحت المقداد بن الأسود. رواه البخاري ومسلم.
وكانت الصحابيات يدخلن بيوت النبي صلى الله عليه وسلم ويختلطن به فيها.
ومن أشهر الحوادث في ذلك خبر نزول قوله تعالى : (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا) قالت عائشة رضي الله عنها: الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات، لقد جاءت المجادِلة إلى النبي صلى الله عليه وسلم تكلمه وأنا في ناحية البيت، ما أسمع ما تقول. رواه أحمد والنسائي وابن ماجة وابن أبي حاتم وابن جرير.
واستأذن عمر على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعنده نساء من قريش يكلّمنه ويستكثرنه عالية أصواتهن، فلما استأذن عمر قمن يبتدرن الحجاب .. فقال عمر: أي عدوات أنفسهن، أتهبنني ولا تهبن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قلن: نعم، أنت أغلظ وأفظ. رواه البخاري ومسلم
ودخلت أسماء بنت عميس على حفصة زائرة بعد عودتها من الحبشة، فدخل عمر فقال: من هذه؟ قالت: أسماء بنت عميس، فقال عمر: سبقناكم بالهجرة فنحن أحق برسول الله صلى الله عليه وسلم منكم، فغضبت أسماء بنت عميس وقالت: لا أطعم طعاما ولا أشرب شرابا حتى أذكر ما قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى بيته قالت: يا نبي الله، إن عمر قال كذا وكذا. رواه البخاري ومسلم.
وقالت عائشة رضي الله عنها: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي جاريتان تغنيان بغناء بعاث، فاضطجع على الفراش وحول وجهه، ودخل أبو بكر فانتهرني. رواه البخاري ومسلم.
وذكرت عائشة رضي الله عنها أن الحولاء بنت تويت بن حبيب بن أسد بن عبدالعزى مرت بها وعندها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: هذه الحولاء بنت تويت، وزعموا أنها لا تنام الليل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خذوا من العمل ما تطيقون. رواه مسلم.
وجاءت أم سليم إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وهو في بيت أم سلمة، فسألته: هل على المرأة غسل إذا احتلمت؟ قال: نعم، إذا رأت الماء، فضحكت أم سلمة. رواه البخاري ومسلم.
ودخل خالد بن الوليد بيت خالته ميمونة أم المؤمنين وعندها نسوة، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ووجد عندها ضبا محنوذا، فأهوى رسول الله صلى الله عليه وسلم يده إلى الضب، فقالت امرأة من النسوة الحضور: أخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قدمتن له، قلن: هو الضب يا رسول الله، فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده. رواه البخاري ومسلم.
وكانت أم مبشر عند حفصة بنت عمر رضي الله عنهما، فسمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: لا يدخل النار إن شاء الله تعالى من أصحاب الشجرة أحد الذين بايعوا تحتها، فقالت حفصة: وإن منكم إلا واردها؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا، رواه مسلم.
وجاءت أسماء بنت يزيد إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسألته عن غسل المحيض، فأخبرها، وعائشة تسمع، فقالت عائشة: نِعْم النساء نساء الأنصار، لم يكن ليمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين. رواه مسلم.
ودخلت هند بنت عتبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: إن أبا سفيان رجل مسيك، فهل علي حرج أن أطعم من الذي له عيالنا؟ فقال: لا حرج، رواه البخاري ومسلم.
وكان الصحابة يدخلون بيوت النبي صلى الله عليه وسلم ويختلطون بأزواجه عليهن السلام في حياته:
فكان صفوان بن المعطل يدخل مع النبي صلى الله عليه وسلم على أزواجه، وورد ذلك صريحا في حديث الإفك حيث قال صلى الله عليه وسلم عن صفوان: (ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلا خيرا، وما كان يدخل على أهلي إلا معي)، رواه البخاري ومسلم.
وكان عبدالله بن مسعود وأمه يدخلان بيوت النبي صلى الله عليه وسلم كثيرا حتى ظن بعض الصحابة أنهما من أهل البيت، فقد قال أبو موسى الأشعري رضي الله عنه: (قدمت أنا وأخي من اليمن، فمكثنا حينا ما نرى ابن مسعود وأمه إلا من أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم من كثرة دخولهم ولزومهم له)، رواه البخاري ومسلم.
وكان جبريل عليه السلام يأتي النبي صلى الله عليه وسلم في بيوت أزواجه في هيئة دحية الكلبي، ولم يستنكر أحد من الناس دخوله لأنه أمر لم يكن يخالف مألوفا، فدخل مرة على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في بيت أم سلمة، فسألها رسول الله صلى الله عليه وسلم: من هذا؟ قالت : هذا دحية، رواه البخاري ومسلم.
ودخل أبو سعيد الخدري رضي الله عنه على رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت بعض نسائه، فسأله: يا رسول الله، أي المسجدين الذي أسس على التقوى؟ رواه مسلم.
وجاء رجل إلى بيت عائشة فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الرجل يجامع أهله ثم يكسل؟ وعائشة جالسة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني لأفعل ذلك أنا وهذه ثم نغتسل. رواه مسلم.
ودخل عبدالمطلب بن ربيعة بن الحارث والفضل بن العباس على الرسول صلى الله عليه وسلم وهو عند زينب بن جحش، قال عبدالمطلب: (ثم تكلم أحدنا، فقال: يا رسول الله، أنت أبر الناس، وأوصل الناس، وقد بلغنا النكاح، فجئنا لتؤمرنا على بعض هذه الصدقات، فنؤدي إليك كما يؤدي الناس، ونصيب كما يصيبون، قال: فسكت طويلا حتى أردنا أن نكلمه، قال: وجعلت زينب تلمع إلينا من وراء الحجاب إن لا تكلّماه)، رواه مسلم.
وعندما بنى رسول الله صلى الله عليه وسلم بإحدى نسائه جلس طوائف من الصحابة يتحدثون في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورسول الله جالس، وزوجته مولية وجهها إلى الحائط. رواه مسلم.
ودخل أبو بكر رضي الله عنه يستأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوجد الناس جلوسا ببابه لم يؤذن لأحد منهم، فأذِن لأبي بكر رضي الله عنه، فدخل، ثم أقبل عمر رضي الله عنه فاستأذن، فأذن له، فوجد النبي صلى الله عليه وسلم جالسا حوله نساؤه واجما ساكتا. رواه مسلم.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم مضطجعا في بيت عائشة كاشفا عن فخذيه أو ساقيه، فاستأذن أبو بكر ثم عمر فأذن لهما، ثم استأذن عثمان فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وسوى ثيابه، قالت عائشة: دخل أبو بكر فلم تهتش له ولم تباله، ثم دخل عمر فلم تهتش له ولم تباله، ثم دخل عثمان فجلست وسويت ثيابك؟ فقال: ألا أستحي من رجل تستحي من الملائكة؟ رواه مسلم
وكما كان الصحابة يدخلون على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في حياته؛ فقد كانوا يدخلون عليهن بعد وفاته ويدخل معهم التابعون.
ومن ذلك أنه اختلف رهط من المهاجرين والأنصار في وجوب الغسل بالتقاء الختانين، فقال أبو موسى: فقمت فاستأذنت على عائشة، فأُذن لي، فقلت لها: يا أماه، إني أريد أن أسألك عن شيء، وسألها. رواه مسلم.
وقال عبدالله بن شهاب الخولاني: كنت نازلا على عائشة رضي الله عنها، فاحتلمت في ثوبيّ فغمستهما في الماء، فرأتني جارية لعائشة فأخبرتها. رواه مسلم.
وقال عبيدالله بن عبدالله: دخلت على عائشة رضي الله عنها فقلت لها: ألا تحدثيني عن مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: بلى، وحدثته. رواه مسلم.
ودخل سعد بن هشام بن عامر ومعه حكيم بن أفلح على عائشة رضي الله عنها، فقالت: أحكيم؟ فعرفته، فقال: نعم، فقالت: من معك؟ قال: سعد بن هشام؟ قالت: ابن هشام؟ قال: ابن عامر، فترحمت عليه. رواه مسلم.
وقال أيمن بن أم أيمن رضي الله عنهما: دخلت على عائشة رضي الله عنها وعليها درع قطر ثمن خمسة دراهم، فقالت: ارفع بصرك إلى جاريتي فانظر إليها. رواه البخاري.
وقال عبدالرحمن بن شماسة: أتيت عائشة لأسالها عن شيء، فقالت: ممن أنت؟ فقلت: رجل من أهل مصر، فقالت: كيف كان صاحبكم لكم في غزاتكم هذه؟ (تقصد أخيها محمد بن أبي بكر الذي كان واليا على مصر)، فأثنى خيرا، ثم قالت: أخبرك بما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في بيتي هذا: اللهم من ولي من أمر أمتي شيئا فشق عليهم فاشقق عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئا فرفق بهم فارفق به. رواه مسلم.
وعن مسروق قال: دخلت على عائشة رضي الله عنها وعندها حسان بن ثابت ينشدها شعرا. رواه مسلم.
وعن الأسود، قال: دخل شباب من قريش على عائشة رضي الله عنها وهي بمنى وهم يضحكون. رواه مسلم.
ودخل عبدالله بن القبطية والحارث بن أبي ربيعة وعبدالله بن صفوان على أم سلمة، فسألوها عن الجيش الذي يُخسف به. رواه مسلم
ولم يقتصر الأمر على بيوت النبي صلى الله عليه وسلم، بل كان الصحابة والتابعون يختلطون بالنساء في البيوت.
ومن ذلك أن نفرا من بني هاشم دخلوا على أسماء بنت عميس، فدخل أبو بكر الصديق وهي تحته يومئذ، فرآهم فكره ذلك، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: لم أر إلا خيرا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله قد برأها من ذلك، ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر فقال: لا يدخلن رجل بعد يومي هذا على مغيبة إلا ومعه رجل أو اثنان. رواه مسلم.
وقال عبدالرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما: إن أصحاب الصفة كانوا ناسا فقراء، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من كان عنده طعام اثنين فليذهب بثالث، وإن أربع فخامس أو سادس، وإن أبا بكر جاء بثلاثة، قال عبدالرحمن: فهو أنا وأبي وأمي، وإن أبا بكر تعشى عند النبي صلى الله عليه وسلم ثم لبث حيث صُليَت العشاء ثم رجع، فلبث حتى تعشى النبي صلى الله عليه وسلم، فجاء بعد ما مضى من الليل ما شاء الله، قالت له امرأته: وما حبسك عن أضيافك؟ قال: أو ما عشيتهم؟ قالت: أبوا حتى تجيئ. رواه البخاري ومسلم.
وقال أبو موسى الأشعري رضي الله عنه في حجة الوداع: فطفت بالبيت وبالصفا والمروة، ثم أمرني فأحللت، ثم أتيت امرأة من قومي فمشطتني وغسلت رأسي، رواه البخاري ومسلم.
وكتب عبدالله بن عتبة إلى عمر بن عبدالله بن الأرقم الزهري يأمره أن يدخل على سبيعة بنت الحارث الأسلمية، فيسألها عن حديثها وعن ما قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم حين استفتته، فكتب عمر بن عبدالله بن الأرقم إلى عبدالله بن عتبة يخبره أن سبيعة بنت الحارث أخبرته أنها كانت تحت سعد ابن خولة، وهو من بني عامر بن لؤي وكان ممن شهد بدرا، فتوفي عنها في حجة الوداع وهي حامل، فلم تنشب أن وضعت حملها بعد وفاته، فلما تعلت من نفاسها تجملت للخطاب، فدخل عليها أبو السنابل بن بعكك رجل من بني عبدالدار، فقال لها: ما لي أراك تجملت للخطاب، ترجين النكاح؟ إلى آخر الخبر. رواه البخاري ومسلم.
ودخل عمر رضي الله عنه على الشفاء أم سليمان في بيتها، فقال لها: لم أر سليمان في الصبح؟ فقالت: إنه بات يصلي فغلبته عيناه، رواه مالك في الموطأ.
وقالت الشفاء بنت عبدالله: دخل عليّ بيتي عمر بن الخطاب، فوجد عندي رجلين نائمين، فقال: وما شأن هذين ما شهدا معي الصلاة؟ قلت: يا أمير المؤمنين، صليا مع الناس وكان ذلك في رمضان، فلم يزالا يصليان حتى أصبحا، وصليا الصبح وناما. رواه عبدالرزاق في مصنفه.
وجاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إني مجهود، فقال: من يضيف هذا الليلة؟ فقام رجل من الأنصار فقال: أنا يا رسول الله، فانطلق به إلى رحله، فقال لامرأته: هل عندك شيء؟ قالت: لا، إلا قوت صبياني، قال: فعلليهم بشيء، فإذا دخل ضيفنا فأطفئي السراج وأريه أنّا نأكل، فلما أصبح غدا على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: قد عجب الله من صنيعكما بضيفكما الليلة. رواه البخاري ومسلم.
وجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستطعمه، فأطعمه شطر وسق شعير، فما زال الرجل يأكل منه وامرأته وضيفهما حتى كاله. رواه مسلم.
وقال أبو بكر لعمر رضي الله عنهما بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم: انطلق بنا إلى أم أيمن نزورها كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزورها، فلما انتهيا إليها بكت، فقالا لها: ما يبكيك؟ ما عند الله خير لرسوله صلى الله عليه وسلم، فقالت: ما أبكي ألا أكون أعلم أن ما عند الله خير لرسوله صلى الله عليه وسلم، ولكني أبكي أن الوحي قد انقطع من السماء، فهيجتهما على البكاء فجعلا يبكيان معها. رواه مسلم.
وعن فاطمة بنت قيس أن زوجها طلقها آخر ثلاث تطليقات، فجاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم تستفتيه في خروجها من بيتها، فأمرها أن تنتقل إلى ابن أم مكتوم الأعمى. رواه مسلم
وقال صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت قيس: انتقلي إلى أم شريك، فقالت: سأفعل، فقال: لا تفعلي، إن أم شريك امرأة كثيرة الضيفان، فإني أكره أن يسقط عنك خمارك أو ينكشف الثوب عن ساقيك فيرى القوم منك بعض ما تكرهين، ولكن انتقلي إلى ابن عمك عبدالله بن عمرو بن أم مكتوم، فانتقلت إليه. رواه مسلم.
وقالت عائشة رضي الله عنها: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وعك أبو بكر وبلال رضي الله عنهما، قالت: فدخلت عليهما، قلت: يا أبت، كيف تجدك؟ ويا بلال، كيف تجدك؟
وكان للنبي صلى الله عليه وسلم جار فارسي طيب المرق، فصنع لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم جاء يدعوه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وهذه، لعائشة، فقال: لا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا، فعاد يدعوه حتى قال: نعم، في الثالثة، فقاما يتدافعان حتى أتياه منزله. رواه مسلم.
والأدلة على الاختلاط بين الرجال والنساء في المساجد والأسواق والطرقات ومجالس العلم وأماكن العمل كثيرة، ومنها:
قال تعالى في آية المداينة: (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِن رِّجَالِكُمْ ۖ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَىٰ ۚ وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا)، فأجاز إشهاد المرأة دون اشتراط وجود محرم لها، وأمر الشهود بالحضور إذا دعوا.
وقال تعالى في آية المباهلة: (فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ)، فجعل من شروط المباهلة اجتماع الرجال مع النساء والأبناء في مكان واحد.
وكان الرجال والنساء يتوضؤون في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم جميعا. رواه البخاري.
وقالت أم صبية: اختلفت يدي ويد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الوضوء من إناء واحد. رواه أبو داود وصححه الألباني.
وكان الرجال والنساء يصلون في المسجد معا، ولم يكن يفصل بينهم حاجز، ولهذا السبب اكتفى كثير من متقدمي الفقهاء بتحديد عورة المرأة في الصلاة عن تحديد عورتها أمام الرجال الأجانب خارج الصلاة، لأن المرأة تصلي في المسجد أمام الرجال الأجانب ينظرون إليها وتنظر إليهم، فعورتها في الصلاة هي عورتها خارج الصلاة.
وكان الرجال والنساء يتبعون الجنازة معا، فقالت أم عطية رضي الله عنها: نهينا عن اتباع الجنائز ولم يُعزم علينا. رواه البخاري ومسلم.
وكان الرجال والنساء يتشاركون في الحروب، ومن ذلك:
قال ابن عباس رضي الله عنهما: كتبت تسألني هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزو بالنساء؟ وقد كان يغزو بهن، فيداوين الجرحى ويحذين من الغنيمة. رواه مسلم.
وقال أنس رضي الله عنه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزو بأم سليم ونسوة من الأنصار معه إذا غزا، فيسقين الماء ويداوين الجرحى. رواه مسلم.
وقال عمر رضي الله عنه عن أم سليط: كانت تزفر لنا القرب يوم أحد. رواه البخاري
وعن الربيع بنت معوذ رضي الله عنها قالت: كنا نغزو مع النبي صلى الله عليه وسلم، نسقي القوم ونخدمهم، ونرد الجرحى والقتلى إلى المدينة. رواه البخاري
وقال أنس رضي الله عنه في خبر غزوة أحد: ولقد رأيت عائشة بنت أبي بكر وأم سليم وإنهما لمشمرتان، أرى خدم سوقهما، تنقزان القرب على متونهما تفرغانه في أفواه القوم، ثم ترجعان فتملآنها ثم تجيئان فتفرغانها في أفواه القوم. رواه البخاري ومسلم.
وعن أم عطية الأنصارية رضي الله عنها قالت : غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات ، أخلفهم في رحالهم، فأصنع لهم الطعام، وأداوي الجرحى ، وأقوم على المرضى. رواه مسلم
وقال عطاء بن أبي رباح: قال لي ابن عباس: ألا أريك امرأة من أهل الجنة؟ قلت: بلى، قال: هذه المرأة السوداء، أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إني أصرع، وإني أتكشف، فادع الله لي، قال: إن شئت صبرت ولك الجنة، وإن شئت دعوت الله عز وجل أن يعافيك، قالت: أصبر. رواه البخاري ومسلم.
وكانت أسماء بنت أبي بكر تعمل في أرض زوجها الزبير بن العوام وهي على بعد ثلثي فرسخ من المدينة، قالت: فجئت يوما والنوى على رأسي، فلقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه نفر من أصحابه، فدعاني ثم قال: إخ، إخ، ليحملني خلفه، فاستحييت أن أسير مع الرجال، فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم أني استحييت فمضى. رواه البخاري ومسلم.
وجاءت أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا نبي الله، ليس لي من شيء إلا ما أدخل عليّ الزبير، فهل علي جناح أن أرضخ مما يدخل علي؟ فقال: ارضخي ما استطعت، ولا توعي فيوعي الله عليك. رواه مسلم.
ولما استشهد عبدالله بن حرام والد جابر في غزوة أحد كان جابر يكشف الثوب عن وجهه ويبكي، قال جابر رضي الله عنه: والنبي صلى الله عليه وسلم لا ينهاني، فجعلت عمتي فاطمة تبكي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: تبكين أو لا تبكين، ما زالت الملائكة تظله بأجنحتها حتى رفعتموه. رواه البخاري ومسلم.
وقال سهل بن سعد: كانت فينا امرأة تجعل على أربعاء في مزرعة لها سلقا، فكانت إذا كان يوم جمعة تنزع أصول السلق فتجعله في قدره، ثم تجعل عليه قبضة من شعير تطحنها، فتكون أصول السلق عرقه، وكنا ننصرف من صلاة الجمعة فنسلم عليها، فتقرب ذلك الطعام إلينا، فنلعقه، وكنا نتمنى يوم الجمعة لطعامها ذلك. رواه البخاري.
وعن أبي بلج يحيى بن أبي سليم قال: رأيت سمراء بنت نهيك – وكانت قد أدركت النبي صلى الله عليه وسلم – عليها درع غليظ وخمار غليظ، بيدها سوط تؤدب الناس، تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر. قال الألباني: أخرجه الطبراني في المعجم الكبير بإسناد جيد، قال الهيثمي: ورجاله ثقات.
وعن أم قيس بنت محصن رضي الله عنها أنها أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم بابن لها لم يبلغ أن يأكل الطعام. رواه البخاري ومسلم.
وسئل ابن عباس رضي الله عنهما عن الطواف بين الصفا والمروة راكبا، أسنة هو؟ فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كثر عليه الناس، يقولون: هذا محمد، هذا محمد، حتى خرج العواتق من البيوت، فلما كثر عليه ركب، والمشي والسعي أفضل. رواه مسلم.
ولما طلق رفاعة زوجته ثلاثا وتزوجت عبدالرحمن بن الزبير القرظي جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم، واشتكت ضعفه. رواه البخاري ومسلم.
وجاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت : إن ابنتي توفي عنها زوجها، وقد اشتكت عينها، أفنكحلها؟ فقال: لا. رواه مسلم.
وقال السائب بن يزيد رضي الله عنه: ذهبت بي خالتي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله، إن ابن أختي وجع، فمسح رأسي ودعا لي بالبركة. رواه البخاري ومسلم.
وقال أنس رضي الله عنه: جاءت بي أمي أم أنس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أزّرتي بنصف خمارها، وردّتني بنصفه، فقالت: يا رسول الله، هذا أنيس ابني أتيتك به يخدمك، فادع الله له، فقال: اللهم أكثر ماله وولده. رواه مسلم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق